أمريكا.. الشريك في الحرب على غزة
تاريخ النشر: 9th, December 2023 GMT
لا يمكن الآن وبعد استخدام أمريكا لحق النقض «الفيتو» ضد مشروع قرار في مجلس الأمن الدولي يدعو لوقف إطلاق النار في قطاع غزة أن نقول إن دولة الاحتلال الإسرائيلي وحدها التي تشن الحرب على قطاع غزة، وتغتال الأطفال والنساء هناك، وتهجر أكثر من 1.8 مليون فلسطيني من القطاع في ظروف إنسانية صعبة جدا بشهادة كل المنظمات الأممية.
وهذه الحقيقة لا تأتي نتيجة لاستخدام أمريكا أمس حق «الفيتو» على مشروع قرار وقف إطلاق النار والذي قُدم لدواع إنسانية بحتة بعد شهرين من بدء المجازر في غزة، ولكن يستند، أيضا، على أن أمريكا كانت منخرطة في الحرب منذ أيامها الأولى حينما حرّكت أسطولا بحريا مكونا من حاملتي طائرات وعشرات من القطع البحرية الحربية وآلاف الجنود وطائرات استطلاع متطورة، واستخدمت أسلحتها المتطورة في قصف المدارس والمستشفيات وفي قتل آلاف الناس المحتمين بمنازلهم. وأمس طلبت إدارة الرئيس الأمريكي بايدن من الكونجرس الأمريكي الموافقة على بيع إسرائيل 45 ألف قذيفة لدبابات ميركافا الإسرائيلية لاستخدامها في قصف غزة! هذا الطلب جاء في اليوم التالي لاستخدام «الفيتو» في إشارة واضحة تقول: نحن لا نقف ضد وقف إطلاق النار فقط.. ولكن نشعل الحرب بأسلحتنا المتطورة! وفي أكثر من مناسبة قال بايدن ووزير خارجيته بشكل واضح لا لبس فيه: نحن ضد وقف إطلاق النار!
إن هذا التورط الأمريكي في هذه الحرب المخزية التي تشنها دولة الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة وبأسلحة أمريكية من شأنه أن يعيد ترتيب الكثير من الملفات بمنطقة الشرق الأوسط وتعيد التوازنات فيها وتفتح مسارات لعلاقات أكثر استراتيجية باتجاه الشرق في لحظة تعي فيها أمريكا تماما أن العالم يشهد متغيرات جذرية ويعاد رسم تحالفاته وموازين قواه من جديد.. بل إن هذا «الفيتو» الظالم الذي استخدمته أمريكا قد يكون هو أحد أسباب تمدد الحرب خارج قطاع غزة. وأمس حذرت إيران من وقوع «انفجار لا يمكن السيطرة عليه» في منطقة الشرق الأوسط إذا واصلت أمريكا دعم إسرائيل في الحرب ضد حماس. وكان أحد أكبر مخاوف أمريكا، والغرب بشكل عام، أن تخرج الحرب عن السيطرة ويدخل فيها حزب الله المدعوم من إيران وبالتالي تدخل إيران في المواجهة المباشرة مع إسرائيل فيما لو أقدمت إسرائيل على استهداف طهران أو مصالحها في المنطقة بشكل مباشر.
ورغم أن ما أقدمت عليه أمريكا ليس مفاجئا ولا غريبا في السياق التاريخي للوجود الإسرائيلي في المنطقة، فمنذ نشأتها لم تكن لتستطيع البقاء دون حماية من دولة «عظمى»، فبدأت بغطاء بريطاني ثم انتقل الغطاء والحماية لأمريكا التي انتقلت لها الحركة الصهيونية إلا أن الإدارات الأمريكية السابقة لم تنخرط في دعم القتل وارتكاب جرائم الحرب وهتك القيم الإنسانية بهذه الصورة التي نراها اليوم.
إن هذا المسار ليس في صالح أمريكا وإن كانت تعتقد أنها تحمي به إسرائيل، فالاحتقان في العالم العربي ينتقل من كونه ضد إسرائيل فقط إلى أن يكون ضد أمريكا وضد الغرب ولا أحد أبدا يريد أن تعود التسعينات والعقد الأول من الألفية الجديدة مرة أخرى.. وإلا فإن الشعور بالظلم والمهانة في العالم العربي قد وصل إلى حده الأقصى.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: إطلاق النار قطاع غزة أکثر من
إقرأ أيضاً:
مشروع وقف إطلاق النار في غزة مهدد بالسقوط| وخبير يوضح
بينما تتصاعد معاناة المدنيين في قطاع غزة وسط كارثة إنسانية متفاقمة، تعود جهود المجتمع الدولي إلى الواجهة عبر مشروع قرار جديد في مجلس الأمن يدعو إلى وقف فوري ودائم وغير مشروط لإطلاق النار.
وتصطدم مجددا آمال تمرير القرار بجدار الفيتو الأمريكي، الذي ما يزال يشكل عائقا أمام أي تحرك فعّال لإنهاء الحرب، رغم التغيرات اللافتة في مواقف الأطراف المعنية، وخاصة حركة حماس.
وفي هذا الصدد، يقول الدكتور جهاد أبو لحية، أستاذ القانون والنظم السياسية، إن منذ أكثر من عشرين شهرا، وشعب غزة يواجه حرب إبادة جماعية ممنهجة، ترتكب فيها أفظع الجرائم بحق المدنيين من قتل وتجويع وتدمير وتهجير قسري، في ظل صمت دولي مخز وتخاذل واضح من مؤسسات يفترض أنها وجدت لحماية السلم والعدالة.
وأضاف أبو لحية- خلال تصريحات لـ "صدى البلد"، أن مجلس الأمن الدولي، الذي يفترض أن يكون الحامي الأول للسلم والأمن الدوليين، وقف عاجزا عن إصدار حتى قرار واحد ملزم بوقف هذه المجازر، بسبب الفيتو الأمريكي المتكرر، الذي يُستخدم بشكل واضح لحماية إسرائيل من أي محاسبة دولية، وهذا الفيتو لم يعد مجرد أداة سياسية، بل أصبح شريكا مباشرا في استمرار الجرائم، ويقوض بشكل خطير شرعية المجلس ونزاهته.
وأشار أبو لحية، إلى أن الموقف الأمريكي لم يتغير منذ بدء الحرب، بل على العكس، الإدارة الأمريكية السابقة والحالية تواصل دعمها المفتوح لإسرائيل سياسيا وعسكريا، وتمنع أي مسار قانوني أو دولي لمحاسبة مرتكبي الجرائم، حتى في ظل التقارير الأممية التي تتحدث بوضوح عن جرائم ضد الإنسانية وربما جرائم إبادة جماعية.
وتابع: "الجلسة المقبلة لمجلس الأمن، للتصويت على مشروع قرار جديد بوقف الحرب، ينتظر أن تنتهي كسابقاتها: بفيتو أمريكي جديد يجهض أي محاولة جدية لوقف إطلاق النار، وهذا ليس مجرد توقع، بل استنتاج قائم على نمط واضح وثابت من الأداء الأمريكي في مجلس الأمن: واشنطن استخدمت الفيتو مرارا خلال الأشهر الماضية، حتى ضد قرارات إنسانية الطابع، وتصر على خطاب "حق إسرائيل في الدفاع عن النفس"، رغم أن العالم كله يشهد أن من يُباد هم الأطفال والنساء والمدنيون، وتتعامل بازدواجية مفضوحة بين ما يقال في الإعلام، وبين ما يُمارس داخل أروقة القرار الدولي".
وأردف: "إن هذا الفشل المتواصل، وهذا الدعم الأعمى من الولايات المتحدة، لا يؤدي فقط إلى إطالة أمد المجزرة، بل يفقد النظام الدولي أي شرعية أو مصداقية، ويرسخ قناعة لدى الشعوب، وخاصة الشعب الفلسطيني، أن هذا العالم لا يتحرك إلا لمصالح الأقوياء، وأن الفلسطيني هو خارج معادلة العدالة الدولية".
واختتم: "حرب الإبادة في غزة ليست مجرد نزاع، بل جريمة تاريخية تُرتكب على مرأى ومسمع العالم. وإذا لم يتم وقفها فورًا، فإن هذا الصمت والتواطؤ الدولي سيكونان شريكين في الجريمة، وسيظلّان وصمة عار على جبين الإنسانية جمعاء".
وأفاد دبلوماسيون لوكالة "رويترز" أن الدول العشر المنتخبة في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة دعت إلى إجراء تصويت، اليوم الأربعاء، على مشروع قرار جديد يطالب بوقف فوري، دائم، وغير مشروط لإطلاق النار في قطاع غزة، على أن تلتزم به جميع الأطراف المعنية.
ويشمل مشروع القرار – الذي أطلعت عليه "رويترز" – بنودا تطالب بالإفراج الفوري عن كافة المحتجزين الإسرائيليين لدى حركة حماس والفصائل الأخرى، إضافة إلى رفع جميع القيود المفروضة على دخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع، والسماح بتوزيعها بشكل آمن ودون عوائق، بما يشمل منح الأمم المتحدة حرية الوصول الكامل إلى جميع أنحاء غزة.
ويحتاج المشروع للحصول على دعم تسعة أعضاء على الأقل من أصل 15، شرط ألا تستخدم أي من الدول دائمة العضوية – الولايات المتحدة، روسيا، الصين، بريطانيا، وفرنسا – حق النقض (الفيتو).
ومع ذلك، تشير التوقعات إلى أن واشنطن ستستخدم الفيتو مجددا، انسجاما مع موقفها الداعم لإسرائيل ورفضها المتكرر لقرارات تطالب بوقف الحرب أو إدخال المساعدات بشكل غير مشروط.
وتأتي هذه المبادرة بالتوازي مع تغيّر في موقف حركة حماس، التي أعلنت مساء الثلاثاء عن استعدادها لقبول مقترح المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، بشرط إدخال بعض التعديلات الجوهرية.
ووفقا لمصادر تحدثت لقناة "الغد"، فإن أهم هذه التعديلات تتضمن أن تستأنف المفاوضات مباشرة بعد انتهاء المرحلة الأولى التي تمتد لـ 60 يوما، تحت رعاية كل من الولايات المتحدة ومصر وقطر، بهدف التوصل إلى اتفاق نهائي لوقف إطلاق نار شامل ودائم.
كما شملت التعديلات طلبًا بأن تبدأ المساعدات الإنسانية بالدخول إلى جميع مناطق القطاع فور الإعلان عن الاتفاق، دون أي قيود، وبكميات كافية، عبر منظمات الأمم المتحدة والهلال الأحمر.
وطالبت حماس أيضا بانسحاب الجيش الإسرائيلي خلال أسبوع واحد من التوصل للاتفاق إلى ما قبل وضعه الميداني في 2 مارس 2025، إضافة إلى تشكيل لجنة مهنية مستقلة تتولى إدارة القطاع وتتمتع بكامل الصلاحيات.
وفي السياق ذاته، أكد مندوب دولة فلسطين لدى الأمم المتحدة، رياض منصور، في مؤتمر صحفي عقد يوم الثلاثاء، أن مجلس الأمن يتحمل مسؤولية كبيرة تجاه إنهاء الحرب الجارية في غزة.
وأعرب عن استياء المجموعة العربية من استمرار صمت المجلس، داعيا إلى تحرك فوري لإدخال المساعدات الإنسانية ووقف الإبادة الجماعية.
وأوضح منصور أن الجهود الدبلوماسية مستمرة بالتعاون مع أعضاء مجلس الأمن، كما أشار إلى التحضيرات الجارية لعقد مؤتمر دولي بشأن حل الدولتين، مؤكدا أن كافة هذه التحركات تهدف في المقام الأول إلى وقف نزيف الدم الفلسطيني ووقف المجازر المرتكبة بحق المدنيين.