سكان غزة يبحثون عن أغراضهم تحت الأنقاض
تاريخ النشر: 26th, November 2023 GMT
بعد توقف القتال الذي دام سبعة أسابيع في غزة بموجب هدنة، استغلت تهاني النجار حالة الهدوء أمس السبت لتعود إلى أنقاض منزلها الذي دمرته غارة جوية إسرائيلية قالت إنها أودت بحياة سبعة من أفراد عائلتها وأجبرتها على الاحتماء بأحد الملاجئ.
وبعد مرور أكثر من 24 ساعة على بدء هدنة تستمر أربعة أيام، يشرع الآلاف من سكان غزة في هذه الرحلة الصعبة قادمين من الملاجئ والمخيمات المؤقتة ليتفقدوا ما آلت إليه الأمور في منازلهم.
وقالت تهاني بينما كانت تبحث وسط أنقاض منزلها «وين بدنا نعيش؟ وين بعدنا نروح؟ طبعا ما فيش قاعدين بنلملم (شوية خشب) عشان نعمل هيك خيمة حاجة الواحد يتدارى تحتيها. لكن لا حياة لمن تنادي والله ما فيش أثر اشي يستر عائلة».
وأضافت تهاني (58 عاما)، وهي أم لخمسة أطفال من خان يونس بجنوب القطاع، أن جيش الاحتلال الإسرائيلي سوى منزلها بالأرض من قبل في عامي 2008 و2014.
وسحبت تهاني عدة أكواب سليمة بأعجوبة من الأنقاض، حيث أمكن رؤية دراجة هوائية وملابس مغطاة بالغبار وسط الركام. وقالت «إن شاء الله طاله ينهد ونعمره من تاني».
وبالنسبة للعديد من سكان قطاع غزة البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة، سمح توقف الضربات الجوية والمدفعية للسكان بالتنقل بأمان للمرة الأولى، وتقييم حجم الدمار والسعي للحصول على مساعدات. ووقف آلاف الأشخاص في طوابير بالأسواق المفتوحة ومخازن المساعدات للحصول على بعض المؤن التي بدأت تتدفق على غزة بكميات أكبر في إطار الهدنة.
ويقول مسؤولو الصحة في قطاع غزة الذي تديره حماس إن القصف أدى إلى استشهاد أكثر من 14 ألف شخص، 40 بالمائة منهم أطفال، وتسوية مساحات واسعة من المناطق السكنية بالأرض. وأضافوا ان آلاف الجثث الأخرى ربما لا تزال تحت الأنقاض ولم تُسجل بعد في حصيلة الشهداء الرسمية.
طلب جيش الاحتلال الإسرائيلي الشهر الماضي من جميع المدنيين مغادرة شمال القطاع حيث يشتد القتال، لكنه واصل قصف الجنوب الذي فر إليه مئات الآلاف وحيث يقع منزل تهاني.
وقال الجيش إن على المدنيين عدم العودة إلى الشمال خلال الهدنة ويسعى العديد من الذين فروا إلى الجنوب الآن للحصول على معلومات من أولئك الذين بقوا في شمال القطاع.
وفي خيام مؤقتة خارج مستشفى ناصر في خان يونس، قال محمد شبير إنه يرغب بشدة في إعادة عائلته إلى منزلها بمخيم الشاطئ للاجئين شمالا. ولكنهم قرروا عدم العودة بعد سماع شائعات عن تعرض أشخاص حاولوا القيام بذلك لإطلاق النار.
وأضاف وهو يطعم ابنه الرضيع حساء العدس لعدم توافر حليب الأطفال «في خيمة زي هادي مش حعرف أعيش. أنا كانت لي دار قاعد فيها ومتريح فيها أنا وأولادي».
وأدى الحصار المفروض على القطاع إلى تفاقم الأزمة الإنسانية مع عدم وجود إمدادات تذكر من الكهرباء اللازمة للمستشفيات ولا المياه الصالحة للشرب أو الوقود اللازم لسيارات الإسعاف أو الغذاء أو الدواء.
وفي سوق بشارع في خان يونس حيث وضعت الطماطم والليمون والباذنجان والفلفل والبصل والبرتقال في صناديق، قال أيمن نوفل إنه تمكن من شراء خضراوات أكثر مما كانت متوافرة قبل الهدنة وبتكلفة أقل.
وأضاف «نأمل أن تستمر الهدنة وأن تكون دائمة، وليس فقط لأربعة أو خمسة أيام. لا يستطيع الناس دفع تكلفة هذه الحرب».
وفي مركز تابع لإحدى وكالات الأمم المتحدة في خان يونس، كان الناس ينتظرون من أجل الحصول على غاز الطهي. وبدأت الإمدادات في النفاد منذ أسابيع قليلة، وكان العديد من السكان يطبخون الطعام على نيران في الهواء الطلق مستفيدين من الأخشاب التي انتشلوها من مواقع الهجمات.
ووقف محمد غندور منتظرا لمدة خمس ساعات لملء أسطوانته المعدنية بالغاز بعد أن استيقظ فجرا في المدرسة التي يحتمي بها هو وعائلته، ليبدأ الرحلة الطويلة إلى المستودع، لكنه وصل متأخرا رغم ذلك. وقال «سأعود الآن إلى المنزل بدون غاز».
ولكن أمكن رؤية شاحنات في وقت مبكر من صباح السبت عند معبر رفح مع مصر بينما كانت تتحرك ببطء عبر الحدود إلى داخل غزة حاملة إمدادات جديدة.
المصدر: العرب القطرية
كلمات دلالية: قطاع غزة سكان غزة خان یونس
إقرأ أيضاً:
وقف حرب إيران وإسرائيل بعيون أوروبية.. سكون مؤقت يلفه الغموض
لم تكن الهدنة بين إيران وإسرائيل، في المشهد الإعلامي الأوروبي، مجرد عنوان عابر في تغطيات الأخبار العاجلة، بل تحوّلت إلى موضوع مركزي للقراءة والتحليل، لا سيما في الصحافة ذات النزعة التحليلية مثل إلباييس الإسبانية، لوموند الفرنسية، دير شبيغل الألمانية.
فبين سطور الافتتاحيات وتقارير الرأي، بدت الهدنة وكأنها مرآة مكبّرة لأزمة ثقة أوسع، تطال طبيعة إدارة الأزمات في الشرق الأوسط. ولم تركّز هذه الصحف على مشاهد الدمار أو عدد القتلى، بل انصب اهتمامها على تفكيك الرمزية السياسية لتوقيت التهدئة، واللغة التي اختارها صانعو القرار، والمصالح المتشابكة التي دفعت الأطراف للقبول بوقف إطلاق النار رغم توتّر المشهد وسخونته الظاهرة.
وفي وقت انشغلت وسائل الإعلام الرسمية في بعض الدول بترويج خطاب "الانتصار الرمزي" أو "الردع المتبادل" جاءت المقاربات الأوروبية أكثر برودا، وأشد ميلا للتشكيك في استدامة التهدئة.
ففي كثير من المقالات والتحليلات، خضع مفهوم "الهدنة" لتشريح مفاهيمي صارم، وهو:
هل نحن أمام رغبة حقيقية في خفض التصعيد؟
أم أنها مجرّد استراحة تكتيكية تفرضها الحسابات الظرفية؟
ولم يكتف الصحفيون الأوروبيون بإعادة تدوير البيانات الرسمية، بل ذهبوا إلى أبعد من ذلك، متسائلين: من يملك مفاتيح الاستمرار في هذه الهدنة؟ وهل لدى الأطراف المعنية الاستعداد الحقيقي لاقتناصها كفرصة سلام، أم أنها مجرّد ورقة في لعبة أعصاب مفتوحة؟
هدنة هشة دون ضمانات
يرى الكاتب الفرنسي ألان فراشون (صحيفة لوموند) أن وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل لا يمثل نهاية للتصعيد، بل هو هدنة مشوبة بالغموض وتفتقر لأي ضمانات فعلية.
ويعتبر فراشون أن هذا "السكون المؤقت" يخفي خلفه توترات قابلة للاشتعال في أي لحظة، لا سيما في ظل استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية، وتجاهل الأطراف لمسار دبلوماسي جاد.
وبالنسبة له، فإن غياب توافقات حول الملفات الجوهرية، كالقضية النووية والوضع في غزة، يجعل من الهدنة مجرد محطة مرحلية في نزاع يتسع ولا ينحسر، إذ لم تتوفر بعد شروط التهدئة الحقيقية.
ومن جانبها، تعتبر الكاتبة الإسبانية أنجيليس إسبينوزا (صحيفة إلباييس) أن الهدنة لا ترقى إلى مستوى مبادرة سياسية، بل جاءت لاحتواء انفجار وشيك، وتصفها بأنها "تغطية هشّة لصراع تتفاعل جذوره بعمق، ويغذّيه الخطاب العدائي المتواصل".
وتلفت إسبينوزا إلى أن طهران تنظر إلى التهدئة كفرصة لإظهار قدراتها الرادعة لا كتنازل عن طموحاتها الإقليمية، في حين تعاني إسرائيل من تآكل داخلي في الثقة بسبب الارتباك الأمني والسياسي.
وتؤكد أن غياب اتفاقات واضحة، وعدم انخراط أطراف مثل حزب الله، يجعلان من هذه الهدنة إجراء ظرفيا هشا لا يمكن الركون إليه، مشيرة إلى أن القوى الكبرى، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، تفتقر إلى خطة شاملة تضمن تحويل هذا التوقف العسكري إلى عملية سياسية حقيقية، خاصة في ظل تعقيدات الملف النووي الإيراني، وانعدام الثقة المتبادل بين الطرفين.
وفي مقاله المعنون "نتنياهو وترامب ضد إيران.. ماذا لو كانا على حق؟" يرى الكاتب الألماني ستيفان كوزماني (صحيفة دير شبيغل) أن وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل لم يأت من جلوس على طاولة المفاوضات أو عن تخطيط مسبق، بل كان استجابة مباشرة لأوامر الرئيس الأميركي دونالد ترامب الداعية لوقف إطلاق النار الفوري من الطرفين.
ويبرز الكاتب قلقه إزاء هذا التوقف العسكري الذي يصفه بالمفاجئ، خاصة في ظل غياب مساع تفاوضية حقيقية أو دور فاعل للجهات الأوروبية، مما يجعل هذا القرار يبدو غير نهائي، وبالتالي فإن العودة في أي لحظة، إلى الحرب واستمرار حالة عدم الاستقرار، أمر حتمي.
أما الصحفية الفرنسية كلود غيبال (كبيرة المحررين في القسم الدولي لإذاعة فرانس إنتر) فتسلّط الضوء على صمود النظام الإيراني في مواجهة الضربات الإسرائيلية والضغوط الاقتصادية حيث إن الضربات الأميركية لم تُحدث اختراقا في بنية النظام، وإن القيادة الإيرانية نجحت في امتصاص التصعيد بفضل تماسك داخلي مدعوم شعبيا، وردود محسوبة.
ومع ذلك، تُنبه غيبال إلى أن هذا التماسك لا يخفي هشاشة البنية الاقتصادية والسياسية في إيران، التي تجعل مستقبل النظام مرهونًا بتقلبات الداخل وسياسات الخارج، وخصوصا ما ستقرره الولايات المتحدة في المرحلة المقبلة.
وفي المقابل، ركز الصحفي الألماني رونن شتاينكي (صحيفة زود دويتشه تسايتونغ) على الجانب الإجرائي من الهدنة، معتبرا إياها ظرفية أقرب إلى استراحة عمليات، وليست مدخلا إلى سلام مستقر حيث يوضح أن إيران، وإن بدت في موقع قوة، فإنها تعاني من ضغوط داخلية تفرض عليها قبول التهدئة مؤقتا، بينما تسعى إسرائيل إلى استغلال الوقف المؤقت للعمليات لإعادة ترتيب أوراقها الأمنية.
ويحذر شتاينكي من هشاشة الهدوء القائم، خاصة في ظل استمرار أنشطة الفاعلين الإقليميين غير الحكوميين، مثل حزب الله والمليشيات الحليفة لطهران التي تمتلك القدرة على تفجير الموقف من جديد، مشيرا إلى أن القوى الغربية، رغم احتفائها بالهدنة، لا تملك إستراتيجية متكاملة لمعالجة جذور الأزمة، مما يجعل من استمرار التوتر أمرا شبه محسوم.
أما الكاتب البريطاني جدعون رشمان (صحيفة فايننشال تايمز) فيقدم مقاربة تشكك بعمق في دوافع الهدنة، معتبرا أنها حدثت نتيجة ضغوط سياسية دولية ولا تعكس توافقا فعليا.
ويشير رشمان إلى أن الولايات المتحدة اندفعت نحو التهدئة خشية تداعياتها الانتخابية، وليس ضمن رؤية دبلوماسية ناضجة، ويصف الهدنة بأنها "إملاء جيوسياسي" أكثر من أن تكون اتفاقا نابعا من مفاوضات، مؤكدا أن الطرفين ما يزالان يراهنان على تحقيق مكاسب إستراتيجية لا الدخول في تسوية شاملة.
ويلفت إلى أن إسرائيل لم تخرج بانتصار حاسم، في حين تستثمر إيران التوتر لتأكيد موقعها الإقليمي، وأن الصراع لا يقتصر على الجانب العسكري بل يمتد إلى منافسة أيديولوجية وطائفية على النفوذ بالمنطقة، ويحذر من تجاهل دور الوكلاء الإقليميين كالمليشيات المدعومة من إيران التي قد تفجر الوضع في أية لحظة.
دور قطر واختيار ترامب
يقدّم الصحفي الإيطالي جيانلوكا ديفو (صحيفة لاريبوبليكا) مقاربة أكثر ميلا للتفاؤل الحذر بشأن وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل، معتبرا إياه نقطة انطلاق محتملة نحو تهدئة مستدامة إذا ما تم استثمارها بحكمة.
وفي مقاله المعنون بـ"هدنة إيران وإسرائيل.. دور قطر واختيار ترامب: كيف تم التوصل إلى وقف إطلاق النار؟" يشير ديفو إلى أن هذا التوقف في الأعمال العدائية يمثل لحظة نادرة لالتقاط الأنفاس في منطقة أنهكتها المواجهات المستمرة.
ويبرز بشكل خاص الدور الخفي والفعال الذي أدّته قطر، عبر التوسط غير المباشر وتهيئة أرضية من الثقة خلف الكواليس، مما أتاح فتح قنوات تواصل ساهمت في بلورة التهدئة.
ويرى ديفو أن الإدارة الأميركية، وتحديدا الرئيس ترامب، لعب دورا تاريخيا في دفع الأطراف نحو وقف إطلاق النار، ليس فقط من أجل احتواء التوتر الإقليمي، بل أيضا لتسجيل حضور سياسي يعزّز صورته كلاعب مؤثر على الساحة الدولية.
ويلاحظ الكاتب أن الهدنة انعكست إيجابيًا على بعض الجبهات الاقتصادية، من بينها أسواق الطاقة، مما جعلها تحقّق بعض المكاسب الفورية على أكثر من صعيد.
ورغم هذه الإيجابيات، لا يُخفي ديفو قلقه من تدهور الأوضاع في كلا البلدين، مذكرا بأن هذه التهدئة مهمة جدا بل فرصة نادرة يجب ألا تُهدر، داعيا المجتمع الدولي إلى البناء عليها، وتحويلها من "فرصة ظرفية" إلى مسار دبلوماسي ناضج يفضي إلى نتائج ملموسة.
صراع مركب الأبعاد
في تحليل مشترك نُشر بصحيفة إلباييس، قدّم الصحفيان الإسبانيان إيكر سيسديدوس ولويس دي فيغا رؤية نقدية لتوقيت وظروف إعلان وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل، واصفين إياه بأنه "ترتيب فرضته الضرورة" أكثر من كونه مبادرة نابعة عن قناعة الأطراف أو تقارب في المواقف.
ويلفت الكاتبان إلى أن هذا الاتفاق جاء في سياق متوتر اختلطت فيه الاعتبارات السياسية بالأمنية، حيث دفعت التحذيراتُ الدولية من انزلاق واسع النطاق الأطرافَ إلى اتخاذ خطوة تهدئة لا تعبّر بالضرورة عن تحوّل جذري في النيات أو التوجهات.
ويشيران إلى أن إسرائيل دخلت الهدنة مثقلة بارتباك وضغط داخلي، بعد فشلها في تحقيق مكاسب ملموسة، مما غذى شعورا عاما بالخيبة والضغط السياسي لدى حكومة بنيامين نتنياهو. وفي المقابل، تعاملت طهران مع التهدئة كفرصة لتعزيز خطابها الدعائي، مستندة إلى شبكة علاقاتها مع الفصائل الإقليمية التي منحتها ورقة ضغط فعّالة على خصومها.
ويحذّر الكاتبان من أن غياب أية هندسة تفاوضية جدية، وتفاقم الانقسام الأيديولوجي والطائفي، يجعلان من وقف إطلاق النار لحظة مؤقتة محفوفة بالمخاطر. كما يسلطان الضوء على المزاج الشعبي العام، حيث لا ينظر السكان، في كلا الطرفين، إلى الهدنة كإنجاز، بل كمجرد فسحة زمنية هشّة في انتظار موجة جديدة من العنف.
ويشددان على أن الاستمرار في هذا المسار يتطلب أكثر من مجرد ضبط للنيران، بل يحتاج إلى إرادة سياسية صادقة، وإعادة تعريف الأولويات الإقليمية، وإدماج الأطراف الهامشية في أي حوار محتمل. فبدون ذلك، ستظل الهدنة -على حد وصفهما- حلا سطحيا مؤقتا مهددا بالانهيار عند أول اختبار جدي.
وفي النهاية، يؤكد المشهد الأوروبي أن الهدنة بين إيران وإسرائيل ليست سوى فصل مؤقت في قصة طويلة من الصراع الممتد، وأن الطريق إلى سلام حقيقي لا يزال معتمدا على نضج سياسي، وتفاهمات إقليمية ودولية عميقة، تضع مصلحة الشعوب فوق المصالح الأيديولوجية والتكتيكات العسكرية.