روسيا – بعد مرور سنة على دخول العقوبات الغربية على النفط الروسي حيز التنفيذ، يبرز سؤال حول مدى نجاعتها في تحقيق هدفها الرئيسي المعلن في الضغط على مصادر تمويل الحرب في أوكرانيا، في ظل مشهد متكرر لناقلات النفط في البحر المتوسط من الدولة التي نبذتها القارة العجوز.

وتقول وكالة بلومبيرغ إن طرق التفاف روسيا على العقوبات الغربية عززت أعمال عشرات التجار وشركات الشحن الذين يصعب تعقبهم، في قت يبلغ ما يتقاضونه 11 مليار دولار سنويا من عائدات موسكو من النفط بين وقت مغادرة النفط روسيا وحتى وصوله إلى المشترين، وهو المبلغ الذي تقول بلومبيرغ إنه “يتبخر” من بين إجمالي قيمة النفط الروسي المبيع.

وتضع العقوبات الغربية سقفا لسعر برميل النفط الروسي المنقول بحرا عند 60 دولارا، أي أقل 24 دولارا من متوسط سعر السوق على مدى السنة الماضية، كما تمنع الشركات في مجموعة السبع من شحن الخام من روسيا أو التأمين على السفن الناقلة إذا تم تخطي هذا السقف.

ومنع الاتحاد الأوروبي جميع واردات النفط تقريبًا من روسيا، التي كانت حتى ذلك الوقت المورد الرئيسي للكتلة، مما دفع موسكو إلى التوجه نحو سوقي النفط في الصين والهند.

واتّخذت العقوبات شكل وضع سقف سعري عبر خدمات الشحن والتأمين لتقييد عائدات النفط الروسية من دون التسبب في ارتفاع أسعار الطاقة العالمية، لكن في المقابل أدت إلى إعادة تشكيل هيكل تجارة النفط والتجارة البحرية بطريقة يرى خبراء أنه قد يصعب إعادتها إلى وضعها الطبيعي في نهاية الحرب أو بعد رفع العقوبات، فضلا عن ترك الباب مفتوحا أمام تدفقات مالية غير مرئية إلى الكرملين لتمويل الحرب، وفق بلومبيرغ.

يقول الباحث في مركز سياسة الطاقة العالمية بجامعة كولومبيا، إيدي فيشمان إن “أسطول الظل” وبدائل التأمين البحري الغربي ليست جديدة، وقد استخدمتها إيران لسنوات لكنها أصبحت أوسع انتشارا بعد أن لجأ إليها منتج ضخم مثل روسيا.

ويضيف الباحث -الذي ساعد في صياغة العقوبات الأميركية السابقة على إيران وروسيا- أن عدم اتخاذ إجراءات منسقة لزيادة كُلفة استخدام هذه البدائل، سيؤدي إلى انتشارها لتصبح سمة هيكلية لتجارة النفط العالمية.

ورغم الدلائل الأولية على أن الغرب يتفاعل في محاولة لإحباط الحلول الروسية للالتفاف على العقوبات، تقول اليونان -أكبر دولة تمتلك ناقلات نفط في العالم- إنها عاجزة عن منع أنشطة الشحن السرية قبالة سواحلها.

وتمكنت إسبانيا -وهي عضو في الاتحاد الأوروبي- من القضاء على نشاط مماثل في وقت سابق من هذا العام.

وتعمل السفن المملوكة لليونان بموجب الحد الأقصى للسعر، وقد تعاملت مع كميات أكبر من النفط الروسي هذا العام مقارنة بالمنافسين من أي دولة أخرى باستثناء روسيا نفسها.

وتمكن الملاك اليونانيون من الإبقاء على نشاط سفنهم التجاري من دون انتهاك قواعد الاتحاد الأوروبي، بعد أن نجح دبلوماسيو البلد الواقعة جنوب القارة في الضغط على الدول الأعضاء الأخرى لتخفيف الإجراءات التي كان من شأنها أن تقيد قدرة شركات الشحن على التجارة مع روسيا.

ونقلت السفن اليونانية 20% من جميع شحنات النفط الروسية حتى الآن في عام 2023، وما يقرب من ثلث صادراتها من خام الأورال الرئيسي، وفقًا لبيانات الشحن.

وقالت المنظمة البحرية الدولية، وهي الهيئة الرقابية التي تشرف على الشحن، إن الأنشطة غير القانونية لأسطول الظل من ناقلات النفط تمثل “قلقًا بالغًا” على السلامة البيئية، ودعت إلى حملة عالمية، مطالبة الدول الأعضاء بتعزيز إجراءات منع العمليات غير القانونية التي يقوم بها الأسطول في القطاع البحري.

وبينما تجنبت ذكر روسيا بالاسم، أشارت المنظمة إلى أن السفن “تشكل خطرا حقيقيا وعاليا لوقوع حوادث، خاصة عند المشاركة في عمليات النقل من سفينة إلى أخرى”.

ونقل أسطول الظل نحو 45% من النفط الروسي هذا العام.

وقال لارس بارستاد، الرئيس التنفيذي للذراع الإدارية لشركة فرونت لاين المحدودة، المالكة لبعض ناقلات النفط العملاقة في العالم، إن أسطول الظل “أصبح راسخًا، وسيستمر هذا طالما أن الهيئات التنظيمية غير قادرة على التحرك ضده”.

تضاعفت إيرادات روسيا من مصادرها الرئيسية المدرة للضرائب من النفط في الفترة من أبريل/ نيسان إلى أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.

وشكّلت عائدات النفط الصافية لروسيا البالغة 11.3 مليار دولار في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي 31% من إجمالي صافي إيرادات ميزانية البلد لهذا الشهر، وفق حسابات بلومبيرغ المبنية على بيانات وزارة المالية الروسية.

ونقل أصحاب الأساطيل المحلية وأساطيل الظل بشكل جماعي أكثر من 70% من شحنات النفط الروسي في الأشهر التسعة الأولى من عام 2023، مما سمح لموسكو بالحفاظ على سيطرتها على صادراتها وزيادة الأسعار تدريجيًا.

وتظهر بيانات الجمارك الهندية الرسمية أن السعر المدفوع للنفط الروسي بلغ في المتوسط 72 دولارًا للبرميل هذا العام عند التسليم في موانئ الدولة الآسيوية، أي أعلى 12 دولارًا من الأسعار المعلنة عند نقطة التصدير في روسيا، وفقًا للبيانات التي جمعها معهد “كي إس إي”، التابع لكلية كييف للاقتصاد المؤيدة لفرض عقوبات صارمة على موسكو.

وبالنظر إلى أن روسيا صدرت ما يقرب من 3.5 مليون برميل من النفط يوميًا هذا العام، فإن هذا يعني أن نحو 11 مليار دولار ستذهب إلى “هامش التسليم”، منها تكاليف شحن مشروعة، لكن معظمها تقريبًا يمر عبر تجار مجهولين أو شركات شحن غير معروفة، وفق بلومبيرغ.

وقبل الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير/ شباط 2022، كان الجزء الأكبر من النفط الروسي يتم التعامل معه من قبل مجموعة من التجار الذين يعملون من مدن كلندن وجنيف.

من جانبه، قال مستشار أمن الطاقة للرئيس جو بايدن، عاموس هوشستاين الثلاثاء إن بلاده ستنظر بعناية أكبر في شأن الحد الأقصى للسعر، وإن وزارة الخزانة الأميركية وغيرها تتخذ إجراءات لضمان تراجع أرباح موسكو من تجارة النفط، إثر ارتفاع سعر الخام الروسي.

وأضاف: “سنتخذ إجراءً كلما رأينا ضرورة لخفض السعر إلى مستوى الحد الأقصى أو أقل منه”.

وتساءلت بلومبيرغ في نهاية التقرير عما ما إذا كانت الولايات المتحدة وحلفاؤها يريدون حقا الحد من تدفقات النفط الروسي، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلى ارتفاع أسعار الوقود العالمية، في عام انتخابي بامتياز للرئيس الأميركي جو بايدن.

المصدر : بلومبيرغ

المصدر: صحيفة المرصد الليبية

كلمات دلالية: النفط الروسی ملیار دولار هذا العام من النفط النفط ا

إقرأ أيضاً:

الليلة التي خاف فيها ترامب.. تقرير عبري يكشف كيف أرعبت صنعاء حاملة الطائرات الأمريكية “ترومان”؟

يمانيون |
في اعتراف لافت وغير مسبوق، كشف موقع “كالكاليست” العبري أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب اضطر إلى إيقاف الحملة الجوية الأمريكية – البريطانية ضد اليمن في مايو الماضي، بعد صدمة عسكرية تلقاها البنتاغون إثر تعرض حاملة الطائرات “هاري ترومان” لهجوم صاروخي يمني دقيق كاد أن يغيّر مسار الحرب ويحرج واشنطن أمام العالم.

التقرير الذي أعدّه الصحفي الصهيوني نيتسان سادان، وصف تلك الليلة بأنها “الليلة التي خاف فيها ترامب”، إذ بيّن أن القرار الأميركي بوقف الضربات لم يكن نابعاً من التفاهمات أو القنوات السياسية، كما ادعت الإدارة الأمريكية حينها، بل بسبب ضربة صاروخية واحدة نفذتها قوات صنعاء بهجوم مركب أربك البحرية الأمريكية وفضح هشاشتها.

تفاصيل الهجوم الصادم: صاروخ يمني يُربك ترسانة البنتاغون
في ليلة 28 أبريل 2025، أطلقت قوات صنعاء صاروخًا باليستيًا عالي الدقة باتجاه حاملة الطائرات الأميركية “هاري ترومان”، وذلك بعد تتبع استخباراتي دقيق لموقعها البحري. وتزامن الهجوم مع موجات من الطائرات المسيّرة، في عملية وصفها التقرير بأنها “معقدة ومركّبة” أربكت الدفاعات الأميركية وجعلت عملية الاعتراض شبه مستحيلة.

ورغم عدم إصابة الصاروخ لهدفه بشكل مباشر، إلا أن الخطر كان حقيقيًا؛ حيث اضطرت الحاملة إلى تنفيذ مناورات مراوغة حادة بلغت زاوية ميلان 20 درجة، أدت إلى سقوط طائرة F-18 من سطحها إلى البحر، وهي طائرة تبلغ قيمتها أكثر من 70 مليون دولار.

ضابط في البحرية الأميركية صرّح بأن “الطائرة كانت مربوطة بحبال التثبيت، لكن قوة الميل والانحدار جعلتها تنفصل وتندفع نحو المياه”، ما يعكس مدى خطورة الموقف وحجم الذعر في طاقم الحاملة.

البحر لم يعد آمناً: صنعاء تفرض معادلة ردع جديدة
الموقع العبري أكد أن الصاروخ المستخدم من قبل اليمنيين في تلك العملية ليس مجرد سلاح تقليدي، بل سلاح “استثنائي” مصمم للتحليق بسرعات تفوق الصوت، ويُحلق في مسار انحداري حاد يجعل اعتراضه شبه مستحيل.

يبلغ مدى هذا الصاروخ أقل من 300 كم، لكنه يحمل رأسًا حربيًا بوزن 650 كجم، ويُصنّف الآن ضمن “جوكر الردع” لدى قوات صنعاء، حسب تعبير التقرير.

ورغم أن الحاملة لم تُصب مباشرة، فإن الرسالة وصلت: أي اقتراب أميركي من الممرات البحرية اليمنية يعني مغامرة خطيرة، وقد يؤدي إلى كارثة بحرية تُجبر أمريكا على خيارات ميدانية مكلفة، أبرزها الغزو البري الذي لم تكن واشنطن مستعدة له.

ترامب خاف على صورته أكثر من جنوده
وبحسب التقرير العبري، فإن ترامب الذي يسوّق نفسه على أنه “الرئيس الحديدي”، شعر بالذعر من احتمال تصوير حاملة طائرات أميركية مشتعلة أو معطوبة تُسحب في البحر، وهو مشهد كان كفيلاً بتدمير صورته داخليًا في موسم انتخابي حساس، وفضح العجز الأميركي أمام خصم يُصنّف على أنه “غير نظامي”.

وعلى ضوء هذه التقديرات، اجتمع فريق الأمن القومي مع الرئيس، وأوصى بوقف العملية فورًا. وفي 5 مايو، أعلنت الإدارة الأمريكية “تعليق الحملة الجوية” بذريعة أن “الحوثيين طلبوا تهدئة”، بينما كانت الحقيقة، كما وصفها “كالكاليست”: الخوف من ردّ صاروخي يمني جديد لا يمكن تحمّل تبعاته.

الإعلام العبري يعترف: صنعاء لم تعد كما كانت
اعترف التقرير بأن واشنطن وتل أبيب لم تعدا قادرتين على التحكم بميدان البحر، وأن الصواريخ اليمنية تواصل تهديد السفن رغم التوقف المؤقت عن استهداف السفن الأمريكية. وأوضح التقرير أن العمليات ضد السفن المرتبطة بالكيان الصهيوني ما تزال مستمرة وفي تصاعد، ما يؤكد أن اليمن يقاتل ضمن استراتيجية إقليمية منسقة.

وفي اعتراف فاضح بقوة صنعاء، ختم التقرير بعبارة لافتة:
“الحوثيون حُفاة.. لكنهم أذكياء، جعلوا العالم يبدو مرتبكاً أمامهم”.

وأضاف أن واشنطن فشلت في فهم طبيعة هذا الخصم، إذ ظنّت أنها تواجه “جماعة بسيطة”، لكنها وجدت نفسها أمام جيش محترف يُهدد أعظم قطعها البحرية.

اليمن يفرض معادلة البحر.. ويعيد رسم خرائط الردع
إن ما كشفه الإعلام العبري لا يُعد مجرّد تسريب، بل إقرار استراتيجي بأن ما قبل 28 أبريل ليس كما بعده.. فقد تمكنت اليمن، بصاروخ واحد، من كسر غطرسة البحرية الأمريكية، وفرض معادلة ردع بحرية جديدة على واشنطن ولندن وتل أبيب معًا.

وما يُخيف اليوم دوائر القرار العسكري الأميركي والإسرائيلي ليس فقط دقة الصواريخ، بل القدرة على المباغتة، والتكتيك المركب، والتماسك الميداني لصنعاء، رغم الحرب والحصار، وهو ما يعكس تحولًا جوهريًا في موازين القوى في البحر الأحمر وباب المندب.

مقالات مشابهة

  • الليلة التي خاف فيها ترامب.. تقرير عبري يكشف كيف أرعبت صنعاء حاملة الطائرات الأمريكية “ترومان”؟
  • بعد قرار ترامب في وجه روسيا.. تعرف على أسطول غواصات أميركا
  • الهند تتحدى أمريكا.. تشتري النفط الروسي رغم تهديدات ترامب
  • روسيا تُطلق لقاح “إيمورون-فاك” لعلاج سرطان المثانة
  • 6.6 مليار درهم صافي أرباح “ألفا ظبي القابضة” خلال النصف الأول
  • صنعاء توجه إنذار “ما قبل العقوبة” لملاك ومديري ومشغلي هذه السفن ملوّحةً ببدء تنفيذ هذا الأمر فوراً.. (التفاصيل)
  • خطوة في الظل.. حكومة “تأسيس” تكشف عن توجهاتها رغم “الرفض الدولي”
  • بلومبيرغ: السعودية مازالت بعيدة عن التخلص من اعتمادها على النفط
  • النفط النيابية:الحكومة والبرلمان “يجهلان” كميات النفط المنتجة في الإقليم
  • إيران تستنكر العقوبات الأميركية الجديدة على أسطول شمخاني وتعتبرها جريمة ضد الإنسانية