قال الدكتور علي جمهة، مفتي الجمهورية السابق وعضو هيئة كبار العلماء، إن ربنا سبحانه وتعالى يقول وهو يقرر أن هناك فرقاً بين الزمان وبين القضية ، وبين الأشخاص وبين القضية ، وبين المكان وبين القضية ، وبين الأحوال التي تتغير على الناس وبين القضية ، وأن القضية ثابتة لأنها دعوة إلى رب العالمين "لا إله إلا الله" {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ}.

ثانياً: أن هناك يوماً آخر، وأن الحياة الدنيا إنما هي معبر، نتائجها ليست نهائية، إنما النهاية عند ربنا بعد الحياة الدنيا والحساب والعقاب والثواب عند ربنا يوم القيامة، {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ }، يقول تعالى: {هَـذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ * وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} {وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا} ... {إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} جائز، {وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} جائز.

فالقرآن حمل أوجه وكل ذلك جائز، يعني إن كنتم مؤمنين فلا تهنوا ولا تحزنوا، فالمؤمن الذي آمن بربه لا يدخل قلبه الوهن، ولا يدخل قلبه الحزن، بل هو يتسلى بربه، ويعلق قلبه بعرشه، ويؤمن به ويرضى بقضائه وقدره، ويثبت على الإيمان إلى أن يلقاه، أو {إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} فأنتم في علو… نعم المؤمن يعلو ولا ُيعلى عليه.

والنبي ﷺ يقول : (الإسلام يعلو ولا يعلى عليه) ﴿إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾  نعم، تتقلب الأيام والأحوال والقضية ثابتة: أنه لا إله إلا الله ، وأننا إليه راجعون، وأن الله لا يحب الظالمين، وأن الله مع المتقين، وأننا يجب علينا أن نتخذ ذلك دستوراً لنا حتى نحيا في هذه الحياة الدنيا على العزة والكرامة ثم ننقلب إلى ربنا فيدخلنا الجنة سبحانه وتعالى.

{وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ * أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ * وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ} ، {وَمَا مُحَمَّدٌ} ﷺ سيد الخلق، صخرة الكونين، خاتم الأنبياء والمرسلين، حبيب الرحمن، سيد الأكوان، { وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} - أم أن القضية ثابتة عندكم – { أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} انظر إلى ختام الآية وإلى حكمتها، كأننا إذا فقدنا القائد الأعلى والحبيب الأتم الأكمل الإنسان الكامل ﷺ نُصاب بشيء من الحزن والاضطراب، ويُصاب بعضنا بشيء من الاعتراض، أما المؤمنون على حق فإنهم يقولون كما قال أبو بكر : "من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات ، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت" …  لا إله إلا الله  … " وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا " .. والله عزيز حكيم ؟! …بل {وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ}، يعني ساعتها نقول : الحمد لله ونستمر في الجهاد.

إذا مات سيدنا محمدٌ ﷺ أو قتل، إنما ذلك بقضاء الله وقدره. {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ } مرة ثانية.
قد ينتصر الكفار  - كما انتصروا في نهاية أحد -  قد ينتصر الكفار ويرجعون فرحين إلى أهلهم ولكن،  هم يريدون ثواب الدنيا وسيؤتيهم الله ثواب الدنيا ولكن الأمر معلق بالآخرة أيضاً، فالله تعالى لا يحب الظالمين المعتدين المحتلين الذين يريدون علواً في الأرض وبغياً، ولكنه سبحانه وتعالى يحب الصابرين المقاتلين الشهداء الذين تركوا هذه الحياة الدنيا بما فيها لمن فيها وذهبوا إلى ربهم سبحانه وتعالى مرفوعي الرأس في الدنيا على من لم يلحقوا بهم وفى الآخرة على العالمين.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: الحیاة الدنیا سبحانه وتعالى إ ن ک نت م م ؤ م ن ین

إقرأ أيضاً:

علي جمعة: ابتعد عن الغلو والتشدد فالرحمة تكمن في التيسير

قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إنه إذا كنت تريد أن تمتثل لأمر الله ورسوله وأن تكون رحيمًا؟ ابتعد عن الغلو، فكلما سمعت هذه الكلمة تذكَّر أن النبي ﷺ قد نهاك عنها. يسِّر ولا تعسِّر، وكن كالوردة في مجتمعك وبين ناسك.

واستشهد جمعة، فى منشور له بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي ﷺ قال : « إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلاَّ غَلَبَهُ ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا ، وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَىْءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ » [البخاري].

لماذا لا يستجيب الله دعائي؟.. الإفتاء تحذر من 3 أفعال شائعةأدعية الحج من مغادرة المنزل إلى الوصول للأماكن المقدسة.. احفظها الآن

فعليك الابتعاد عن كل ما فيه غلو وتشدد وتعصّب، فهذا أمر قبيح وسيء، ولا يمكن أن يكون من الرحمة؛ فإن الرحمة تكمن في التيسير.

قال رسول الله ﷺ: «إنَّ اللهَ فرضَ فرائضَ فلا تُضيِّعوها، وحَدَّ حدودًا فلا تعتَدوها، وحرَّمَ أشياءَ فلا تنتهِكوها، وسكَت عَن أشياءَ رحمةً بكم غيرَ نسيانٍ فلا تَبحثوا عَنها». اليُسر مطلوب، فقلل من الأسئلة، ومن التفتيش، ومن البحث، ومن التشديد على نفسك.

يقول سيدنا رسول الله ﷺ: « إِنَّ هَذَا الدِّينَ مَتِينٌ فَأَوْغِلْ فِيهِ بِرِفْقٍ ، وَلاَ تُبَغِّضْ إِلَى نَفْسِكَ عِبَادَةَ اللَّهِ » [السنن الكبرى للبيهقي]. وهذا ما رأيناه فيمن يشدد على نفسه حتى يمل العبادة، فيترك الدين لأنه ثقل عليه. فقد قال النبي ﷺ: « فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا».

فاجعل العبادة سهلة وميسرة، ولا تكن كالمنبت الذي «لاَ أَرْضًا قَطَعَ، وَلاَ ظَهْرًا أَبْقَى»؛ أي: ذلك الذي يسير بجمله في الصحراء دون راحة له أو لجمله، فيموت الجمل، ويظل عالقًا لا يستطيع الانتقال. فلا تفعل ذلك مع نفسك، فإن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق.

قالت السيدة عَائِشَةُ –رضى الله عنها- : "صَنَعَ النَّبِىُّ -ﷺ- شَيْئًا فَرَخَّصَ فِيهِ فَتَنَزَّهَ عَنْهُ قَوْمٌ" - أي: بعض الناس امتنعوا عن فعل ما فعله النبي ﷺ -، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِىَّ ﷺ، فَخَطَبَ فَحَمِدَ اللَّهَ ثُمَّ قَالَ : « مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَتَنَزَّهُونَ عَنِ الشَّىْءِ أَصْنَعُهُ؟ فَوَاللَّهِ إِنِّى لأَعْلَمُهُمْ بِاللَّهِ وَأَشَدُّهُمْ لَهُ خَشْيَةً» [البخاري].

إذًا فلا بد عليك من التيسر؛ فإن الله تعالى قال: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا}.

طباعة شارك علي جمعة الغلو الرحمة

مقالات مشابهة

  • هل يغفر الله لمن أكل حقوق الناس قبل الحج؟.. علي جمعة: بشرط
  • خالد الجندي: نسب الرزق من الحرام والفواحش إلى الله سوء أدب مع الخالق
  • أحمد موسى عن زلزال أمس: الحمد لله ربنا سلم
  • من أين أتى الحجر الأسود؟ .. علي جمعة: هذا الرجل أخذ جزءًا منه
  • دينا أبو الخير تحذر من ظلم النفس بالشرك بالله.. فيديو
  • قصة وعبرة.. ثقي بالله ولا تيأسي أبدا
  • الحج لبيت الله الحرام.. لماذا سمي «العتيق».. علي جمعة يجيب
  • علي جمعة: ابتعد عن الغلو والتشدد فالرحمة تكمن في التيسير
  • كيف نمتثل لأمر الله ورسوله ونبتعد عن التشدد؟ علي جمعة يجيب
  • عالم أزهري: تعلُّق القلوب بالله هو النجاة في الأزمات