كان من الممكن لهذا الشاب أن يختار حياةً أخرى، فهو ابن حسب ونسب ومال، وصاحب علم درس في أحسن الجامعات، ولكنه ترك كل ذلك لقضية أخرى، عاش في سبيلها حين تراخت الجيوش العربية، ومات في سبيلها فكان آخر عقبة تقف في وجه الصهاينة قبل إعلان قيام إسرائيل على أرض فلسطين.

الحديث عن عبد القادر الحسيني، قائد المجاهدين وابن شيخ المجاهدين من أجل قضية القدس.

أبوه كان يحمل لقب "باشا" للمهامّ الكبرى التي تولاها لصالح الدولة العثمانية، في الأناضول، ونجد، وعسير، وشرقي نهر الأردن، وكان آخر مناصبه رئاسة بلدية القدس التي تولاها عام 1918، ليقود النضال ضد الإنجليز ويحرك المظاهرات احتجاجًا على وعد بلفور حتى عزلوه عن منصبه أولًا، ثم نال الشهادة ضربًا بهَراواتهم عام 1934.

كان هذا هو الأب، فماذا عن الابن؟

درس الابن عبد القادر المولود عام 1908 القرآن في زاوية في القدس، ثم في مدرسة روضة المعارف الابتدائية، ومنها إلى مدرسة "صهيون" الإنجليزيّة في القدس (نسبة إلى التلة التاريخية المشرفة على المدينة)، وعندما جاء أوان الجامعة، سافر إلى لبنان ليلتحق بالجامعة الأميركية في بيروت، لكنه كان- كوالده في ذلك الوقت- منخرطًا في النشاط السياسي، مطالبًا باستقلال فلسطين، ومحتجًا على وعد بلفور، فما لبثت الجامعة أن طردته، فشدّ رحاله إلى القاهرة، ليدرس في الجامعة الأميركية بها، وهناك أسس رابطة للطلاب، ولكنه كتم مواقفه السياسية حتى لا يحرم من نيل شهادته، وبالفعل، عندما نال شهادة في الكيمياء، قام في احتفال التخرج بالجامعة ليعلن أن تلك الجامعة لعنة بما تبثّه في عقول الطلاب من سموم، فما كان من الإدارة إلا أن أعلنت تجريده من شهادته، فخرجت مظاهرة كبرى انتصارًا له، فتراجعت الجامعة عن قرارها، ولكن رئيس الوزراء المصري إسماعيل صدقي قرّر إبعاده عن البلاد عام 1932.

في بلاط الصحافة

خلال دراسته الجامعية وبعدها، بدأ في كتابة المقالات الصحفية.. مقالاته كانت جريئة حادة، وإغلاق الصحف كان الحل الدائم للمستعمرين.. حدث هذا في جريدة "الجامعة الإسلامية" التي أنشأها الشيخ سليمان التاجي الفاروقي، وكان عبد القادر سكرتير تحرير لها، ثم في جريدة "الجامعة العربية" التي أصدرها منيف الحسيني في القدس، ثم في جريدة "اللواء" لسان حال الحزب العربي الفلسطيني الذي شارك في تأسيسه.

وفي مرحلة تالية من حياته سيؤسس محطة إذاعية في رام الله، هدفها حشد الناس للانضمام للمقاومة المسلحة، ودعمها بالمال والعتاد، وفي تلك الأيام شهدت فلسطين أطول إضراب في تاريخها، وكان إرهاصًا بموجة عاتية من الجهاد المسلح، بدأ في التخطيط له وتفعيله عبد القادر الحسيني.

وقد عمل بعد عودته عام 1932 تحت قيادة والده الذي كان أحد قادة الحركة الوطنيّة الفلسطينية، ودفع ثمنًا لها منصبه كرئيس لبلدية القدس، لكن بعد عامين فقط استشهد والده الشيخ الكبير متأثرًا بهراوات الإنجليز التي لا توقر شيخًا ولا ترحم ضعيفًا، فسقط مغشيًا عليه أولًا، ثم ما لبث أن فارق الحياة بعد أيام، وترك لعبد القادر مواصلة العمل.

انضمّ بعدها إلى الشيخ عزالدين القسام، فتولى تدريب مجاهدي وحدات "الجهاد المقدس" لبدء الجهاد المسلح ضد الإنجليز والعصابات الصهيونية، وقاد معه- ثم بعد استشهاده عام 1936 وحتى العام 1939- كثيرًا من العمليات الفدائية ضد القوات البريطانية، وتقول بعض المراجع: إن الحسيني كان أول من أطلق النار إيذانًا ببدء الثورة على الاستعمار البريطاني عام 1936 عندما هاجم في مايو/أيار من ذلك العام ثُكنة عسكرية إنجليزية في "بيت سوريك" شمال غربي القدس، ثم انتقل من هناك إلى القسطل، بينما تحركت خلايا الثورة في كل مكان في فلسطين.

وفي العام 1946 وصل إلى مصر في رحلة قيل إن هدفها المعلن هو علاج جراحه القديمة التي أثرت عليه، ولكنه في واقع الأمر لم يكتفِ بذلك، فسرعان ما كان على اتصال بالقوى المصرية والعربية المهتمّة بقضية فلسطين التي كانت تدخل منعطفًا جديدًا مع قرار التقسيم الذي أصدرته الأمم المتحدة عام 1947

ومن أهم ما نفذه هو ورجاله في تلك الفترة، إلقاء قنبلة على منزل السكرتير العام لحكومة فلسطين تلتها قنبلة على المندوب السامي البريطاني، ثم محاولة اغتيال قائد الشرطة البريطاني في القدس آلان سيكريست التي نفذها رجاله، ومهاجمة القطارات الإنجليزية، حتى كانت معركة "الخضر" (1936) التي أصيب فيها إصابة بالغة، وأسره الإنجليز، وساقوه إلى المستشفى العسكري في القدس مكبلًا بقيوده، لكنه أفلت من الأسر وفرّ إلى دمشق مستكملًا علاجه هناك.

وبعد تصاعد الثورة المسلحة في فلسطين عام 1938، تسلل الحسيني عائدًا إلى بلاده، وشارك في القتال، لكنه أصيب إصابة خطيرة أخرى في معركة كبيرة بمنطقة بني نعيم، فتم نقله سرًا إلى مستشفى الخليل حيث تلقى العلاج.

لم يعش الحسيني حياته القصيرة إلا مجاهدًا ومدافعًا عن الحرية، سواء كان في ميدان القتال في فلسطين الذي أصيب فيه عدة مرات، أو في المنفى الذي اضطر إليه مرات عديدة، ولا سيما وقد أصبح محكومًا بالإعدام من القوات البريطانية في فلسطين.

بعد إحدى إصاباته داواه أصحابه في مستشفى الخليل، ثم نقلوه سرًا إلى لبنان، ومنها إلى العراق بجواز سفر "عراقي"، وكان ذلك في مرحلة دخلت فيها الثورة المسلحة التي بدأت عام 1936 في الفشل بسبب اندلاع الحرب العالمية الثانية التي جعلت الحصول على السلاح صعبًا ومكلفًا، ونقلت اهتمام العرب والعالم إلى مناطق أخرى.

في بداية وصوله للعراق، عمل مدرسًا للرياضيات، ولكنه انتهز الفرصة عام 1940 ليدرس في كلية الضباط الاحتياط هناك، ويتخرج فيها ضابطًا بعد ستة أشهر، ثم ما لبث بعد ذلك أن انخرط في أعمال مقاومة مسلحة ضد الإنجليز في العراق؛ دعمًا لحكومتها الشرعية التي يقودها رشيد كيلاني، فأدى ذلك إلى أحكام بالسجن والنفي، استمرت نحو عامين، قبل أن يتدخل ملك السعودية عبد العزيز آل سعود للإفراج عنه عام 1943، فأقام هناك نحو سنتين ضيفًا على حكومتها.

وفي العام 1946 وصل إلى مصر في رحلة قيل إن هدفها المعلن هو علاج جراحه القديمة التي أثرت عليه، ولكنه في واقع الأمر لم يكتفِ بذلك، فسرعان ما كان على اتصال بالقوى المصرية والعربية المهتمّة بقضية فلسطين التي كانت تدخل منعطفًا جديدًا مع قرار التقسيم الذي أصدرته الأمم المتحدة عام 1947، وهكذا أنشأ مركزًا لتدريب المجاهدين على الحدود بين مصر وليبيا، وبدأ ينظم عمليات تدريب وتسليح وتمويل المقاومة في فلسطين، وانضم إليه المتطوعون من أحزاب كمصر الفتاة وجماعة الإخوان، وحاولت الحكومة المصرية إبعاده فلم تستطع تحت الضغط الشعبي، وفي هذه المرحلة أشرف على تأسيس "جيش الجهاد المقدس" الفلسطيني، وبدأ المقاتلون ينضمون له من داخل فلسطين ومن مصر وسوريا وغيرها من الدول العربية.

الحسيني نفسه تسلل مجددًا في تلك الفترة الحرجة إلى فلسطين، وجعل من "بير زيت" مركزًا لعملياته، وأنشأ محطة إذاعة للحشد للقتال ودعم الروح المعنوية للمقاتلين، وأنشأ أيضًا محطة لاسلكية وطوّر شفرة للتواصل بين المجاهدين، ونظم فرق مخابرات لجمع المعلومات عن التحركات الصهيونية، كما أنشأ معملًا لتصنيع المتفجرات، وحقق في تلك الفترة انتصارات متتالية وأوقع خسائر مؤلمة بالعصابات الصهيونية، لكن هذا لم يكن كافيًا.

لم ينقص الحسيني الدعم الشعبي، فقد حظي بحفاوة جارفة في العالم العربي الذي يحس بالخطر الداهم، لكنْ خذله أمران: المال والخلافات بين الدول العربية، حيث لم يوفر له هؤلاء ما يحتاجه الجيش من سلاح وتمويل بعد أن طالبهم مرارًا، فكتب للجامعة العربية رسالته الأخيرة التي قال فيها: إنني ذاهب إلى القسطل، وسأقتحمها وأحتلها، حتى لو أدّى ذلك إلى موتي، والله لقد أصبح الموت أحب إليّ من هذه المعاملة التي تعاملنا بها الجامعة العربية.. أصبحت أتمنى الموت قبل أن أرى اليهود يحتلون فلسطين".

كانت القسطل هي الانتصار الأخير للحسيني قبل سقوط فلسطين، وإعلان قيام الدولة اليهودية، وشاء له الله ألا يرى ذلك اليوم، فقد سقط شهيدًا في هذه المعركة بعد أن نجح مع رجاله في تحرير القسطل بأسلحتهم البدائية، وقتلوا أكثر من 150 صهيونيًا، وذلك في الثامن من أبريل 1948، وكان عمره وقتها 40 عامًا.

في اليوم التّالي، الجمعة 9 أبريل 1948 احتشدَ عشرات الآلاف في جنازة كانت الكبرى في تاريخ فلسطين، وبحضور رسميّ كبير، ونعته الهيئةُ العربية العليا لفلسطين، فقالت: إنه البطل الذي خاض معارك الجهاد في سبيل الدفاع عن فلسطين منذ عام 1936م، ولم يخسر معركة واحدة في حياته حتى التي استشهد فيها"، وقد دفن في القدس إلى جوار والده في اللحظة نفسها التي كان الصهاينة فيها يرتكبون مذبحة "دير ياسين".

بعد شهر واحد من ذلك التاريخ، وفي الرابع عشر من مايو 1948 حلّت النكبة، وأُعلن قيام دولة الكيان الصهيوني، بعد أن سقط الرجل الذي كان حجرَ عثرة كبيرًا أمامها، ولكن هل مات، حقًا، رجل أشعل جذوة للجهاد والمقاومة لا تزال قائمة حتّى اليوم؟

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssجميع الحقوق محفوظة © 2023 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: عبد القادر فی فلسطین فی القدس فی تلک

إقرأ أيضاً:

برعاية وزيرة البيئة.. افتتاح نسخة الشرق الأوسط من الأيام البحثية لدراسات الدكتوراه في جامعة الروح القدس

افتتحت جامعة الروح القدس – الكسليك النسخة الثالثة من "الأيام البحثية لدراسات الدكتوراه، نسخة الشرق الأوسط 2025"، في حرمها الرئيسي في الكسليك، من تنظيم المعهد العالي للدكتوراه في الجامعة، برعاية وزيرة البيئة الدكتورة تمارا الزين وحضورها، وبدعم من وزير الزراعة الدكتور نزار هاني، خرّيج جامعة الروح القدس – الكسليك، الذي سيلقي كلمة في ختام اليوم الأخير من الفعالية.

شارك في حفل الافتتاح، إلى جانب الوزيرة الزين، ممثلة وزير الزراعة، رئيسة مصلحة الصناعات الزراعية في وزارة الزراعة المهندسة مريم عيد، ورئيس الجامعة الأب الدكتور طلال هاشم، وعميدة معهد الدكتوراه البروفسورة رانيا سلامة، إلى جانب عدد من الآباء وأعضاء مجلس الجامعة، والباحثين والدكاترة وشخصيات دبلوماسية، وممثلين عن الجامعات المشاركة والداعمين والشركاء وطلاب الدكتوراه.

تُعدّ "الأيام البحثية لدراسات الدكتوراه" مبادرة علمية رائدة هي الأولى من نوعها في الجامعات اللبنانية، أطلقتها جامعة الروح القدس - الكسليك بهدف دعم طلاب الدكتوراه، وتسليط الضوء على أبحاثهم ومساهماتهم العلمية. ويمتد الحدث على مدى ثلاثة أيام، يجتمع خلالها طلاب دراسات عليا من مختلف الاختصاصات والمؤسسات الأكاديمية في لبنان والمنطقة، في مساحة حوارية تهدف إلى تبادل المعرفة وتعزيز التعاون البحثي.

ويمثل هذا الحدث منصة متقدمة لعرض نتائج الأبحاث ومناقشتها بين الزملاء والأكاديميين والخبراء، مما يسهم في تطوير قدرات الباحثين الشباب، وتشجيعهم على الانخراط في بيئة علمية نشطة وعابرة للتخصصات. كما يسعى إلى تعزيز التواصل بين المختبرات والمراكز البحثية داخل لبنان وخارجه.

وقد اكتسبت هذه المبادرة بعدًا وطنيًا وإقليميًا متناميًا خلال نسختيها السابقتين، وشهدت هذا العام مشاركة واسعة من نخبة الجامعات في لبنان والشرق الأوسط، وهي: جامعة الأردن، جامعة عين شمس، جامعة سنغور في الإسكندرية، الجامعة الفرنسية في مصر، جامعة الشارقة (الإمارات العربية المتحدة)، جامعة قبرص، الجامعة الأمريكية في بيروت (AUB)، الجامعة اللبنانية الأمريكية (LAU)، الجامعة اللبنانية (UL)، جامعة القديس يوسف (USJ)، جامعة بيروت العربية (BAU)، جامعة البلمند، جامعة الحكمة، الجامعة الأنطونية، جامعة سيدة اللويزة (NDU)، الجامعة العربية المفتوحة (A.O.U)، وجامعة الروح القدس – الكسليك (USEK).

كما حظي الحدث هذا العام بدعم شركاء علميين ومؤسسات دولية مرموقة، منها: المركز الوطني للبحوث العلمية، الوكالة الجامعية للفرنكوفونية، السفارة الفرنسية والمعهد الفرنسي، جامعة حمد بن خليفة، مكتبة لبنان ناشرون، ومؤسستا "لابيز" و"نوميلاب".

وإلى جانب العرض الأكاديمي، يشهد الحدث تكريمًا للمشاركين المتميزين من خلال جوائز علمية ومالية وفرص تنقل أكاديمي، ما يشكّل حافزًا إضافيًا على التميز والابتكار في البحث العلمي.

في جوهرها، تهدف هذه المبادرة إلى ترسيخ ثقافة البحث العلمي، وتعزيز موقع لبنان كمركز أكاديمي إقليمي في مجال الدراسات العليا، والارتقاء بجودة الأبحاث الجامعية لتكون أكثر فعالية في معالجة التحديات الراهنة وتحفيز التفكير العلمي المسؤول في خدمة المجتمع والمنطقة.

الافتتاح

البروفسورة سلامة

بدأ الافتتاح بكلمة لعريفة الحفل الإعلامية سيتريدا بعينو التي رحّبت بالحضور، ثم تحدثت عميدة معهد الدكتوراه في الجامعة البروفسورة رانيا سلامة، مؤكدة "أن ما يميز هذه النسخة هو بعدها الإقليمي والدولي المعزّز، حيث خُصّصت لدينامية جغرافية وثقافية محددة تجمع التحديات والفرص على حدّ سواء. وأكدت أن الجامعة تؤمن بأن البحث العلمي لا يولد في عزلة، بل ينمو من خلال الحوار وتبادل الأفكار والانفتاح على تنوع المنهجيات والخلفيات".

وأشارت إلى أنه "على مدى السنوات الثلاث الماضية، حملت هذه المبادرة رسالة واضحة: التعاون الأكاديمي والانفتاح الفكري بين باحثين شباب من خلفيات متنوعة، يجمعهم الواقع الإقليمي نفسه"، لافتة إلى "أن إنشاء منصات عابرة للحدود لم يعد ترفًا، بل ضرورة، في مواجهة التحديات المعاصرة".

كما شدّدت على "أن اختيار الأبحاث تم وفق معايير علمية دقيقة، لضمان تنوع المواضيع والتخصصات والخلفيات الثقافية، مع تحقيق توازن جغرافي يعكس روحية التعاون الإقليمي". وأكدت "أن الهدف لا يقتصر على عرض الأبحاث، بل يمتد إلى خلق أثر طويل الأمد على بيئة البحث العلمي في لبنان والمنطقة، عبر تمكين الباحثين من فرص حقيقية للتعاون، والتمويل، والانفتاح على القطاعين الأكاديمي والمهني".

الأب هاشم

أما رئيس جامعة الروح القدس – الكسليك الأب الدكتور طلال هاشم، فأكد "أن هذا الحدث بات منبرًا سنويًا يُجسّد جوهر البحث العلمي ودوره الحيوي في بناء مستقبل أكثر إشراقًا من خلال تبادل المعرفة وتعزيز الحوار الأكاديمي".

وأشار الأب هاشم إلى "أن هذه المبادرة لا تقتصر على عرض الإنجازات الأكاديمية، بل تُكرّس الاحتفاء بجهود الباحثين الشباب الذين يشكّلون الأمل بمستقبل قائم على الابتكار والمسؤولية". وأضاف: "نحن في جامعة الروح القدس - الكسليك نضع دعم الباحثين في صميم رسالتنا، ونؤمن بقدرتهم على إيجاد حلول واقعية للتحديات التي تواجه منطقتنا والعالم"، مشدّدًا على "أن شعار هذه السنة، "عندما نتقاسم المعرفة، نبني المستقبل"، يعكس التزام الجامعة ببناء ثقافة بحثية عابرة للحدود وغنيّة بالتنوع الفكري."

ونوّه بالدور المحوري للشركاء المحليين والدوليين الذين يشاطرون الجامعة قيمها، مشدّدًا على "أن تبادل المعرفة والانفتاح يشكّلان أدوات فعالة ليس فقط في تطوير البحث، بل أيضًا في بناء مجتمعات أكاديمية ملتزمة وأخلاقية".

وختم بالتأكيد على أن النزاهة الفكرية والمسؤولية الأخلاقية يجب أن تكون البوصلة الدائمة لأي عمل بحثي، داعيًا إلى ترسيخ ثقافة علمية قائمة على الشفافية والمساءلة والضمير الحي.

الوزيرة الزين

في ختام الافتتاح تحدثت راعية الحفل وزيرة البيئة الدكتورة تمارا الزين التي حيّت جامعة الروح القدس – الكسليك على تنظيم هذا الحدث العلمي النوعي، مشيرة إلى أنه "ليس مجرد نشاط سنوي، بل محطة لتحويل البحث العلمي من شأن أكاديمي إلى رافعة وطنية وتنموية".

واعتبرت "أن خصوصية هذا الحدث تنبع من استمراريته وتطوره، مؤكدة أننا "نشعر دائمًا في هذه الجامعة أننا في بيتنا".

وأشارت الزين إلى أن إدراج البحث العلمي في البيان الوزاري للحكومة اللبنانية لأول مرة، شكّل محطة مفصلية، قائلة: "كنت حريصة على أن تُذكر منظومة البحث العلمي بوضوح، ووجدت تجاوبًا كبيرًا. لم يعد مقبولًا في عام 2025 أن نركّز فقط على التربية والتعليم العالي من دون أن نعطي البحث العلمي حقه، كونه الرابط بين الأكاديميا، والإنتاج المعرفي، والسياسات العامة".

وتوقفت الزين في كلمتها عند واقع البحث العلمي، لا سيما في المجال البيئي، مشيرة إلى ضعف ملحوظ في أعداد الأبحاث والمشاريع الأكاديمية المرتبطة بهذا القطاع الحيوي. وقالت: "على مدى سنوات، تابعنا العديد من مشاريع الدكتوراه، معظمها ركز على التكنولوجيا والعلوم الأساسية، في حين ظلّ الحضور العلمي في مجالات البيئة، والزراعة، والعلوم الاجتماعية محدودًا جدًا، إن لم يكن شبه غائب".

ودعت إلى "إعادة توجيه البوصلة البحثية نحو القضايا البيئية والتحديات المحلية"، مؤكدة أن "مهمة الباحثين لا تقتصر على مواكبة التوجهات العالمية، بل تقوم أيضًا على الموازنة بينها وبين أولويات المجتمع المحلي".

في مقاربة للمشهد البيئي على الصعيد العالمي، رأت الوزيرة الزين أن القضايا المناخية والبيئية تشهد تعقيدًا متزايدًا، إذ باتت النقاشات تتركز على الحد من التلوث والتغير المناخي، بينما يتم تجاهل جوهر المشكلة. وأوضحت: "نتعامل مع أزمة من نوع آخر، تتمثل في سباق تكنولوجي وصناعي وهيمنة سياسية من خلال التكنولوجيا".

وأضافت: "إن هذا السباق لا يقتصر على السياسات الدولية، بل يمتد إلى الصناعة نفسها، التي باتت تعتمد بشكل واضح على نمط استهلاكي قصير الأمد، قائلة: "نحن نشهد توجهًا صناعيًا مبرمجًا يجعل من الطبيعي أن نشتري منتجًا ونحن نعلم مسبقًا أنه سيفقد صلاحيته أو يُستبدل خلال فترة وجيزة".

كما سلّطت الضوء على ظاهرة "التقادم" التي باتت سمة لصيقة بالمنتجات الحديثة، موضحة "أنها لم تعد مجرّد نتيجة طبيعية للتطور، بل أصبحت أداة استهلاكية ممنهجة تدفع المستهلكين نحو الاستبدال الدوري للسلع". وأوضحت "أن هذا المفهوم ينقسم إلى ثلاثة أنواع: التقادم المادي، حيث يتعطل المنتج (كالهاتف مثلًا) نتيجة تلف مكوّن أساسي كالبطارية، ولا يكون استبداله ممكنًا، ما يفرض شراء جهاز جديد، التقادم التقني، ويتمثل بتوقف التحديثات والدعم البرمجي، ما يجعل الجهاز غير قابل للاستخدام بفعالية، والتقادم الثقافي، وهو الأخطر برأيها، حيث تُزرع في أذهان المستهلكين فكرة أن امتلاك أحدث طراز من أي منتج هو ضرورة لمواكبة العصر".

وأكدت الزين "أن هذه الظواهر ليست مجرد قضايا اقتصادية، بل ترتبط بجذور اجتماعية وسلوكية وفلسفية عميقة"، متوجهة إلى طلاب الدكتوراه عند إعدادهم أي بحث: "لا تكتفوا بالتحليل الأولي أو التقليدي، بل استخدموا مناهج متعددة التخصصات، وادرسوا ما وراء النص والسياق، لأن أي بحث لا يتخطى حدود تخصصه يبقى تأثيره محدودًا على أرض الواقع".

في سياق حديثها عن مسؤولية الباحث، شددت على ضرورة توسيع النظرة إلى البعد الأخلاقي في البحث العلمي، معتبرة "أن الوقت قد حان لتجاوز المفهوم التقني للأخلاقيات، الذي غالبًا ما يقتصر على عدم الغش أو السرقة الفكرية، لننتقل إلى مفهوم أعمق، يقوم على الفضيلة، أي على الأخلاق التي توجه البحث نحو خدمة الإنسان والمجتمع".

وختمت كلمتها برسالة موجّهة إلى طلاب الدكتوراه، دعتهم فيها إلى التمسك بالقيم الأخلاقية، مؤكدة أن "العلم بلا فضيلة ينفخ ولا يبني". وقالت: "نتعلّم لنتقدّم، لكن لا يجب أن يكون التقدّم هدفًا للهيمنة أو التسلّط، بل وسيلة لبناء المعرفة وخدمة المجتمع وبناء الأوطان كما نحلم بها ونحبّها".

عيد

وأكدت ممثلة وزير الزراعة الدكتور نزار هاني المهندسة مريم عيد "أن مشاركة وزارة الزراعة في هذا الحدث العلمي تعكس التزامها الفعلي بدعم الباحثين والقطاع الأكاديمي".

وقالت: "لا أُلقي كلمة نيابة عن الوزير، بل أحمل رسالة واضحة: وزارة الزراعة ووزيرها شخصيًا إلى جانبكم".

وأضافت: "إن الزراعة "هي نبض الأرض"، وفق تعبير الوزير. وهذه العبارة تحمل في طيّاتها معاني عميقة تتجسّد اليوم في هذا المؤتمر، الذي يُجسّد رؤية الوزارة للقطاع الزراعي للعامين 2025–2026. ومع ختام هذا الحدث العلمي البارز، ستكون لمعالي الوزير كلمة يوضح من خلالها كيف أن الزراعة تُشكّل نمط الأرض وروحها، وأن هذا النبض لا يمكن أن يستمر إلا من خلال البحث العلمي والابتكار. نحن نُعوّل عليكم، والقطاع الزراعي يضع كامل ثقته بكم".

جلسات المؤتمر وبرنامج الختام

هذا وتمتد جلسات "الأيام البحثية لدراسات الدكتوراه" على مدى ثلاثة أيام، وتتوزع على مجموعة واسعة من المحاور العلمية والمعرفية، تشمل: الزراعة والاستدامة البيئية، الصحة والعلوم الطبية، التربية، اللغات والترجمة والتواصل، إضافة إلى عرض ملصقات بحثية في مجالات العلوم الإنسانية، العلوم الأساسية، الاقتصاد وعلوم الأعمال، العلوم الاجتماعية، العلوم التطبيقية والتكنولوجيا، القانون والعلوم السياسية، فضلاً عن محور خاص حول ريادة طلاب الدكتوراه والتزامهم المجتمعي.

ويُختتم الحدث بحفل رسمي يتخلله كلمات لعدد من الشخصيات الأكاديمية والدبلوماسية البارزة، هم: البروفسور نبيل نمر، مدير المركز الأعلى للبحوث ومدير مساعد للعلوم والتكنولوجيا في المعهد العالي للدكتوراه في جامعة الروح القدس – الكسليك، السيدة سابين سيورتينو، مديرة المعهد الفرنسي ومستشارة التعاون والعمل الثقافي في السفارة الفرنسية، السيد جان نويل باليو، مدير الإقليمي للوكالة الجامعية للفرنكوفونية في الشرق الأوسط، الدكتور شادي عبد الله، الأمين العام للمجلس الوطني للبحوث العلمية في لبنان، ووزير الزراعة د. نزار هاني. ثم يتم توزيع الجوائز على الفائزين. مواضيع ذات صلة جامعة الروح القدس تخرج ضباطًا في الجيش من برنامج تدريبي متخصص بـ"إدارة الأزمات" Lebanon 24 جامعة الروح القدس تخرج ضباطًا في الجيش من برنامج تدريبي متخصص بـ"إدارة الأزمات" 21/05/2025 20:21:35 21/05/2025 20:21:35 Lebanon 24 Lebanon 24 وزير الداخلية استقبل وفدا من معهد "الشرق الأوسط للدراسات في واشنطن" Lebanon 24 وزير الداخلية استقبل وفدا من معهد "الشرق الأوسط للدراسات في واشنطن" 21/05/2025 20:21:35 21/05/2025 20:21:35 Lebanon 24 Lebanon 24 مسؤول أميركي: وزارة التعليم أبلغت جامعة هارفارد بتجميد مليارات الدولارات من تمويل المنح البحثية Lebanon 24 مسؤول أميركي: وزارة التعليم أبلغت جامعة هارفارد بتجميد مليارات الدولارات من تمويل المنح البحثية 21/05/2025 20:21:35 21/05/2025 20:21:35 Lebanon 24 Lebanon 24 الرئيس عون واللبنانية الأولى شاركا في رتبة سجدة الصليب في جامعة الروح القدس - الكسليك Lebanon 24 الرئيس عون واللبنانية الأولى شاركا في رتبة سجدة الصليب في جامعة الروح القدس - الكسليك 21/05/2025 20:21:35 21/05/2025 20:21:35 Lebanon 24 Lebanon 24 لبنان أفراح ومناسبات قد يعجبك أيضاً انحرفت سيارتها... حادث سير مروّع في هذه البلدة وسقوط جريحة (صورة) Lebanon 24 انحرفت سيارتها... حادث سير مروّع في هذه البلدة وسقوط جريحة (صورة) 13:15 | 2025-05-21 21/05/2025 01:15:58 Lebanon 24 Lebanon 24 وزير الصحة: الحرب الأخيرة فرضت على النظام الصحي في لبنان أعباء جسيمة Lebanon 24 وزير الصحة: الحرب الأخيرة فرضت على النظام الصحي في لبنان أعباء جسيمة 13:08 | 2025-05-21 21/05/2025 01:08:04 Lebanon 24 Lebanon 24 للاعبي كرة القدم والسلة... بشرى من وزير الشباب والرياضة Lebanon 24 للاعبي كرة القدم والسلة... بشرى من وزير الشباب والرياضة 12:57 | 2025-05-21 21/05/2025 12:57:19 Lebanon 24 Lebanon 24 بعد غارة عيترون.. بيانٌ من وزارة الصحة Lebanon 24 بعد غارة عيترون.. بيانٌ من وزارة الصحة 12:53 | 2025-05-21 21/05/2025 12:53:56 Lebanon 24 Lebanon 24 توغل إسرائيليّ داخل لبنان.. هذا ما حصل عند الحدود Lebanon 24 توغل إسرائيليّ داخل لبنان.. هذا ما حصل عند الحدود 12:52 | 2025-05-21 21/05/2025 12:52:12 Lebanon 24 Lebanon 24 الأكثر قراءة بفستان جريء ومفتوح… نسرين طافش تثير الجدل بإطلالتها اللافتة (صور) Lebanon 24 بفستان جريء ومفتوح… نسرين طافش تثير الجدل بإطلالتها اللافتة (صور) 13:40 | 2025-05-20 20/05/2025 01:40:00 Lebanon 24 Lebanon 24 بتهمة الاحتيال.. الأمن يعتقل ملكة جمال (صورة) Lebanon 24 بتهمة الاحتيال.. الأمن يعتقل ملكة جمال (صورة) 15:20 | 2025-05-20 20/05/2025 03:20:00 Lebanon 24 Lebanon 24 عن 76 عاماً... الموت يُغيّب ممثلاً: فارق الحياة في منزله بسلام Lebanon 24 عن 76 عاماً... الموت يُغيّب ممثلاً: فارق الحياة في منزله بسلام 09:48 | 2025-05-21 21/05/2025 09:48:12 Lebanon 24 Lebanon 24 إشتباكات في الضاحية.. ماذا يجري هناك؟ Lebanon 24 إشتباكات في الضاحية.. ماذا يجري هناك؟ 11:19 | 2025-05-21 21/05/2025 11:19:28 Lebanon 24 Lebanon 24 بعد زواج استمر 26 عاماً.. نجم شهير يُعلن انفصاله عن زوجته الإعلامية (صور) Lebanon 24 بعد زواج استمر 26 عاماً.. نجم شهير يُعلن انفصاله عن زوجته الإعلامية (صور) 03:45 | 2025-05-21 21/05/2025 03:45:41 Lebanon 24 Lebanon 24 أخبارنا عبر بريدك الالكتروني بريد إلكتروني غير صالح إشترك أيضاً في لبنان 13:15 | 2025-05-21 انحرفت سيارتها... حادث سير مروّع في هذه البلدة وسقوط جريحة (صورة) 13:08 | 2025-05-21 وزير الصحة: الحرب الأخيرة فرضت على النظام الصحي في لبنان أعباء جسيمة 12:57 | 2025-05-21 للاعبي كرة القدم والسلة... بشرى من وزير الشباب والرياضة 12:53 | 2025-05-21 بعد غارة عيترون.. بيانٌ من وزارة الصحة 12:52 | 2025-05-21 توغل إسرائيليّ داخل لبنان.. هذا ما حصل عند الحدود 12:46 | 2025-05-21 اللجنة الأهلية للمستأجرين رحبت بقرار المجلس الدستوري المتعلق بالإيجارات غير السكنية فيديو سيارة فاخرة وذهب.. حسين الديك يتلقى هدية خيالية من معجب وهذا ما قاله عن سوريا (فيديو) Lebanon 24 سيارة فاخرة وذهب.. حسين الديك يتلقى هدية خيالية من معجب وهذا ما قاله عن سوريا (فيديو) 04:03 | 2025-05-21 21/05/2025 20:21:35 Lebanon 24 Lebanon 24 بفستان مكشوف.. ميريام فارس تُحيي حفل خطوبة ابنة رجل أعمال شهير (فيديو) Lebanon 24 بفستان مكشوف.. ميريام فارس تُحيي حفل خطوبة ابنة رجل أعمال شهير (فيديو) 02:50 | 2025-05-21 21/05/2025 20:21:35 Lebanon 24 Lebanon 24 أطلت وهي تبكي وتتوسل.. فنانة تركية تُناشد أردوغان وزوجته إليكم السبب (فيديو) Lebanon 24 أطلت وهي تبكي وتتوسل.. فنانة تركية تُناشد أردوغان وزوجته إليكم السبب (فيديو) 00:23 | 2025-05-19 21/05/2025 20:21:35 Lebanon 24 Lebanon 24 Download our application مباشر الأبرز لبنان خاص إقتصاد عربي-دولي بلديات 2025 متفرقات أخبار عاجلة Download our application Follow Us Download our application بريد إلكتروني غير صالح Softimpact Privacy policy من نحن لإعلاناتكم للاتصال بالموقع Privacy policy جميع الحقوق محفوظة © Lebanon24

مقالات مشابهة

  • مايكروسوف تحظر رسائل البريد التي تحتوي على كلمات فلسطين وغزة
  • كيف استدرجت سرايا القدس قوة إسرائيلية إلى كمين مركب بخان يونس؟
  • المقاومة الفلسطينية تؤكد : استمرار الضربات الصاروخية اليمنية تفتح جبهة جديدة مباشرة تربك حسابات العدو (تفاصيل)
  • برعاية وزيرة البيئة.. افتتاح نسخة الشرق الأوسط من الأيام البحثية لدراسات الدكتوراه في جامعة الروح القدس
  • فصائل المقاومة الفلسطينية تحيي الشعب اليمني وتدعو قادة الأمة العربية والإسلامية للخروج من حالة الصمت المريب
  • فصائل المقاومة الفلسطينية توجه التحية للجيش اليمني وأنصار الله على الوقفة الصادقة لإسناد الشعب الفلسطيني
  • رئيس الجامعة الأميركية في بيروت يُدرج بقائمة الشخصيات العالمية المؤثرة
  • لجان المقاومة الفلسطينية: قرار الحظر اليمني خطوة استراتيجية لردع العدو
  • إنجازٌ نادرٌ على المستوى العربي...رئيس الجامعة الأميركية في بيروت يُدرج بقائمة الشخصيات العالمية المؤثرة
  • تحيةً للشيخ المعمم الذي نعى الشاعر موفق محمد عبر المنبر الحسيني الشريف ..