معايير الجمال الوهمية.. كيف أفقدتنا صناعة التجميل ثقتنا بأنفسنا؟
تاريخ النشر: 13th, July 2023 GMT
يرى البعض أن شركات منتجات التجميل تلعب على مشاعر عدم ثقة المستهلكين بمستوى جمالهم لتدفعهم لشراء منتجاتها، وينظر أصحاب هذا الرأي إلى أن صناعة التجميل تستغل الحساسيات الشخصية لدى المستهلكين من خلال ترويج معايير معينة للجمال المثالي، والإيحاء بأن المظهر الطبيعي للشخص غير كاف، مما يؤدي إلى الشعور بضرورة الامتثال لتلك المعايير من خلال استخدام منتجات التجميل للوصول إلى مستويات أعلى من الجمال.
فكيف يمكن أن تروّج صناعة التجميل لمعايير جمال معينة والإيحاء بأن المظهر الطبيعي للشخص غير كاف؟ وكيف يؤدي ذلك إلى فقدان المستهلكين الثقة بمظهرهم والشعور بالضغط للامتثال لهذه المعايير من خلال استخدام منتجات التجميل؟
إستراتيجيات التسويقعام 1938، وضع مؤسس شركة "لوريال" الفرنسية يوجين شويلر إستراتيجية تسويقية، فسرها البعض على أنها محاولة من شركة منتجات التجميل والعناية بالبشرة والشعر لإشعار المستهلكين بأنهم ليسوا نظيفين بالقدر الكافي، ومن ثم ليسوا جذابين ولا يتمتعون بالجمال.
يزعم مارك تونغيت في كتابه "الجمال ذو العلامات التجارية: كيف غيّر التسويق من أشكالنا؟" (Branded Beauty: How Marketing Changed the Way We Look)، أن شويلر قدم معيارا جديدا قال فيه "هناك 43 مليون شخص في فرنسا، وإذا تخيلنا أن هؤلاء الـ43 مليون شخص يغسلون شعورهم مرة في الأسبوع، فسنبيع 20 ضعفا من الوحدات التي نبيعها في الوقت الحالي".
واعتبر تونغيت أن خلاصة نهج شويلر التسويقي تتمثل في أنه "أخبر الناس أن رائحتهم ليست جيدة، وأنهم ليسوا جذابين"، ليدفعهم هذا الشعور لشراء المنتجات التي يحصلون بها على جاذبية وجمال تروج له الشركات، كما أشار موقع مجلة "تين فوغ" (Teen Vogue) الأميركية.
في الواقع، نجد كثيرا من إعلانات التجميل تروج لمنتجاتها على هذا النهج، فتجد إعلانا يقول: لديك بثور على وجهك؟ استخدم هذا الكريم المضاد للبثور الذي سيجعلها تختفي في 5 ثوان. وآخر يقول: هل لون بشرتك غير متجانس؟ هذا الكريم سيوحد اللون ويجعله جذابا. ويحالفنا الحظ، إذا كنت تتقدم في العمر ولديك تجاعيد على وجهك؟ فستجد مجموعة الكريمات المضادة للتجاعيد على الرغم من أن التجاعيد جزء طبيعي من عملية نمو الإنسان وتقدمه في السن.
ويذهب بعض معارضي إستراتيجيات الدعاية إلى أن الشركات تستخدم حيلا تسويقية بسيطة تتمثل في خلق "عيوب" جمالية زائفة وبيع منتجاتها لإصلاح تلك "العيوب"، فتعتبر حب الشباب، والنقاط السوداء، وتمدد الجلد، وشعر الجسم، والمسام، والتجاعيد، والبشرة الداكنة أو اللون غير المتجانس، عيوبا جمالية وتسوّق منتجاتها كحلول.
معايير جمال غير واقعيةيقول موقع "ميديوم" (Medium) الأميركي إن صناعة التجميل تقوم بوضع معايير جمال غير واقعية لعلمهم المسبق باستحالة تحقيق الشخص العادي لها، فتوحي للنساء بأن مفتاح الجمال يكمن في أن يصبحن مثل عارضات الأزياء والفنانات ونجمات تلفزيون الواقع ومشاهير شبكات التواصل الاجتماعي.
وأشار الموقع إلى انتشار جراحات التجميل بين نجوم الفن والمشاهير، وذكر -على وجه التحديد- قيام عديد من نجوم الـ"كي بوب" مثل يوي من فرقة "أفتر سكول"، وجوي من فرقة "مومولاند"، بالخضوع لجراحات الأنف وتكبير الجفن لتتناسب أشكالهم مع المعايير الجمالية المثلى في كوريا الجنوبية. فأصبح شرطا أن تكون للمشاهير ملامح تشبه الدمية مثل عيون كبيرة، ووجه صغير، وجسم نحيف، وأنف صغير، وشفاه منتفخة.
ولا تكتفي شركات مستحضرات التجميل بتسويق منتجات إصلاح "العيوب"، فبعضها تبيع أملا وحلما زائفا؛ بمعنى أنك إذا اشتريت هذا المنتج فستصبحين مثل العارضات التي تظهر في إعلانات هذا المنتج، وإذا استخدمت كريم حب الشباب، ستختفي البثور في غضون أيام كالسحر.
وحسب صحيفة "ذا غارديان" (The Guardian) البريطانية، فإن بعض الشركات تلجأ لبيع حلم آخر يتعلق بالثقة بالنفس، إذ تروج أنك ستصبحين أكثر جاذبية وسيفتن بك الجميع وستلتقين شريك حياتك، وتختفي مشاكلك في حال استخدمتِ منتجاتها.
من جانبها، نجحت شبكات التواصل الاجتماعي في الترويج لنوع آخر من الجمال المزيف، وهو جمال مرشحات (فلاتر) الصور. فانتشار تطبيقات التعديل على الصور وإضافة (الفلاتر) خلق وهم "الوجه المثالي"، إذ تقوم هذه المرشحات بطمس المسامات، وتكبير العينين، وتضييق الأنف، وتحديد الفك، كما تضيف بعض المرشحات الرموش ومكياج العين وأحمر الشفاه.
لكن في الحقيقة، تخلق هذه التطبيقات فجوة متزايدة بين وجهك الطبيعي ووجهك المعدل، وهو ما يورث نوعا من عدم الثقة بالوجه والملامح الطبيعية باعتبارها أقل جمالا.
المكياج وعمليات التجميلوفي هذا الصدد، نقل موقع "ميديوم" بعض استطلاعات الرأي في أميركا، التي تظهر نتائجها أن 44% من النساء يشعرن بالقبح من دون المكياج، بينما تقول 14% من النساء المشاركات في الاستطلاع إنهن يستيقظن في وقت مبكر لوضع المكياج حتى لا يرى شركاؤهن وجوههن على طبيعتها. وحسب الاستطلاعات، ترى 6 من بين 10 نساء أنهن لا يفكرن في الذهاب إلى العمل من دون المكياج، وذلك لأن عدم وضع مساحيق التجميل قد يؤثر سلبا على فرصهن المهنية.
وعام 2020، تم إجراء 15.6 مليون عملية تجميلية في الولايات المتحدة وحدها. ومع ذلك، كانت واحدة من كل 5 قد خضعن لجراحة تجميلية غير راضيات عن النتائج، كما تضطر بعض النساء لإجراء جراحة تجميلية إضافية لإصلاح أو تحسين العمليات الفاشلة من قبل جراحين غير مؤهلين.
تختلف هذه النسب والأرقام من مجتمع إلى آخر ومن شريحة إلى أخرى، لكنه الهوس بشكل معين من الجمال يسيطر على بعض النساء لدرجة أنهن لا يستطعن أن يظهرن بوجوه طبيعية، بل يردن شكلا مثاليا معينا خاليا من كل العيوب التي حدثتنا عنها شركات التجميل.
في المقابل، أصبح صيحات مثل #بدون_مكياج التي تدعو لمشاركة الصورة بالمظهر الطبيعي شائعا بشكل متزايد، وتدعي مثل هذه الاتجاهات أنها تمنح النساء الثقة بإزالة الضغط للظهور من دون مكياج أو بعيوب البشرة من دون خجل، بعيدا عن ضغط الحفاظ على معايير الجمال المثالية التي تروج لها الشركات.
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
وجه “مارألاغو”.. هوس الجمال بملامح عائلة ترامب يغزو أمريكا
في الأشهر الأخيرة، شهدت عيادات التجميل في ولاية فلوريدا الأمريكية، وبشكل خاص في منطقة مارألاغو الفاخرة، زيادة كبيرة في طلبات التجميل التي تستهدف تقليد ملامح شخصيات سياسية بارزة.
وجوه سياسية تُلهم رواد التجميلالطبيب نُورمان رو، المختص في جراحات التجميل، أشار في تصريحات لصحيفة “نيويورك بوست” إلى أن أغلب زبائنه يسعون للحصول على ملامح تشبه إيفانكا ترامب، ابنة الرئيس الأمريكي السابق، بسبب تأثيرها الواضح في المجتمع الراقي هناك.
وتتصدّر وزيرة الأمن الداخلي الأمريكية، كريستي نويم، قائمة الوجوه المطلوبة لدى السيدات الأكبر سناً، إذ تعتبر مثالاً للجمال الطبيعي المتوازن الذي يجمع بين الأناقة والحفاظ على الملامح الأصلية دون مبالغة في التجميل.
وفي المقابل، تُذكر كيمبرلي جيلفويل، سفيرة الولايات المتحدة لدى اليونان وخطيبة دونالد ترامب الابن السابقة، كأحد أبرز الأمثلة على الوجوه التي خضعت لتعديلات تجميلية مكثفة.
ورغم عدم خضوعها لعمليات جراحية تقليدية، يشير الأطباء إلى أنها تعتمد على جرعات كبيرة من الفيلر، ما يمنح وجهها ملامح حادة ومشدودة بشكل لافت، يُصنّف ضمن الإطلالات الأكثر تطرفاً في هذا السياق.
وجه مارالاغو ووجه إنستغراممصطلح “وجه مارا لاغو” يُستخدم لوصف ملامح وجه موحدة بين النخبة التي تقيم أو تزور منتجع مارا لاغو. هذه الملامح تشمل شفاه ممتلئة، عظام وجنتين بارزة، عيون واسعة، وجبهة مشدودة خالية من التجاعيد.
هذا الشكل لا يُقصد به تقليد مظهر معين بشكل حرفي، بل هو نتيجة عمليات تجميل متكررة تهدف إلى إعطاء الوجه مظهراً شاباً وموحداً يعكس الرفاهية والحيوية.
وفي السنوات الماضية، كان اتجاه التجميل يركز على ما يُعرف بـ”وجه إنستغرام”، وهو مظهر مثالي يعتمد على تقنيات التجميل التي تناسب صور السيلفي ومواقع التواصل الاجتماعي، مثل الشفاه الكبيرة والأنف المحدد والعيون اللامعة.
أما الآن، فقد تحول التركيز إلى ملامح تعكس أسلوب حياة النخبة السياسية والاجتماعية في مناطق مثل مارالاغو، حيث يحرص الأشخاص على مظهر طبيعي أكثر، مع الحفاظ على شباب الوجه من خلال عمليات التجميل الدقيقة.
تكاليف جراحة وجوه مارالاغوتكلفة عمليات التجميل تتفاوت حسب نوع الإجراء، إذ تصل بعض العمليات مثل شد الوجه إلى مبالغ كبيرة، فيما تتراوح جلسات البوتوكس والفيلر بين مئات إلى آلاف الدولارات.
أما النتائج فتحتاج إلى صيانة دورية، حيث تتطلب حقن البوتوكس تجديداً كل 3 إلى 4 أشهر، والفيلر يحتاج عادةً إلى تجديد مرة أو مرتين في السنة، الأمر الذي يجعل التجميل عملية مستمرة وليست مرة واحدة فقط.