الذكرى السنوية ليوم الشهيد في اليمن المعنى.. الدلالات.. والقيمة الروحية
تاريخ النشر: 17th, November 2023 GMT
تنظم مؤسسة رعاية أسر الشهداء في الجمهورية اليمنية احتفالات وفعاليات ومهرجانات خطابية حماسية تذكيرية بمناقب وأعمال الشهداء العظماء رحمة الله عليهم وأسكنهم الجنة الواسعة.
وقد تم تدشين مثل تلك الفعاليات والمهرجانات باجتماع اللجنة العليا للاحتفالات في رئاسة مجلس الوزراء في الأسبوع الثاني من شهر نوفمبر 2023 م، وتم إقرار الموجهات العامة والبرامج الزمنية والمكانية لجميع الفعاليات ليوم الشهداء العظماء.
وقد قدّم قائد الثورة اليمنية الحبيب عبدالملك بن بدرالدين الحوثي بمناسبة يوم الشهيد، خِطاباً شاملاً سياسياً وقومياً ودينياً وتربوياً مُلهماً للأمة كلها من المحيط إلى الخليج، في يوم الثلاثاء 2023/11/14 م من جامع الشعب في العاصمة صنعاء، وكان خطاباً ضافياً حماسياً مهماً مليئاً بالعبر والدروس، قدّم الكلمة لحشد طاقات الأمة العربية والإسلامية لنجدة أهلنا في فلسطين وفي غزة على وجه الخصوص، ورفع ظلم وهمجية ووحشية جيش الاحتلال الصهيوني الإسرائيلي عن أهلنا في غزة المقاومة.
انتقد في خطابه – بشدة ومسؤولية عالية – تلك القرارات التي خرج بها المؤتمر العالي المستوى والشكلي النتائج للملوك والرؤساء من الدول الإسلامية والعربية وعددها 54 دولة، وأظهر في كلمته أن تلك القرارات كانت هزيلة باهتة وركيكة الحرف والمعنى وشبه ميتة، وأن مستوى القرارات الصادرة عن تلك القمة المنعقدة بالرياض عاصمة السعودية لا ترقى إلى مستوى مواقف دول في أمريكا الجنوبية وأوروبا وأفريقيا تجاه مؤازرتهم لأهلنا في فلسطين، والبيان الصادر عن مؤتمر هؤلاء الملوك والرؤساء والأمراء لا يساوي قيمة الحبر المكتوب به، وكأنه صادر عن مدرسة ابتدائية في قرية نائية في هذا العالم.
وأكد في خطابه التاريخي والهام جداً موقف الجمهورية اليمنية الشجاع من العدو الصهيوني الإسرائيلي وجيشه الغاشم، وقال لقد ضربنا وقصفنا الأرض المحتلة بالصواريخ البالستية والمسيرات، وقد وصلت أسلحة اليمن العظيم إلى الأرض المحتلة وأصابت أهدافها بدقة عالية، ونحن على استعداد وجهوزية عسكرية عالية لقصف السفن الإسرائيلية الصهيونية المارة والعابرة في البحر الأحمر وبحر العرب ومضيق باب المندب، حينما تدلنا المعلومات عنها وبيانات تلك السفن الإسرائيلية، باعتبارها سفناً معادية لعدو غاشم جبان، يقتل أهلنا العزل في فلسطين المحتلة من الأطفال والنساء والشيوخ الذي بلغ أعداد الشهداء أزيد من 11000 شهيد وشهيدة من المواطنين العزل، وأزيد من 23000 جريح وجريحة .
إن خطاب القائد الحبيب / عبدالملك الحوثي حفظه الله، جاء بلسم جراح الأمة العربية والإسلامية، ومعالجاً قاطعاً لانهزام قادة الأمة من جاكرتا شرقا وحتى آخر مسلم يركع لله على ضفاف المحيط الهادئ غرباً، إن حديث الحبيب القوي المسؤول هو عبارة عن قول فصل ارتبط بعمل عظيم عسكري مقاوم شجاع، هذا الخطاب الذي تحتاجه الأمه المكلومة الغاضبة الجريحة من قادتها الضعفاء المفروضين عليها من قبل الصهيونية الأمريكية الأطلسية الغربية .
أما الاحتفال بذكرى الشهيد في اليمن فهي ذكرى عظيمة وعالية القيمة في دلالتها ومغزاها للأسباب الآتية:
أولا ً :
إن للشهيد منزلة عظيمة وخالدة عند الله جل جلاله، وهو من أقدس خلق الله تعالى، ولهذا فقد كرّمه الله بمنزلة عظيمة لا تضاهيها منزلة لدى الآخرين قال تعالى في محكم كتابه الكريم [ : وَلَا تَقُولُوا لِمَن يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَٰكِن لَّا تَشْعُرُونَ ]،،، ( سورة البقرة، آية: 154 )، يبقى هؤلاء الشهداء أحياء عند ربهم، خالدين خلود الدهر يعيشون إلى جانب الله سبحانه وتعالى، لكننا نحن الأحياء لا نشعر بذلك.
ثانياً:
الاعتراف العظيم من الأحياء منّا إن كانوا قادة أو مسؤولين أو مواطنين بعظمة العطاء الذي قدّمه الشهيد، وهي روحه الطاهرة من أجل القيم والمعاني العظيمة التي استشهد من أجلها ذلك الشهيد العظيم الذي ستبقى ذكراه الخالدة عطرة عالية طاهرة تعانق عنان السماء .
ثالثا :
تقول الفكرة إن الشهداء هم الأكرمين منا لأنهم أعظم شريحة في المجتمع قبل طوعاً أن يفدي الأمة كل الأمة والفكرة العظيمة للأوطان، قبل أن يفديها بروحه الطاهرة، وهذه التضحية السخيّة علينا نحن الأحياء أن نمجّدها ونعليها باعتبارها فكرة طاهرة عظيمة ومقدسة شريفة لا تضاهيها تضحية في الحياة على الإطلاق، وعلينا أن ندرسها للأجيال القادمة لطهارة الفكرة وعلو وسمو مقامها.
رابعاً :
من منا لا يطمع برحمة الله وبالبقاء إلى جوار ربه العلي القدير، وينعم بصحبة الله جل جلاله، وهو الذي خلقنا ومهّد كل شيءٍ في هذه الحياة كي نعمر ونحرث ونخلد ذكراه في الأرض والسماء .
خامساً :
علينا أن نحمي أسر الشهداء في المحافظات الجنوبية والشمالية وفي كل محافظات الجمهورية اليمنية، نحميهم بالقوانين واللوائح الواضحة، من جور الزمان، وظلم الإنسان، وجور المتسلّطين والجشعين والمنتفعين الأنانيين من بني البشر الأشرار.
سادساً :
كل أسر الشهداء وأبنائهم في المحافظات الجنوبية والشمالية من اليمن العظيم، يجب أن تضمن لهم القوانين المقرة النافذة قانونياً على مجانية التعليم والدخل الأسري الثابت لصيانة كرامتهم الآدمية والإنسانية من ظلم وجور الحياة القاسية.
سابعاً :
ينبغي تفريغ فريق علمي تاريخي وبحثي لتوثيق ولجمع تراث الشهداء وترتيبها وطباعة الكتب والمجلدات عنهم لكي تدرس في المدارس والجامعات كي تتعلم الأجيال معنى الشهادة والتضحية بالروح خدمة للأوطان والدين الإسلامي الحنيف ودفاعاً عن القيم الإنسانية النبيلة للإنسان.
الخلاصة :
قال الله في محكم كتابه العظيم، بسم الله الرحمن الرحيم [ ولا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ] صدق الله العظيم، كل إنسان منا يموت ويفنى وهي سنة الله في هذه الحياة، أما الاستثناء من هذه القاعدة كما تشير الآية الكريمة أعلاه، فإن الشهيد يبقى حياً خالداً يعيش إلى جوار ربه على مدى الدهر والأزمان، وهذه الحكمة الربانية هي اصطفاء للشهداء فحسب، (إن الله على كل شيء قدير))
((وَفَوْقَ كُلْ ذِيْ عَلْمٍ عَلَيِمْ))
رئيس مجلس وزراء حكومة تصريف الأعمال
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
صنعاء والضاحية.. وفاءٌ مؤصّل وعهد أبدي لا يسقطه التقادم
في لحظة تاريخية فارقة، حيثُ تتهاوى أبنيةُ التبعية تحت وطأة الخذلان المُريع، وتتعالى صيحاتُ الاستكبار الكونيّ لتُحيلَ خارطة الأمة إلى حطام، تبرزُ ظاهرةٌ قُدسيّةٌ تكسرُ حاجز الصمتِ والتخاذل إنها فكرة، وعقيدة، وخطّ دفاعٍ أخير يُعرف بـ”محور المقاومة”.
لم يعد الأمر مجرد تجمع عسكريّ أو تكتل سياسيّ عابر؛ بل هو إندماج قدريٌّ، بين إراداتٍ صلبة، تتجلى فيه أواصر لا ترهبها طائرات العدو الأمريكي والصهيوني ولا تُذيبها رمالُ النسيان.
إن ما يربط صنعاء العصيّة بضاحية بيروت المقاومة ليس مجرد تنسيق جغرافيّ، بل هو قسمٌ علويّ مهيب، محفورٌ بأبجدية الدم المنجز.
لقد كانت المقاومة الإسلامية، سيف الأمة وغمد عزتها، صاحبة السبق والبصيرة أول من أدرك ببصيرتها الثاقبة أن العدوان على اليمن والمأساة اليمنية لم تكن حدثاً منعزلاً، بل هي محور استئصالٍ واختبارُ مصيرٍ يستهدفُ قَلْبَ المحور الاستراتيجي وكسر العمود الفقري للمقاومة مدركةً أن العدوان لم يكن على الجغرافيا اليمنية وحسب، بل على شريان العقيدة الواحدة.
منذ اليوم الأول للعدوان الغاشم على اليمن، انبثق صوت سيد شهداء الأمة والإنسانية، السيد الأسمى حسن نصر الله رضوان الله عليه، مدويًا كالجلجلة، لا يخطئه صمت المُتخاذلين ولم تكن خطاباته مجرد بيان سياسي، بل كانت مظلة سيادة وصيحة حقّ نافذة، نسفت أوهام شرعية العدوان المزعومة وكشفت عري المشروع التآمري وفضحت زيف ادعاءاته، مصنّفةً إياه نكسة أخلاقية وتاريخية بامتياز.
هذا الموقف شكل درعًا إعلامياً ومعنوياً حمى الصمود اليمني من الانهيار في عصف التضليل الدولي.
لم يكتف سماحة السيد بالدعم الخطابي، بل بلغ ذروة التضافر الميداني والمدد الكوني الذي لا يُقدر بثمن، مجسداً أعلى مراتب الأخوة الإيمانية وكان الدعم بشكله الأقوى هو صبّ جوهر تبادل الخبرات والتدريب والتجربة القتالية المرادفة للنصر، ونقل فن الردع وفلسفة حرب العصابات النوعية، التي طوّعت أعتى الترسانات، إلى الوريد اليمني وهذه الخبرة لم تشتر بالمال، بل اكتسبت بالدماء المتدفقة على جبهات العزة للارتقاء المهيب بالقدرات اليمنية حتى أصبحت قوةً إقليميةً ضاربة.
كان الإمداد البشري تجسيداً مطلقاً للعهد الإيماني، بإيفاد نخبة النخبة وقادة الصف الأول، كالسيد أبو علي هيثم الطبطبائي والحاج أبو صالح محمد حسين سرور والحاج باسل شكر، رضوان الله عليهم، والكثير من القادة، الذين قضوا سنواتٍ كأعمدة صلبة، غرسوا فيها عقيدة الفتح الأكيد، محولين الصعاب الجغرافية إلى ميزة قتالية وكانوا أركاناً راسخةً في أخطر الثغور، ناقلين اليقين بأن النصر لا يشترى بالمال، بل يصاغ بالدماء المتعاهدة، ليصبحوا نسيجاً أصيلاً في بنية الصمود اليمني.
إن ارتقاء الترسانة اليمانية الباسلة، من الصواريخ الباليستية والفرط صوتية إلى المسيرات الكاسرة للهيمنة، التي باتت تخرق عمق دول العدوان وتخنق الكيان الصهيوني في مضائق البحر الأحمر والعربي، هو ثمرةٌ جهاديةٌ مشتركة تُعلن ميلاد مفهوم جديد للأمن الإقليمي تحت سلطة الإرادة الجماعية للمقاومة.
إن الموقف اليمني اليوم تجاه حزب الله في لبنان، في غمرة المعركة الوجودية، ليس وليد استجابة ظرفية، بل هو وفاءٌ مؤصل لأهل الوفاء، وفرضُ عين قدري ووفاء سرمدي لفضلٍ لا يُمحى، ودينٌ كرامة مستحق ومؤبد لا يسقطه التقادم لأهل العزة الذين لم يتزلزلوا حين ارتعشت الأقدامُ واعترافٌ بفضل سابق حفرته المقاومة بأظافرها الفولاذية في جسد المعركة اليمنية القدسية.
الموقف اليمني اليوم، بإعلانه الصارم واللا متناهي، بأن أيَّ عدوانٍ على لبنان وحزب الله سيجد اليمن بكامل قوّته وإقداره في قلب المعركة، هو تأكيدٌ لدين الكرامة والوفاء المنقوش في ذاكرة الأحرار وعهد الشرف الذي لا يسقط بالتقادم وأن اليمن لا ينصرُ أخاه وحسب، بل يشاركه المصير والفتح.
فبين صمود اليمن الشامخ ووعي لبنان الثابت، تُعادُ صياغةُ المعايير ليشرق فجر السيادة الحقيقية كطودٍ أشم لا تبلغه سهام التخاذل، هذا الميثاقُ هو إعلان بليغ يعيد تشكيل وجه التاريخ بمطرقة الحق، ويرسم خطاً أحمر جديداً للعزة لا يمكن تجاوزه، مؤكداً أن تجزئة المصير هي استحالة عقائديةٌ في قاموس الأحرار.
هذه الملحمة اليمنية بصمودها الأسطوري هي دليلٌ دامغٌ على أن عقيدة المقاومة لا تعرف الجغرافيا، بل تتحد في وجه الاستكبار الكوني.
وهذا التلاحم يرسل برقية مشفرة إلى كل من يراهن على تجزئة المحور وعزله، لن يفرد أي جزء من محورنا بالاستئصال، فالعدوان على طرف هو عدوان على الكل. إن النصر الحقيقي لليمن وهزيمة المُعتدين فيه، هو الذي يُعيد للأمة مجدها وعنوانها الأقدس، وهو الطريق الذي يمر حتمًا بفك قيد المسجد الأقصى وقد عَلَّمنا موقف حزب الله أن المبادئ تُصان بالتضحية لا بالمساومة، وأن الأخوة الإيمانية تتجلى في أصعب الظروف وأخطر الثغور.
وختاماً: ستبقى المقاومة الإسلامية في لبنان عمود سنارةٍ لهذا التيار الجهادي العابر للحدود، وستظل بيروت وصنعاء طودي عز شاهدين على أن صلابة الإرادة الحرة أقوى من كل مكائد الأعداء وخيانات الأتباع، حتى تشرق شمس السيادة والكرامة على جميع الأمة.