غالبا ما ينظر إلى التفاؤل على أنه سمة إيجابية مرتبطة بالصحة الجيدة وطول العمر. ومع ذلك، تشير دراسة حديثة إلى أنه قد يكون هناك جانب سلبي، عندما يتعلق الأمر بالقدرات المعرفية.
وجدت الدراسة الحديثة علاقة بين المستويات العالية من التفاؤل وانخفاض القدرات المعرفية.
وتضمنت الدراسة حجم عينة كبير مع الأخذ في الاعتبار عدة عوامل مثل العمر والتعليم والحالة الاجتماعية والاقتصادية.


وأجرى الباحثون سلسلة من الاختبارات المعرفية للمشاركين لقياس ذاكرتهم وانتباههم ومهاراتهم في حل المشكلات. وقاموا أيضا بتقييم مستويات التفاؤل لدى المشاركين باستخدام مقاييس نفسية ثابتة.
وكشفت النتائج المنشورة في نشرية «Personality and Social Psychology Bulletin» من جامعة باث، عن وجود علاقة ارتباط سلبية ذات دلالة إحصائية بين التفاؤل والقدرات المعرفية.
وكان المشاركون الذين سجلوا درجات أعلى في مقاييس التفاؤل يميلون إلى الأداء بشكل أسوأ في الاختبارات المعرفية، مقارنة بأولئك الذين لديهم مستويات أقل من التفاؤل.
وتظهر النتائج أن التفاؤل المفرط يرتبط في الواقع بالمهارات المعرفية المنخفضة مثل الطلاقة اللفظية، والتفكير السائل (القدرة على التفكير المنطقي وحل المشكلات بمعزل عن المعرفة المكتسبة)، والاستنتاج الكمي (القدرة على الحساب، واستخلاص، والوصول للاستنتاجات بناءا على بيانات ومعلومات رقمية)، والذاكرة.
في حين أن أولئك الذين يتمتعون بقدرات معرفية عالية يميلون إلى أن يكونوا أكثر واقعية وتشاؤما في توقعاتهم في شأن المستقبل.
وقال الدكتور كريس داوسون من كلية الإدارة بجامعة باث: «إن انخفاض القدرة المعرفية يؤدي إلى المزيد من التحيزات الذاتية. الناس يخدعون أنفسهم إلى حد ما».
وفي حين أن الأسباب الدقيقة لهذا الارتباط ليست مفهومة بالكامل بعد، يقترح الباحثون عدة تفسيرات محتملة. أحد الاحتمالات هو أن الأفراد المفرطين في التفاؤل قد يكونون أكثر عرضة للتغاضي عن العقبات أو التحديات المحتملة، ما يؤدي إلى الافتقار إلى التفكير النقدي ومهارات حل المشكلات.
وقد يكون هناك تفسير آخر وهو أن المتفائلين قد يعتمدون أكثر على الحدس والمشاعر الغريزية بدلا من الانخراط في التفكير المنهجي والتحليلي. وهذا الاعتماد على الحدس قد يعيق قدرتهم على التفكير النقدي واتخاذ القرارات العقلانية.
وكانت القرارات المتعلقة بالقضايا المالية الرئيسية مثل التوظيف أو الاستثمارات أو المدخرات، وأي خيار ينطوي على المخاطر وعدم اليقين، عرضة بشكل خاص لهذا التأثير وتشكل آثارا خطيرة على الأفراد.
وأشار الدكتور داوسون: «التوقعات المالية المتفائلة بشكل غير واقعي يمكن أن تؤدي إلى مستويات مفرطة من الاستهلاك والديون، فضلا عن عدم كفاية المدخرات. ويمكن أن تؤدي أيضا إلى الدخول المفرط في الأعمال التجارية والفشل اللاحق».
وفحصت الدراسة بيانات من دراسة استقصائية في المملكة المتحدة شملت أكثر من 36 ألف أسرة، ونظرت في توقعات الناس في شأن رفاهيتهم المالية وقارنتها مع وضعهم الفعلي.
ووجدت الدراسة أن أولئك الذين يتمتعون بأعلى القدرات المعرفية شهدوا زيادة بنسبة 22% في احتمالية «الواقعية» وانخفاضا بنسبة 35% في احتمالية «التفاؤل الشديد».
ومن المهم أن نلاحظ أن هذه الدراسة لا تشير إلى أن التفاؤل أمر سيء بطبيعته أو أن جميع الأفراد المتفائلين لديهم قدرات معرفية أقل. بل إنه يسلط الضوء على العيوب المحتملة للتفاؤل المفرط والحاجة إلى اتباع نهج متوازن في التفكير.
ويمكن أن يكون التفاؤل سمة قيمة في العديد من جوانب الحياة، حيث يوفر الدافع والمرونة والعقلية الإيجابية. ومع ذلك، من المهم أيضا تنمية مهارات التفكير النقدي والانخراط في تقييمات واقعية للمواقف.
وهناك حاجة إلى مزيد من البحث لفهم العلاقة بين التفاؤل والقدرات المعرفية بشكل أفضل.
ويمكن للدراسات المستقبلية استكشاف ما إذا كانت هناك مجالات أو سياقات محددة قد يكون فيها التفاؤل أكثر فائدة أو يضر بالأداء المعرفي.

المصدر: الراي

كلمات دلالية: قد یکون

إقرأ أيضاً:

د. عادل القليعي يكتب: قولنا في نشأة التفكير الفلسفي.!

بداية لابد أن نطرح على حضراتكم هذا الطرح ، لماذا لم أقل في عنوان مقالتي في نشأة الفكر الفلسفي ، وقلت التفكير ، هذه واحدة ، أما الطرح الثاني ، لماذا بدأت المقالة بكلمتي قولنا في.؟!

سأعرض إجابتي من حيث انتهت تساؤلاتي ، قولنا في ، لأن هذا إشارة إلى قول صاحب المقال ، أي فكر صاحب العبارة ذاته ، وقد يكون رأيه صوابا فيحمد صنيعه وطرحه وقد يكون خاطئا فيتحمل تبعات خطئه من الانتقادات التي ستوجه إليه ويكون عليه الرد عليها.

أما قوله في نشأة التفكير الفلسفي وليس الفكر الفلسفي ، لأن الفلسفة وجهة نظر والتفلسف مكفول والتفكير الفلسفي مكفول للجميع ، ومن حق أي إنسان يتمتع بأهليته العقلية أن يتفكر ويقدم تصورا عن ذات الفكرة من عندياته.

قد يتبادر إلى الذهن المتذاكي أن السؤال  متى نشأ التفكير الفلسفي سؤال غبي ، لكن سيزول هذا الغباء عندما تتجلى الإجابة عنه في أبهى صورها.

فإنه منذ أن وجد الإنسان على سطح البسيطة وميزه الله تعالى بنعمة العقل وشرفه بها وجعله ضابط إيقاعه ، يعرض عليه المشكلات والقضايا فيقوم بتحليلها ودرسها ثم يحاول أن يقدم إجابات عنها ، حتى وإن كانت إجابات منقوصة إلا إنه سيحاول وسيحاول مرارا وتكرارا أن يجد الجواب الناجع الشافي لهذه التساؤلات.

فمنذ أن خلق الله الإنسان وأودع داخله نعمة العقل ، فأصبح دأبه وديدنه الوصول إلى اليقين المعرفي ، فمنذ أن قتل الأخ أخاه ، وبدأ الصراع جليا بين الحق والباطل ، الخير والشر ، وحتى حينما أراد أن يدفنه راح يتفكر كيف سيفعل ذلك ، وهنا توقف العقل أمام هذا الخطب الجلل وعجز عن التفكير.

وهذا دليل دامغ على محدودية العقل ، فهناك أمور من الممكن أن تكون محلا للتفكير ويصل فيها المرء إلى إجابات ، وعلى الجانب الآخر يقف مندهشا مذهولا فيعاود الكرة ويتفكر.

إذن بدأ التفكير الفلسفي حتى وإن كان تفكيرا بدائيا مع وجود الإنسان ، وبالحتمية المنطقية من الذي سيتفكر ، الرد ، من وهبه الإله عقلا.

رد أرسطو نشأة التفلسف إلى طاليس في القرن الرابع ق.م. وتابعه في هذا الرأي برتراند راسل ، أما فيكتور كوزان فارتد بنشأة التفكير الفلسفي إلى سقراط ، إلا أن سانتهلير أرجع نشأة الفلسفة إلى المدارس اليونانية الأولى ، المدرسة الأيونية ، المدرسة الإيلية، المدرسة الفيثاغورية.
أما ديوجين فقد ألف فقد ألف كتابا ضمن فيه حياة مشاهير الفلاسفة فأرتد بنشأتها إلى الحضارات الشرقية القديمة.

وهذا رأي يعتد به ، لما لحضارات الشرق القديم من أهمية بالغة في تاريخ الفكر الإنساني ، فالحضارة المصرية القديمة لها باع طويل في التفكير سواء فى النواحي العملية أو النواحي النظرية ، أما النواحي العملية ، فمن الذي برع في فن التحنيط ، فن العمارة والفنون والزخارف ، بناء الأهرام ، علم الكيمياء والأصباغ ، معرفة مواسم الحصاد وفصول العام.

أما النواحي النظرية ، فكرة العدالة ، الإله ماعت ، فكرة الألوهية وتعدد الآلهة ، وحرية العبادة ، فكرة الخلود والبعث.

وشواهدنا على ذلك كثيرة ، ألم يزر سقراط مصر ، ألم يتعلم فيثاغوث في مصر ، ماذا قال هيرودوت عن مصر ، قال مصر هبة النيل ، صولون المشرع اليوناني ، من أن تعلم القوانين التي صاغ على إصرها قوانين إسبرطه.

أما بالنسبة للبناء الأخلاقي ، أليس لنا القدوة في حكيم الصين كونفوشيوس الذي تحدث عن الفضيلة وكيف يمكن الارتقاء بالمجتمع من خلال الأخلاق.

أليس لنا المثل في الحضارة الفارسية التي تحدثت عن فكرة ثنائية الإله ، إله للخير ، وإله للشر ، إله للنور وإله للظلام.

لكن على الجانب الآخر ، لابد أن نكون منصفين ، عندما نتحدث عن بناء الفكرة الفلسفية ، فبدايتها كانت فى الشرق وإعادة هيكلتها وتنميقها يرجع إلى بلاد اليونان ، وهذا للأمانة والدقة والموضوعية وشاهدي على ذلك استفادتنا إلى الآن من أفكار سقراط وحكمه ومواعظه الأخلاقية وكذلك أرسطو وأفلاطون والأفلاطونية المحدثة.

وهذا يجعلنا على وفاق مع ما ذكره أورسيل ، الذي أرجع نشأة التفكير الفلسفي إلى الأوراسيا ، أوروبا وآسيا ، وهنا نؤيده ، لماذا ، لأننا نؤمن بفكرة التأثير والتأثر دونما تقليد أعمى.

فنحن نتأثر بما كتبه فلاسفة اليونان وفي نفس الوقت لا ينبغي أن نسايرهم النعل بالنعل والخطوة بالخطوة وإنما لابد أن تكون لنا هويتنا المستقلة ونؤثر بدورنا في من سيأتي بعدنا ، فالفكر الإنساني سلسلة متصلة الحلقات.

وهذا ما أيده شيخنا الدكتور زكي نجيب محمود ، لا شرق عندنا ولا غرب ، وإنما عندنا الإنسان ، المكون الرئيس لبناء الحضارة ، فعندما يوجد الإنسان توجد للحضارة ، وعندما يتفكر هذا الإنسان تنمو الحضارة وتزدهر.

وبعد هذا الطرح التفكري ، هل زال غموض ولبس وغباء السؤال.؟!

طباعة شارك نشأة الفكر الفلسفي الفكر الفلسفي التفكير الفلسفي

مقالات مشابهة

  • د. عادل القليعي يكتب: قولنا في نشأة التفكير الفلسفي.!
  • دراسة تكشف تأثير نمط اللعب في الطفولة على القدرات المكانية لدى المراهقين
  • اصنعوا لقلوبكم ثوبا من التفاؤل..
  • دراسة تحذر من استخدام مضادات الاكتئاب مع أحد المسكنات
  • كيف يغري الذكاء الاصطناعي المستخدمين بالانتحار؟ دراسة تكشف ثغرات خطيرة
  • بعد زرع كبد خنزير في جسده.. رجل صيني يعيش أكثر من 170 يومًا
  • دراسة كندية: الإفراط في استخدام الشاشات يمكن أن يؤثر على أداء الأطفال
  • فيلم "Wonder Man" يشعل الجدل ويعيد التفكير في مفهوم البطولة
  • دراسة موسعة تحذر: "بدائل السكر" لا تحمي الكبد
  • دراسة تحذر … الترامادول قد يكون أكثر خطورة من فائدة