تنافس محموم حول جنسية "أبو البطاطا"!
تاريخ النشر: 6th, December 2023 GMT
من النادر أن تخلو أطباق في مطابخ العالم من البطاطس، الجذور التي وصلت إلى العالم القديم في القرن الثامن عشر وأصبحت ملازمة إلى درجة يصعب التخيل أنها لم تكن موجودة في القديم.
إقرأ المزيدكان اكتشاف البطاطا في أمريكا الجنوبية وتحديدا في منطقة بحيرة "تيتيكاكا" الواقعة بين ما بات يعرف ببيرو وبوليفيا، والتي يبلغ ارتفاعها فوق مستوى سطح الأرض 3812 مترا، ونقله إلى أوروبا خطوة هامة أسهمت في التقليل من اخطار سلسلة من المجاعات الشديدة في القارتين الأوروبية والآسيوية.
زراعة البطاطا في أمريكا الجنوبية كانت بدأت قبل أكثر من 9000 عام، ويمكن حتى الآن العثور بموطنها الأصلي على حوالي 200 نوع لأسلاف برية للبطاطس الحديثة.
نلك الأنواع القديمة غير صالحة للأكل وتتميز بمرارتها في الغالب، وبعضها ضار بالصحة لاحتوائه على الكثير من مادة الجليكولويد السام الذي يسمى "السولانين"، وهذا يعني أن السكان القدماء بذلوا جهودا طويلة قبل أن يصل نوع "البطاطس" المناسب وغير الضار إلى مائدة البشر.
السكان الأصليون في مناطق "البطاطا" في أمريكا الجنوبية كانوا لا يعتبرون هذه الجذور اللذيذة مجرد طعام فقط، بل يرون في النبات إلها يعبد بل وتقدم له القرابين أحيانا، وتبنى له المعابد، وقد ظهر تجلي لهذه الطقوس القديمة في العيد الوطني للبطاطا في بيرو والذي ينتظم في 30 مايو من كل عام.
لم تستقبل البطاطا بحماسة في البداية في العالم القديم في القرن الثامن عشر. على سبيل المثال رأى فيلسوف التنوير دينيس ديدرو "1713 – 1784" أن "الجذر بغض النظر عن طريقة تحضيره، لا طعم له وهو نشوي، ولا يعتبر ممتعا، لكنه يوفر طعاما وفيرا وصحيا بشكل معقول للرجال الذين لا يريدون شيئا سوى سد حاجتهم".
لم يصب هذا الفيلسوف تماما فيما ذهب إليه، وحققت البطاطا شهرة منقطعة النظير في العالم وتداخلت مع أشهى المأكولات في جميع أرحاء العالم!
روايتان عن "أبو البطاطا":
الإنجليز تنافسوا مع الإسبان في نسبة الفضل في اكتشاف "البطاطا"، وفي شرف أول من تعرف إليها وقدّر أهميتها الغذائية.
بالمقابل يصر الإسبان وكانوا في ذلك الوقت رواد العالم الجديد، على أنهم أصحاب الفضل في اكتشاف البطاطا، مشيرين إلى أن أول ذكر لها يعود إلى المستكشف والمؤرخ خوان دي كاستيلانوس في عام 1535. هذا الرجل الذي عاش في أمريكا الجنوبية لأكثر من 35 عاما ، لم ير البطاطا فحسب، بل وأكلها أيضا.
وبعد كاستيلانوس، وصفت في عام 1539 الخصائص الغذائية للبطاطا في أطروحة لـ غونزالو خيمينيز دي كيسادا، حاكم غرناطة الجديدة، وهو الإقليم الذي كان يضم كولومبيا الحديثة وفنزويلا وبنما والإكوادور، ولاحقا في عام 1553 تحدث عن البطاطس المؤرخ والجغرافي الإسباني بيدرو سيزا دي ليون، وقد يكون أوصى بها مواطنيه أو نقلها إلى أوروبا للتجربة.
الإنجليز استعدوا للمنافسة على البطاطا بشكل جيد مع غريمتهم القديمة إسبانيا، وأطلقوا بداية في هذا السياق على قرصانهم الشهير فرانسيس دريك لقب "رائد البطاطا"، حتى أن نصبا تذكاريا أقيم في ألمانيا في عام 1853 كتب عليه: "إلى السير فرانسيس دريك، الذي نشر البطاطا في أوروبا. الملايين من المزارعين في جميع أنحاء العالم يبارك ذمراكم الخالدة. إنها مساعدة للفقراء، هدية ثمينة من الله تخفف من العوز الشديد".
هذه الرواية لم تصمد طويلا، فجددت بأخرى افترضت أن السير والتر رومف جلب البطاطا من فرجينيا نهاية القرن السادس عشر. لكن بعد فترة، تبين مرة أخرى ضعف القصة، وذلك لأن البطاطا لم تكن موجودة في فرجينيا في ذلك الوقت. تم زرع الحقل الأول للبطاطا في أراضي الولايات المتحدة الحديثة بشكل منتظم بعد أكثر من 100 عام من ذلك التاريخ.
وبنهاية المطاف خرجت الرواية البريطانية الثالثة والأخيرة عن "أبو البطاطا"، ونال ذلك الشرف عالم الفلك والرياضيات والأجناس البشرية توماس هيريوت "1560-1621"، وقيل إنه أحضر "جذور" البطاطا إلى بريطانيا في 28 يوليو عام 1586 .
هذه الرواية وجدت من ينسفها ويؤكد أن هيريوت لم يغادر أمريكا الشمالية في الفترة من 1585 إلى 1586، بل ولم تكن "كولومبيا" ذاتها موجودة بهذا الاسم وقتها!
علاوة على أن إسبانيا كانت في حالة حرب مع بريطانيا في ذلك الوقت، ومن المستبعد أن يغامر الفلكي البريطاني بحياته ويتسلل إلى أراضي العدو ليحصل على البطاطا!
المصدر: RT
المصدر: RT Arabic
كلمات دلالية: أرشيف فی أمریکا الجنوبیة فی عام
إقرأ أيضاً:
تركيا تطلق مشروع غواصة ميلدن.. هل تنافس الغواصات الأوروبية المتطورة؟
سلط تقرير نشره موقع "شيناري إيكونومتشي" الإيطالية الضوء على إطلاق تركيا مشروع الغواصة "ميلدن"، أول غواصة تُصمَّم وتُبنى محلياً، في خطوة تمثل تحدياً مباشراً لهيمنة الغواصات الألمانية والإيطالية في السوق العالمية.
وقال الموقع في التقرير الذي ترجمته "عربي21"، إن تركيا أدركت خلال العشرين عامًا الأخيرة، أن السيادة السياسية من دون سيادة صناعية ليست سوى وهم، وقرّرت أن تتحول من مستهلك للأسلحة في حلف شمال الأطلسي إلى مصنّع ومورّد.
وأضاف، أن انطلاق مشروع بناء "ميلدن" في أحواض غولجوك ليس حدثا معزولا، إذ تشهد إسطنبول في الوقت ذاته بداية أعمال بناء أول مدمّرة محلية مضادة للطائرات من طراز "تي إف-2000"، وتوقيع عقود بقيمة 6.5 مليار دولار لإنجاز "القبة الفولاذية" التركية.
مواصفات ميلدن
اعتبر الموقع أن صنع غواصة محلية بالكامل يعد مشروعا طموحا جدا لدولة كانت حتى الأمس القريب تكتفي بتجميع فرقاطات ألمانية، خاصة أن ميلدن غواصة عملاقة يبلغ وزنها 2.700 طن ويتجاوز طولها 80 مترًا، مقارنة بالغواصة الإيطالية "سالفاتوري تودارو" التي يقل وزنها فوق سطح الماء عن 1500 طن.
أما عن المواصفات الفنية، فإن ميلدن تعمل بنظام دفع لاهوائي محلي الصنع، يجمع بين إعادة تشكيل الميثانول وخلايا وقود غشاء تبادل البروتون، ويعمل ببطاريات أيونات الليثيوم، بهدف بقاء الغواصة تحت الماء عدة أيام دون استخدام أنبوب التنفس تحت الماء، وهو أمر غير ممكن للغواصات التي تعمل بالديزل.
وعلى صعيد التسليح، سيتم تزويد الغواصة بـ8 أنابيب عيار 533 مليمتر، دون استخدام معدات أمريكية أو ألمانية، إذ سيتم إطلاق طوربيدات تركية ثقيلة من طراز "أكيا" وصواريخ "أتماكا" المضادّة للسفن (بمدى يتجاوز 220 كم)، كما يتم الحديث عن إمكانية دمج صاروخ "جيزجين" المجنح، والمصمم لضرب أهداف برّية.
ومن المنتظر أن تتكون أجهزة الاستشعار من السونار وأنظمة كهروبصرية تركية الصنع.
تحدٍّ كبير
يتابع الموقع متسائلا: هل تستطيع غواصة ميلدن أن تفرض نفسها كمنافس للغواصات الغربية المتقدمة؟
ويقول في هذا السياق إن تركيا راكمت الكثير من الخبرات منذ عدة سنوات عبر تجميع غواصات "تايب 214" الألمانية (فئة ريس)، لكن ذلك يختلف تماما عن تصميم غواصة كاملة تعمل بكفاءة، خصوصًا حين يتعلق الأمر بالهيدروديناميكا الصامتة ودمج نظام الدفع اللاهوائي.
ويقارن الموقع بين ميلدن وغواصة "يو 212 إن إف إس" الإيطالية الألمانية، مؤكدا أن الغواصة التي تصنعها شركة "فينكانتيري" الإيطالية عبارة عن آلة حربية متطورة فائقة التقنية، وهي ثمرة عقود طويلة من التطوير، ويبلغ وزنها على السطح حوالي 1.600 طن. في المقابل، يبلغ وزن ميلدن 2.700 طن، بحجم أقرب إلى الغواصات اليابانية الجديدة من فئة "تايغي"، أو الغواصات الإسبانية "إس-80".
ولفت الموقع إلى أن إسبانيا أرادت في مشروعها "إس-80" العمل بمفردها بعيدًا عن الفرنسيين، فانتهى بها الأمر إلى غواصة لم تستطع أن تطفو في البداية بسبب ثقل وزنها. وبالتالي فإن تركيا تواجه -وفقا للموقع- تحديا كبيرا في إنجاز هذا المشروع المحلي ليعمل بكفاءة وينجح منذ المحاولة الأولى.
اعتبارات جيوسياسية واقتصادية
أكد الموقع أن هدف أنقرة لا يقتصر على الدفاع عن المجال البحري بل يتعداه إلى التحرر من قيود التصدير، حيث إن السلاح الألماني أو الأمريكي يتطلب الإذن لاستخدامه أو لإعادة بيعه، بينما يمكن لتركيا بعد صنع "ميلدن" أن تبيع لأي دولة من دون المرور عبر برلين أو واشنطن.
وحسب الموقع، فإن بيع أول فرقاطة من فئة "حصار" إلى رومانيا (وهي دولة عضو في حلف الناتو) يُظهر أن الصناعة البحرية التركية لم تعد مجرد دعاية، بل واقعا ملموسا بتكلفة منخفضة وكفاءة عالية ومرونة في التصدير.
وأضاف الموقع أن نجاح تركيا في صنع غواصتها المحلية بالمواصفات التي تم الكشف عنها، سيجعلها مطلوبة في أفريقيا وآسيا والشرق الأوسط باعتبار أنها منخفضة التكلفة وكثيفة التسليح، وهو ما تحبّذه هذه الأسواق مقارنة بعامل السرعة الذي توفره الغواصات الألمانية والإيطالية.
واختتم الموقع بأن هذه الخطوة التركية لن تؤثر علي الصناعة الأوروبية على المدى القصير، حيث سيواصل زبائن "الفئة الممتازة" (بحريات الناتو من الصف الأول) الاعتماد على الغواصات الألمانية والإيطالية، لكن على المدى المتوسط، ستتحول تركيا إلى منافس شرس في أمريكا الجنوبية وجنوب شرق آسيا وشمال أفريقيا.