بوابة الوفد:
2025-06-23@21:13:40 GMT

الأسعار الذاكرة الحية للإذلال

تاريخ النشر: 26th, November 2023 GMT

أوهمت نفسى كثيرًا أن الارتفاعات غير المسبوقة فى الأسعار، سواء المكتوبة منها على السلع أو التى نتلقاها شفاهة عن طريق حاسة السمع، هى من قبيل تلك الأخطاء المطبعية التى تقع فيها بعض الصحف دون قصد، تلك الأخطاء التى يتبدل فيها حرف مكان آخر أو يتغير، فيتحول المعنى إلى النقيض ويكون سببًا فى أزمات كبيرة، مثل كلمة «يتجول» التى حل فيها حرف «الباء» مكان «الجيم»، أو كلمة «العامر» عندما أخذ حرف «الهاء» مكان «العين»، والأمثلة فى هذا الشأن كثيرة، ومن المؤكد كما أوهمت نفسى أن عملية تحجيم الأسعار حدث بها خطأ مشابه للأمثلة السابقة، فتحول المعنى من «تحجيم الأسعار» إلى «جحيم الأسعار»، وسوف يتم تدارك الأمر فى أسرع وقت مصحوبًا برسالة اعتذار عن هذا الخطأ من الحكومة أو أى مسئول فيها أو عنها.

 

هذا المسئول الذى يغضب غضبًا شديدًا إذا اقترن اسمه بخطأ مطبعى غير مقصود، فيسارع برفع دعوى قضائية لرد اعتباره، وبعد وساطة الأصحاب والأحباب تهدأ ثورته، وينكمش غضبه، ويقتنع فى النهاية بأن ما حدث كان خطأ مطبعيًا مجردًا من سوء النية، فيقبل الاعتذار، وعفا الله عما سلف، فى ظل هذا الوهم الذى أقنعت نفسى به قليلًا، أردت أن تتبدل الأدوار، فيسارع المسئول عن هذا الخطأ المطبعى الذى تسبب فى هذه الحالة الجنونية من ارتفاعات الأسعار أن يقدم لنا اعتذارًا، ثم نتفهم هذا الخطأ ثم نقبل هذا الاعتذار، ويمر الأمر كأن شيئًا لم يكن، ولكن للأسف الشديد لم يكن الأمر كذلك ولن يكون. 

فاستمرت معدلات التبريرات فى النمو، وأخذ عدد «الشماعات» فى الازدياد، وعلينا كمستهلكين أو «زبائن» ليس فقط الاقتناع بتلك الأسباب، بل التصفيق لها أيضًا، لأن الأمر أكبر من قدراتنا على الاستيعاب، وأوسع من نطاق تصوراتنا للأشياء، وهذا ما أشار إليه أحد الإعلاميين وقال: «لا يجب أن يشغلنا أكل ولا شرب ولا غاز ولا كهرباء، ولا يجب أن نقول كيلو السمنة أو السكر بكام، لأن الموضوع أكبر من كده، الموضوع فوق خيالك»، وقال هذا الإعلامى: «إن البلد النهارده عاوزة كل واحد صامد وواقف معاها وأن أنسى حالى الشخصى، فالأمن القومى يتعرض للخطر». 

ومع يقينى بأن الأخطار تحيط بنا من كل مكان، وأن الزيادة السكانية تلتهم ثمار الإصلاح، وأن تقلبات الطقس والتغيرات المناخية تؤدى إلى نقص بعض السلع الغذائية، بالإضافة إلى تلك التوترات العالمية القريبة منا والبعيدة عنا، كل هذه العوامل تؤثر على الأسعار وتؤدى إلى ارتفاعها، ويجب ألا ننسى إضافة بند جشع بعض التجار إلى القائمة السابقة، والسؤال هنا: ما الخطط التى وضعتها الحكومة مسبقًا لمواجهة مثل هذه التحديات؟ وأين الرؤى المستقبلية التى رسمتها الحكومة للحد من هذه الأخطار وتأثيرها؟! 

نحتاج إلى إجابات مقنعة من السادة المسئولين، إجابات لا يكون مفادها استبدال حالة الشكوى بحالة الحمد و«بوس الأيادى وش ودهر» على ما وصلنا إليه!، وأنه لولا الجهود المضنية التى تقوم بها الحكومة لكانت الأسعار أشد فتكًا وإعصارًا!، ثم نحتاج إلى الخروج من دوامة الاتهامات المتبادلة بين التاجر والحكومة، وأيهما السبب والمتسبب فى تلك الارتفاعات الجنونية التى أصابت كل القطاعات تقريبًا، فهذه الاتهامات ليست بجديدة أو وليدة اللحظة.

نحن فى حاجة إلى مسئول يلعب دور الوساطة فى عملية صلح معقدة بيننا وبين الفول والطعمية والكشرى والعدس البصل والسكر وباقى السلع الغذائية، التى ارتفع سعرها وخاصمت موائد البعض منا، نحن فى حاجة إلى عملية صلح وإصلاح بين هياكل الأجور والأسعار، نحن فى حاجة إلى من يرى أن الزيادة السكانية ثروة يمكن استغلالها، وطاقة قادرة على الإنتاج وتجاوز المستحيل وليست عبئًا يلتهم ثمار كل شىء! 

نحن فى حاجة إلى من يرد للجنيه هيبته، بعد أن أصبحت قيمته تساوى حزمة خضار!، وأن يرد له خاصيته فى «لحلحة» الأشياء عندما أطلق عليه البعض لقب «اللحلوح»، نريد إجراء عملية جراحية لهذا الجنيه تقوم باستئصال جميع ألقابه ومرادفاته ومعانيه السلبية، التى تعبر عن ضعفه مثل «الملطوش» و«الأهيف» و«الزغلول». 

الخلاصة.. إن الارتفاعات الجنونية التى ضربت كل شىء، وخاصة أسعار السلع الغذائية مؤخرًا وتوابعها، ستكون ذاكرة حية من الإذلال، لن ينساها رجل مسن أو سيدة عجوز وقفت لساعات فى طابور طويل للحصول على كيلو سكر بسعر مخفض ثم خرجت فارغة الأيدى، ذاكرة حية من الإذلال لن ينساها رب أسرة «انكسرت نفسه» أمام أولاده، بعد أن عجز عن سد حاجاتهم وتلبية متطلبات معيشتهم الأساسية. 

فى النهاية.. نحتاج إلى حل، والحل عند الحكومة لأنها صاحبة القرار والسلطة والمسئولية.

 

[email protected] 

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: أشرف عزب الأسعار

إقرأ أيضاً:

ميراث.. "البنات"

استغاثة عبر أحد المواقع ومقطع فيديو منتشر على السوشيال ميديا، لفتاة تدعى "الدكتورة هبة" تشكو فيها من التهديدات التى باتت تلاحقها من عائلة والدها الذين يطالبون بحقهم فى الميراث، على الرغم من أن كل الممتلكات نقلت بعقود رسمية لها فى حياة والدها.

الفتاة هى الابنة الوحيدة للمستشار الراحل يحيى عبد المجيد، محافظ الشرقية وأمين عام مجلس الدولة الأسبق، والتى أكدت، عبر صفحتها الشخصية على فيسبوك، تعرضها لمحاولات نزع ممتلكاتها من قبل بعض الأقارب الذين يستغلون نفوذهم.

وأوضحت أنها تواجه أحكامًا غيابية صدرت دون إخطارها، وقضايا كيدية تهدف إلى إجبارها على التنازل عن حقوقها.

وأعربت عن قلقها من التهديدات المباشرة والمراقبة والتتبع الذي تتعرض له، مما يهدد سلامتها الشخصية ومستقبلها، وأرفقت مستندات قانونية تؤكد ملكيتها الشرعية للممتلكات، وأن بعضها لم يكن ملك والدها الراحل، بل تم تسجيله باسمها مباشرة.

الفتاة الشابة قالت إنها غير متزوجة وهى تنفق من عوائد إيجار ممتلكاتها، وأضافت: "هذه الثروة جمعها أبي من سنوات عمله فى إحدى الدول العربية، ونقلها باسمي حتى لا أحتاج لأحد، وتساءلت لو أخذوها مني أترمي فى الشارع؟

الفتاة التى أبدت تخوفها من نفس مصير حفيد عائلة الدجوي، الذي لقي مصرعه في ظروف مأساوية مرتبطة بنزاع على الميراث، تفاعل معها الكثيرون من رواد مواقع التواصل الاجتماعي، ولكل حكي تجربته المماثلة والتى غالبا ما يعاني منها نسبة كبيرة من البنات فى مجتمعنا.

بالطبع الشرع والقانون يحدد الأنصبة فى الميراث عند وفاة الوالد، لكن غالبا ما يستحوذ الأخوة الذكور على كل الممتلكات ويماطلون فى إعطاء أخواتهم البنات نصيبهن من الميراث، بحجة أن ثروة العائلة يجب ألا تخرج لـ"الغريب" وهو زوج وأبناء الابنة، يحدث هذا فى القرى فاذا كان الميراث بيت أو قطعة أرض، فيتم فى أفضل الأحوال إعطاء البنت مبلغا زهيدا مقابل حقها، وهى ترضخ لذلك مراعاة لصلة الرحم، ولذلك تصر العائلات فى القرى والصعيد على تزويج البنات لأبناء عمومتها، حكت لى سيدة ريفية بأن والدها يصر على نقل ملكية قطعة أرض صغيرة إلى ابنه الذكر الوحيد، وحرمانها هى وأخواتها البنات الثلاثة من الميراث، بحجة أن الابن هو من يحمل اسمه وبالتالي ميراثه.

الدكتور علي جمعة مفتي الديار المصرية الأسبق، كان له رأى حاسم فى هذا الأمر، حيث أكد أن تقسيم الميراث بحسب الشريعة الإسلامية مختلف عن تصرف المالك في ماله وأملاكه وهو على قيد الحياة. مؤكدا أيضا على عدم المساس بأحكام المواريث التى تدخل حيز التطبيق بعد الموت وليس قبله، حيث يتمتع المالك أثناء حياته بحق التصرف في أمواله كيفما يشاء دون عدوان أو إهدار، وأيّد قيام الأب بكتابة أملاكه لبناته لحماية حقوقهن وسترهن في الدنيا.

في 5 ديسمبر 2017 وافق مجلس النواب على تعديل قانون المواريث، حيث تم النص على معاقبة كل من امتنع عن تسليم الوارث نصيبه الشرعي بالحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر وغرامة قد تصل إلى 100 ألف جنيه، كما تعاقب كل من حجب أو امتنع عن تسليم مستند يثبت ميراثاً بالحبس 3 أشهر وبغرامة لا تقل عن 10 آلاف جنيه.

قصص كثيرة مليئة بالشجن فى قضية الميراث، فالقوانين لن تفلح فى تغيير صفات البشر الذين تربوا على معتقدات وعادات ينقصها الانصاف، ويعززها الظلم.

مقالات مشابهة

  • الحكومة تعلن الاستعداد لـ كل السيناريوهات المحتملة للحرب الإيرانية الإسرائيلية
  • "أبو زعبل ٨٩" على خشبة الأوبرا.. رحلة في الذاكرة بعدسة بسام مرتضى
  • وزارة الدفاع التركية: نتابع عن كثب عملية تسليم سد تشرين إلى الحكومة السورية
  • “البيئة”: بدء بيع المواشي الحية بالوزن الخميس المقبل
  • ميراث.. "البنات"
  • البيئة تحدد ضوابط بيع المواشي الحية بالوزن
  • بدء تطبيق ضوابط بيع المواشي الحية بالوزن في أسواق النفع العام الخميس المقبل
  • تطبيق آلية جديدة لبيع المواشي الحية بالوزن في المملكة.. الخميس
  • رشدي المهدي.. «الشيخ عتمان» الذي غادر الحياة وبقي في الذاكرة
  • دراسة تُحذّر: الإفراط في استخدام الذكاء الاصطناعي قد يضر الذاكرة ويُضعف قدرات التعلم