يحتمون بالكنائس ويواجهون شح الطعام.. أوضاع إنسانيّة صعبة تواجه مسيحيي غزة
تاريخ النشر: 21st, November 2023 GMT
مع استمرار الحرب في غزة بين الاحتلال الإسرائيلي وحركة حماس، تُعاني الجماعة المسيحية الصغيرة في القطاع من أوضاع صعبة أسوة ببقية السكان، حيث لجأ معظمهم إلى كنيستين بحثًا عن ملاذ آمن لأطفالهم.
وكنيسة القديس برفيريوس للروم الأرثوذكس هي أقدم كنيسة في قطاع غزة، لا تزال مفتوحة، وهي مبنية فوق ضريح القديس برفيريوس الناسك والأسقف الغزي الذي عاش في القرن الخامس الميلادي، وتقع بجانب مسجد في البلدة القديمة في غزة.
ويتراوح إجمالي عدد المسيحيين في قطاع غزة ما بين 800 إلى 1000 شخص فقط، وجميعهم تقريبًا يختبئون الآن في كنيسة القديس بورفيريوس التابعة لبطريركيّة القدس للروم الأرثوذكس، وفي كنيسة العائلة المقدسة، القريبة، التابعة للبطريركيّة القدس للاتين في غزة.
ملجآن لجميع المسيحيين تقريبًا
وقال رامز طرزي، الذي كان يدير مركزًا ثقافيًا أرثوذكسيًا قبل الحرب، والذي دمرته غارة جوية إسرائيلية: "تستضيف هاتان الكنيستان 340 عائلة، أي ما يمثل جميع المسيحيين تقريبًا في غزة". وفرّ حوالي 20 من عائلة طرزي، وهي عشيرة كبيرة من المسيحيين الفلسطينيين، من منازلهم في مدينة غزة بحثًا عن الأمان النسبي في كنيسة القديس بورفيريوس.
وقال في اتصال هاتفي من داخل الكنيسة: "غادرنا.. تحت القصف. منازلنا تقع في 3 مبانٍ بجانب بعضها البعض، لكن بعد أكثر من شهر هنا، لسنا متأكدين مما إذا كانت قد نجت من الدمار والقصف". وتنام العائلات التي تعيش في مجمع كنيسة القديس بورفيريوس على فرشات موضوعة على أرضيات المباني، التي كانت بمثابة مكاتب للموظفين ومساكن للكهنة. وتوفّر الألواح الشمسية كمية صغيرة من الطاقة، تكفي فقط لشحن الهواتف، بينما يلعب الأطفال الذين يشعرون بالملل داخل ساحات المجمع المكشوفة.
ويُعاني قطاع غزة من أوضاع إنسانيّة صعبة عقب الهجوم المباغت الذي شنته حركة حماس على الأراضي الإسرائيلية، فجر السبت، مما إلى وقوع تصعيد خطير أدى إلى حدوث موجات فرار للعديد من السكان خوفًا من تعرض منازلهم للقصف، بالإضافة إلى وجود شح كبير في الأدوية والمستلزمات الطبيّة الضروريّة لمعالجة المصابين وإجراء تدخلات جراحية صعبة ومعقدة.
ومثلهم كمثل 2.3 مليون فلسطيني آخرين في القطاع، يعاني المسيحيون الفلسطينيون هناك أوضاعًا إنسانيّة صعبة، إذ لم يتبق سوى القليل من الطعام في الكنائس، ولا يوجد شيء تقريبًا يمكن شراؤه من المتاجر القريبة. وأوضح طرزي بأن مجمع كنيسة القديس بورفيريوس لا يزال لديه كمية قليلة من الوقود، يتم استخدامها بشكل مقتصد لضخ مياه الشرب.
"الأمان في بيت الرب"
وكانت غارة جوية إسرائيلية في 19 نوفمبر الفائت، قد دمّرت أحد المباني التي تؤوي عائلات مسيحيّة في مجمع كنيسة القديس بورفيريوس، مما أسفر عن مقتل 17 شخصًا، بينهم 4 ضحايا من أقارب طرزي، وقد جرى دفنهم جميعًا داخل الكنيسة.
وقال رامز، الذي فقد أطفاله الثلاثة (سهيل وجوليا ومجد): "لقد جئنا إلى هنا (الكنيسة) بحثًا عن الأمان في بيت الرب". وتابع الرجل الذي خسر 7 أفراد آخرين من عائلته وأقاربه في القصف: "لا يوجد مسلحون أو أسلحة هنا". وقال الجيش الإسرائيلي إنّ الكنيسة "لم تكن الهدف المقصود"، موضحًا أن الغاية كانت "ضرب مركز قيادة قريب لحماس"؛ لافتًا إلى "وجود مراجعة داخلية بشأن هذه الواقعة".
وعن تاريخهم في هذه البقعة الصغيرة، قال القس متري الراهب، القس اللوثري ورئيس ومؤسس جامعة دار الكلمة في مدينة بيت لحم، إن وجود المسيحيين في غزة "قديم قدم المسيحية". وأضاف: "لقد ذكرت غزة 8 مرات في العهد الجديد". لكن حتى قبل الحرب، كان عدد السكان المسيحيين في القطاع، الذي تبلغ مساحته 365 كيلومترًا مربعًا، يتضاءل. فقد كان هناك 1750 مسيحيًا في قطاع غزة عام 1997، بحسب الراهب، وهو رقم انخفض إلى النصف منذ ذلك الحين.
وسعى الكثيرون إلى الحصول على فرص للهروب من الحياة المقيدة في المنطقة الفقيرة، التي تعاني حصارًا وفقرًا مدقعًا منذ سيطرة حركة حماس على السلطة عام 2007. وقال الراهب: "إن ثلث الذين غادروا انتقلوا إلى بيت لحم، مستفيدين من التصاريح الإسرائيلية للذهاب إلى هناك لقضاء عيد الميلاد قبل الاستقرار فيها، بينما هاجر آخرون إلى خارج البلاد". ويخشى الراهب من أن إسرائيل "تتبنى استراتيجية الأرض المحروقة" في غزة، "حتى لا تكون صالحة للسكن مرة أخرى"، وفق الصحيفة البريطانية.
خشية من التوجه نحو الجنوب
وانتقل مئات الآلاف من سكان شمالي قطاع غزة إلى جنوبه، بعد طلب إسرائيلي بالإخلاء "حفاظًا على سلامة المدنيين"، لكن العديد من المسيحيين النازحين يخشون من التوجه نحو الجنوب. وفي هذا الصدد، قال القس السابق للكنيسة المعمدانية في غزة، حنا ماهر، إن زوجته جانيت وعائلتها لا يزالون في المجمع، مضيفًا: "على الأقل يوجد في مدينة غزة كنيسة تمنحهم سقفًا فوق رؤوسهم". وتابع: "لقد حاول الناس المغادرة أكثر من مرة، بيد أن بعضهم علق في الاشتباكات ومنهم من قضى نحبه".
وقال ماهر إنّ معلمة موسيقى، تدعى إلهام فرح، والتي كانت تبلغ عن العمر 84 عامًا، لجأت إلى كنيسة العائلة المقدسة بعد صدور أوامر الإجلاء من الجيش الإسرائيلي. وأوضح أن تلك السيدة الطاعنة في السن أصيبت، الأحد، برصاصة في ساقها عندما خرجت لتتأكد من أن منزلها لا يزال قائمًا، حيث لفظت أنفاسها الأخيرة في الشارع. وأكد القس أن "أحدًا لم يستطع التدخل لإسعافها وإنقاذها، لأن الأوضاع كانت خطيرة للغاية".
ولفت ماهر إلى أنه كان في زيارته لبلده الأم، مصر، عندما اندلعت الحرب في غزة، وبالتالي لم يستطع العودة إلى القطاع للاجتماع بأسرته، مشيرًا إلى أنه يقضي معظم يومه في محاولة الاتصال بزوجته، مردفًا: "في بعض الأحيان يمرّ يومين قبل أن أتمكن من سماع صوتها".
ومع انخفاض درجات الحرارة، يشعر ماهر بالقلق من عدم وجود مكان لشراء ملابس دافئة لأطفاله، في حين تراود طرزي هواجس مخيفة بشأن نفاد الطعام في الكنيسة قبل نهاية الأسبوع المقبل. وختم بالقول: "ليس لدينا مياه شرب نظيفة جدًا، ومخزون الأدوية قليل.. كل ما نريده هو أن تضع الحرب أوزارها بسرعة".
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: أقباط کنیسة القدیس بورفیریوس قطاع غزة تقریب ا فی غزة ة صعبة
إقرأ أيضاً:
لاجئون صوماليون يفضلون العودة لبلدهم هربا من “الفقر والبطالة” في اليمن
في بيوت عشوائية تفتقد لأبسط الأساسيات وتربط بينها طرق ترابية تحيطها القمامة، يعيش آلاف الصوماليين مع أطفالهم في فقر مدقع في حي البساتين في عدن، ما دفع كثيرين منهم إلى اتخاذ قرار العودة الى بلادهم.
اليمن ليس مقصدا للهجرة بحدّ ذاته، لكنّ عددا كبيرا من الحالمين ببلوغ دول الخليج الثرية، يجد نفسه عالقا في أفقر بلدان شبه الجزيرة العربية الغارق في الحرب بسبب صعوبة اختراق حدود الدول الأخرى.
بين هؤلاء المهاجرين الصوماليين، عبد الله عمر الذي وضع زوجته وأطفاله العام الماضي في مركب هجرة غير شرعية مقابل 500 دولار، ظنا منه أنه سيجد مستقبلا أفضل.
وقال عمر (29 عاما) لوكالة فرانس برس بإحباط شديد “يوم نأكل ويوم على الله. هذه هي الحياة”.
ويعمل عمر في غسل السيارات مقابل ألف إلى ألفي ريال يمني (بين 0,6 و1,2 دولار)، ويجني يوميا حوالى 6000 ريال (3,7 دولارات).
ونشأ عمر في اليمن رفقة والديه خلال حكم الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح الذي أطاحته ثورة شعبية إبان انتفاضة الربيع العربي في 2011. وحين صار شابا، قرّر كآلاف الأفارقة الانتقال الى السعودية، لكنّه لم يتمكّن من دخولها.
وروى لفرانس برس “ذهبت الى السعودية عبر التهريب في 2017. حرس الحدود السعودي أوقفوني وأعادوني للصومال حيث تزوجت وأنجبت ثلاثة أطفال”.
بعد سبع سنوات من العمل في قطاع البناء في مقديشو حيث كان يكسب يوميا حوالى 25 دولارا، عاد عمر إلى اليمن المقسوم بين مناطق يسيطر عليها المتمردون الحوثيون وأخرى تحت سيطرة الحكومة المعترف بها دوليا، ليواجه شظف العيش والبطالة.
وأضاف الرجل الذي رزق مولودا رابعا قبل ثلاثة أشهر “اعتقدت أنّ اليمن أفضل من الصومال”، البلد الفقير غير المستقر في القرن الإفريقي، لكن “لا عمل ولا مال ولا دراسة للأطفال”.
في أرجاء عدن الخاضعة للقوات الحكومية اليمنية، ترتفع نسبة البطالة بشكل حاد. ويمكن رؤية مهاجرين أفارقة هائمين في الشوارع أو يعملون في مهن بسيطة كتنظيف السيارات أو حتى يبحثون عن طعام في صناديق القمامة.
في حي البساتين المسمى “مقديشو عدن”، تجلس أمهات يائسات أمام بيوتهن وحولهن أطفالهن الذين تبدو عليهم بوضوح علامات سوء التغذية، فيما خرج الرجال للبحث عن فرصة عمل.
وسجّلت المنظمة الدولية للهجرة وصول حوالى 17 ألف شخص إلى اليمن انطلاقا من جيبوتي والصومال في تشرين الأول/اكتوبر بزيادة مقدارها 99% عن الشهر السابق له.
– “هنا لا أملك شيئا” –
منذ 2014، يشهد اليمن نزاعا مدمّرا سيطر خلاله المتمردون المدعومون من إيران على مناطق شاسعة في شمال البلاد، بينها العاصمة صنعاء.
وفي العام التالي، تدخّلت السعودية على رأس تحالف عسكري دعما للحكومة اليمنية، وأوقع النزاع مئات آلاف القتلى. وأدّت الحرب إلى إغراق البلاد في واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، وفق الأمم المتحدة.
ويحتاج حوالى 19,5 مليون شخص، أي أكثر من نصف السكان، إلى مساعدات إنسانية في 2025، بمن فيهم 4,8 ملايين نازح داخلي، بحسب أرقام الأمم المتحدة.
ويعيش عمر في غرفة صغيرة من دون أثاث إلا من مرتبتين رقيقتين للغاية، داخل بيت مشترك من طابق واحد وبدون باب، ويدفع إيجارا شهريا يبلغ 35 ألف ريال يمني (حوالى 21 دولارا).
تتشارك أسرته حماما ومطبخا مع أسرتين أخريين.
وقال عمر “هنا لا أملك شيئا… سأعود لبلادي لأوفّر مصاريفي وحياة لأبنائي. على الأقل أشتري لهم أحذية وملابس”.
ولا تزال الصومال نفسها تعاني ويلات الحرب الأهلية، وتسيطر حركة الشباب الإسلامية على مساحات شاسعة من البلاد. إلا أن السلام النسبي الذي شهدته العاصمة مقديشو في السنوات الأخيرة حقّق قدرا من الاستقرار، وسمح بطفرة بناء في أجزاء من المدينة. وهو ما يأمل عمر بأن يستفيد منه.
– “إذا تحقّق السلام” –
ومنذ لقائه مع فرانس برس، استقلّ عبدالله وأسرته نهاية تشرين الأول/أكتوبر رحلة إلى مقديشو نسقتها المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ضمن برنامج العودة الطوعية للاجئين الذي انطلق في 2017، وأعاد مذاك أكثر من 9 آلاف لاجئ صومالي لبلادهم.
ويشكّل الصوماليون نحو 63% من أعداد اللاجئين وطالبي اللجوء في اليمن البالغ عددهم رسميا أكثر من 61 ألفا، بحسب أرقام المفوضية، لكن الأرقام الحقيقية قد تكون أكبر بكثير.
وأرجع 56% من الصوماليين الذين أعادتهم الأمم المتحدة لبلادهم سبب عودتهم إلى “عدم وجود فرص لكسب الدخل” في اليمن، وفق استطلاع رأي للمفوضية.
وقال القائم على برنامج العودة الطوعي عويس الوزان إنّ البرنامج يساعد “عددا كبيرا من اللاجئين الراغبين في العودة للصومال دون أن يكون لديهم سبيل للعودة بالتهريب أو دفع قيمة تذكرة”.
وشرح الوزان أنه “بالإضافة إلى إعادتهم مجانا، نوفّر لكل فرد من الأسرة 250 دولارا قبل السفر. وفي الصومال، توفر المفوضية 200 دولار لكل لأسرة لإعادة الاندماج بالمجتمع”.
وأجلت الأمم المتحدة أكثر من 500 صومالي هذا العام، وستطلق ثلاث رحلات أخرى حتى نهاية العام يتوقع أنّ تقل نحو 450 شخصا.
ومن بين هؤلاء، المقاول الصومالي أحمد أبو بكر مرزوق (58 عاما) الذي جاء إلى اليمن قبل 25 عاما وتزوج مرّتين وأنجب 15 طفلا.
قبل الحرب، كان مرزوق يعيش حياة كريمة مكّنته من إرسال المال لأهله بالصومال وبناء منزلين في مقديشو.
وقال مرزوق بحزن “لا يوجد عمل منذ ثلاث أو أربع سنوات. بناتي يعملن كخادمات”.
وعن الصومال، قال “أشقائي هناك يعملون بالزراعة. إذا تحقّق السلام أعود الى اليمن”.