تونس- يرجّح مراقبون أن تتفاقم أزمة المعاناة الإنسانية للمهاجرين الأفارقة في تونس بسبب تصاعد عمليات الترحيل القسري لهم إلى الحدود مع ليبيا والجزائر، فيما يسود مناخ من التعتيم حول أعدادهم أو مصيرهم.

وأثارت فيديوهات المهاجرين الأفارقة من جنوب الصحراء على الحدود التونسية الليبية انتقادات منظمات حقوق الإنسان وتعاطف الكثيرين بسبب الظروف القاسية التي يعيشونها هناك، فيما ساند آخرون قرارات الحكومة التونسية في التعاطي مع ملف المهاجرين.

وقبل أيام، شرعت السلطات التونسية في نقل العشرات من المهاجرين الأفارقة الذين تمركزوا في مدينة صفاقس نحو المناطق الحدودية مع ليبيا والجزائر لا سيما بعد الاشتباكات العنيفة التي دارت بين مهاجرين وتونسيين وأسفرت عن ضحايا من الطرفين.

مهاجرون أفارقة خلال اعتصام سابق أمام مقر المفوضية السامية لشؤون اللاجئين بالعاصمة تونس (الجزيرة) ظروف مأساوية

وأشرف الحرس الوطني والجيش التونسي على نقل العشرات من المهاجرين، ومن بينهم مَن أرغموا على ترحيلهم قسريا إلى المناطق الحدودية في درجات حرارة عالية جدا ومنهم نساء حوامل وأطفال قُصّر ومهاجرون شبان من مختلف الجنسيات.

وبحسب مصادر الجزيرة نت، فإن هؤلاء المهاجرين تعرضوا للاعتقال منذ أيام من قِبَل السلطات التونسية التي قامت بحملة مراقبة وفحص لهوياتهم وجوازاتهم. وقد تم نقلهم في مجموعات متفرقة في البداية إلى المناطق الحدودية العسكرية المغلقة وسط أنباء عن سوء معاملتهم.

وضجّت مواقع التواصل بردود فعل مستاءة من تعامل السلطات التونسية بتلك الطريقة مع المهاجرين الأفارقة، مما اضطرها إلى تغيير أسلوبها لتخفيف التوتر الحاصل من خلال الشروع في نقل المهاجرين العالقين على الحدود مع ليبيا إلى مراكز إيواء خاصة.

وقال الناطق باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية رمضان بن عمر للجزيرة نت، إنه تم نقل المهاجرين العالقين في مجموعات إلى مبيتات تابعة للمنظمة الدولية للهجرة في محافظة تطاوين (جنوب) ومبيتات تابعة للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين بمحافظة مدنين (جنوب).

كما تم نقل مجموعات أخرى إلى منشآت تابعة لوزارة التربية في محافظة مدنين بواسطة حافلات وتحت إشراف الجيش والأمن.


تهجير من صفاقس

وبحسب رمضان بن عمر فإن تقديرات المهاجرين الذين تم ترحيلهم قسرا إلى المناطق الحدودية تتراوح ما بين 500 و700 مهاجر. وقال إن أغلبية المهاجرين الذين تم نقلهم بشكل قسري إلى المناطق الحدودية مع ليبيا والجزائر هم من طالبي اللجوء الذين توافدوا على ثاني أكبر مدينة ساحلية في تونس وهي محافظة صفاقس التي تشهد ارتفاعا كبيرا في عمليات الهجرة السرية لأوروبا.

ويضيف بن عمر للجزيرة نت "من الواضح أن السلطات التونسية ذهبت إلى أقسى الحلول في التعامل مع ملف المهاجرين، في انتهاك جسيم لحقوقهم وكرامتهم باعتبار أن الدولة هي التي قامت بنقلهم إلى تلك المناطق الصحراوية القاحلة دون إمدادات أو إغاثة".

ويؤكد أن من بين هؤلاء المهاجرين نساء حوامل على وشك الولادة وأطفالا رُضعا ومهاجرين مشمولين بالحماية الدولية وينتظرون قرار اللجوء إلى بلد آخر. وقال "بعد ما حصل من انتهاكات بحرمان المهاجرين من حقهم حتى في الماء والأكل، تم السماح بنقلهم لمراكز إيواء".

وبالنسبة له فإن المهاجرين الأفارقة جنوب الصحراء تسودهم حالة رهيبة من الخوف في كل المناطق، مبينا أن جزءا منهم باتوا يخشون الخروج إلى الأماكن العامة خوفا من اعتقالهم وترحيلهم قسرا دون أي استثناء إلى المناطق الحدودية مع ليبيا والجزائر.

وقال "حتى أن الطلبة وحاملي بطاقة اللجوء أصبحوا يعيشون وضعا نفسيا صعبا خوفا من اعتقالهم وترحيلهم قسريا". ويرى أن الأزمة الإنسانية لهؤلاء المهاجرين ستتواصل بشكل تصاعدي بالنظر إلى استمرار تدفق المهاجرين عبر الحدود نحو تونس.

مراسلة الجزيرة ميساء الفطناسي ترصد أوضاع طالبي لجوء أفارقة من أمام أحد مراكز الإيواء الذي نقل إليه عدد من اللاجئين في مدينة مدنين#الأخبار pic.twitter.com/2vvRWaeFGo

— قناة الجزيرة (@AJArabic) July 11, 2023

مناخ طارد للمهاجرين

وأكد بن عمر أن خطاب الكراهية الرسمي الموجّه ضد المهاجرين يغذّي من حملات الاعتقال والترحيل القسري والاعتداءات عليهم، وسيخلق مناخا طاردا لهم، داعيا السلطات التونسية إلى التدخل للتكفل العاجل بالمهاجرين العالقين ومساعدتهم إنسانيا.

ونددت منظمات دولية بتدهور حقوق المهاجرين الأفارقة مستنكرة حملات الاعتقالات العنيفة والطرد القسري التي يواجهونها رغم أن "جزءا منهم مسجلون لدى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين أو لهم وضع قانوني في تونس".

ودعت السلطات التونسية إلى التدخل العاجل لوضع حد لعمليات الإعادة القسرية التعسفية وغير القانونية، وضمان الرعاية اللازمة والكريمة لهؤلاء الأشخاص، والسماح للمنظمات الإنسانية بالتدخل لتقديم مساعدات الإغاثة والرعاية الطبية لهم.


واقع من البطالة والفقر

من جهة أخرى، قال الرئيس التونسي قيس سعيد، في بيان السبت الماضي، إن "قوات الأمن التونسية قامت بحماية هؤلاء الذين جاؤوا إلى تونس ويريدون الاستقرار بها عكس ما يُشاع".

واستقبل سعيّد، اليوم الثلاثاء، الوزير الأول المالطي في قصر قرطاج للتطرق لملف المهاجرين بحكم وجود جزيرة مالطا على البحر المتوسط قرب إيطاليا. وعرج سعيد على مسألة تفاقم ظاهرة الهجرة غير النظامية، داعيا إلى إيجاد حل جماعي بين كل الدول المعنية.

وكان الرئيس التونسي قد دعا منذ أسابيع قليلة إلى تنظيم اجتماع رفيع المستوى لمعالجة الأسباب الحقيقية وراء تفاقم الهجرة غير النظامية والبحث عن حلول لإعادة هؤلاء المهاجرين إلى أوطانهم من خلال دعم فرص العمل داخلها.

وأكد سعيد، خلال لقائه الوزير الأول المالطي، أن هناك شبكات إجرامية تسعى لتقويض الاستقرار في تونس، مشيرا إلى أنه يتم دفع الناس للهجرة عنوة إلى التراب التونسي بصفة غير قانونية، وفق بيان رئاسة الجمهورية التونسية.

وأعرب جزء من التونسيين عن مساندة قرارات حكومتهم بترحيل المهاجرين الأفارقة في مجموعات إلى المناطق الحدودية، مؤكدين أنهم أصبحوا عبئا ثقيلا على بلد يعاني من فقدان المواد الأساسية وارتفاع الأسعار وتفاقم البطالة والفقر.

ويتهم البعض المهاجرين بالتورط في أعمال إجرامية وأعمال عنف ومخالفة قانون البلاد من خلال إقامة محاكم موازية أو مدارس عشوائية، وبمحاولة تقويض استقرار البلاد وإدخالها نحو مربع العنف.

وتعيش تونس وضعا ماليا واقتصاديا خانقا مما جعل الاتحاد الأوروبي يدخل على الخط لطرح رؤيته لمساعدة تونس تحت إطار شراكة ثنائية، في ظل تعطّل الاتفاق مع صندوق النقد وذلك بهدف منع حصول انهيار اقتصادي تتبعه طفرة في الهجرة نحو أوروبا.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: المهاجرین الأفارقة فی تونس

إقرأ أيضاً:

المهاجرون الأفارقة.. الفرار إلى جحيم اليمن والصراع يضاعف معاناتهم (تقرير خاص)

كيف يمكن لبلد السعادة (اليمن) أن يتحول إلى بيئة محفوفة بالمخاطر ومسرحًا للاستغلال والمعاناة؟ هذا هو السؤال الذي يطرح نفسه عند النظر إلى مصير مئات الآلاف من المهاجرين الأفارقة الذين عبروا اليمن بحثًا عن الأمان، ليجدوا أنفسهم متأثرين بالنزاع الدائر وضحايا لانتهاكات مروعة.

 

اليمن: محطة عبور وتحديات متزايدة

 

عبر التاريخ، شكّل اليمن محطة عبور رئيسية للمهاجرين الأفارقة، ومساحة سعوا من خلالها لاقتناص فرص العيش والوصول إلى السعودية أو الاستقرار في المدن اليمنية. لكن هذا البلد لم يكن يومًا ممرًا آمنًا يضمن حقوقهم، خاصة وأن الأوضاع في اليمن نفسها غالبًا ما تكون صعبة.

 

وبالرغم من هذا الدور التاريخي، فإن التدفق البشري المستمر من قبل الأفارقة كان مستمرًا ومرتفعًا قبيل النزاع المسلح الأخير الذي يشهده اليمن منذ أكثر من ثمانية سنوات قبيل عام 2014م.

 

رغم أن اليمن تحول إلى بيئة محفوفة بالمخاطر، يستمر تدفق المهاجرين الأفارقة عبر بوابات رئيسية سرعان ما تتحول إلى ساحات استغلال ومعاناة مضاعفة.

 

ففي رحلتهم البحرية عبر مضيق باب المندب، والذي يبدأ من سواحل أوبوك الجيبوتي وبوصاصو الصومالية المكتظة باليائسين، يواجهون خطر الغرق وقسوة المهربين، كما وثق تقرير للجزيرة نت.

 الذين يكدسونهم في قوارب متهالكة مقابل وعود بحياة أفضل. وعند الوصول إلى الشواطئ اليمنية، وخاصة في مناطق رأس العارة بلحج وساحل شبوة حول بئر علي، يكونون منهكين وجائعين، ليجدوا أنفسهم في مواجهة واقع جديد من الاستغلال والابتزاز.

 

أما برًا، فالرحلة ليست أقل صعوبة، إذ تمر عبر مناطق حدودية وعرة كـ مديرية موزع (تعز) ومحافظة لحج، يسلكون طرقًا مهجورة تحت تهديد جماعات مسلحة وعوامل الطبيعة القاسية. وتتحول محافظتا حضرموت والمهرة، وصولًا إلى مناطق كـ شحن قرب الحدود العمانية، إلى محطات انتظار قلقة، حيث يكونون عرضة للاحتجاز التعسفي وسوء المعاملة من قبل أطراف مختلفة.

 

وفي هذا المعترك من المخاطر، يواجه هؤلاء المهاجرون أساليب مروعة أخرى، فهم يصبحون عرضة لعصابات الخطف التي تدير معسكرات احتجاز سرية في مناطق حدودية، حيث يواجهون الضرب والإيهام بالغرق والابتزاز مقابل حريتهم، كما وثقت ذلك [منظمة هيومن رايتس ووتش في تقريرها لعام 2019. [منظمة هيومن رايتس ووتش في تقريرها لعام 2019.

 

ولا يتوقف الأمر عند ذلك، بل يُجبر الكثيرون على العمل القسري في مزارع أو مصانع، ويُحتجزون رهن الكفالة حتى تسديد مبالغ مالية. وتزداد المأساة عندما يتعلق الأمر بالنساء والمراهقات، اللاتي يتعرضن لاعتداءات جنسية أثناء الاحتجاز أو النقل، تاركة وراءها ندوبًا نفسية وجسدية عميقة، وآثارًا مدمرة طويلة الأمد على صحتهن النفسية وكرامتهن الإنسانية.

 

تأثير النزاع على أوضاع المهاجرين

 

الهروب من الجوع والحرمان من مقومات الحياة هو الدافع الذي قاد المهاجر الإفريقي رغم النزاع وتفاصيله الكثيرة، وكان اليمن محطة الهجرة الأولى بالنسبة إليهم.

ولتوضيح مدى استمرار هذا التدفق، تشير تقديرات [المنظمة الدولية للهجرة في تقريرها الدورية] المنظمة الدولية للهجرة .

 

ويقدر عدد المهاجرين الأفارقة الذين دخلوا اليمن منذ عام 2014 وحتى 2024 يتجاوز 700,000 مهاجر، معظمهم من إثيوبيا والصومال. الأرقام:

 

2019: الأعلى تاريخيًا بـ 138,000 مهاجر.

 

2020–2021: انخفاض كبير بسبب كورونا (27,000–37,000 سنويًا).

 

2022: حوالي 40,000 مهاجر.

 

2023: أكثر من 77,000 مهاجر في أقل من عام واحد فقط.

 

وفي هذا السياق، تشير تقارير متفرقة صادرة عن المنظمة الدولية للهجرة (IOM) بين عامي 2014 و2023 إلى أن العدد التراكمي للمهاجرين من القرن الأفريقي إلى اليمن تجاوز 700 ألف مهاجر وفق إحصائيات منشورة في تقارير DTM السنوية حتى منتصف 2023. وتجدر الإشارة إلى أنه لا يوجد حتى الآن تقرير موحد يغطي تلك الفترة بالكامل وما يتبعها من سنوات مستمرة، مما يجعل هذه الأرقام تقديرية بناءً على البيانات المتاحة.

 

للعودة إلى السياق الذي سبق تصاعد النزاع وقبيل الحرب، وتحديدًا في أواخر العقد الأول من الألفية الثالثة وبداية العقد الثاني (تقريبًا بين عامي 2005 و2013)، حجز قضية الأفارقة مساحة من الاهتمام في اليمن. تجلى ذلك في مناقشات محدودة في بعض الوزارات وجلسات وورش عمل في مجلس النواب.

 

وإلى جانب ذلك، بدأت ملامح نشوء منظمات المجتمع المدني والكيانات المدنية في اليمن تتشكل بوضوح منذ أواخر تسعينيات القرن العشرين، وتزايدت وتيرتها خلال العقد الأول من الألفية الجديدة، لا سيما بعد إعلان الوحدة اليمنية عام 1990 وما تبعها من انفتاح نسبي. وقد نشطت العديد من هذه المنظمات في الدفاع عن حقوق الفئات المهمشة، بما في ذلك المهاجرين الأفارقة.

 

تأثير الحرب والنزاع

 

تشير تقارير صحفية واسعة إلى أنه منذ بداية التدخل العسكري بقيادة الرياض وحلفائها في مارس 2014، من أجل إسناد الحكومة الشرعية اليمنية، وردت تقارير صحفية وتناقلت وسائل إعلامية كثيرة وبشكل مستمر ظاهرة تجنيد جماعة الحوثي أعدادًا كبيرة من المهاجرين الأفارقة في صفوف مقاتليها.

 

" أخذوا الكثير من الشباب بالقوة من هناك"، يروي أ. ل.، وهو ناشط مدني وصحفي يمني كان يتردد بحذر على مركز تجمع المهاجرين في مبنى الجوازات والمصلحة والهجرة بصنعاء لأغراض إنسانية وحقوقية، وأضاف بحسرة في حديثه للموقع بوست قائلاً:

 

"أتذكر جيدًا تلك الليالي في عام 2020، وقت ذروة محاولة جماعة الحوثي اقتحام خطوط الدفاع الأولية لمدينة مأرب، كنت أرى شاحنات تأتي وتأخذ الشبان الأفارقة، بعضهم لم تتجاوز أعمارهم الخامسة عشرة، من أمام المبنى ويجبرونهم على الذهاب إلى الجبهات. كنا نحاول التدخل أو السؤال عنهم لكن لم يكن بوسعنا فعل شيء. كانوا يستغلون حاجة هؤلاء الشباب ووضعهم الهش."

 

وتشير تقارير صحفية واخبارية متفرقة إلى استغلال جماعة الحوثي لهذا الوضع في عدة محاور، منها تحشيدهم ومناصرتهم لصفوفها القتالية، كما أدت تجمعات المهاجرين الأفارقة في مناطق نفوذ الجماعة إلى تسهيل عملية دمجهم في جهودها العسكرية.

 

أوضاع الاحتجاز وتداعياتها

 

في أعقاب حادثة صنعاء المفزعة الذي هزت المدن اليمنية وأثارت استياءً واسعًا، أعلنت جماعة الحوثي في حينه أن الحادثة نجمت عن غارة جوية نفذها ما وصفته بـ 'تحالف العدوان' واستهدفت مخيمًا للاجئين من أفريقيا وإثيوبيا.

 

وعلى الرغم من هذه الاتهامات، فإن تقارير صحفية وشهادات متطابقة أشارت إلى مسؤولية الجماعة عن إحراق مكان احتجاز المهاجرين بعد رفضهم الانصياع وإعلانهم الإضراب عن الطعام، وهو ما يثير تساؤلات جدية حول روايتها.

 

وتفصيلاً لهذه الحادثة في 7 مارس/آذار 2021، اندلع حريق هائل في مركز الاحتجاز، مما أسفر عن مقتل العشرات، معظمهم من الإثيوبيين، وإصابة المئات، ووثقت تقارير متعددة صادرة عن منظمات حقوقية وشهود عيان الظروف الصعبة للاحتجاز والمعاملة السيئة منظمة مواطنة للحقوق والحريات وأشار التقرير إلى أن احتجاج اللاجئين أثار غضب سلطات جماعة الحوثي مطالبة بتحقيق دولي شفاف بالحادثة.

 

ويعكس الوضع الصعب داخل هذه المراكز شهادة ع. ق والذي قال في حديثه للموقع بوست: "كنا نعيش في سجن حقيقي، حتى قبل الحريق'. هذا ما قاله ع. ق.، وهو عامل نظافة أفريقي لا يتجاوز الخامسة والعشرين من عمره احتُجز لعدة أشهر في أحد مراكز الاحتجاز في صنعاء، في حديث خاص به. والذي أضاف قائلاً: 'خانق الاكتظاظ'، 'أحسسنا بالإهانة'، بالكاد نجد مكانًا للجلوس أو النوم.

 

الطعام كان قليلًا وغير صالح للاستهلاك في كثير من الأحيان، والمياه شحيحة. كنا نشعر بالإهانة المستمرة وسوء المعاملة من قبل الحراس. فقدنا كرامتنا وإنسانيتنا داخل تلك الجدران.  عانيتُ أنا وزملائي الذين كانوا معي في تجمعات مماثلة لنفس الظروف القاسية لأشهر طويلة."

 

هذه الشهادة المؤلمة من عامل النظافة الأفريقي تكشف عن جزء يسير من الأثر الإنساني المدمر لهذه المأساة. فبالإضافة إلى الظروف المعيشية القاسية الذي تفقدهم أبسط مقومات الكرامة الإنسانية، يعاني هؤلاء المهاجرون من صدمات نفسية عميقة نتيجة الخوف المستمر من الموت والعنف، والشعور بالعجز واليأس، وفقدان الأمل في مستقبل آمن. هذه التجارب تترك ندوبًا نفسية تستمر معهم مدى الحياة، وتؤثر على قدرتهم على التعافي والاندماج في أي مجتمع جديد.

 

ردود الفعل الدولية تجاه الحادثة

 

وعلى صعيد ردود الفعل على هذه الفاجعة، أثار الحريق الذي راح ضحيته أرقام كبيرة يصعب حصرها ردود فعل دولية واسعة، حيث طالبت منظمة هيومان رايتس ووتش بإجراء تحقيقات مستقلة وشاملة، والتي دعت إلى تشكيل لجنة دولية للتحقيق في الحادثة ومحاسبة المسؤولين عنها، مؤكدة على ضرورة حماية المدنيين وتطبيق القانون الدولي.

 

تواجد الأفارقة في مناطق النزاع

 

في سياق مختلف، يتواجد أرقام كثيرة من الشباب الأفارقة بمقدمة الصفوف الأمامية لأطراف مختلفة، فتواجده بخطوط النار غير مقتصر على جماعة الحوثي وحسب، الحوثيون يجندون المهاجرين الأفارقة.. مرتبات زهيدة ومصير مجهول في جبهات القتال حيث تحوز أرقام مرتفعة من نسبة تواجد عناصر وسط قوات تابعة لما تسمى بالمجلس الانتقالي الجنوبي، إضافةً إلى تواجد الكثير من الأفارقة المجندين ضمن الجيش السعودي والذين يدافعون عن أرض المملكة العربية السعودية.

 

تأثير القصف على المهاجرين

 

تزايدت في السنوات الأخيرة من النزاع المسلح جرائم القصف الذي طال تجمعات للمهاجرين الأفارقة.

 

في مشهد مروع يضاف إلى فصول معاناة الأفارقة في اليمن، استهدف القصف الذي وثقته وكالة الأنباء الفرنسية (AFP)  جراء غارات الطيران الأمريكي في الثامن والعشرين من أبريل عام 2025 مركزًا للمهاجرين في محافظة صعدة. تحت وطأة الانفجارات، لقي أكثر من ستين بريئًا من السودانيين والإثيوبيين والصوماليين حتفهم، بينما تناثرت أشلاء الضحايا على أرض المركز. وبينما تتداول الأنباء إشارة إلى أن طائرات أمريكية نفذت عملية القصف تلك، يبقى السؤال معلقًا حول ملابسات هذا الاستهداف المباشر لمركز إيواء. لقد تحول الملجأ الآمن إلى ساحة للموت، ليروي فصولًا جديدة من المأساة التي تلاحق هؤلاء الذين سعوا للنجاة من حروب أخرى. أصوات الإدانة والاستنكار تعالت، لتكشف عن فظاعة ما لحق بهؤلاء الضحايا العزل.

 

وبالإضافة إلى ذلك، تجدر الإشارة إلى أن منظمات حقوقية وثقت حوادث مماثلة في السابق، بما في ذلك مقتل نحو 90 مهاجرًا في ضربة جوية للتحالف السعودي عام 2022 على منشأة اعتقال أخرى للمهاجرين الأفارقة في مدينة حجة.

 

تقارير صحفية تحدثت في نهاية ديسمبر 2024م والذي أشارت إلى مقتل ثلاثة مهاجرين وإصابة العشرات خلال فضّ قوات جماعة الحوثي اعتصامًا للمهاجرين الأفارقة في صنعاء باستخدام الرصاص الحي.

 

إن فقدان العشرات من الأرواح في حوادث القصف الوحشية لا يمثل مجرد إحصائية مروعة، بل يمزق أوصال عائلات ويترك ناجين يعانون من فقدان الأحباء، وإصابات جسدية ونفسية دائمة، وشعور عميق بالظلم والخوف من تكرار هذه الفظائع. هذه الأحداث تخلق جيلًا من الصدمات الذي يؤثر على النسيج الاجتماعي للمجتمعات المتضررة، سواء كانت مجتمعات المهاجرين أو المجتمعات اليمنية الذي يستضيفهم.

 

جهود الإغاثة والمطالبات الدولية

 

وعلى الرغم من هذه الجرائم التي طالت مدنيين وفئة واحدة من قبل أطراف كثيرة، فإن المناصرة العالمية وبيانات الإدانة الدولية مستمرة من قبل الجهات والمنظمات المدنية المعنية بحقوق الإنسان. ويتجلى هذا الاهتمام الدولي في أنه خلال مطلع العام 2025 عقدت مؤتمرات دولية واسعة حول أوضاع الأفارقة في اليمن والتي أكدت على ضرورة الالتزام بقوانين الإنسان الدولية، حيث حذر الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش في تصريح نقلته [قناة المملكة] من "تنامٍ خطر" للقصف على المدنيين، بما في ذلك المهاجرون الأفارقة، ودعا جميع الأطراف لاحترام القانون الدولي الإنساني وحماية الأفراد العُزل. في بيان صادر في 28 أبريل 2025.


مقالات مشابهة

  • جهاز دعم الاستقرار ينفذ دوريات على الحدود مع تونس لتعزيز الأمن والاستقرار
  • بعد الأجواء الحارة التي عاشتها المملكة هل تعود الحاجة لإرتداء المعاطف الأيام القادمة ؟
  • رايتس ووتش تدعو الولايات المتحدة للامتناع عن ترحيل المهاجرين قسرا لليبيا
  • رحيل مغني الراب كافون.. أبرز الوجوه الفنية التونسية بجيل ما بعد الثورة
  • تصاعد جرائم اختطاف وتهريب المهاجرين الأفارقة في شبوة
  • تصاعد خطير في جرائم اختطاف وتهريب المهاجرين الأفارقة في محافظة شبوة المحتلة
  • ترامب يطلق برنامج ترحيل مدفوع لإنهاء "غزو" المهاجرين
  • تبادل الخبرات وتمويل مشاريع بحث وابتكار.. أبرز قرارات اللجنة المصرية - التونسية للتعليم العالي
  • اللجنة المصرية التونسية المشتركة للتعليم العالي تقرر تنظيم ورشتي عمل لتبادل الخبرات
  • المهاجرون الأفارقة.. الفرار إلى جحيم اليمن والصراع يضاعف معاناتهم (تقرير خاص)