سودانايل:
2025-06-02@04:26:18 GMT

الخرطوم أبو ظبي مسارات الأزمة وخياراتها؟

تاريخ النشر: 13th, December 2023 GMT

ربما يكون من المتفق عليه في الأدبيات السياسية والدبلوماسية، أن الأوضاع الداخلية في كل دولة تنعكس على سياستها الخارجية، وطبيعة تفاعلها إقليميا ودوليا، من هنا، فإن الدبلوماسية السودانية واجهت مشكلات ومعضلات كبرى في هذا المجال؛ نتيجة تحولات النظم السياسية فيها، وعدم استقرارها وإنتاجها للعديد من الأزمات الإقليمية، خصوصا منذ تولي عمر البشير سدة حكم السودان، وسيطرة الإسلام السياسي على مفاصل الدولة السودانية.


في المقابل، فإن الموقع الجيبولتيكي للسودان بإطلالته على البحر الأحمر، وعضويته لنادي دول حوض النيل، وكذلك موارده المعدنية والزراعية، تعد عوامل دافعة للعديد من المصالح الإقليمية، والدولية ومواطن لجني الأرباح.
وطبقا للمعطيات عالية، فقد شهدت العلاقات السودانية العربية أكثر من توتر عنيف، خصوصا في مطلع التسعينيات من القرن الماضي، حيث كانت أبو ظبي من ضمن عواصم عربية أخرى، كالقاهرة والرياض، وذلك على خلفية موقف نظام البشير في حرب الخليج الأولى، والذي انحاز فيه السودان للعراق ضد الكويت، وذلك على عكس مواقف العواصم العربية الأخرى.
في هذا التوقيت، شهدت الدبلوماسية العربية وقائع سحب سفراء وطرد دبلوماسيين، وكذلك تأميم المنشآت التعليمية، وتسيير مظاهرات، قادها حسن الترابي مهددة بقطع مياه النيل عن مصر، بل ووقوع ممارسات لها طابع عنيف على بعض أعضاء البعثات الدبلوماسية في الخرطوم، وكذلك حملات إعلامية، لها سمات سودانية غير معتادة المفردات في الأوساط الإعلامية، ضد أبو ظبي والكويت والرياض والقاهرة.
العلاقات السودانية الإيرانية، شهدت هي الأخرى مثل هذه الأزمات؛ نتيجة تحول الدبلوماسية السودانية من موالاة إيران في منتصف التسعينيات التي استدعتها الخرطوم على ضفاف البحر الأحمر للمرة الأولى؛ نتيجة أزمتها مع العواصم العربية إلى عدائها وطرد دبلوماسييها، وإغلاق الحسينيات الشيعية في السودان على خلفية تحولات نظام البشير نحو النظم الخليجية مرة أخرى، وذلك قبيل سقوط نظامه عام ٢٠١٩ بسنوات قليلة، وذلك قبل أن يعود التطبيع السوداني مع إيران قبل عدة شهور.
وبعيدا عن السياق الإقليمي، فإن السياق الدولي يبدو مؤثرا أيضا في بلورة التفاعلات الإقليمية، حيث شكلت الضغوط الأمريكية مؤخرا على دولة الإمارات سواء في الإعلام الأمريكي خصوصا
وكذلك توجهات الكونجرس مؤخرا الساعية؛ لممارسة ضغوط على أبو ظبي على خلفية اتهامات تنفيها أبو ظبي بدعم قوات الدعم السريع لوجستيا، وعسكريا من تشاد عبر أوغندا، إشارات مناسبة لصانعي السياسيات السودانية في هذه المرحلة بممارسة ضغوط موازية على أبو ظبي في ضوء خسائر الجيش السوداني العسكرية، واضطراره للانسحاب من إقليم دارفور، ربما تكتيكيا كما يعلن.
في هذا السياق، تعد الأزمة الأخيرة بين الخرطوم ودولة الإمارات، والتي بدأت بتصريحات عنيفة من جانب الفريق ياسر العطا، الرجل الثاني في الجيش والدولة السودانية في المرحلة الحالية ضد الإمارات
هي أزمة قد تكون عابرة، ولكنها مؤثرة بالتأكيد على مصالح أبو ظبي في السودان في ضوء، أن البعثة الدبلوماسية الإمارتية المغادرة الخرطوم هي بعثة كبيرة مكونة من ١٥ دبلوماسيا، وبالتالي فإن قدرة أبو ظبي على التواصل والتأثير على الأرض على الأقل في كل من الخرطوم وبورتسودان، وهما مراكز صناعة القرار سوف تتقلص
ولكنها لن تتأثر في مناطق سيطرة قوات الدعم السريع، وهو ما يفسر لنا المظاهرات التي خرجت في مدينة الضعين السودانية، تشكر دولة الإمارات وقائدها محمد بن زايد، على ما تم تقديمه لدولة السودان تاريخيا، خصوصا على صعيد الدعم الاقتصادي.
أما الخسائر على الصعيد السوداني، فربما يدفعها قطاعين: الأول هو، قطاع رجال الأعمال السودانيين الذين اتخذوا من الإمارات نقطة ارتكاز لأعمالهم؛ خصوصا في مجالي الاستيراد والتصدير؛ لتلبية بعض احتياجات السوق السوداني. أما القطاع الثاني فهو، الجالية السودانية الكبيرة الموجودة والعاملة حاليا في الإمارات، والتي تبلغ حوالي ربع مليون نسمة
وذلك إذا ما أقدمت أبو ظبي على معاقبة هؤلاء على موقف الخرطوم ضدها بالترحيل، وإنهاء عقود العمل أو الإقامات أو ما شابه، مما اعتدنا عليه في منطقتنا، حيث أقدمت الكويت على هذه الإجراءات ضد العراقيين في حرب الخليج الأولى، على أن مثل هذا الإجراء محفوف بمخاطر سلبية التأثير على الاقتصاد وقطاع الخدمات الإماراتي.
الدعم الإماراتي للسودان، كما هو لدول الإقليم، خصوصا بعد ثورات الربيع العربي، هو مشهود سواء بوادئع البنوك لإسناد النظام المصرفي، أو بالاستثمارات الضخمة في كافة المجالات، حيث شكلت حرب اليمن المطل على البحر الأحمر، ومورد الذهب والإمكانات الزراعية السودانية دوافع أساسية؛ لتوسع الأنشطة الاستثمارية الإمارتية في السودان
وكذلك ضلوع صندوق أبو ظبي للتنمية في اعتبار السودان أحد أهم محطات دعمه بالمساعدات في منطقة شرق إفريقيا، حيث تم تقديم منح بمقدار ٧،٣ مليارات دولار.
على نحو تفصيلي، لا بد من ذكر، أن دولة الإمارات قد أنشأت في وقت مبكر طريقا، يربط ميناء بور تسودان بالعاصمة الخرطوم بطول ٦٠٠ كليو متر، كما قدر مركز شاف للدراسات المستقبلية بالقاهرة حجم المساعدات، والاستثمارات من الإمارات للسودان بحوالي ٢٨ مليار دولار، منها، حيث تعمل ١٧ شركة إمارتية في مجالات استثمارية متعددة
كما قدمت الإمارات منفردة دعما للنظام المصرفي السوداني عام ٢٠١٨، يقدر بـ ٥ مليارات وربع المليار دولار، وقدمت أيضا مشتركة مع الرياض ٣ مليارات دولار إضافية عام ٢٠١٩ لذات الغرض، فضلا عن توريد ١٤٠ فعلي طن من القمح؛ لتلبية الاحتياجات الغذائية، وكذلك دعم قطاع الطاقة السوداني بـ ٣،٢ مليارات دولار عبر توريد الديزل بواسطة شركة أدنوك، اعتبارا من عام ٢٠١٧
وفضلا عن ذلك كله كان لدولة الإمارات دورا مشهودا في دعم السودان على المستوى الصحي، خصوصا وقت جائحة كورونا، حيث أنشأت أكثر من مستشفى ميداني في مناطق مختلفة، كما استضافت رموزا سودانية مرموقة؛ لعلاجها من الجائحة السوداء.
في المقابل، فإنه من غير المعروف على وجه الدقة حجم موارد دولة الإمارات من معدن الذهب السوداني، الذي هو أحد اهتماماتها بالذهب الإفريقي عموما، وسبب أيضا في تصنيف أبو ظبي المتقدم في بورصة الذهب العالمية
حيث لعبت العلاقة العضوية بين حميدتي والإمارات على خلفية حرب اليمن دورا كبيرا في حصول الإمارات على الذهب السوداني، حيث يسيطر حميدتي على ٣ مناجم ذهب كبيرة في دارفور وغرب السودان، وكذلك يمارس المواطنون السودانيون التعدين الأهلي للذهب في مناطق شرق السودان بعيدا عن سيطرة الحكومة
فطبقا للكثير من المصادر والتقارير الإعلامية، خصوصا صحيفة الجارديان البريطانية في عامي ٢٠٢٠ و٢٠٢١، فإن تصدير الذهب السوداني هو بعيد عن الموازنة العامة السودانية، خصوصا في الفترة الأخيرة من نظام البشير الذي أطلق يد قائد الدعم السريع في هذا القطاع، وسمح له ببيعه خارج موازنة الدولة حتى للبنك المركزي السوداني بأسعار تفضيلية!!!
في هذا السياق، نرى أن الأزمة الدبلوماسية بين السودان ودولة الإمارات، ليست هي الأولى من نوعها، ولن تكون الأخيرة في تاريخ الدبلوماسية السودانية، مالم يتحقق توافق وطني سوداني داخلي، يؤسس لوقف الحرب، ويبلور صيغة نظام سياسي قابل للاستقرار، ينعكس دبلوماسيا في سياسيات متوازنة بين مصالح إقليمية ودولية متشابكة.  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: دولة الإمارات فی السودان على خلفیة أبو ظبی فی هذا

إقرأ أيضاً:

الأزمات تحاصر السودانيين وسط مخاطر صحية وأمنية وغذائية كبيرة

 

تفاقمت خلال الأيام الأخيرة الأزمات الصحية والمعيشية والمخاطر الأمنية في السودان، حيث تتزايد حدة الوبائيات في العاصمة الخرطوم، وتتسع رقعة الجوع لتشمل أكثر من 70 في المئة من مناطق البلاد، وسط فوضى أمنية عارمة بسبب القتال المستمر وحملات الاعتقال والنزوح.

التغيير ــ وكالات

تشهد معدلات الوفيات ارتفاعًا ملحوظًا، سيما في أم درمان وجنوب الخرطوم، مع انتشار الأمراض في ظل شُبهات بتسرّب كيميائي في بعض المناطق، وانقطاع إمدادات المياه في معظم أنحاء البلاد، ما اضطر الأسر إلى جمع المياه من مصادر غير آمنة وملوثة.
وتتزايد معدلات الجوع بوتيرة متسارعة لتطال أكثر من 26 مليون شخص، بحسب الأمم المتحدة، في ظل ارتفاع أسعار السلع الغذائية وتدهور الأوضاع الأمنية، خصوصًا في إقليم كردفان الذي يشهد قتالًا عنيفًا.

تحذيرات متصاعدة

حذّرت الأمم المتحدة ومنظمات إنسانية من أوضاع خطيرة تفاقمت بعد ظهور أمراض غريبة في العاصمة الخرطوم أدت إلى وفاة الآلاف في أقل من أسبوع، دون تدخلات ملموسة من السلطات الصحية المحلية.

يأتي ذلك في ظل خروج أكثر من 70 في المئة من مستشفيات البلاد عن الخدمة، ونقص حاد في المستلزمات الطبية، بحسب نقابة أطباء السودان.
ووفقًا للأمم المتحدة، فقد أجبر اندلاع الصراع في أبريل 2023 نحو 13 مليون شخص على الفرار من منازلهم، وتشرّدوا داخليًا وفي أنحاء المنطقة، بينما عبر أكثر من 3 ملايين شخص الحدود إلى خارج البلاد.

ورغم عودة الآلاف إلى بعض مناطق ولاية الخرطوم مؤخرًا، إلا أن كثيرين وجدوا منازلهم مدمرة تفتقر إلى خدمات المياه والكهرباء والصرف الصحي، إلى جانب استمرار أعمال النهب والقصف العشوائي في مناطق عدة.

كما يعاني سكان الولايات الشمالية والغربية والشرقية من نقص حاد في الغذاء، وصعوبات كبيرة في الوصول إلى الرعاية الصحية.

ويواجه سكان مدينة أم درمان، غرب العاصمة، أزمة حادة في مياه الشرب، مع ارتفاع كبير في أسعارها، إذ تقول منظمات صحية إن سعر حمولة المياه الواحدة تجاوز ثلاثة أضعاف راتب العامل الشهري.

وقال مرتضى عبد القادر، أحد المشرفين على منظمة طوعية تعمل في عدد من مناطق البلاد، إن “المياه حتى وإن توفرت، فإنها غالبًا ما تكون غير آمنة من الناحية الصحية”.

كارثة صحية تلوح في الأفق

وتوقعت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) تفاقمًا أكبر في أزمة الصحة العامة في السودان، مع استمرار الصراع والنزوح الجماعي، وانتشار الأمراض.

وفي تقرير صدر يوم الأربعاء، سلّطت اليونيسف الضوء على الخطر المتزايد لوباء الكوليرا في بلد مزّقته الحرب، حيث تم تسجيل أكثر من 7700 إصابة و185 حالة وفاة مرتبطة بها في ولاية الخرطوم. ويثير القلق تسجيل أكثر من 1000 إصابة بين أطفال دون سن الخامسة.

وقال شيلدون يت، ممثل اليونيسف في السودان: “يتعرض المزيد من الأطفال يوميًا لهذا التهديد المزدوج المتمثل في الكوليرا وسوء التغذية، لكن كلاهما يمكن الوقاية منهما وعلاجهما، إذا تمكّنا من الوصول إلى الأطفال في الوقت المناسب”.

الوسومالأزمات الأطفال الكوليرا اليونسيف كارثة صحية منظمة طوعية

مقالات مشابهة

  • شاهد بالفيديو.. بعد الفوز بكأس الملك.. العم كمال السوداني يحتفل مع لاعب الإتحاد السعودي بالرقص على الطريقة السودانية داخل أرضية الملعب
  • السوداني:تبرعنا إلى لبنان (20) مليون دولار رغم الأزمة المالية التي يمر بها العراق
  • الجيش السوداني يتصدى لهجوم بطائرات مسيرة في أجواء بورت سودان
  • أم درمان: الكوليرا تفتك بالمدينة وسط تفاقم الأزمة الصحية
  • بعد توليه رئاسة الحكومة السودانية.. من هو كامل إدريس؟
  • الأوضاع الإنسانية في السودان.. حقيقة أم مزايدات سياسية؟
  • ستة قتلى بقصف مسيّرة تابعة لقوات الدعم السريع على مستشفى في السودان
  • جهود أممية للتصدي لتفشي الكوليرا السودان والاحتياجات الإنسانية تتزايد
  • رئيس الوزراء السوداني الجديد يصل بورتسودان لأداء القسم
  • الأزمات تحاصر السودانيين وسط مخاطر صحية وأمنية وغذائية كبيرة