يَتَعَرَّضُ أَهْلُنَا الفِلَسْطِينِيُّونَ فِي قِطَاعِ غَزَّةَ لِمَذْبَحَةٍ وَحْشِيَّةٍ مُدَمِّرَةٍ مِنْ قِبَلِ النَّازِيِّينَ الْجُدُدِ لِكِيَانِ الْعَدُوِّ الْإِسْرَائِيلِيِّ الصُّهْيُونِيِّ، قَلَّ أَنْ يَحْدُثَ نَظِيرُهَا بِهَذَا الوُضُوحِ الفاضِحِ وَالعَلَانِيَّةِ الممجُوجةِ فِي أَيِّ بُقْعَةٍ مِنْ هَذَا العَالَمِ الفَسِيحِ .

. مَا يَحْدُثُ مِنْ قَتْلٍ وَتَشْرِيدٍ وَتَجْوِيعٍ لِلْأَطْفَالِ وَالنِّسَاءِ وَالرِّجَالِ المُسنيينَ، وَالمُسْتَمِرَّةِ لِقُرَابَةِ 650 يَوْماً وَلَيْلَةً، وَبِدَمٍ بَارِدٍ، وَبِأَحْدَثِ آلَةٍ عَسْكَرِيَّةٍ، وَتِقْنِيَّةٍ صُهْيُو أَمْرِيكِيَّةٍ، لَهُوَ شَيْءٌ مُرُوِّعٌ وَمُزْرٍ وَمُرْعِبٌ وَمُخِيفٌ، يتركُ نُدُوباً غائرةً فِي وجهِ الحُكَّامِ العربِ والمُسلمينَ، ووجهِ منظُومةِ الأممِ المُتَّحدةِ المُتماهيةِ معَ كُلِّ جرائمِ الحربِ والإبادةِ الجماعيَّةِ، وجرائمِ ضدَّ الإنسانيَّةِ .

كُنْتُ أتَبَادَلُ أَطْرَافَ الحَدِيثِ مَعَ عَدَدٍ مِنَ الأَصْدِقَاءِ فِي أَحَدِ المُتَنزَّهَاتِ العَامِرَةِ بِالعَاصِمَةِ صَنْعَاءَ، وَكَانَ مِحْوَرُ حَدِيثِنَا هُوَ: مَا يَحْدُثُ فِي هَذِهِ اللَّحْظَةِ مِنْ جَرَائِمَ تَجْوِيعٍ، وَقَتْلٍ، وَإِبَادَةٍ، وَتَدْمِيرٍ لِأَهْلِنَا الفِلَسْطِينِيِّينَ فِي قِطَاعِ غَزَّةَ، وَكَمْ مِنَ الوَقْتِ يَحْتَاجُ ضَمِيرُ وَوَعْيُ الإِنْسَانِ العَرَبِيِّ وَالمُسْلِمِ لكَي يَسْتَيْقِظَ ويَثُورَ، وَيَغْضَبَ، وَيَحْتَجَّ، وَيُقَاوِمَ بِأَيَّةِ وَسِيلَةٍ كَانَتْ، وَبِأَيِّة طَرِيقَةٍ مُنَاسِبَةٍ عَلَى يُشَاهِدُهُ يَوْمِيَّاً صَباحَ مَسَاءَ عَبْرَ وَسَائِلِ الإِعْلَامِ الجماهيري المَحَلِيَّةِ وَالعَرَبِيَّةِ، وَالأَجْنَبِيَّةِ المُخْتَلِفَةِ وَالمُتَنَوِّعَةِ؟، كَمْ لَدَى ذَلِكَ الْإنْسَانِ المُغَيَّبِ وَعْيُهُ وَإِنْسَانِيَّتُهُ مِنْ عُمرٍ؛ ليَنْشَغِلَ وَيَتَغَافَلَ عَمَّا يَحْدُثُ مِنْ سيلِ الجَرَائِمِ المُرْتَكَبَةِ بِحَقِّ الأَبْرِيَاءِ مِنَ الأُسَرِ الفِلَسْطِينِيَّةِ، لَيْسَ فِي قِطَاعِ غَزَّةَ وَحْدَهَا ، بَلْ فِي مُدُنِ، وَقُرى الضَّفَّةِ الغَرْبِيَّةِ الفِلَسْطِينِيَّةِ، وَمَدِينَةِ القُدْسِ الشَّريفِ؟

تَقُولُ الإِحْصَاءَاتُ الرَّسْمِيَّةُ المُعْلَنَةُ إن عَدَدَ المُسْلِمِينَ وَالمُسْلِمَاتِ قَدْ تَجَاوَزَ المِلْيَارَ وَالنِّصْفَ مِنْ إِنْدُونِيسِيَا شَرْقاً حَتَّى المَغْرِبِ العَرَبِيِّ غَرْباً، كَمَا تُشِيرُ الإِحْصَاءَاتُ إلى أن عَدَدَ العَرَبِ، وَمُعْظَمُهُمْ مُسْلِمُونَ مِنَ الطَّائِفَةِ السُّنِيَّةِ الْكَرِيمَةِ يَسْكُنُونَ مِنْ سَلْطَنَةِ عُمَانَ العَرَبِيَّةِ شَرْقاً حَتَّى مَدِينَةِ كَازَابْلَانْكَا بِالمَغْرِبِ العَرَبِيِّ يَقْتَرِبُونَ مِنْ أَرْبَعِمِائةِ مِلْيُونِ عَرَبِيٍّ مُسْلِمٍ.

هَذِهِ الأَرْتَالُ البَشَرِيَّةُ تُشَاهِدُ قَنَوَاتِ التِّلِيفِزْيُونِ بِمُعَدَّلِ نِصْفِ سَاعَةٍ يَوْمِيَّاً، وَتُتابِعُ تَطْبِيقَ الْفَيْسْبُوك الخَاصَّ بِمُعَدَّلِ سَاعَةٍ إِنْ لَمْ يكُنْ أَكْثَرَ يَوْمِيَّاً، وَآخَرُونَ يُشَاهِدُونَ تَطْبِيقَي الوَاتْسَابِ وَالڤايبر وَغَيْرَهما.. المُؤَكَّدُ أَنَّ أَخْبَارَ تَجْويعِ، وقَتْلِ وَتَعْذِيبِ أَشِقَّائِهِمُ الفِلَسْطِينِيّينَ العَرَبِ مِنْ طَائِفَةِ السُّنَّةِ الكَرِيمَةِ وَكَذَلِكَ مِنْ مُنْتَسِبِي الدِّيَانَةِ المَسِيحِيَّةِ، يُشَاهِدُونَهَا عَبْرَ شَرِيطِ وَنَشَرَاتِ الأَخْبَارِ وَالمَوَاقِعِ الإِلِكْتْرُونِيَّةِ العَدِيدَةِ فِي كُلِّ لَحْظَةٍ، فَكَيْفَ يُمْكِنُ لَنَا تَطْبِيقُ التَّعَالِيمِ الإِسْلَامِيَّةِ السَّمحَاء عَلَى تِلْكَ الأَكْوَامِ مِنَ المُسْلِمِينَ وَالعَرَبِ؟

أَلَيْسَ غَرِيبَاً ودَامِياً مَا يَحْدُثُ أَمَامَ ناظِرِينا مِنْ مَلْهَاةٍ مُرْعِبَةٍ تُنْذِرُ بأَنَّنَا أَمَامَ ظَاهِرةٍ فَرِيدةٍ، وَخَاصَّةٍ وَاسْتِثْنَائِيَّةٍ فِي هَذَا العَالَمِ الظَّالمِ وَفِي هَذِهِ الحَيَاةِ؟

أَيُعْقَلُ أَنَّ هَذِهِ الأُمَمَ سَالِفَةَ الذِّكْرِ جَمِيعَهَا بِلَا عُقُولٍ، وَبِلَا وَعْيٍ، وَبِلَا ضَمِيرٍ، وَبِلَا أَخْلَاقٍ، وَبِلَا رُجُولَةٍ، وَبِلَا شَرَفٍ؟ أَيْنَ التَّأْثِيرُ الدِّينِيُّ الْإِسْلَامِيُّ لِآلَافِ، بَلْ قُولُوا لِمَلَايِينِ المَسَاجِدِ وَالجَوَامِعِ وَالمُصَلَّيَاتِ المُنْتَشِرَةِ فِي جَمِيعِ قَارَّاتِ العَالَمِ؟ أَيْنَ الخُطَبَاءُ الجَهَابِذَةُ وَالوَاعِظُونَ المُنْتَشِرُونَ فِي كُلِّ مَدِينَةٍ، وَحَيٍّ، وَشَارِعٍ وَقَرْيَةٍ إِسْلَاميَّةٍ وعَربيَّةٍ ؟

أَيْنَ أَثَرُ وتَأْثِيرُ الحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ (مَكَّةَ الْمُكَرَّمَةِ، وَالمَدِينَةِ المُنَوَّرَةِ) وَهِجْرَةِ مِئَاتِ المَلَايِينِ مِنَ المُسْلِمِينَ مِنَ الحُجَّاجِ وَالمُعْتَمِرِينَ مِنَ المُسْلِمِينَ إِلَيْهِمَا فِي كُلِّ عَامٍ، وَمُنْذُ أَزْيَدَ مِنْ 1447 سَنَةً هـجريَّةً؟

أَيْنَ تَأْثِيرُ وأَثَرُ الْأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ الشَّرِيفَةِ لِرَسُولِنَا الْأَعْظَمِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِاللَّهِ “صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ، وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَالَّتِي أَغْدَقَ بِهَا العُلَمَاءُ المُسْلِمُونَ، أَمْثَالُ الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَالَّتي بَشَّرَنَا بِهَا – ذَاتَ يَوْمٍ – جَهَابِذَةُ قُضَاةِ السُّنَّةِ وأئمَّتهِم بِأَنَّ كِتَابَ البُخَارِيّ وَمُسْلِم هُوَ أَصْدَقُ كِتَابٍ بَعْدَ القُرْآنِ الكَرِيمِ.. اللَّهُ أَكْبَرُ عَلَى مِثْلِ تِلْكَ الفَتَاوَى وَالِاجْتِهَادَاتِ المُبَالَغِ فِيهَا وَالَّتِي أَنْتَجَتْ لَنَا ذَلِكَ الوَعْيَ المُشَوِّهَ لِلْأُمَّةِ كُلِّهَا، وَهِيَ أُمَّةُ المِلْيَارِ وَالنِّصْفِ؟

السُّؤَالُ: هَلْ هَذِهِ الأُمَّةُ الإِسْلَامِيَّةُ وَالعَرَبِيَّةُ مُغَيَّبَةٌ فِي وَعْيِهَا، وَفِي حَالَةِ غَيْبُوبَةٍ سَرِيرِيَّةٍ كُلِّيَّةٍ أَمَامَ مَا يَحْدُثُ مِنْ جَرَائِمَ يَوْمِيَّةٍ فَظِيعَةٍ لِأَهْلِنَا الفِلَسْطِينِيِّينَ فِي قِطَاعِ غَزَّةَ، وَالضَّفَّةِ الغَرْبِيَّةِ الفِلَسْطِينِيَّةِ مُنْذُ 7 أُكْتُوَبِر 2023م، أَيْ مُنذُ بَدْءِ مَعْرَكَةِ طُوفَانِ الْأَقْصَى المُبَارَكَةِ، وَحَتَّى لَحْظَةِ كِتَابَةِ مَقَالَتِنَا هَذَه بِتَارِيخِ 4 يُولِيُو2025م؟

عِصَابَاتُ الكَيَانِ الإسْرَائِيلِيِّ الصُّهْيُونِيِّ – وَبِدَعْمٍ مِنَ الوِلَايَاتِ المُتَّحِدَةِ الأَمْرِيكِيَّةِ، وَالبُلْدَانِ الغَرْبِيَّةِ المُكَوَّنَةِ مِنْ كُلٍّ مِنْ (فرنسا، بريطانيا – ألمانيا، إيطاليا، وَكَنَدَا، وَمُعْظَمِ الأَنْظِمَةِ العَرَبِيَّةِ، وَالخَلِيجِيَّةِ)، تَحْدِيداً.. جَمِيعُ تِلْكَ الدُّوَلِ دَعَمَتْ كِيَانَ الإسرائيلي عَسْكَرِيَّاً وَأَمْنِيَّاً، وَمَالِيَّاً، وَاقْتِصَادِيَّاً، وَلَوْجِسْتِيَّاً؛ مِمَّا مَكَّنَه مِنْ شَنْ عُدوانٍ مُتوحِّشٍ عَلَى قِطَاعِ غَزَّةَ، وَالضَّفَّةِ الغَرْبِيَّةِ، وَعَلَى الشَّعْبِ اللبنانيّ البَطَلِ، وعلى أراضِي الجُمهُوريَّةِ العربيَّةِ السُّوريَّةِ بعدَ إسِقاطِ نِظامِ الأسد العُرُوبيّ، وعلى الشَّعبِ اليَمَنيِّ في الجُمهُوريَّةِ اليمنيَّةِ، وعاصِمتُها صَنعاءُ، وعلى العِراقِ، وَأَخِيراً شَنَّ عُدْوَاناً غَادِراً خَسِيسَاً عَلَى أَرَاضِي الجُمْهُورِيَّةِ الإسلاميَّةِ الإِيْرَانِيَّةِ؛ بِهَدْفِ إِسْقَاطِ النِّظَامِ الإِسْلَامِيِّ الحُرِّ، أَوْ عَلَى الْأَقَلِّ تَدْمِيرُ قُوَّتِهِ النَّوَوِيَّةِ، وَالصَّارُوخِيَّةِ وَالعَسْكَرِيَّةِ الْأُخْرَى، لَكِنَّ الكيان الصهيوني فشل فَشَلاً ذَرِيعاً فِي تَآمُرِهَ، وَوَقَعَ فِي شَرِّ أَعْمَالِهَ، وَشَاهَدَ العَالَمُ كُلَّ العَالَمِ – وَلِأَوَّلِ مَرَّةٍ – تَدْمِيرَ المُدُنِ الإِسْرَائِيلِيَّةِ، والقواعد العَسْكَرِيَّةِ، وَمَرَاكِزِ التَّجَسُّسِ لدى هذا الكيان المحتل، بِالإِضَافَةِ إلى هُرُوبِ آلَافِ المُوَاطِنِينَ الصَّهَايِنَةِ الإِسْرَائِيلِيِّينَ عَبْرَ الحُدُودِ المِصْرِيَّةِ وَالأُرْدُنِيَّةِ، وَعَبْرَ الشَّوَاطِئِ الفِلَسْطِينِيَّةِ وُصُولاً إلَى مَوَانِئِ قُبْرُص.

دَعُونَا نَبْحَثْ فِي الأَسْبَابِ المَوْضُوعِيَّةِ وَالذَّاتِيَّةِ الَّتِي أَوْصَلَتْ مُعْظَمَ الرَّأْيِ العَامِّ الإِسْلَامِيِّ وَالعَرَبِيِّ إِلَى هَذَا المُسْتَوَى مِنْ فِقْدَانِ التَّفَاعُلِ الإخَوِيِّ وَالدِّينِيِّ مَعَ القَضَايَا المَصِيرِيَّةِ لِلْأُمَّةِ:

أَوَّلاً: لَمْ تَعُدْ قَضِيَّةُ فِلَسْطِينَ هِيَ القَضِيَّةَ الْمَرْكَزِيَّةَ لِلْأُمَّةِ الإِسْلَامِيَّةِ وَالعَرَبِيَّةِ، وَتَمَّت مُحَارَبَةُ فِكْرِ وَثَقَافَةِ الجِهَادِ الحَقِيقِيِّ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَفِلَسْطِينَ، وَتَمَّ اسْتِبْدَالُهَا بِثَقَافَةِ جِهَادِ تَنْظِيمِ القَاعِدَةِ، وَجِهَادِ مُقَاتِلِي تَنْظِيمِ دَاعِش، وَجِهَادِ النِّكَاحِ، وَغَيْرِهَا مِنْ أَنْوَاعِ الفَتَاوَى الَّتِي تُبْعِدُ الأُمَّةَ عَنْ أَدَاءِ وَاجِبِهَا تُجَاهَ فِلَسْطِينَ، وَشَعْبِهَا الصَّابِرِ المُقَاوِمِ.

ثَانِياً: خِيَانَةُ الحُكَّامِ العَرَبِ لِلْقَضِيَّةِ الفِلَسْطِينِيَّةِ، والذين بدأوا يتنكَّرُونَ لِحَقِّ الفِلَسْطِينِيِّينَ فِي أَرْضِ فِلَسْطِينَ، وَفِي عَوْدَةِ اللَّاجِئِينَ، وَالمُهَجَّرِينَ قَسْراً، وَتَعْوِيضِهِمُ التَّعْوِيضَ العَادِلَ عَمَا جَرَى لَهُمْ مِنْ تَهْجِيرٍ، وَطَرْدٍ مِنْ مُدُنِهِمْ، وَقُرَاهمْ، وَبُيُوتِهِمْ، وَتَمَّ التَّنَكُّرُ لِأَرْوَاحِ، وَدِمَاءِ الشُّهَدَاءِ الْأَبْرَار.

ثَالِثاً: خِيَانَةُ مُعْظَمِ الحُكَّامِ العَرَبِ لِلْقَضِيَّةِ الفِلَسْطِينِيَّةِ، بَدْءاً بِخِيَانَةِ مُحَمَّدٍ أَنَوَرِ السَّادَاتِ، بِاعْتِرَافِهِ بِالكِيَانِ الصُّهْيُونِيِّ، وَزِيَارَتِهِ إلى الْأَرَاضِيَ الفِلَسْطِينِيَّةَ المُحْتَلَّةَ فِي العَامِ 1977م، وَكَذَلِكَ خِيَانَةُ مَلِكِ الأُرْدُنِ المَلِكِ حُسَيْن الهَاشِمِيّ، وَخِيَانَةُ المَدْعُوِّ محمُود عَبَّاس – رَئِيسِ السُّلْطَةِ اللَّاوَطَنِيَّةِ الفِلَسْطِينِيَّةِ لِأَرْضِهِ، وَوَطَنِهِ، وَبَعْدَهَا تَنَاثَرَ العُرْبَانُ الخَوَنَةُ، وُصُولاً إلى خِيَانَةِ حُكَّامِ المَمْلَكَةِ السُّعُودِيَّةِ، وَبَقِيَّةِ العِصَابَةِ الَّتِي خَانَتْ أَرْضَ فِلَسْطِينَ، وَشَعْبَهَا العَظِيمَ.

رَابِعاً: قُبُولُ الحُكَّامِ العَرَبِ الخَوَنَةِ بِشُرُوطِ الحَرَكَةِ الصُّهْيُونِيَّةِ بِتَغْيِيرِ وتَطبِيعِ المَنَاهِجِ التَّرْبَوِيَّةِ، وَالتَّعْلِيمِيَّةِ لِلتَّلَامِيذِ، وَالطُّلَّابِ فِي المَدَارِسِ الأَسَاسِيَّةِ، وَالثَّانَوِيَّةِ فِي جَمِيعِ عَالَمِنَا العَرَبِيِّ، وَرُبَّمَا الإِسْلَامِيِّ، وَبِالتَّالِي رأينا ذَلِكَ المَنْهَجَ التَّرْبَوِيَّ المُتَصَهْينَ كَيفَ أَفْسَدَ عُقُولَ وَوَعْيَ وَثَقَافَةَ الأَجْيَالِ العَرَبِيَّةِ المُتَعَاقِبَةِ.

خَامِساً: نَشْرُ ثَقَافَةِ الِاسْتِسْلَامِ الجَمْعِيِّ بَيْنَ فِئَاتِ المُجْتَمَعِ الْعَرَبِيِّ لِمَقُولَةِ أَنَّ كِيَانَ إِسْرَائِيلَ قُوَّةٌ عَسْكَرِيَّةٌ وَأَمْنِيَّةٌ وَعِلْمِيَّةٌ لَا تُقْهَرُ، وَأَنَّ مِفْتَاحَ الحَلِّ لِلْقَضِيَّةِ الفِلَسْطِينِيَّةِ هُوَ بِيَدِ أَمِرِيكَا بِنِسْبَةِ 99%، وَهَكَذَا تَمَّ نَشْرُ سِيَاسَةِ وَثَقَافَةِ الِاسْتِسْلَامِ وَالِانْبِطَاحِ لِلْمَشْرُوعِ الصُّهْيُونِيِّ الأَمْرِيكِيِّ الْأَطْلَسِيِّ.

سَادِساً: نَشْرُ وَتَعْمِيمُ الثَّقَافَةِ الاسْتِهْلَاكِيَّةِ لِلْبَضَائِعِ الرَّأْسِمَالِيَّةِ المُسْتَوْرَدَةِ مِنَ الأَسْوَاقِ الغَرْبِيَّةِ، وَتَعْمِيمُهَا فِي الأَسْوَاقِ المَحَلِّيَّةِ فِي المُجْتَمَعَاتِ العَرَبِيَّةِ الإِسْلَامِيَّةِ، وَجَعلُهَا ثَقَافَةً يَوْمِيَّةً اسْتِهْلَاكِيَّةً مَعَ نَشْرِ الأَفْلَامِ الغَرْبِيَّةِ المُدَمِّرَةِ لِلرُّوحِ الثَّقَافِيَّةِ الوَطَنِيَّةِ والهُويَّةِ الإيمانية البَعِيدَةِ عَنِ الالْتِزَامِ الرُّوحِيِّ وَالدِّينِيِّ الإِسْلَامِيِّ الحَنِيفِ.

سَابِعاً: خَلَقَتِ الحَرَكَةُ الصُّهْيُونِيَّةُ الأَمْرِيكِيَّةُ وَالأَوْرُوبِيَّةُ مَعَ الْحُكَّامِ العَرَبِ المُتصهينين بُؤَرَاً لِلتَّوَتُّرِ عَالِيَةِ المُسْتَوَى، وَخَلَقَتْ مَشَاكِلَ سِيَاسِيَّةً، وَعَسْكَرِيَّةً، وَاقتِصَادِيَّةً دَاخِلِيَّةً فِي البُلْدَانِ العَرَبِيَّةِ كُلِّهَا تَقْرِيباً، وَجَعَلَتْ تِلْكَ المُجْتَمَعَاتِ العَرَبِيَّةَ وَالشُّعُوبَ بِطَبَقَاتِهَا وَقِواهَا الِاجْتِمَاعِيَّةِ وَمُؤَسَّسَاتِهَا الوَطَنِيَّةِ، تَدُورُ وَتَلِفُّ حَوْلَ ذَاتِهَا، وَتَسْتَهْلِكُ ذَاتَهَا وَقُدْرَاتِهَا، وَبِالتَّالِي لَمْ يَعُدْ لَدَى المُوَاطِنِ العَرَبِيِّ وَقْتٌ حَتَّى لمُجَرَّدِ التَّفْكِيرِ فِي الْقَضَايَا العَرَبِيَّةِ العَامَّةِ وَخِلَافِهِا.

الـْخـُلَاصـَة:

لَا يُمْكِنُ التَّخَلُّصُ مِنْ هَذَا الوَاقِعِ العَرَبِيِّ الرَّدِيءِ وَالمُزْرِيِّ سِوَى بِإِعْلَانِ الثَّوْرَةِ وَالتَّمَرُّدِ عَلَى كُلِّ تِلْكَ النُّظُمِ العَرَبِيَّةِ الإِسْلَامِيَّةِ الْمُتَصَهْينَةِ، وَخَلْقِ مُقَدِّمَاتٍ لِحَالَةٍ إِنْسَانِيَّةٍ اجْتِمَاعِيَّةٍ شَعْبِيَّةٍ ثَائِرَةٍ تَجْتَاحُ وَتقْضَى عَلَى تِلْكَ الأَنْظِمَةِ وَالحُكُومَاتِ وَالمَمَالِكِ وَالمَشِيخَاتِ العَمِيلَةِ وَالخَانِعَةِ لِلْوِلَايَاتِ المُتَّحِدَةِ الأَمْرِيكِيَّةِ وَالكِيَانِ الصُّهْيُونِيِّ الَّتِي كَبَّلَتِ الشُّعُوبَ العَرَبِيَّةَ وَالإِسْلَامِيَّةَ بِمُجْمَلِهَا، وَمِنْ هُنَا سَيَتِمُّ تَحْرِيرُ فِلَسْطِينَ كُلَّ فِلَسْطِينَ مِنَ النَّهْرِ إِلَى البَحْرِ بِإِذْنِ اللَّهِ تعالَى وحولِهِ.

«وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيْمٌ”.

 

*عُضْوِ المَجْلِسِ السِّيَاسِيِّ الأَعْلَى

 

 

المصدر: الثورة نت

إقرأ أيضاً:

إنهم يقتلون عمّال النظافة!

في ساعة متأخرة من ليل السادس من ديسمبر الجاري خرج زياد نعيم أبو داود ليؤدي عمله الذي أتقنه طوال حياته: تنظيف المدينة من مخلفاتها، ومن بقايا العابرين، ومما تتركه الأيام بلا اكتراث. كان يقف أمام حاوية قمامة في منطقة باب الزاوية وسط مدينة الخليل بالضفة الغربية، حين أطلق عليه جندي إسرائيلي مستهتر النار بدم بارد. كان أبو داود - لسوء طالعه - من «الأغيار» الذين لُقِّن الجندي في عقيدته العسكرية وتدريباته الميدانية أنهم سيئون، وغير مرئيين، ولا دية لهم. ولهذا أيضا مُنِعت طواقم الإسعاف من الاقتراب من عامل النظافة الذي ظل ينزف حتى الموت. 

ذات يوم قال مارتن لوثر كينج (الذي قُتِلَ هو الآخر بدم بارد) إنه «إن كان الرجل مدعوًّا ليكون كناسًا في الشوارع، فعليه أن يكنسها كما رسم مايكل أنجلو، وكما ألّف بيتهوفن، وكما كتب شكسبير»، في تأكيد منه على أن مهنة عامل النظافة لا تقل أهمية عن عمل المبدعين. ولا أظن زياد أبو داود إلا تجسيدا لهذه العبارة، فقد روت عائلتُه لقناة الجزيرة بعد يوم من استشهاده أنه كان -عندما تلقى رصاص الجندي - في اليوم الأول من دوامه بعد إجازة، وإنه يعمل في بلدية الخليل منذ خمسة وعشرين عامًا، كان فيها مثالًا للالتزام والتفاني والإخلاص. 

ولأن المدينة تحب من يحبها، وتُخلص لمن يُبادلها الإخلاص، وتحزن حين تفقد من يُميط عنها أذى الطريق، فقد قررت «الخليل» في الصباح التالي أن تحول جنازة عامل النظافة إلى رسالة احتجاج: أعلنت نقابة العاملين وبلدية الخليل والقوى السياسية الإضراب الشامل في كافة مرافق المدينة، حدادًا على روحه. أغلقت المتاجر أبوابها، وأعلنت المدارس والجامعات تعليق الدراسة في ذلك اليوم، وتعطلت المؤسسات الخاصة والعامة، وتوقفت حركة المواصلات إلا للضرورة. وعمّ التعاطف مع عامل النظافة الشهيد؛ ليس في فلسطين وحدها، بل أينما وصلت قصة الاعتداء عليه، مما اضطر إسرائيل لتغيير روايتها التي زعمتها بالأمس، وهي أن الفلسطينيَّيْن اللذين قتلتْهما لأنهما كانا يحاولان دهس جنودها لم يكونا كلاهما «إرهابيَّيْن»، فقد اتضح أن أحدهما (أي زياد أبو داود) قُتِل بالخطأ، فقط لأنه كان موجودًا في المكان! هكذا بكل بساطة. أما الآخر (وهو أحمد خليل الرجبي) فقد تمكن الجيش من «تحييده»! نعم. هكذا تتعهّر اللغة لتصف قتل فتى لم يتجاوز السابعة عشرة من عمره، ولمجرد الاشتباه: «تحييدا». 

لم تكن تلك المرةَ الأولى التي تقتل فيها إسرائيل عامل نظافة، فقبل أبو داود بعام، وتحديدًا في سبتمبر 2024، قتلت عامل نظافة آخر يُدعى سفيان جابر عبد الجواد يعمل لدى وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا). كان سفيان يقف فوق سطح بيته عندما باغته القناص الإسرائيلي فقتله. وكالعادة برر الجيش الإسرائيلي عدم اكتراثه بأرواح الفلسطينيين بالزعم أنه كان يرمي عبوات ناسفة على الجنود! وفي الشهر نفسه (سبتمبر 2024)، قتلت غارة إسرائيلية مدنيَّين كانا يستقلان سيارة على الساحل الجنوبي للبنان، من بينهما موظف في شركة تنظيف متعاقدة مع قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان. وقبل ذلك بأحد عشر عاما، وتحديدًا في 5 يناير 2013 أطلقت قوات إسرائيلية النار على شاحنة جمع نفايات لبلدية بيت حانون في غزة أثناء تفريغها القمامة قرب مكب حدودي، ما أدى لإصابة عامل النظافة عوض الزعانين بشظايا في الرأس. 

لكن لماذا تعتدي إسرائيل على عمّال النظافة؟ ببساطة لأنهم يذكّرونها بأهم قيمة تفتقدها: نظافة اليد والقلب واللسان والسلوك السياسي، ولأنها لا تطيق أن يعيش الفلسطيني حياة طبيعية كما سواه من الناس. فتنظيف المدينة، وجمع النفايات، وصيانة الفضاء العام هي أفعال تؤكد حق الفلسطيني في هذه الحياة الطبيعية، وفي إدارة مدينته وحياته اليومية. الاعتداء على عامل النظافة هو اعتداء رمزي على فكرة الاستمرار في الحياة الفلسطينية، وعلى إمكانية أن تبدو عادية ومستقرة. إنه اعتداء على الكل من خلال أهم جزء فيه، لكنه الأضعف في الآن ذاته. تشرح ذلك ــ في سياق آخر - الروائية البريطانية أماندا كريج في مقال طريف لها في صحيفة الجارديان عن أفضل عشرة كتب أُلِّفتْ في عامل النظافة. تقول: «بوصفي ممن عملوا في النظافة خلال العشرينيات من عمري، أعرف أنه لا توجد وظيفة أخرى بهذه الأهمية، ولا بهذا التدني في الأجر، ولا بهذا القدر من الإثارة بالنسبة لروائية مثلي. فالعامل يرى الأشياء من مستوى متدنٍّ جدًّا؛ ليس فقط من زاوية الأوساخ، بل لأن الآخرين يفترضون - بشكل تلقائي- أنه غبي أو حتى دون إنساني». 

وهكذا تفترض إسرائيل بتلقائية أن الفلسطينيين كلهم، وليس فقط عمّال النظافة، في الدرجة الأخيرة من الإنسانية، ولذا تقتلهم بلا أدنى وازع من ضمير، ثم تدبج في آلتها الإعلامية تبريرات لا يهمها حتى أن تكون على قدر قليل من الإقناع واحترام العقول، تبريرات تبعث على الحزن، من ذلك النوع من الحزن الذي تحدث عنه ماركيز، ويخصّ عمّال النظافة تحديدًا: «لقد انتهى كل شيء. وبقي ذلك الأسى الغريب الذي لا يعرفه سوى كنّاس المسرح بعد خروج آخر الممثلين». 

سليمان المعمري كاتب وروائي عُماني 

مقالات مشابهة