حداثة الشابي الشعرية في «بحر الثقافة»
تاريخ النشر: 24th, November 2023 GMT
أبوظبي (الاتحاد)
كان الشاعر التونسي أبو القاسم الشابي موضوع أمسية أدبية نظمتها مؤسسة «بحر الثقافة»، تحت عنوان: «حداثة أبي القاسم الشابي» تحدث فيها الباحث والمترجم د. محمد آيت ميهوب عن هذا الشاعر المجدد.
وبدأ د. ميهوب حديثه بتقديم لمحة من حياة الشاعر ونشأته في بيئة محبة للعلم والثقافة، بدءاً من البيت إلى جامع الزيتونة الذي كان مركزاً مهماً للتعليم وتحصيل الثقافة والتراث.
وتابع د. ميهوب حديثه قائلاً: إن الشابي كان يدعو إلى التجديد، ولكنه عندما يعود إلى قريته نجده يندمج مع الناس. أما الحداثة في شعر الشابي، فهي ليست بمفهوم الحداثة الزمنية ولا الحداثة بالمعنى الشكلاني، بل الحداثة بالمعنى الشعري لأن الحداثة تكون بالتجديد الدائم، مشيراً إلى أن شهرة الشابي تكمن في أنه أول شاعر تونسي يعرفه المشارقة، وكان ينشر في مجلة «أبولو» التي يرأس تحريرها الشاعر أحمد زكي أبوشادي.
وقال د. ميهوبي إنه إذا كان لا بد من العودة إلى النص الشعري عند الشابي، فإن فيه كثيراً من الثنائيات: الحياة والموت، الأمل واليأس، وكان الشاعر يعاني من مرض القلب ويوم أحس بدنو أجله أعد ديوانه «أغاني الحياة» وهذا الديوان نشر بعد وفاته، وقد اكتشفت بعض القصائد المجهولة التي لم تنشر في حياته، ولا أدري لماذا أبعدها الشابي! وتأتي هذه القصائد في المرحلة الثانية من عمره من 29 إلى 34، وفي هذه القصائد يبدو التصاق الشاعر مع التجربة الروحية والصوفية عنده. ورأى د. ميهوب أن شعر الشابي يتألف من مرحلتين، في الأولى كانت بنية النص تقليدية لم يستطع أن يغادرها وسنه الصغير لم يسمح له بأن يكون لشعره صدى الذات. والمرحلة الثانية كانت أعمق فكراً وبنية جمالية، مبيناً أن المرحلتين لم تنفصلا، وإن كان الشاعر لم يدرس الفلسفة ولكن الفلسفة تسربت إليه من قراءته وإعجابه بالعقاد والمازني. وأشار إلى التجديد في شعره وحضور الذات عنده وتأثير جبران وإيليا أبي ماضي ونسيب عريضة. وأكد أن الشابي أراد أن يكون هو ذاته في شعره، وأن يجعل شعره بيتاً لذاته. ولذا كان حضور الذات في النص، فلغته لغة إيحائية استخدم فيها التركيز البسيط.
وتساءل د. ميهوب لماذا ما زلنا نستمع إلى شعر الشابي؟ ربما لأنه مثل لحظة قطيعة شعرية ملهمة بين ثنائي البناء والهدم، فأخذ من القديم ونسج للجديد، كما أن رسائله كانت وسيلة للتواصل مع الآخرين، وكان يكتب بشكل يومي هذه الرسائل التي جمعها محمد الحليوي.
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: أمسية أدبية
إقرأ أيضاً:
اللادا السوفياتية ترفض الاندثار وتتحدى الحداثة في شوارع أديس أبابا
أديس أبابا – في مدينة تتغير ملامحها سريعا مثل أديس أبابا، حيث تندفع البنايات نحو السماء وتنتشر السيارات الفارهة في شوارعها الواسعة، تظل سيارة "لادا" العتيقة تسير بثقة وتواضع، وبلونها الأزرق والأبيض المتقادم وصوت محركها الخشن، تفرض حضورها على الإسفلت كأنها تقول "أنا هنا منذ البدايات.. ولن أرحل قريبا".
لكن "لادا" ليست مجرد سيارة، إنها ذاكرة متحركة، ونموذج لثقافة إثيوبية تقوم على الاعتماد على الذات والتكيّف والصمود أمام التغيرات التكنولوجية والاقتصادية.
من يزور العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، يلاحظ العدد الهائل من سيارات التاكسي "لادا" التي تجوب الطرقات. هذه المركبة التي خرجت من مصانع "أوتوفاز" بالاتحاد السوفياتي قبل أكثر من 4 عقود، لا تزال حتى اليوم تؤدي دورا محوريا في النقل العام داخل العاصمة.
هوية إثيوبية
كما أن مركبات من طراز "ريفا" و"نيفا"، التي اندثرت من أغلب طرقات العالم، تجدها نشطة ونابضة، لا شك في أن قوتها الميكانيكية وبنيتها الصلبة ساعدت في بقائها على قيد الحياة، لكن هناك ما هو أعمق، إنها جزء من اقتصاد الظل، وتاريخ العلاقات الإثيوبية السوفياتية، وهوية سائقي الطبقة العاملة.
وبالنسبة لكثير من السائقين في أديس أبابا، فإن "لادا" خاصة ليست فقط وسيلة لكسب الرزق، بل هي جزء من حياتهم اليومية وتاريخهم الشخصي، فهي السيارة التي ورثوها عن آبائهم أو اشتروها من مال ادخروه سنوات طويلة، كما أنها رفيقتهم في شوارع يعرفونها جيدا.
ورغم صعوبة توفر قطع الغيار، فإن سائقي اللادا يحافظون عليها بكل ما لديهم. وقد ابتكروا عبر السنين شبكة من الورش المحلية والتعديلات اليدوية التي تُبقي هذه السيارات في حالة "قابلة للعيش".
إعلان خطط للتحديثفي بلد يشهد تحديثا متواصلا، لم تسلم "لادا" من محاولات الاستبدال، إذ تعمل الحكومة الإثيوبية على تشجيع سائقي هذه السيارات على الانضمام إلى جمعيات مهنية تساعدهم في اقتناء سيارات جديدة عبر التمويل البنكي والتقسيط بهدف تحديث شكل المدينة وتطوير خدمات النقل.
لكن هذه الخطة تواجه واقعًا اقتصاديا معقدا، حيث إن غالبية سائقي اللادا من محدودي الدخل، ولا يقدرون على دفع مقدمات التمويل أو تحمل تكاليف الصيانة الحديثة.
ويقول وندووسن مندفرو، سائق سيارة اللادا، إن هذه السيارات لعبت دورا كبيرا في نقل المواطنين داخل المدن الإثيوبية، وفي العاصمة تحديدا، حيث كانت جزءا من النسيج الحضري لعقود طويلة.
وأوضح للجزيرة نت أن المنافسة باتت صعبة أمام ظهور شركات الأجرة الحديثة التي تعتمد على التطبيقات الرقمية والسيارات المتطورة، وأضاف "أغلب سيارات اللادا اليوم تواجه تحديات متعددة، بينها انعدام قطع الغيار وقِدم الموديل".
كما أن العديد من السائقين -حسب مندفرو- بدؤوا فعليا في استبدال سياراتهم القديمة شراء أخرى محلية الصنع، مستفيدين من قروض صغيرة لتسهيل التحوّل، لافتا إلى أن قطع الغيار المتوفرة تأتي من سيارات تالفة أو تعرضت لحوادث.
ويردف "نعمل في ظروف صعبة، ونكافح من أجل الاستمرار، ومشاركتنا في السوق تقتصر على أوقات معينة من اليوم فقط".
لمواجهة التحدياتأما ذودي مولا، وهو الآخر سائق "اللادا" موديل 1986، فيقول إن هذه السيارة تواجه تحديات حقيقية رغم صمودها عبر السنين، مشيرا إلى أن التقدم التكنولوجي والموديلات الحديثة وضعتها في موقف صعب.
ويضيف مولا للجزيرة نت "سيارتنا قديمة، لكن الكثير من الناس يرونها جزءًا من تاريخ المدينة، البعض يصر على ركوبها حبا وحنينا للماضي".
إعلانويشير إلى أن الحكومة تسعى لتنظيم هذا القطاع عبر خطط لتجميع سائقي اللادا في كيانات رسمية، تمهيدا لاستبدالها بسيارات حديثة مصنعة محليا ضمن جهود لتطوير صورة العاصمة أديس أبابا.
بيد أن "لادا" -حسب مولا- لا تزال تحمل رمزية خاصة، حيث يستخدم البعض اسمها للإشارة إلى جميع سيارات الأجرة الزرقاء، حتى إن كانت من ماركات مختلفة.
من جهته، يقول الميكانيكي المتخصص في اللادا برهانو دانجو للجزيرة نت إن مركبات اللادا القديمة، وخاصة الموديلات من 1972 إلى 1986، تعاني نقصا حادا في قطع الغيار، مما يدفع الفنيين إلى ابتكار حلول بديلة.
ويضيف "نقوم بتوليف قطع غيار من سيارات أخرى، مثل بعض موديلات تويوتا القديمة، أو نستخدم أجزاء من سيارات متهالكة توقفت عن العمل".
وذكر أن صيانة هذه السيارات تتطلب جهدًا كبيرا، لكن بعضها لا تزال تحتفظ بجاذبيتها وتصل إلى أسعار مرتفعة إذا كانت في حالة جيدة كونها تعد قطعة تراثية مميزة في المدينة.