معركة الأردن ضد الميليشيات.. تصعيد يتجاوز تهريب المخدرات
تاريخ النشر: 19th, December 2023 GMT
لأول مرة، تشهد الحدود الأردنية السورية اشتباكات لساعات طويلة بين الجيش الأردني والمهربين، في حادثة تلقي الضوء على نفوذ الميليشيات الإيرانية المتزايد في جنوب سوريا من جهة، والقبضة التي تفرضها المملكة على حدودها الشمالية والشرقية بحسب مصادر ومحللين.
ومنذ 2011، شهدت الحدود الأردنية محاولات كثيرة لتهريب المخدرات، لكن هذه المرة هي الأعنف، بحسب مصدر عسكري أردني تحدث لـ"24".وقال المصدر :"المسلحون والمهربون بحكم تجاربهم السابق أرادوا الدخول عنوة عبر محاولة استهداف قوات حرس الحدود"، لكنهم "واجهوا رداً عنيفاً أحبط محاولاتهم".
وكشف المصدر أن "التحقيقات الأولية والتحليلات تفيد بأن جزء من الخطة كان يقوم على محاولة جر الجيش الأردني لمواجهة في منطقة محددة وفتح الطريق أمام المهربين من نقاط أخرى للدخول إلى المملكة وهو ما لم تنجح فيه العصابات"، بعد أن فشلت خلال الأيام الماضية في عدة محاولات أقل حدة.
وأكد المصدر أن "نوعية الأسلحة المضبوطة مع المهربين تؤكد أن الأردن لا يواجه عصابات تهريب عادية".
بيان أردني حول الاشتباكات على الحدود مع #سوريا https://t.co/YiIgyqaO1B
— 24.ae (@20fourMedia) December 19, 2023هذا الأمر، أكده وزير الاتصال المتحدث باسم الحكومة الأردنية، مهند مبيضين الذي قال إن ما يجري "إشكالية كبرى ليست أردنية فقط بقدر ما هي مشكلة إقليمية وجزء من الصراع الذي تقوده المليشيات المدعومة من قوى إقليمية وهي تستهدف للأسف أمن واستقرار الأردن".
وأضاف مبيضين في تصريحات صحافية "الفوضى الموجودة وانفلات السلطة يؤدي إلى نمو وسيطرة بعض الميليشيات والجماعات التي تقود حربا إقليمية وتصدر المخدرات للأردن وتريد أن تصدرها لدول الخليج ودول عربية".
واتهم الأردن عدة مرات ميليشيات مقربة من إيران بالوقوف وراء الهجمات المتكررة على الحدود.
ويقول المحلل السياسي حسن الخالدي لـ"24" إن "الأردن بحاجة لبحث هذه المسألة مع سوريا والقوى الإقليمية لمحاولة إيجاد حل لها، بناء على الاتفاق الذي تم في عمان بحضور مسؤولين من سوريا ودول عربية".
وأشار الخالدي إلى أن التعهدات التي قدمتها سوريا لم تستطع الوفاء بها "ربما بسبب الأزمة التي تمر بها منذ 2011"، متوقعًا أن تشهد الفترة القادمة اتصالات في هذا الجانب.
وتزامنت الاشتباكات مع غارات جوية - مجهولة - في قرية سورية قرب الحدود الأردنية، استهدفت منزل ناصر السعدي تاجر المخدرات المقرب من حزب الله، ما أدى إلى مقتله.
وواجه السعدي مصير مرعي الرمثان الذي قتل في غارة مجهولة أيضاً قرب الحدود الأردنية في مايو (أيار) الماضي.
على الجهة المقابلة، يقول مسؤول من تجمع "أحرار حوران" المتخصص في جمع ورصد الأحداث في جنوب سوريا إن "معلومات حصرية حصلوا عليها تؤكد أن منفذي عملية التهريب الأخيرة تلقوا تدريبات على استخدام الأسلحة لدى ميليشيات إيرانية".
وأشار في تصريح لـ"24" إلى أن "الأشخاص الذين قبض الجيش الأردني عليهم عبارة عن مهربين يعملون لدى تجار أكبر مرتبطين بإيران وميليشياتها في المنطقة".
وأعلن الجيش الأردني الإثنين، أن كوادر حرس الحدود تخوض اشتباكات عنيفة مع مسلحين، واعتقل مجموعة منهم، وضبط أسلحة وصواريخ وكمية كبيرة من المخدرات، بعد أن دمر سيارة محملة بالمتفجرات.
ونشر الجيش الأردني صوراً للمعتقلين وأمامهم صواريخ وأسلحة مختلفة، وقال إنه أحبط مخططاً لاستهداف الأمن الوطني وزعزعة استقرار المملكة.
في غضون ذلك، نقلت وكالة الأنباء الأردنية بترا عن مصدر عسكري، أن القوات المسلحة أحبطت خلال الفترة 2021 - حتى ديسمبر (كانون الأول) الجاري، تهريب أكثر من 60 مليون حبة كبتاجون (فينيثايلين)، و41 ألف كف من الحشيش، إضافة لـ735 كيلوغراماً، فضلا عن كميات ضخمة من الحبوب المخدرة من الأنواع الأخرى.
كما أعلن المصدر ضبط صواريخ من أنواع (روكيت لانشر وأر بي جي)، وألغام ضد الأفراد، ومواد متفجرة، وأسلحة مختلفة.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: التغير المناخي أحداث السودان سلطان النيادي غزة وإسرائيل مونديال الأندية الحرب الأوكرانية عام الاستدامة الأردن سوريا إيران الحدود الأردنیة الجیش الأردنی
إقرأ أيضاً:
سوريا وإسرائيل.. معركة الردع والصمت في الجنوب السوري
منذ سقوط نظام بشار الأسد أواخر عام 2024، وجدت الحكومة السورية الجديدة نفسها أمام تحدٍ إستراتيجي معقد على الحدود الجنوبية، يتمثل في التغلغل الإسرائيلي المتسارع داخل أراضيها، وتكريس واقع جديد يتجاوز اتفاقية فك الاشتباك الموقعة عام 1974. وازداد هذا التحدي خطورة بعد اندلاع الحرب بين إسرائيل وإيران في يونيو/حزيران 2025، مما أعاد ترتيب أولويات المنطقة بأكملها، ووضع سوريا في عين العاصفة رغم أنها تحاول جاهدًة تجنّب المواجهة المباشرة.
ونشر مركز الجزيرة للدراسات ورقة تحليلية بعنوان: "التحدي الإسرائيلي.. سوريا بين استكمال الرؤية الإستراتيجية وتفادي الصدام"، للباحث عبد الوهاب عاصي، سلطت الضوء على التحدي الإسرائيلي الذي يُواجه الإدارة السورية الجيدة، وهو -وإن لم يكن الوحيد- فإنه قد يكون الأخطر والأصعب.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2الاقتصاد السوري بعد الأسد.. بين إرث الانهيار وتحديات التحولlist 2 of 2دراسة: ما خسرته إسرائيل في الطوفان عوضته بالتطبيعend of list واقع عسكري جديد.. توغل إسرائيلي وهيمنة على الجنوبورثت الحكومة السورية الحالية بنية عسكرية وأمنية منهارة، بعد سنوات من الحرب وضربات إسرائيلية متواصلة. في أعقاب تسلمها الحكم، تعرضت سوريا لأوسع عملية عسكرية إسرائيلية في تاريخها تحت اسم "سهم باشان"، والتي شملت 350 غارة جوية، دمرت ما يقرب من 80% من البنية العسكرية الإستراتيجية للبلاد. كما أعلنت إسرائيل انتهاء العمل باتفاق فك الاشتباك، وتوغلت داخل المنطقة العازلة وأقامت 12 نقطة عسكرية، بعضها في محيط خط "برافو"، منها قمة الحرمون، أعلى قمة في جبل الشيخ المشرفة على العاصمة دمشق.
تسيطر إسرائيل فعليًا الآن على محافظة القنيطرة، وتتوسع تدريجيًا نحو درعا وريف دمشق، مهددة بذلك العمق السوري الأمني والمائي، خاصة مع استيلائها على عدة سدود ومسطحات مائية، مما تعتبره دمشق خطرًا مباشرًا على أمنها الغذائي. وبينما تُبقي إسرائيل على خطاب الردع والتوسع، تبدي الحكومة السورية حرصًا على تجنّب أي صدام قد يعوق مساعيها للتعافي.
إعلان ردّ سوري حذر.. تفادي التصعيد وتثبيت الشرعيةفي ظل تراجع القدرات العسكرية، تبنت دمشق خطوات تهدف إلى خفض التوتر، أبرزها:
سحب السلاح الثقيل من المنطقة العازلة. إلحاق قوات حرس الحدود بوزارة الداخلية بما يدحض ادعاء وجود نوايا لاستعداء أي دولة، لا سيما إسرائيل. تنفيذ حملات أمنية ضد مجموعات مسلحة مرتبطة بالنظام السابق أو بإيران وحزب الله. كما أنشأت فرقة عسكرية جديدة "الفرقة 40″، لكنها لم تنتشر بالقوام الكامل جنوبًا، بل اكتفت بالحضور في بعض المعسكرات، تجنبًا لأي استفزاز يُفهم على أنه استعداد للمواجهة. إرسال شكاوى إلى مجلس الأمن بشأن استمرار الغارات الإسرائيلية والتوغلات البرية الجديدة.ورغم هذه الإجراءات، فما تزال إسرائيل تُصعِّد، سواء عبر الغارات الجوية، التي بلغت نحو 80 غارة في النصف الأول من عام 2025 فقط، أو عبر دعم الأقليات -لا سيما الدروز– والتدخل في الشأن الداخلي السوري بدعوى "حمايتهم". وتتهم دمشق تل أبيب بالسعي لتقسيم البلاد من خلال هذه الخطابات، خاصة في ضوء تصريحات إسرائيلية تنادي بنظام فدرالي في سوريا.
الدبلوماسية كخيار.. الشرع بين التهدئة والانفتاح المشروطمنذ تسلمه السلطة، أعلن الرئيس السوري أحمد الشرع أن سوريا لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل، ودعا للعودة إلى اتفاقية فض الاشتباك، وشاركت حكومته في مفاوضات غير مباشرة عبر وسطاء دوليين -أبرزهم الإمارات وتركيا وأذربيجان– قبل أن ينتقل إلى مفاوضات مباشرة هدفها تهدئة الأوضاع وتثبيت خطوط التماس، من دون أن يعني ذلك تطبيعًا كاملا في الوقت الراهن.
ورغم تصريح الشرع بإمكانية الانضمام إلى "اتفاقيات أبراهام" إن توفرت الشروط المناسبة، فإن الموقف السوري الرسمي لا يزال يربط أي اتفاق سلام بوقف التدخل الإسرائيلي في الشأن الداخلي وضمان وحدة الأراضي السورية. في المقابل، تضغط إسرائيل -بدعم أميركي- باتجاه صفقة إقليمية شاملة تتضمن سوريا، على غرار ما حصل مع دول عربية أخرى.
مخاوف إسرائيل.. النظام الجديد وتحالفاته المحتملةترى إسرائيل في النظام الجديد تهديدًا مستترًا، خاصة مع خلفيته الإسلامية وتحالفه المتصاعد مع تركيا، وتُبدي تخوفًا من تكرار سيناريو تهديدات 7 أكتوبر/تشرين الأول من جبهة الجنوب السوري، لذلك تُعزِّز حضورها العسكري والاستخباراتي في المنطقة، وتمنع أي محاولات تركية لبناء قواعد هناك، في حين تتغاضى -مرحليًا- عن الوجود الروسي الذي تعتبره أكثر قابلية للضبط.
وتحذر إسرائيل من أن دمشق قد تعود إلى "اللعب بورقة إيران" إن فشلت جهود التهدئة، خصوصًا أن بعض الفصائل الموالية لإيران ما تزال تنشط جنوبًا رغم حملات الملاحقة، وكان أبرزها إطلاق صواريخ باتجاه الجولان في يونيو/حزيران الماضي من فصيل يُطلق على نفسه "كتائب الشهيد محمد الضيف".
تسعى الحكومة السورية لاحتواء الأقليات من دون الوقوع في المحاصصة، لكن تدخل إسرائيل -سواء في مناطق الدروز أو في المجتمع المحلي بالقنيطرة ودرعا- يُهدد هذا التوازن، ودفعت هذه المخاوف دمشق إلى الدخول في مفاوضات ميدانية مباشرة مع تل أبيب، تهدف إلى منع عمليات الاعتقال الإسرائيلية وقطع الطرق وتضييق الخدمات على السكان.
وتطمح سوريا إلى إدخال قوات الأمم المتحدة كطرف وسيط في تلك المفاوضات، رغم ضعف البعثة الأممية "الأندوف" مقارنة بمهامها في العقود السابقة، وهو ما فتح المجال أمام تل أبيب لتجاهل وجودها فعليًا. وتُطالب الحكومة بتفعيل دور البعثة وإصدار موقف دولي واضح من الخروق الإسرائيلية، من دون جدوى حتى الآن.
إعلان إسرائيل.. ردع دائم وتفاوض مرحليلم تُقدّم إسرائيل بعد تصورًا نهائيًا لمستقبل علاقتها بسوريا، بل تفضل الاستمرار في سياسة "الردع الوقائي"، من خلال الضربات الجوية، والوجود العسكري المباشر في نقاط إستراتيجية، وإدامة حالة الضعف العسكري السوري. لكنها تُبقي الباب مفتوحًا أمام مفاوضات، قد تنضج لاحقًا، ضمن صفقة إقليمية شاملة تشمل ترتيبات أمنية جديدة.
وتسعى تل أبيب إلى منع تمركز أي قوة -إيرانية أو تركية- قد تُهددها من الجنوب السوري، مما يُعقِّد علاقات سوريا الإقليمية ويقيد حركتها. ومن المرجح أن يبقى هذا الواقع ساريًا على الأقل طوال ولاية "الأندوف" القادمة، وهي 6 أشهر، في ظل غياب أي نية إسرائيلية لتسليم المناطق التي توغلت فيها مؤخرًا.
في خضم الصراع مع إسرائيل، لا تغفل دمشق عن تحديات الداخل التي لا تقل تعقيدًا؛ فهي تُواجه حالة انهيار اقتصادي، وأزمة أمنية بسبب المجموعات المسلحة المتبقية من العهد السابق، فضلًا عن الحاجة لإعادة بناء المؤسسات والخدمات في المناطق المحررة. وتسعى جاهدة إلى كسب الدعم العربي والدولي، وخاصة الخليجي، لإعادة إدماج سوريا في النظام الإقليمي والدولي.
وفي هذا السياق، يتجنّب الشرع أي خطوات قد تُعرقل هذا المسار، مثل التصعيد العسكري أو التحالفات الإقليمية المثيرة للجدل، مؤكدًا أن أمن الجنوب السوري لا يجب أن يكون ساحة لتصفية الحسابات الدولية أو الإقليمية.
خاتمةتُعَدُّ العلاقة مع إسرائيل أحد أبرز التحديات بالنسبة للحكم السوري الجديد، بعدما تجاوز تحدي الاعتراف به ورفع هيئة تحرير الشام من قوائم "الإرهاب"، لكن التحدي الإسرائيلي يعرقل أي خطط أو مساعٍ حكومية للتعامل مع التحديات الداخلية خلال المرحلة الانتقالية، ويقلل من القدرة على فرض الاستقرار الأمني ومعالجة العلاقة مع الأقليات التي لا تمتلك دمشق بعد رؤية واضحة للتعامل معها.
بشكل عام، يسير الشرع في التعامل مع إسرائيل على نهج "الخطوة خطوة"، مع رؤية تقوم على نزع فتيل الاشتباك وخفض التصعيد معها، والاستعداد للانخراط في الجهود الإقليمية العربية والغربية، التي تسعى لنقل سوريا من حالة "المواجهة" إلى حالة "السلام" القائم على الدبلوماسية. مع ذلك، فهو لا يضمن أي ردِّ فعل أو تحرك من قبل إسرائيل ونتنياهو؛ الذي خرج أقوى إقليميا بعد الحرب على إيران، ولا يُفوّت فرصة لتصدير مشاكله الداخلية إلى الخارج، بما فيه سوريا.