سكان الأمعاء .. وأدمغتنا !
تاريخ النشر: 18th, December 2023 GMT
في الوقت الحالي، فكرة أنَّ بكتيريا الأمعاء تؤثِّر على صحَّة الشخص ليست فكرة جديدة، حيث يعرف الكثير من النَّاس أنَّ هذه الميكروبات تؤثِّر على الهضم والحساسيَّة والتمثيل الغذائي. لقَدْ أصبح هذا المفهوم شائعًا إلى حدٍّ ما، مع ظهور أبحاث جديدة وبانتظام توضِّح بالتفصيل النِّظام الغذائي الَّذي سيؤدِّي إلى الصحَّة البكتيريَّة المُثلى.
الأهمُّ من ذلك، أنَّ وصول هذه الميكروبات قَدْ يمتدُّ إلى أبعد من ذلك بكثير، لِيصلَ إلى أدمغة البَشَر. وهنا أتحدَّث عن تلك البيئة الموجودة في أمعاء الإنسان، والمعروفة بـ «الميكروبيوم» والَّتي تحتوي على جميع الميكروبات الموجودة داخل أمعائنا وتتألف تلك الميكروبات من البكتيريا والفطريَّات والخميرة والفيروسات، لا سِيَّما وأنَّ القناة المعويَّة تُعدُّ أكبر عضو في الجهاز المناعي، حيث تعيش هناك حوالي ثمانين في المئة من الخلايا المنتِجة للمناعة. المثير للأمْرِ حقيقةً، أنَّ العلماء وجدوا أدلَّة على أنَّ هذا التجمُّع يُمكِن أن يؤدِّيَ دَوْرًا في مرض التوحُّد، والقلق، والاكتئاب، واضطرابات أخرى!
وهنا ولعقودٍ من الزمن، لاحظ الأطباء والآباء أيضًا أنَّ الأشخاص المصابِينَ بالتوحُّد يعانون أيضًا من بعض الاضطرابات في الجهاز الهضمي، كمشاكل الجهاز الهضمي، أو الحساسيَّة الغذائيَّة، أو حساسيَّة الجلوتين. وهذا بلا شك دعا مع الوقت إلى دراسة الروابط المحتملة بَيْنَ ميكروبات الأمعاء والتوحُّد.
بلا شك كيفيَّة تفاعل الميكروبات مع المرض كمُحفِّز لا تزال غامضة، ولكن هنالك أبحاث أظهرت نتائج إيجابيَّة عِند اختبار ذلك على الفئران، واكتشاف مادَّة كيميائيَّة، تنتجها بكتيريا الأمعاء والَّتي بِدَوْرها كانت أعلى بأكثر من أربعين مرَّةً في الفئران الَّتي تعاني من أعراض التوحُّد مقارنةً بغيرها!
وهنا حقيقة ما يهمنا، ويجِبُ أن نعيَه عِند متابعة هذه الدِّراسات، هو أهمِّية فَهْم كيفيَّة مساهمة الميكروبات في مرض التوحُّد وغيره من اضطرابات النُّمو العصبي، بل ويعطينا تساؤلًا آخر إذا ما تمَّ تعديل بكتيريا الأمعاء، فهل يُمكِن أن يكُونَ علاجًا فعَّالًا للمرض مستقبلًا على الأقلِّ لدى بعض المرضى، وهل سنكُونُ قادرين على عكس هذه الأمراض؟! من ناحية أخرى، قَدْ نتساءل أيضًا: هل البريبايوتك ـ وهي مجموعة من الكربوهيدرات الَّتي توفِّر الغذاء لبكتيريا الأمعاءـ تؤثِّر على تلكم البيئة البكتيريَّة بأمعاء الإنسان، ثمَّ إنتاج مركَّبات ـ إن استطعت القول ـ تعدل كيمياء الدماغ؟! طبعًا ليس من الواضح بعد، كيف يغيِّر الميكروبيوم الدِّماغ. ولكنَّ الشيء الأكيد أنَّ مُعْظم الباحثين يتَّفقون على أنَّ الميكروبات ربَّما تؤثِّر على الدِّماغ عَبْرَ آليَّات متعدِّدة. فعلى سبيل المثال، وجَد العلماء أنَّ بكتيريا الأمعاء تنتج نواقل عصبيَّة مِثل السيروتونين والدوبامين، وكُلُّها تؤدِّي دَوْرًا رئيسًا في الحالة المزاجيَّة، كما هو الحال مع العديد من مضادَّات الاكتئاب والَّتي تزيد من مستويات هذه المركَّبات نَفْسها.
ختامًا، قَدْ أستطيع القول بأنَّ الميكروبات الَّتي تعيش في أمعاء الإنسان، ربَّما لدَيْها خبرة طويلة في تعديل أدمغتنا، ومن المرجَّح أن تكُونَ أكثر دقَّة من الأساليب الدوائيَّة الحاليَّة، وهذا يعني ـ بلا شك ـ آثارًا جانبيَّة أقلَّ. وربَّما سيكُونُ لهذه الميكروبات تأثير حقيقي على كيفيَّة علاجنا لهذه الاضطرابات، بل هو باب جديد تمامًا لتعديل وظائف الدِّماغ مستقبلًا!
د. يوسف بن علي الملَّا
طبيب ـ مبتكر وكاتب طبي
dryusufalmulla@gmail.com
المصدر: جريدة الوطن
كلمات دلالية: بکتیریا الأمعاء
إقرأ أيضاً:
كالكاليست: 26 ألف إسرائيلي من سكان الشمال مشردون
أظهر تقرير لصحيفة "كالكاليست" الإسرائيلية نُشر أمس الاثنين، صورة قاتمة عن أوضاع سكان شمال إسرائيل بعد مرور أكثر من 3 أشهر على بدء خطة العودة التدريجية عقب انتهاء الحرب، حيث لا يزال نحو 26 ألف إسرائيلي من سكان الشمال مشردين، ولم يعودوا إلى منازلهم، فيما لا يعمل سوى 30% فقط من الأعمال التجارية في المنطقة.
ووفقًا للبيانات التي عرضتها "إدارة إعادة إعمار الشمال" أمام اللجنة الخاصة لشؤون النقب والجليل في الكنيست، فإن نسبة العودة الشاملة لا تتجاوز 62%، بينما تنخفض بشكل مأساوي في المناطق الأقرب إلى الحدود مع لبنان، مثل مطولا، المنارة وشتولا، حيث تراوحت نسب العودة هناك بين 14% و25% فقط.
وكشف التقرير أن نحو نصف سكان كريات شمونة لم يعودوا إلى منازلهم، ولا يزالون في فنادق أو مراكز إيواء بديلة، وهو ما يشير إلى استمرار التخبط الحكومي، رغم دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ منذ أكثر من 6 أشهر، بعد 14 شهرًا من القصف المتواصل بالصواريخ والطائرات المُسيّرة.
استنزاف بلا خطةوبحسب كالكاليست، فإن الأموال التي تعهدت بها الحكومة لإعادة ترميم البنية التحتية المتضررة لم تصل حتى الآن إلى وجهتها، وهو ما أثار سخطًا واسعًا في أوساط أعضاء الكنيست. وقالت النائبة أوريت فركش هكوهين خلال الجلسة: "المشكلة ليست فقط في عدد العائدين. الشمال كان يعاني حتى قبل الحرب، لأن الحكومة لم تعتبره مطلقا منطقة إستراتيجية. لماذا لم يتم الاستثمار في البنية التحتية والزراعة وتقليص الفجوات؟ كيف يمكننا النظر في أعين السكان ونحن نخذلهم بهذا الشكل؟".
من جانبها، قالت مفوضة الشمال المؤقتة عيناف بيرتس، التي انتهت صلاحية تعيينها الأسبوع الماضي دون تمديد، بسبب غياب مفوض دائم لخدمة الدولة: "لا يوجد نقص في الأموال"، معلنة أن الإدارة تعتزم تخصيص نحو نصف مليار شيكل (نحو 140 مليون دولار) في الفترة المقبلة لترميم المباني ضمن مسافة كيلومترين من الحدود اللبنانية، إلى جانب خطط لتوسعة التجمعات السكانية وتشجيع الهجرة الإيجابية إليها، بهدف زيادة عدد سكان الجليل بمقدار 100 ألف نسمة حتى نهاية العقد.
إعلانلكن الواقع يبدو مختلفًا على الأرض، فقد أشار رئيس اللجنة، عضو الكنيست عوديد فورر، إلى غياب تام للخدمات الأساسية في العديد من التجمعات، مستشهدًا بحادث وقع للطبيب البيطري في كريات شمونة الذي أصيب بجروح لكنه اضطر إلى خياطة جروحه بنفسه لعدم وجود غرفة طوارئ.
وقال فورر "في هذا الوضع، لا أفهم ما الذي دفع الحكومة لإطلاق خطة العودة في مارس. لقد أرادت تصوير نصر لكنها فشلت. الحكومة تتصرف بمنأى عن الواقع، بلا خطة شاملة، وكل ما تفعله هو وضع لاصقة على جرح ينزف".
مساءلات سياسية في الأفقوفي ضوء استمرار شلل القطاع التجاري، أعلن فورر عن نيته عقد جلسة خاصة لمراجعة أنشطة وزارة الاقتصاد في الجليل، موجهًا نقدًا لاذعًا إلى الوزير نير بركات بسبب كثرة سفره إلى الخارج: "إذا كان عليه السفر إلى الخارج مرة في الشهر، فليتفضل بزيارة الشمال مرة في الأسبوع ليرى الكارثة بعينيه".
أما التقديرات الحكومية فتشير إلى أن غالبية السكان سيعودون بحلول يوليو/تموز المقبل، أي مع نهاية العام الدراسي، وتحديدًا عندما تتوقف المنح الحكومية التي تُقدّم للمهجّرين، مما أثار تساؤلات حول جدية الحكومة في معالجة الأزمة، ومدى اعتمادها على "الضغط الاقتصادي" بدلًا من تقديم حلول جذرية، تقول الصحيفة.
و يبدو أن شمال إسرائيل لا يزال يعيش -في ظل فراغ إداري- ترديًا اقتصاديا، وتعاملًا حكوميًا بطيئًا ومجزَّأ، فيما تستمر معاناة عشرات الآلاف من السكان الذين فقدوا منازلهم، وأعمالهم، والشعور بالأمان في وطنهم.