نهال علام تكتب: الانتخابات الرئاسية
تاريخ النشر: 18th, December 2023 GMT
الاختيار… هو ما يُفرق العبيد عن الأحرار، سيد القرار هو من يملك هذا الحق الذي يتمتع به الاخيار، هو مسئولية وأمانة بحاجة لأسسمرجعية من الثقافة والدين وقدر لائق من العقل والإنسانية، وإن كان كلٌ حر ما لم يضر إلا أنه لا قرار دون ضرر أو ضرار إذا اتخذ دونمفاضلة ومسائلة وفهم لتبعات هذا الاختيار، مهما كان الأمر بسيط فاختيارات العجالة تعقبها ندامة ولو تعلق الأمر حتى بأمور لا تحتاجلبداهة، فالقهوة الصباحية قرار إذا حسن قد يُصلِح ما يفسده الأشرار.
والمصريون مسالمون بفطرتهم، طيبون في سجيتهم على مرّ التاريخ كانوا دوماً مهادنين، مستأنسين وهادئين وعلى الله متكلين، إلا لو شعروابخطر يمس روتينهم، ويهدد أمنهم ويغير صفو حياتهم، عندها يستأسد المستأنس، ويستذأب المهادن، وتجدهم في سبيل الحق على قلب رجلواحد، دون اتفاق يبرم ولا حاجة للوبي يُعقد، يجمعهم الطريق للحق دون موعِد، يحملهم الإيمان بالأمس واليقين بالغد لذات الوجهة بلا آيتوجهات ولا اعتبار لأي أجندات إلا تلك المغمورة بحب الوطن.
غريبة هي تركيبة المصريون يبدو عليهم أنهم متواكلون لا يعنيهم اتخاذ قرار، فالسعي وراء لقمة العيش هو قبلتهم باستمرار، هم الشعبالدائم الشكوى من الأسعار والأكثر سخرية من كل الأفكار، يتحايل على مواجعه بنكتة فلا يتخيل من يتربص به أنه قادر أن يصيبه بنقطة،فهو ذلك الغيور الذي يبدو صبور على تحديات يومه وقوته لكن لا طاقة له إذا تعلق الأمر بغده وهويته، لذا لا داعي للعبث معه في مستقرهومبادئه، على عدوه الندامة لأن قراره أن يحيا هو وبنيه وأهله وذويه على مفارق السلامة مهما أظهر العدو من سماجة.
جائت الانتخابات الرئاسية للعام 2024 في وسط تلك التحديات العالمية والنزاعات الحدودية والخلافات الدولية، كلها مشاهد تنذر بأخطارحقيقية لم تغفلها عين المصري الذكية، فجائت مشاركته في استحقاقه الدستوري بنسبة تاريخية، تعدت للمرة الأولى في تاريخ الجمهوريةثلثي القاعدة الانتخابية، وسط ردود فعل عالمية أصابتها الدهشة من قدرة المصريين على القراءة الاستشرافية لمخططات الغدر والخسة منبعض تلك القوى العدوانية.
تحرك الشعب بكل طوائفه مثقفيه وعامليه، نساءه ورجاله، شبابه وعجائزه للتصويت من أجل الأمن والاستقرار وبفطرتهم السليمة كان صندوقالانتخابات هو ضمان تنفيذ تلك الرغبات، في عام 2014 وهو عام الخلاص من الإخوان بلغت نسبة المشاركة 47% تقريباً وبالرغم من ذلككانت تعتبر نسبة كبيرة في تاريخ ممارسة المصريين لاستحقاقهم وإن كان ليس بالتاريخ الطويل، والذي جاء تقاعس بعضهم بدافعالاطمئنان، أن مصر محمية من الأطماع، فالمرشح الرئاسي يحظى بتأييد شعبي وقلبي لا حاجة لاثباته بصندوق، فهو القادم بإرادة خالصة بعد أن كانت يديه هي المُخلصة لمصر من براثن الخونة وأتباعهم من المرتزقة العابثة.
أما في الاستحقاق الانتخابي في عام 2018 انخفضت نسبة المشاركة لحوالي 41% وهي نسبة متسقة مع تفكير المصريين، فالأمور بخير… مسيرة التنمية تمضي في طريقها القويم ومعركة مصر في القضاء على الإرهاب تتحرك باتجاه صحيح ومستقيم، لذا لا داعي للقلق، وخاصةأن المرشح المنافس ليس له ثقل حزبي ولا وزن شعبي، وهذا يعني أن النتيجة في أي أحوالها هي نتيجة محسومة للمرشح الرئاسي الذييتمتع بتأييد شعبي واسع.
وكعادة المرأة المصرية في كل ندائات الوطن العلنية والخفية كانت هي في طليعة الصفوف الأولى، فمنذ ثورة 1919 ونساء مصر في الصدارةيدعمن بلادهن بحرارة وأول شهيدة سياسية في العالم هي المرأة المصرية التي سقطت في تلك الثورة لترسم بحروف من نور دور مشاركةالمرأة في استقرار وأمن الأوطان، ومنذ ذلك التاريخ والمرأة المصرية في كل محفل دورها يحتاج للتأريخ.
وفي كل الدراسات الجندرية عن مساهمات النساء في المشاركة بحقوقهن الدستورية، كانت نتيجة الدراسات أن العوامل التي تحول دون ذلكتنحصر في العنصرة والتمييز وعدم توفير الأمن لمشاركة النساء في تلك العمليات السياسية بالإضافة للتحكمات القبلية والعرفية، التيتخضع لها النساء في بعض المناطق، إلا مصر فنسائها لا يحجمن عن المشاركة إلا بسبب الاطمئنان!
فما دام الوطن أموره بخير ولا توجد مشكلات جسام، لا تولد لدى النساء تلك الدافعية والحمية وراء استخدام الحق في الممارسة السياسية.
وانطلاقًا من ذلك جائت مساهمة نساء مصر في تلك الانتخابات بطريقة غير مسبوقة، فالخطر يكمن في ربوع الوطن ويتربص بمقدراتهبصورة جهورة ومفضوحة، لتكون رسالة المرأة المصرية للعالم نحن لسنا سيدات عاديات بل كلنا إذا احتاج الأمر مقاتلات ومضحيات.
سيذكر التاريخ مشاركة الشباب العظيمة والتي كانت دائماً محل للتشكيك، وعادة ما توصم الانتخابات بأنها حِكر على كبار السن والمسنين،وفي قراءة للمشاهد الانتخابية الدولية فتلك حقيقة ومصر جزء منها، فالشباب إما ثائر يجد الاحجام وسيلة اعتراض عقابية أو حائر وفيعزوفه طريقة ترفعية، وبعضهم دائر في فلك الحياة لا يبالي فأكبر همومه هو ذاتيته وطموحه، ومصر دائما ما تكسر القاعدة لذا لم
يكن غريباً على شبابها أن يخرج عن المألوف، ويسطر حدثاً سيصبح هو المعروف.
رؤية الدولة المصرية انعكست بوضوح في تلك النسخة من الانتخابات الرئاسية وهو اكتمال أركان الجمهورية الجديدة بخطى واثقة وحكيمة،للمرة الأولى نجد كل ذلك الدعم لذوي القدرات الخاصة وهو ما يتماشى مع رؤية الدولة العامة في التعامل مع هذا الملف، حيث تم توفير كلالتسهيلات بالإضافة لتوفير بطاقات الاقتراع بطريقة برايل للمرة الأولى ليس في مصر فقط بل وبما يسبق العديد من الدول الأكثر تقدمية.
انتخابات هادئة بلا صياح، المرشحون على اختلاف مرجعياتهم وأحزابهم إلا أنهم وطنيون، اجتمعوا على حب الوطن وإن اختلفت رؤاهم فيكيفية ادارته، بالطبع لم يخلو الأمر من الممارسات الفردية والتي لا تؤثر على نزاهة العملية الانتخابية، ولكن يظل الأسمى هو وعي المواطنبمقدرات الوطن، وحب المصري لتراب وطنه المعطر بدم أبنائه وابائه، لذا دائماً وأبداً قرار المصريين هو حفاظهم على الأرض واختيارهم لمن يصون الأمانة ويحفظ العرض.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: فی تلک
إقرأ أيضاً:
نورهان خفاجي تكتب: صنعاء بلا أجنحة
قبل نحو عامين أو أكثر جمعني لقاء مع الدكتور محمد عبدالقادر رئيس هيئة الطيران المدني اليمني، حينها كان في رحلة علاجية بالقاهرة، ولم ينشر للأسف هذا اللقاء؛ اليوم، حيث يتم الإعلان عن تدمير آخر طائرة يمنية مدنية على مهبط مطار صنعاء.. يحضرني تفاصيل هذا اللقاء وما تناوله عن أوضاع اليمن الشقيق بشكل عام وعن أجواء – قطاع الطيران - اليمن بشكل خاص.
قبل نحو عامين، كان بالكاد قد عادت صناعة الطيران المدني العالمية يبزغ نجمها من جديد، محاولةٍ نفض غبار أزمة الجائحة الوبائية التي كبلت العالم كله، حينها كان اليمن في هدنة وجيزة من الحرب، يخطط خلالها بأمل خافت في تأهيل مطار صنعاء بكلفة قدرتها السلطات حينها بنحو أكثر من 15 مليون دولار، كان مازال هناك طائرات، أربعة للخطوط اليمنية وكانت تنتظر انضمام الخامسة وطائرة تابعة لشركة السعيدة، كانا ينفذان إلى خارج صنعاء، ربما ليس لعالمِ بعيد ولكن كانا على الأقل يذهبان في فسحة إلى دول الجوار: ' القاهرة وعمان والأردن والخرطوم وجيبوتي وأحيانا بومبي بالهند'.. اليوم بإعلان تدمير آخر الطائرات، باتت صنعاء بلا طائرات.. بلا أجنحة ترفرف في السماء'.
في أوان الجائحة، كتبت عن اليمن، وقولت: إنه إذا كانت دول العالم تتأفف وتعاني نزيف الخسائر بالمليارات، لإغلاق حدودها الجوية لعدة أشهر بسبب الوباء، فما بالك باليمن الشقيق وهو يصارع وحيدا منذ 7 سنوات - حتى عام 2022 تاريخ اللقاء - ؛ بعدما أغلقت الأجواء على سكانه .. سنوات متواصلة من الغلق لم تأخذ خلالها طائرات صنعاء فسحة للسماء. المشهد يصور الحال، إن مطارات اليمن لم تطأ مدارجها طائرة منذ سنوات؛ أبراج المراقبة الجوية لم تُفتح شاشات راداراتها أيضا منذ سنوات؛ صالات الركاب مسدلة نوافذها.. 7 سنوات من العزلة والحرب ازدادت اليوم إلى عشرة وعادت صنعاء بلا طائرات.
في وجود الطائرات حتى شهور قريبة، قبل أن يلتهم جميعها القصف، كان المواطنون اليمنيون الراغبون في الخروج من البلاد وغالبيتهم طلاب أو مرضى أو بعض رجال الأعمال الراغبين في الاستثمار، يخرجون في طريق يستغرق قرابة الـ 20 ساعة بالتحديد 18 ساعة، يمرون بين عشرات نقاط التفتيش حتى يستطيعون الوصول لأحد المطارات التي مازالت تعمل وكان على الأغلب مطاري عدن وسيئون، بديلا عن مطار العاصمة صنعاء الذي كان أيضًا قد دمرت قدراته بالكامل.
يحكي رئيس هيئة الطيران المدني اليمني، عن الحال، أنه في الطريق بين المطارات كانت تسقط بعض حالات المرضى صريعة، الطلاب يتعرضون للنهب والسرقة والتعدي وأيضًا رجال الأعمال، لا أحد يُستثني من النهب، كان هذا هو الحال في وجود الطائرات!.
يقول إنه في وجود الطائرات المُصرح لها الهبوط على أرض مطار صنعاء، رغم القصف وقلة الإمكانيات، كان المهندسون اليمنيون يبذلون كامل جهدهم في صيانة التجهيزات الفنية والملاحية الموجودة بالمطار حتى لا تنقطع الخدمة، في ظل حرمانهم من تجديدها أو استبدالها بسبب الحصار المفروض على البلاد، ذاك الحصار الذي منع إدخال شحنة مساعدات وتجهيزات ملاحية جديدة للمطار، ولجأت صنعاء حينها إلى جيبوتي قبل ثلاث سنوات لتخزين هذه المساعدات حتى تأذن ساعة فك هذا الحصار.
اليوم تضاف ثلاث سنواتٍ جديدة منذ تاريخ هذا اللقاء، ويزداد معه تضييق الخناق على صنعاء، خاصة بعد الاستهداف الأخير على المطار من قبل الاحتلال لآخر طائرة مدنية كانت تستعد لنقل فوجٍ من الحجاج، أربعة صواريخ إسرائيلية استهدفت طائرة صنعاء وتناثرت أجنحتها في ساحة المطار، وتناثر معه آمال عودة التشغيل القريب لهذا المطار، خاصة بعد أن وصلت كلفة إصلاح التدمير إلى 500 مليون دولار بدلا من 15 مليون دولار قبل ثلاثة أعوام، وتم إعلان وقف العمليات بالمطار لأجل غير مسمى!