لجريدة عمان:
2025-05-21@14:54:13 GMT

واستمرت دائرة المأساة في الحياة والفن

تاريخ النشر: 30th, November 2023 GMT

واستمرت دائرة المأساة في الحياة والفن

كان ذلك في الصف الأول، وربما قبل ذلك في محيط بيتنا الخارجي الذي يضم أطفالا في عمر الورد يلعبون بمواد الطبيعة، أو بما تبقى من دمية بقيت بعد عيد مرّ، حين جاد عليهم بعض الأقرباء بقروش، حين صدمت أول مرة بطفل يسطو على طفل آخر، بكلمة أو حركة، أو عبث بما ينشغل به ذلك الطفل من لعب في دائرته الصغيرة البريئة. وكل وما لديه من قصص الطفولة.

لم نكن نعلم أن هذا السلوك يعني اسمه التنمر، لكن ما إن كبرت وكبرنا، حتى بتّ أراه يتجلى لا بين الأطفال، بل الطلبة الأكبر سنا، فبعض المعلمين، وبعض الكبار في القرية، ثم بدأ وعينا على تنمر الاحتلال الصهيوني، كذلك، رحنا نسمع أخبار الحروب من المذياع، وسرعان ما صرنا نراها، لكن في كل ذلك لم تختف صدمتي ولا دهشتي بوجود عالم الشرور.

دخلت إلى قواميس وعينا كلمات الحرب والاحتلال والصراع والنزاع، ودوما كنت أفاجأ، وأقول: هل يعقل أن يحدث هذا؟ وإن حدث كيف يستمر؟

كبرت فلم تذهب قراءتي للتاريخ من جهة، ولأدبيات علم النفس من جهة أخرى شعوري بالصدمة، فهتفت: يا لعار الإنسان، يا للعيب، يا للحماقة!

أعجبني وأنا تحت العشرين ما قرأناه عن المذهب الكلاسيكي في التنفير من الشر، أو اصطلح عليه نقديا بـ «التطهر الكلاسيكي»، الذي واكب كتاباتي في النقد الروائي والمسرحي بشكل خاص. وأذكر أننا تعلمنا في آخر صف مدرسي شيئا عن المذاهب الأدبية: الكلاسيكية والرومانسية والواقعية والرمزية، حيث ظننت أن المذاهب أربعة، لكن يبدو أنها هي وما جاء بعدها قد توالدت بعضها من بعض، حتى وإن كانت تمردا عليها، كحال الرومانسية مع الكلاسيكية. ورغم أفول نجم الكلاسيكية، إلا أن «التطهر» وجد أشكالا من التجلي في كتابات تأثرت بمذاهب حديثة ومعاصرة.

في دراسة الأدب، والأدب من الحياة، نجد أمرين، ولعلهما من رسالة الأدب الإنسانية خاصة في ثنائية الخير والشرّ، قديما وحديثا، حتى في ظل الجدل المعاصر على هذا المضمون، والذي لم يختف بالطبع. أما الأمران فهما:

-الأول: ذكر أخبار الأولين سردا قصصيا وروائيا ومسرحيا، بما يحضر من حياة، منها ما يتعلق بهموم الإنسان ومآسيه، أفرادا وجماعات، وهنا يتجلى دور الأدب الإنساني.

-الثاني: ما نقرأه من تناص أدبي، وهو يتجلى في الشعر أكثر، حيث يستحضر المبدع ما حدث من قبل، أي أن هناك أفعال سابقة عاشتها الشعوب تشبه ما نعيشه الآن، والغريب والمؤلم، أن ذلك ظل يستمر.

والتناص هو كتابة نصّ اعتمادا على نص سابق، كأن تكون جملة على أخرى أو بيت شعر على بيت آخر، أو حديث نبوي أو آية قرآنية، أو مثل أو حكمة أو أي شكل كتابي منثور.

وهنا، أكانت المأساة قديمة أعيدت كتابتها، أو حديثة استدعت ما يشبهها، فإن السؤال العميق ليس الأدب بحد ذاته، بل الحياة، فكيف يستمر ذلك؟ كيف يعود؟ ألم يتعظ البشر من كل الدماء والآلام التي ذاقها من قبله؟

وبالرغم من أية مواعظ ونصائح إلا أن المأساة تتكرر، لدرجة أن مفكرا مثل كارل ماركس رأى نفسه ساخرا من تكرار المأساة، جاء ذلك في سياق ما قاله يوما بأن التاريخ يعيد نفسه مرتين، المرة الأولى كمأساة، والثانية كمهزلة.

وما زالت الأعمال الأدبية والفنية القديمة من قصص ولوحات ومنحوتات ومسرح، وما تلا ذلك من أفلام سينمائية باقية وتجد من يقبل على الاطلاع عليها، بعد أن اكتسبت صفة الخلود.

خلود الروائع، كم حاولت تفسير ذلك، وكل ما رشح في الذهن هو أن المأساة ظلت حاضرة، كأنها نذير للإنسان ألا يفعل ذلك من قبله، وأن يفعل ما يجنّب البشرية أهوالها، إلى أن درسنا مادة علم اجتماع اللغة والأدب في السنة الدراسية بكلية آداب طنطا بمصر، حيث قرأت شيئا عن ذلك. لكنني عدت إلى ذلك بعد عقد من السنوات، حين كتبت عن مأساة الغزيين في حرب الاحتلال الإسرائيلي عليها عام 2014، وعما حدث من قتل في خزاعة والشجاعية ورفح. ووقتها دفعتني الصور الفوتوغرافية التي تظهر صرخات المتألمين بأقصى اتساع للفم، للعودة إلى لوحتي جويا الثاني من أيار وجرنيكا لبيكاسو. عدت للمذكرة الجامعية أبحث عما قرأته، كما عدت إلى كتاب جمال قطب عن الحروب والفن.

حين عدت إلى كتاب علم اجتماع اللغة والأدب، وجدت أن من تحدث عن سر خلود الروائع هو كارل ماركس. لقد نحى ماركس في تفسير خلود الروائع منحى وجوديا، رغم تناقضه مع الوجوديين، حين جعل الخلود مصاحبا لعودة الشعور ثانية مع الإنسان الجديد الذي يعيش الحالات الشعورية الموجودة في الروائع. وهناك تتمة لذلك لمن يودّ التعمق في موضوع خلود الروائع. وكان اسم ماركس قد ارتبط بما أسسه من الفكر الاشتراكي والشيوعي.

- التاريخ يعيد نفسه مرتين، المرة الأولى كمأساة، والثانية كمهزلة.

- لم أتقبل مضمونها تماما قبل عقد من السنوات، حيث كنت مهموما ومهتما بالمآسي التي تصيبنا في فلسطين وبلدان العالم المختلفة.

- والآن؟

- والآن أرى أن كل متأمل، أكان مكتويا بنار المآسي، أو ممن يسمع عنها أو يراها، فإنه سيضع راحته على خده، أو راحتيه على كلا الخدين، وهو يحتسي قهوته الصباحية، سيجد نفسه ساخرا بما كان ويكون. لكنها سخرية عميقة من كل هؤلاء الطغاة والمستبدين، الذين لم يتعلموا من قراءة التاريخ، بل أصروا على الجريمة، بفرق بسيط لكنه أكثر تأثيرا، ألا وهو تكنولوجيا القتل المعاصرة، حين يتم ذلك عن بعد من خلال أزرار في طائرة تقتل المئات دون أن ترأف بهم.

لا زمن فرسان، لا زمن فارس يقاتل فارسا، بل زمن قتلة، فأية سخرية تلك التي نعيشها اليوم في العالم كله؟ والغريب أن ذلك يستمر، ولا يظهر فيما يبدو أنه لن يتكرر في أزمنة وأمكنة أخرى.

تلك هي رسالة الأدب والفن، وما أسماها من رسالة مقدسة إن كان منطلقها الإنسانية.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

صدمة للاحزاب في دائرة بيروت الأولى

قال مصدر إحصائي إن نتائج الانتخابات الإختيارية في دائرة بيروت الأولى شكلت صدمة للأحزاب المتحالفة، أي القوات والكتائب والتيار الوطني الحر والطشناق والهنشاك والنائب ميشال فرعون، وخاصًة في الأشرفية والرميل، حيث حصدت "لائحة أهالي الأشرفية" معدل أصوات بلغ 2500 صوت مقابل معدل 5000 صوت للائحة الأحزاب المتحالفة إختيارياً .أما في الرميل فكانت الصدمة أكبر حيث حصد المرشح شبه المنفرد المختار مارون نوفل 1500 صوت مقابل 3000 صوت  للائحة تحالف الأحزاب الإختياري.
وختم المصدر: إن  هذه الأرقام لها مؤشراتها الإنتخابية عندما تنفصل الأحزاب عن بعضها  البعض لتؤلف لوائح للانتخابات نيابية تتنافس في ما بينها على المقاعد بحسب النظام النسبي .

المصدر: لبنان 24 مواضيع ذات صلة تحالف عريض في دائرة بيروت الاولى Lebanon 24 تحالف عريض في دائرة بيروت الاولى 20/05/2025 08:18:33 20/05/2025 08:18:33 Lebanon 24 Lebanon 24 بري: المستفيد الأول والأخير من جرّ لبنان والمنطقة الى دائرة الإنفجار الكبير هي اسرائيل Lebanon 24 بري: المستفيد الأول والأخير من جرّ لبنان والمنطقة الى دائرة الإنفجار الكبير هي اسرائيل 20/05/2025 08:18:33 20/05/2025 08:18:33 Lebanon 24 Lebanon 24 وفاة شخص صدمه قطار بمصر Lebanon 24 وفاة شخص صدمه قطار بمصر 20/05/2025 08:18:33 20/05/2025 08:18:33 Lebanon 24 Lebanon 24 صدمة جديدة لبرشلونة من رابطة الدوري الإسباني Lebanon 24 صدمة جديدة لبرشلونة من رابطة الدوري الإسباني 20/05/2025 08:18:33 20/05/2025 08:18:33 Lebanon 24 Lebanon 24 لبنان خاص بلديات 2025 رادار لبنان24 قد يعجبك أيضاً اورتاغوس في لبنان الاسبوع المقبل بجدول اعمال مكرر..عون: لبنان لا يمكنه أن يكون خارج معادلة السلام Lebanon 24 اورتاغوس في لبنان الاسبوع المقبل بجدول اعمال مكرر..عون: لبنان لا يمكنه أن يكون خارج معادلة السلام 01:00 | 2025-05-20 20/05/2025 01:00:00 Lebanon 24 Lebanon 24 إطلاق لائحة "صيدا بتستاهل" Lebanon 24 إطلاق لائحة "صيدا بتستاهل" 00:52 | 2025-05-20 20/05/2025 12:52:55 Lebanon 24 Lebanon 24 اعلان لائحة "أمل البيسارية" Lebanon 24 اعلان لائحة "أمل البيسارية" 00:25 | 2025-05-20 20/05/2025 12:25:05 Lebanon 24 Lebanon 24 العثور على جثة امرأة داخل أحد البساتين في الزرارية.. وهذا ما تبين Lebanon 24 العثور على جثة امرأة داخل أحد البساتين في الزرارية.. وهذا ما تبين 00:16 | 2025-05-20 20/05/2025 12:16:14 Lebanon 24 Lebanon 24 إطلاق لائحة "نبض البلد" في صيدا Lebanon 24 إطلاق لائحة "نبض البلد" في صيدا 00:15 | 2025-05-20 20/05/2025 12:15:37 Lebanon 24 Lebanon 24 الأكثر قراءة بكت بشدّة... لأوّل مرّة ناديا شربل تتحدّث عن إنفصال والديها: "هيك كانوا بالبيت" (فيديو) Lebanon 24 بكت بشدّة... لأوّل مرّة ناديا شربل تتحدّث عن إنفصال والديها: "هيك كانوا بالبيت" (فيديو) 06:13 | 2025-05-19 19/05/2025 06:13:09 Lebanon 24 Lebanon 24 بالفيديو... ممثل لبنانيّ ينفصل عن زوجته: "رايحين انطلق ما مشي الحال" Lebanon 24 بالفيديو... ممثل لبنانيّ ينفصل عن زوجته: "رايحين انطلق ما مشي الحال" 10:17 | 2025-05-19 19/05/2025 10:17:00 Lebanon 24 Lebanon 24 مهرها يتجاوز الـ 60 مليون دولار.. ليس كويتيا هذا هو عريس "يومي" الثري (صور) Lebanon 24 مهرها يتجاوز الـ 60 مليون دولار.. ليس كويتيا هذا هو عريس "يومي" الثري (صور) 04:48 | 2025-05-19 19/05/2025 04:48:23 Lebanon 24 Lebanon 24 بالصور.. مذيعة الـ"ام تي في" تعلن عن خطوبتها Lebanon 24 بالصور.. مذيعة الـ"ام تي في" تعلن عن خطوبتها 06:33 | 2025-05-19 19/05/2025 06:33:16 Lebanon 24 Lebanon 24 مع ارتفاع درجات الحرارة.. كارين رزق الله بملابس البحر تستمتع بوقتها مُفتتحة فصل الصيف (صور) Lebanon 24 مع ارتفاع درجات الحرارة.. كارين رزق الله بملابس البحر تستمتع بوقتها مُفتتحة فصل الصيف (صور) 03:19 | 2025-05-19 19/05/2025 03:19:48 Lebanon 24 Lebanon 24 أخبارنا عبر بريدك الالكتروني بريد إلكتروني غير صالح إشترك عن الكاتب "خاص لبنان24" أيضاً في لبنان 01:00 | 2025-05-20 اورتاغوس في لبنان الاسبوع المقبل بجدول اعمال مكرر..عون: لبنان لا يمكنه أن يكون خارج معادلة السلام 00:52 | 2025-05-20 إطلاق لائحة "صيدا بتستاهل" 00:25 | 2025-05-20 اعلان لائحة "أمل البيسارية" 00:16 | 2025-05-20 العثور على جثة امرأة داخل أحد البساتين في الزرارية.. وهذا ما تبين 00:15 | 2025-05-20 إطلاق لائحة "نبض البلد" في صيدا 00:01 | 2025-05-20 في الجنوب.. الجيش أوقف أحد المطلوبين وهذه تهمته فيديو أطلت وهي تبكي وتتوسل.. فنانة تركية تُناشد أردوغان وزوجته إليكم السبب (فيديو) Lebanon 24 أطلت وهي تبكي وتتوسل.. فنانة تركية تُناشد أردوغان وزوجته إليكم السبب (فيديو) 00:23 | 2025-05-19 20/05/2025 08:18:33 Lebanon 24 Lebanon 24 هل تذكرون نجمة "سوبر ستار" السورية؟ عادت بعد غياب 17 عاماً شاهدوا كيف أصبحت (فيديو) Lebanon 24 هل تذكرون نجمة "سوبر ستار" السورية؟ عادت بعد غياب 17 عاماً شاهدوا كيف أصبحت (فيديو) 23:22 | 2025-05-18 20/05/2025 08:18:33 Lebanon 24 Lebanon 24 حفل تنصيب البابا لاوون الرابع عشر: تعهدٌ بجعل الكنيسة رمزا للسلام Lebanon 24 حفل تنصيب البابا لاوون الرابع عشر: تعهدٌ بجعل الكنيسة رمزا للسلام 06:24 | 2025-05-18 20/05/2025 08:18:33 Lebanon 24 Lebanon 24 Download our application مباشر الأبرز لبنان خاص إقتصاد عربي-دولي بلديات 2025 متفرقات أخبار عاجلة Download our application Follow Us Download our application بريد إلكتروني غير صالح Softimpact Privacy policy من نحن لإعلاناتكم للاتصال بالموقع Privacy policy جميع الحقوق محفوظة © Lebanon24

مقالات مشابهة

  • بانو مشتاق تفوز بجائزة بوكر الدولية 2025: قصص سراج القلب تضع نساء جنوب الهند في صدارة الأدب العالمي
  • هكذا ينكر الإعلام المأساة السورية
  • قضاء أبوظبي توضح عقوبة نشر الشائعات والأخبار الكاذبة
  • صدمة للاحزاب في دائرة بيروت الأولى
  • الشاعر حسين جلعاد يوقّع كتابه الجديد شرفة آدم في معرض الدوحة للكتاب
  • كيف ساهم ناثانيال هاوثورن في تشكيل هوية الأدب الأمريكي؟
  • في ذكرى ميلادها.. زينات علوي “راقصة الهوانم” التي جمعت بين الأناقة والفن(تقرير)
  • يوسف إدريس.. أيقونة الأدب الواقعي الذي اقتحم الشاشة الكبيرة
  • بين نوبل وبوليتزر.. لماذا رفض سارويان الجوائز؟
  • بيرتراند راسل… حين تمنح الفلسفة جائزة نوبل