الأسعار الذاكرة الحية للإذلال
تاريخ النشر: 26th, November 2023 GMT
أوهمت نفسى كثيرًا أن الارتفاعات غير المسبوقة فى الأسعار، سواء المكتوبة منها على السلع أو التى نتلقاها شفاهة عن طريق حاسة السمع، هى من قبيل تلك الأخطاء المطبعية التى تقع فيها بعض الصحف دون قصد، تلك الأخطاء التى يتبدل فيها حرف مكان آخر أو يتغير، فيتحول المعنى إلى النقيض ويكون سببًا فى أزمات كبيرة، مثل كلمة «يتجول» التى حل فيها حرف «الباء» مكان «الجيم»، أو كلمة «العامر» عندما أخذ حرف «الهاء» مكان «العين»، والأمثلة فى هذا الشأن كثيرة، ومن المؤكد كما أوهمت نفسى أن عملية تحجيم الأسعار حدث بها خطأ مشابه للأمثلة السابقة، فتحول المعنى من «تحجيم الأسعار» إلى «جحيم الأسعار»، وسوف يتم تدارك الأمر فى أسرع وقت مصحوبًا برسالة اعتذار عن هذا الخطأ من الحكومة أو أى مسئول فيها أو عنها.
هذا المسئول الذى يغضب غضبًا شديدًا إذا اقترن اسمه بخطأ مطبعى غير مقصود، فيسارع برفع دعوى قضائية لرد اعتباره، وبعد وساطة الأصحاب والأحباب تهدأ ثورته، وينكمش غضبه، ويقتنع فى النهاية بأن ما حدث كان خطأ مطبعيًا مجردًا من سوء النية، فيقبل الاعتذار، وعفا الله عما سلف، فى ظل هذا الوهم الذى أقنعت نفسى به قليلًا، أردت أن تتبدل الأدوار، فيسارع المسئول عن هذا الخطأ المطبعى الذى تسبب فى هذه الحالة الجنونية من ارتفاعات الأسعار أن يقدم لنا اعتذارًا، ثم نتفهم هذا الخطأ ثم نقبل هذا الاعتذار، ويمر الأمر كأن شيئًا لم يكن، ولكن للأسف الشديد لم يكن الأمر كذلك ولن يكون.
فاستمرت معدلات التبريرات فى النمو، وأخذ عدد «الشماعات» فى الازدياد، وعلينا كمستهلكين أو «زبائن» ليس فقط الاقتناع بتلك الأسباب، بل التصفيق لها أيضًا، لأن الأمر أكبر من قدراتنا على الاستيعاب، وأوسع من نطاق تصوراتنا للأشياء، وهذا ما أشار إليه أحد الإعلاميين وقال: «لا يجب أن يشغلنا أكل ولا شرب ولا غاز ولا كهرباء، ولا يجب أن نقول كيلو السمنة أو السكر بكام، لأن الموضوع أكبر من كده، الموضوع فوق خيالك»، وقال هذا الإعلامى: «إن البلد النهارده عاوزة كل واحد صامد وواقف معاها وأن أنسى حالى الشخصى، فالأمن القومى يتعرض للخطر».
ومع يقينى بأن الأخطار تحيط بنا من كل مكان، وأن الزيادة السكانية تلتهم ثمار الإصلاح، وأن تقلبات الطقس والتغيرات المناخية تؤدى إلى نقص بعض السلع الغذائية، بالإضافة إلى تلك التوترات العالمية القريبة منا والبعيدة عنا، كل هذه العوامل تؤثر على الأسعار وتؤدى إلى ارتفاعها، ويجب ألا ننسى إضافة بند جشع بعض التجار إلى القائمة السابقة، والسؤال هنا: ما الخطط التى وضعتها الحكومة مسبقًا لمواجهة مثل هذه التحديات؟ وأين الرؤى المستقبلية التى رسمتها الحكومة للحد من هذه الأخطار وتأثيرها؟!
نحتاج إلى إجابات مقنعة من السادة المسئولين، إجابات لا يكون مفادها استبدال حالة الشكوى بحالة الحمد و«بوس الأيادى وش ودهر» على ما وصلنا إليه!، وأنه لولا الجهود المضنية التى تقوم بها الحكومة لكانت الأسعار أشد فتكًا وإعصارًا!، ثم نحتاج إلى الخروج من دوامة الاتهامات المتبادلة بين التاجر والحكومة، وأيهما السبب والمتسبب فى تلك الارتفاعات الجنونية التى أصابت كل القطاعات تقريبًا، فهذه الاتهامات ليست بجديدة أو وليدة اللحظة.
نحن فى حاجة إلى مسئول يلعب دور الوساطة فى عملية صلح معقدة بيننا وبين الفول والطعمية والكشرى والعدس البصل والسكر وباقى السلع الغذائية، التى ارتفع سعرها وخاصمت موائد البعض منا، نحن فى حاجة إلى عملية صلح وإصلاح بين هياكل الأجور والأسعار، نحن فى حاجة إلى من يرى أن الزيادة السكانية ثروة يمكن استغلالها، وطاقة قادرة على الإنتاج وتجاوز المستحيل وليست عبئًا يلتهم ثمار كل شىء!
نحن فى حاجة إلى من يرد للجنيه هيبته، بعد أن أصبحت قيمته تساوى حزمة خضار!، وأن يرد له خاصيته فى «لحلحة» الأشياء عندما أطلق عليه البعض لقب «اللحلوح»، نريد إجراء عملية جراحية لهذا الجنيه تقوم باستئصال جميع ألقابه ومرادفاته ومعانيه السلبية، التى تعبر عن ضعفه مثل «الملطوش» و«الأهيف» و«الزغلول».
الخلاصة.. إن الارتفاعات الجنونية التى ضربت كل شىء، وخاصة أسعار السلع الغذائية مؤخرًا وتوابعها، ستكون ذاكرة حية من الإذلال، لن ينساها رجل مسن أو سيدة عجوز وقفت لساعات فى طابور طويل للحصول على كيلو سكر بسعر مخفض ثم خرجت فارغة الأيدى، ذاكرة حية من الإذلال لن ينساها رب أسرة «انكسرت نفسه» أمام أولاده، بعد أن عجز عن سد حاجاتهم وتلبية متطلبات معيشتهم الأساسية.
فى النهاية.. نحتاج إلى حل، والحل عند الحكومة لأنها صاحبة القرار والسلطة والمسئولية.
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: أشرف عزب الأسعار
إقرأ أيضاً:
التغيرات المناخية وأثرها على البيئة المستدامة للكائنات الحية" فى ندوة بجامعة أسيوط
نظمت كليتا العلوم والزراعة بجامعة أسيوط ندوة تثقيفية بعنوان "التغيرات المناخية وأثرها على البيئة المستدامة للكائنات الحية"، تحت شعار "بلدنا أمانة في إيدينا"، وذلك بإشراف الدكتور محمود عبد العليم جاد الرب، نائب رئيس الجامعة لشئون خدمة المجتمع وتنمية البيئة، والدكتور عبد الحميد عبد التواب عبد الحميد أبو سحلي، عميد كلية العلوم، والدكتور عادل محمد محمود أبو الدهب، عميد كلية الزراعة
وجاء تنظيم الندوة تحت إشراف الدكتور محمد أبو العيون، وكيل كلية العلوم لشئون التعليم والطلاب، والدكتور عصام فضل محمد أبو زيد، وكيل كلية العلوم لشئون خدمة المجتمع وتنمية البيئة، والدكتور جلال عبد الفتاح إبراهيم الصغير، وكيل كلية الزراعة لشئون خدمة المجتمع وتنمية البيئة، وبمشاركة عدد من وكلاء الكليات ورؤساء الأقسام وأعضاء هيئة التدريس والهيئة المعاونة والعاملين والطلاب بمختلف كليات الجامعة.
وأكد الدكتور أحمد المنشاوي رئيس الجامعة أن تنظيم هذه الندوة يأتي في إطار حرص الجامعة على تعزيز الوعي البيئي لدى الطلاب والمجتمع الجامعي، ومواكبة الجهود العالمية لمواجهة التحديات البيئية. وأشار إلى أن الجامعة تسعى من خلال مثل هذه الندوات إلى تعزيز دورها التوعوي والعلمي، وتسليط الضوء على أهمية الحفاظ على البيئة وضمان استدامتها من أجل مستقبل أفضل للأجيال القادمة.
من جانبه، أوضح الدكتور محمود عبد العليم، أن التغيرات المناخية تمثل تحديًا عالميًا يستدعي تضافر الجهود البحثية والمؤسسية لمواجهته، مؤكدًا على أهمية تعزيز التثقيف البيئي بين فئات المجتمع، تحقيقًا لأهداف التنمية المستدامة ورؤية مصر 2030.
وأشار الدكتور محمد أبو العيون إلى أهمية عقد هذه الندوات العلمية والتثقيفية لتعزيز وعي المجتمع الجامعي بأهمية الحفاظ على البيئة وتبني سياسات التنمية المستدامة.
وأكد الدكتور عصام فضل محمد أبو زيد أن كلية العلوم تولي اهتمامًا خاصًا بالبحوث البيئية، وتسعى لتسليط الضوء على تأثير التغيرات المناخية على الكائنات الحية، وسبل تحقيق بيئة مستدامة.
وتضمن برنامج الندوة عددًا من المحاضرات العلمية المتخصصة، حيث قدّم الدكتور عادل محمد محمود أبو الدهب محاضرة بعنوان "الاقتصاد الأخضر في ظل التغيرات المناخية"، تناول فيها آليات تحقيق الاقتصاد الزراعي النباتي والحيواني الأخضر، واستعرض مشروعات كلية الزراعة في هذا المجال، مثل زراعة الأسطح، ووحدة إنتاج الأزولا، والتوسع في زراعة الجوجوبا، إلى جانب تنظيم معرض للطاقة الخضراء.
كما قدّم الدكتور ناصر محمد عبد اللطيف، أستاذ علم الحيوان والحشرات، محاضرة بعنوان "أثر التغيرات البيئية على الكائنات الحية وطرق مكافحتها"، تناول فيها التنوع البيولوجي ووسائل التكيف مع التغيرات المناخية.
وتحدث الدكتور أحمد محمد عبد الرحمن عبد الجواد، أستاذ مساعد بقسم النبات والميكروبيولوجي، عن "التغيرات المناخية وأثرها على التنوع النباتي والحلول المقترحة لتحقيق التنمية المستدامة".
واختتم الدكتور محمد عبد اللطيف جمعة، أستاذ مساعد بقسم النبات والميكروبيولوجي، فعاليات الندوة بمحاضرة بعنوان "الكائنات الدقيقة في مناخ متغير: التحديات والفرص لتحقيق الاستدامة"، حيث استعرض العلاقة بين تغير المناخ وانتشار الكائنات الدقيقة والسموم الفطرية.
وفي ختام الفعالية، تم تكريم السادة المحاضرين تقديرًا لإسهاماتهم العلمية وجهودهم في إثراء الندوة.