لجريدة عمان:
2025-12-14@13:52:01 GMT

الولايات المتحدة وحدها يمكن أن تصلح ما أفسدته..

تاريخ النشر: 18th, November 2023 GMT

الترجمة عن الفرنسية: حافظ إدوخراز -

إن تطور العلاقات الدولية في القرن الحادي والعشرين يسير على منحدرٍ يقودنا مباشرة نحو حرب عالمية جديدة. لقد تأثرت هذه العلاقات خلال هذا القرن بثلاث أزمات متتابعة: الأزمة الأمنية المتعلقة بأحداث سبتمبر 2001، والأزمة المالية بسبب القروض العقارية في 2007-2008، والأزمة الصّحية مع جائحة كوفيد في عام 2020.

ترجع الأزمة الأولى إلى إرهاب الجماعات المتشددة (الإسلامية)، والثانية إلى الولايات المتحدة، والثالثة إلى الصين، وهي القوى الثلاث الأكثر نشاطا في هذا العصر.

وقد زادت شدة هذا المنحدر بسبب الصراعات المفتوحة، في أوكرانيا ثم في غزة، وهي صراعات تعدّ حروبا مُعولَمة - وليست عالمية، غير أنها أشبه بحركات الإحماء التي تسبق الرياضة القتالية المتمثلة في المواجهة المباشرة بين القوى العظمى. وليست الذرائع هي ما سوف ينقص: عملية اغتيال مؤسفة، أو عدوان آخر، أو حادث جدير بحرب طروادة. كيف وصلنا إلى هذا الوضع، وهل لا يزال بإمكاننا الحيلولة دون هذه المواجهة؟

«كيف وصلنا إلى هنا؟» كان هذا هو السؤال الذي طرحه المستشار الألماني بيتمان هولفيغ (Bethmann-Hollweg) على سلفه فون بولوف (von Bülow) بعد إعلان الحرب عام 1914. ورفع الآخر ذراعيه الكبيرتين قائلا: «آه، لو كنا نعلم!». لا ريب أن أصول الصراع المرتقب متعددة، لكن المسؤولية الأساسية تقع على عاتق الولايات المتحدة وسلوكها الدولي منذ سقوط جدار برلين، سواء بسبب ما أحجمت عن فعله كما بسبب ما فعلته.

ما أحجمت الولايات المتحدة عن فعله هو إعادة تنظيم النظام الدولي بعد عام 1989، وإصلاح منظمة الأمم المتحدة، وإعادة روسيا إلى اللعبة الدولية، والتفاوض بشأن الأمن الأوروبي. كان الجميع يترقّب المقترحات الأمريكية بهذا الخصوص، لكن أحدا لم يسمع بها. أن تزعم الولايات المتحدة أنها القائدة والأمة التي لا غنى عنها، والدولة التي تحفظ تماسك هذا العالم، كل ذلك يفرض مسؤوليات على عاتقها.

غير أن غياب رؤية دولية لدى الرؤساء الذين تعاقبوا على حكم أمريكا منذ كلينتون وصولا إلى ترامب ومرورا ببوش الابن وأوباما، كان له آثار تراكميّة. وكانت أفعال هؤلاء الرؤساء تسير على النقيض من الغاية الكامنة وراء تأسيس منظمة الأمم المتحدة عام 1945، وإرساء الديمقراطية في كلّ من ألمانيا وإيطاليا واليابان بعد الحرب العالمية الثانية. ماذا كانت النتيجة ؟ لقد نامت الولايات المتحدة، وبقية الكوكب معها، في عالم فرانسيس فوكوياما (نهاية التاريخ)، واستيقظت في عالم صمويل هنتنغتون (صدام الحضارات).

أما ماذا فعلته الولايات المتحدة فهو رفض التعاون الدولي متعدد الأطراف، وعسكرة العلاقات الدولية على حساب الدبلوماسية (لم نعد نتفاوض حول أي شيء)، وتطوير نوع من مرض التوحّد الأمني باسم المصالح القومية للولايات المتحدة. هذا فضلا عن توسيع حلف الناتو ليصل إلى حدود روسيا، والتعامل معها كدولة معزولة أو كعدو، ودعم سياسة ضم الأراضي والاستيطان التي تنتهجها إسرائيل نتانياهو على الرغم من كونها تتعارض مع اتفاقيات أوسلو التي كان الأمريكيون ضامنين لها. «إنهم يزرعون الريح، وسوف يحصدون العاصفة»، هذا أيضا مذكور في الكتاب المقدس.

لقد اختبرت الولايات المتحدة بنفسها الطريق المسدود الذي وصلت إليه الحلول العسكرية، مؤخرا في كلّ من العراق وأفغانستان. والنتيجة هي إعادة خلق الانقسامات التي اعتقدنا أن الزمن قد طواها وأنها تنتمي إلى الماضي: بين الشرق والغرب، وبين الشمال والجنوب. لقد حلّت الصين مكان الاتحاد السوفييتي، لكن روسيا لا تريد أن ننساها، كما فعلنا من خلال جذب أوكرانيا إلى المعسكر الغربي. وأصبح الجنوب العالمي، الذي تشغل مجموعة البريكس الموسّعة (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا) مركزه، أكثر قوة مما كانت عليه مجموعة السبعة والسبعين أو حركة عدم الانحياز.

هل السير في هذا المنحدر الذي يؤدي إلى مواجهة مباشرة بين الدول الكبرى أمر محتوم؟ أم هل يمكننا الحيلولة دون هذه المواجهة؟ إن أول ما يأتي على بالنا في هذا السياق هو مجلس الأمن التابع لمنظمة الأمم المتحدة، لكنه يبدو مشلولا. البعض يستنكر هذا الوضع، غير أنه ينبغي لنا أن نهنّئ أنفسنا لأننا بذلك نحول دون التعجيل بالصراع بين الأعضاء الدائمين. إذا ما صدر قرار من المجلس يدين الصين أو الولايات المتحدة أو روسيا، فإما أن يغادروا المنظمة الأممية أو أن يدخلوا في حرب مع الآخرين. لقد أُنشئ المجلس في الأساس من أجل منع الحروب العالمية، وقد نجح في ذلك حتى الآن. وهو غير قادر على منع الحروب الإقليمية التي ينبغي، وفقا لميثاق التأسيس، أن تكون من مسؤولية المنظمات الإقليمية. إن ضعف الأمم المتحدة هو مؤشر على ضعف التعاون الإقليمي أكثر من كونه ضعفا لمجلس الأمن.

ماذا عن الاتحاد الأوروبي؟ إنه موجّه بشكل أنطولوجي نحو السلام، وتلك كانت الغاية أصلا من تأسيسه. الرسالة التي يرسلها الاتحاد إلى العالم هي أن الخلاص في المصالحة وليس في المواجهة، لكن هذه الرسالة لم تجد أذنا صاغية في أي مكان. إن الاتحاد الأوروبي هو حيوان عاشب في عالم تسكنه حيوانات لاحمة. ولقد قام الاتحاد بتشجيع أعضائه على نزع أسلحتهم دون أن يقوم بتسليح نفسه، ولا وزن له أمام التهديدات الأمنية. لقد سلّم الاتحاد نفسه للناتو، وهو الآن أقرب إلى محمية من كونه قوة مستقلة، بينما أن الناتو كلب «بودل» أمريكي.

كما أن الاتحاد الأوروبي عاجز بشكل كليّ وبنيويّ على تحديد سياسة خارجية مشتركة، ناهيك عن نهج سياسة دفاعية مستقلة. وحتى عندما يتّفق أعضاء الاتحاد داخليا على موقف واحد، فإن أصواتهم تتشتت أثناء التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة.

لم يبق سوى الولايات المتحدة. إذ لا يمكننا في الواقع أن نتوقّع رؤية سلمية للعلاقات الدولية من روسيا أو الصين أو مجموعة البريكس. فكلهم، وبدرجات متفاوتة، في مواجهة مع ما يسمى بالعالم «الغربي»، المنبثق عن التحالف الكبير بين المنتصرين في الحرب العالمية الثانية عام 1945، وهو اليوم عبارة عن تحالف أنجلوأمريكي. أما عن التعارض بين الأنظمة الديمقراطية والأنظمة السلطوية، فلابد من إضفاء بعض النّسبية عليه، فالدول الغربية بعيدة كل البعد عن كونها ديمقراطيات مثالية.

إن تجنب الحرب هو مسألة قوة وليس مسألة أيديولوجية. ووحدها الولايات المتحدة، في الوقت الحالي، تملك القدرة على تصحيح أخطائها التي ارتكبتها، وهو ما نجحت في القيام به في الماضي، وبإمكانها أن توقف هذا الانحدار. لا يفتقر الرئيس بايدن، الذي كان قريبا من دواليب الحكم إبّان الحرب الباردة التي لم تتحوّل قطّ إلى حرب ساخنة، إلى المزايا اللازمة لتحقيق ذلك.

ما من شك أنه بإمكاننا أن نقدّم لهم أفكارا، لأن الولايات المتحدة، كما كان ونستون تشرشل سيقول، تختار دائما الحل الأفضل بعد تجربة جميع الحلول الأخرى. أبواب الحرب لم تفتح بعد، والولايات المتحدة هي الحارس الذي بيديه مفاتيح أبواب السلام.

سيرج سور أستاذ القانون الدولي بجامعة باريس الثانية، وعضو الأكاديمية الفرنسية للعلوم الأخلاقية والسياسية

عن لوموند الفرنسية

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الولایات المتحدة الأمم المتحدة

إقرأ أيضاً:

السياسة الأمريكية تجاه أفريقيا: ما الذي تغير؟

لم تُفرِد استراتيجية الأمن القومي الأمريكية الصادرة منذ أيام لأفريقيا سوى أكثر بقليل من  نصف صفحة جاءت في آخر التقرير(ص29)، مما يُشير إلى أنها آخر الأولويات: الأولى كانت أمريكا اللاتينية والكاريبي (أو ما سمته الوثيقة بالنصف الغربي من الكرة الأرضية)، والثانية الصين والمحيط الهادي، والثالثة أوروبا وروسيا، والرابعة الشرق الأوسط… مع ذلك فإن التبدل الكبير الذي حدث في طبيعة هذه الاستراتيجية يُحتِّم على الدول الإفريقية كثيرا من الانتباه لتعديل سياساتها المختلفة وأن تكون أكثر استعدادا للقادم من التطورات.

ولعل أهم تبدل في طبيعة النظر إلى أفريقيا من خلال هذه الوثيقة ما يلي:
أولا: هناك تغير في المنظور الأمريكي للقارة، إذ لم تعد الولايات المتحدة الأمريكية ترى حاجة لأن تَنشر بها قيم الليبرالية والديمقراطية وحقوق الانسان وكل ما تعلق بالحكم الراشد ولا كونها في حاجة إلى مساعدات، بل أصبحت تراها مجالا لتحقيق المنفعة بغض النظر عن طبيعة الحكم فيها. جاء في نص الوثيقة ما يلي: “لطالما ركّزت السياسة الأمريكية في أفريقيا، ولفترة طويلة جدًا، على تقديم المساعدات، ثم لاحقًا على نشر الأيديولوجيا الليبرالية.

وبدلًا من ذلك، ينبغي على الولايات المتحدة أن تسعى إلى الشراكة مع دول مختارة من أجل التخفيف من حدّة النزاعات، وتعزيز علاقات تجارية ذات منفعة متبادلة، والانتقال من نموذج قائم على المساعدات الخارجية إلى نموذج قائم على الاستثمار والنمو، يكون قادرًا على تسخير الموارد الطبيعية الوفيرة في أفريقيا وإمكاناتها الاقتصادية الكامنة“.
تم تحديد المنفعة في مجالات مُحدَّدة هي الطاقة والمعادن النادرة
ثانيا: تم تحديد المنفعة في مجالات مُحدَّدة هي الطاقة والمعادن النادرة، حيث ذكرت الوثيقة:
“يعد قطاع الطاقة وتطوير المعادن الحرجة مجالًا فوريًا للاستثمار الأمريكي في أفريقيا، لما يوفره من آفاق لعائد جيد على الاستثمار”، وحددت أكثر مجال للطاقة في “تطوير تقنيات الطاقة النووية، وغاز البترول المسال، والغاز الطبيعي المسال… {الذي} يمكن أن يحقق أرباحًا للشركات الأمريكية ويساعدنا في المنافسة على المعادن الحرجة وغيرها من الموارد” كما جاء بالنص.

ثالثا: لم تعد الولايات المتحدة تريد أن تتعاون مع أفريقيا كمؤسسات مثل الاتحاد الإفريقي أو المؤسسات الجهوية، بل كدول منتقاة سمَّتها الوثيقة “الشراكة مع دول مختارة”، وهذا يعني أنها لن تتعامل مع جميع الدول ولن تضع في الاعتبار المسائل المتعلقة بطبيعة الأنظمة السياسية أو شؤنها الداخلية.

رابعا: لم تعد الولايات المتحدة تريد الانتظار طويلا لتحقيق أهدافها.. فهي تتجنب كما جاء في الوثيقة “أي وجود أو التزامات… طويلة الأمد“، وهذا يعني أنها ستتصرف بحزم مع منافسيها وتريد نتائج فورية.

خامسا: ستسعى الولايات المتحدة إلى حل النزاعات القائمة وتذكر (جمهورية الكونغو الديمقراطية – رواندا، السودان) كما ستعمل علي تجنب ظهور نزاعات جديدة، وتذكر (إثيوبيا –إريتريا – الصومال) بمعنى أنها تريد سلاما يتماشى مع إمكانية تحقيق مصالحها الاقتصادية، وفي هذا الجانب بقدر ما تحذر من “الإرهاب الإسلاموي” كما تسميه لا تريد أن تجعل من محاربته سياسة بالنسبة لها كما كان في السابق.

هذه الخصائص في استراتيجية الأمن القومي الأمريكية تجاه أفريقيا تجعل القارة أمام مراجعات أساسية لا بد منها لسياساتها البَيْنية وكذلك مع شركائها الخارجيين، وبقدر ما يبدو فيها من ضغوطات فإنها تحمل في ذات الوقت فرصا لدول القارة لتوازن سياستها الخارجية ما بين الولايات المتحدة وغيرها من القوى الدولية الأخرى، الصين روسيا الإتحاد الأوروبي… وهو أمر لم يكن مطروحا من قبل بهذه الصيغة وبهذا الوضوح.

الشروق الجزائرية

مقالات مشابهة

  • مجموعة أممية تطالب بالإفراج عن ناقلة النفط التي احتجزتها الولايات المتحدة في الكاريبي
  • السياسة الأمريكية تجاه أفريقيا: ما الذي تغير؟
  • إسرائيل اليوم: هؤلاء قادة حماس الذي ما زالوا في غزة
  • رويترز: الولايات المتحدة تسعى لنشر قوات دولية في غزة مطلع العام المقبل
  • مؤسسة النفط تستعرض الشراكات التي تقيمها مع الشركات الأوروبية وسبل تطويرها
  • إسرائيل تبلغ الولايات المتحدة بأنها ستتحرك بنفسها لنزع سلاح حزب الله في لبنان
  • إقبال دبلوماسي كثيف نحو السودان.. كيف يمكن أن تتم ترجمة نتائجه على أرض الواقع
  • فنزويلا تدين احتجاز الولايات المتحدة ناقلة نفط بالكاريبي
  • الولايات المتحدة تطالب إسرائيل بإزالة الأنقاض من غزة
  • رويترز: الولايات المتحدة تستعد لاعتراض السفن التي تنقل النفط الفنزويلي