ترجمة: أحمد بن عبدالله الكلباني -

هناك قصة مشهورة حول مؤسس ما يعرف بـ«الصهيونية الجديدة» وهو الصحفي «تيودور هرتزل» الذي عاش في فيينا نهايات القرن التاسع عشر، كان ينظر إلى أن خلاص اليهود من أوروبا يتمثل في إقامة دولة لهم، ولكن فكرته ظلت لسنوات كفكرة ليس لها أهمية أو قبول بين اليهود المقيمين في أوروبا، حتى بعد المحرقة، في حين أن أفكاره بعد مدة أثار حماس بعض الزعماء اليهود.

وكان من بين الزعماء اليهود الذين دهشوا من أفكار «هرتزل» كبير الحاخامات في فيينا، وقرر زيارته في شقته في أيام شهر ديسمبر حينها، ولكن كبير الحاخامات وجد في شقة «هرتزل» شجرة كريسمس، وتقول الحكاية أن الحاخام خرج من الشقة ولم يدر بينه وبين «هرتزل» أي حوار أبدا، وفي اعتقاده أن من يهتم كثيرا بعادات المسيح لن يكون بشكل من الأشكال منقذا لليهود. هذه قصة واحدة من القصص الكثيرة التي تعكس مدى اختلاف الآراء داخل المجتمع اليهودي حول السياسة الصهيونية، فمنذ الأيام الأولى التي طرح فيها «هرتزل» فكرة إقامة دولة يهودية كانت هناك انقسامات في صفوف المجتمع اليهودي وخلافات حول ما إذا كان اليهود فعلا بحاجة إلى إقامة دولة بشكل رئيسي. لا يزال هذا الانقسام واقعا إلى اليوم، منذ ذلك الحين، فما زالت أعداد كبيرة من اليهود المقيمين خارج «الدولة اليهودية»، وهم بأعداد تقارب أعداد اليهود في إسرائيل، ترفض فكرة الأيديولوجية الصهيونية الحديثة، بالتالي ترفض الهجرة إلى إسرائيل. ورغم الخلاف الحاد والكبير داخل المجتمع اليهودي بذاته حول «الصهيونية»، إلا أن الحكومة الإسرائيلية وحلفاءها ومنذ فترة طويلة تروج لفكرة أن معاداة «الصهيونية» هي ذاتها معاداة «السامية»، وأن الأمرين وجهان لعملة واحدة، وقد تزايد هذا الخلط بين الأمرين بشكل كبير خلال الشهر الماضي مع احتدام الصراع والقتال في غزة، في محاولة لترويج أن من يعادي موقف إسرائيل فإنما هو شخص معادٍ «للسامية».

وحول هذا الأمر تحدث البروفيسور «آفي شلايم»، وهو أحد العلماء الإسرائيليين المعروفين بأنهم «مؤرخون جدد»، عن الاختلافات بين معاداة «الصهيونية»، ومعاداة «السامية»، وذلك عبر مقطع فيديو انتشر في مواقع التواصل الاجتماعي، حيث قال: إن معاداة السامية تعني كراهية الشعب اليهودي لأنهم فقط «يهود»، أما معاداة «الصهيونية» فهي تعني معارضة واحد من أمرين، إما الأيديولوجية الصهيونية، أو معاداة سياسات الحكومة الإسرائيلية، والأمر الأخير هو الأكثر شيوعا.

كما أشار إلى أن معاداة السامية هو شكل بشع من الكراهية لا يجب تبريره بأي حال من الأحوال، أما معاداة الصهيونية يكون مستندا إلى البراهين.

أما الحكومة الإسرائيلية ومن يؤيدها فهم في سعي متواصل لترويج فكرة أن معاداة الصهيونية تؤدي إلى حرمان اليهود من العيش في دولة خاصة بهم لأنهم فقط «يهود»، وبالتالي -بوجهة نظرهم- فإن معاداة الصهيونية هي معاداة السامية لأنها ببساطة تقصد مجموعة محددة.

إلا أن حجج الحكومة الإسرائيلية لا أساس لها من الصحة أبدا؛ لأن القضية ليست في تقرير اليهود لمصيرهم، بل في كيف تسعى الصهيونية إلى ممارسة «حق المصير» على حساب «حق مصير» شعب آخر وفي مكانه.

إنها قضية عميقة، فكيف لحكومة إسرائيل أن تتعمد صناعة الخلط بين معاداة الصهيونية ومعاداة السامية، كل ذلك من أجل إسكات أي صوت منتقد لحكومتها وأي صوت منتقد لسياسات الاحتلال التي تنتهجها ضد الفلسطينيين.

ومثال ذلك بشكل واضح ما حدث في وقت مبكر من حرب غزة، حيث دعا الأمين العام للأمم المتحدة إلى وقف إطلاق النار، حمايةً للمدنيين، وبشكل مباشر أتهمه أحد ممثلي الحكومة الإسرائيلية بأنه معاد للسامية، وهذا يدل بوضوح أن إسرائيل لديها استراتيجية لصنع هذا الخلط بين الأمرين، بهدف صد الانتقادات -المشروعة بطبيعة الحال- التي توجه إلى إسرائيل.

إن العلاقات الدبلوماسية بين إسرائيل واليمين المتطرف هي ذاتها قد فرقت بين معاداة السامية ومعاداة الصهيونية، حيث سمحت بأن يروج اليمين المتطرف لأفكاره المعادية للسامية دون الوقوع في مشاكل لعقود من الزمن، وطالما أدعى اليمين المتطرف في كافة دول العالم أنهم مؤيدون لإسرائيل، في حين أنهم معادون للسامية بشكل مباشر أو غير مباشر، ومنهم «فيكتور أوربان» رئيس المجر واحد من أكثر المؤيدين لإسرائيل في الاتحاد الأوروبي، إلا أنه معادٍ للسامية في داخله.

واليوم تخلط إسرائيل بين الأمرين، حتى أن «إيلون ماسك» قد وجد نفسه في مأزق مؤخرا بعد أن وافق على التعليقات المعادية للسامية في منصته «إكس» للتواصل الاجتماعي -تويتر سابقا- ومنذ حينها وهيئات الرقابة على وسائل الاعلام تقول بأن «معاداة السامية» تزدهر على «إكس»، المنصة التي يجب أن تكون مكانا لحرية التعبير كما يقول «ماسك»، وعلى ضوء ذلك هرب كبار المعلنين عن المنصة، وليتفادى «ماسك» هذا الهروب أعلن أن استخدام عبارات مثل «إنهاء الاستعمار»، و«من النهر إلى البحر» وغيرها في دعم فلسطين أنها عبارات تنتهك قواعد استخدام المنصة، بالتالي المنع من النشر في المنصة، كما سارع «ماسك» إلى تبني مواقف مؤيدة لإسرائيل، متأملا أنه بذلك سيجعلها تنسى ميوله المعادية للسامية، ما يحدث لإيلون ماسك نتيجة للخلط الذي تقوم به الحكومة الإسرائيلية بين معاداة السامية ومعاداة الصهيونية.

لم يقم كل اليهود في العالم بانتخاب الحكومة الإسرائيلية لتمثلهم جميعا، وذلك نظرا للطبيعة المتنوعة لليهود اليوم التي تجعل أمر انتخاب كافة اليهود مستحيلا، ورغم ذلك فإن إسرائيل تتحدث باسم كافة اليهود في العالم لتوفر لها غطاء على سياستها مع الفلسطينيين.

ومع هذا السعي الإسرائيلي لتصوير أن معاداة السامية والصهيونية أمر واحد، تصاعدت معاداة السامية فعلا في مختلف أنحاء العالم، هذا الأمر يُوَلِّد الحاجة في أن تقوم المجتمعات اليهودية بمحاسبة إسرائيل، ولكن يبدو أن هذا أمر بعيد المنال.

جوزيف دانا رئيس تحرير سابق لمجلة «إيمرجي 85»

ترجمة من آسيا تايمز

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الحکومة الإسرائیلیة معاداة السامیة بین معاداة

إقرأ أيضاً:

انضمام ويتكوف وكوشنر لاجتماع الحكومة الإسرائيلية

ذكرت قناة العربية منذ قليل، بإن مبعوثا الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ستيف ويتكوف،  وجاريد كوشنر،  انضموا لاجتماع الحكومة الإسرائيلية.

رئيس الكنيست يوجه دعوة رسمية لترامب لإلقاء خطاب إسرائيل ترفض تسليم جثمان السنوار في إطار الصفقة

وعلى صعيد آخر، أبدى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، اليوم الخميس، سعادته بدخول اتفاق إنهاء حرب غزة حيز التنفيذ.

وقال ترامب في تصريحاتٍ تناقلتها وكالات الأنباء الدولية :"هذا يوم عظيم في الشرق الأوسط".

ودفعت الدولة المصرية بعشرات الشاحنات المحملة بآلاف الأطنان من المساعدات لغزة، في اليوم لدخول اتفاق إنهاء الحرب حيز التنفيذ.

ويأتي التحرك المصري في إطار جهود القاهرة لإنهاء حربٍ سفكت دماء أهالي القطاع على مدار عامين. 

وقال اللواء خالد مجاور، محافظ شمال سيناء، إن مصر لم تتوقف عن دعم الفلسطينيين في قطاع غزة.

واضاف نعمل على إدخال مزيد من المساعدات إلى غزة على مدار الساعة".

قال الرئيس الفلسطيني محمود عباس "ابو مازن"، اليوم الخميس، إنهم يتطلعون إلى التزام جميع الأطراف بتنفيذ المرحلة الأولى من اتفاق غزة
ورحّب أبو مازن بالتوصل إلى اتفاقٍ يُنهي حرب غزة، ووجه الشكر للوسطاء وعلى رأسهم مصر.
قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، اليوم الخميس، إن تركيا ستشارك في جهود مراقبة تنفيذ وقف إطلاق النار في غزة.

وأضاف "تركيا ستسهم في عادة إعمار غزة، وعلى إسرائيل السماح بإدخال المساعدات لغزة وسنتابع تنفيذ بنود الاتفاق".

مقالات مشابهة

  • الحكومة البريطانية تطلب تشديد الإجراءات ضد معاداة السامية بالجامعات
  • كيف تُغذّي حرب نتنياهو على الإسلام معاداة السامية في أوروبا؟
  • الحكومة الإسرائيلية تصدق على قرار وقف النار في قطاع غزة
  • عاجل.. الحكومة الإسرائيلية توافق على اتفاق وقف إطلاق النار في غزة
  • الحكومة الإسرائيلية تصدّق رسميا على اتفاق غزة
  • الحكومة الإسرائيلية تبدأ جلسة التصويت على اتفاق وقف إطلاق النار في غزة
  • انضمام ويتكوف وكوشنر لاجتماع الحكومة الإسرائيلية
  • بدء جلسة الحكومة الإسرائيلية للمصادقة على وقف حرب غزة
  • إعلام عبري: جلسة الحكومة الإسرائيلية تأجلت للساعة العاشرة
  • تأجيل تصويت الحكومة الإسرائيلية على اتفاق غزة إلى الثامنة مساء