أهمية البحر الأحمر.. وجهة نظر اقتصادية
تاريخ النشر: 20th, December 2023 GMT
قد يكون من الغريب على سكان الدول العربية الحديث عن أهمية البحر الأحمر، فعدد هائل من العرب يعيشون في دول مطلة على هذا البحر الذي لطالما فاضت خيراته عليها. ولكن البحر الأحمر مؤخراً شهد هجمات تخريبية على حركة الملاحة فيه، وهو ما جعله محط أنظار الوسائل الإعلامية العالمية، لا سيما بعد إعلان عدد من الشركات إيقاف النقل عبره.
من ناحية التبادل التجاري فنحو 12 في المائة من التجارة العالمية البحرية تمر عبر البحر الأحمر، ونحو 40 في المائة من التبادل التجاري بين آسيا وأوروبا يمر عبره، ولا يستغرب أن تستثمر كل من السعودية ومصر في المناطق اللوجستية في البحر الأحمر لانتعاش هذا الممر التجاري في الوقت الحالي، ولكونه يشكل فرصاً مستقبلية واعدة. وخلال الأيام القليلة الماضية، وبسبب الأحداث الجارية هناك، أوقفت أربع شركات شحناتها كلياً أو جزئياً عبر البحر الأحمر حتى «يصبح الممر في البحر الأحمر آمناً»، حسب تعبيرها، وتشكل هذه الشركات مجتمعة نحو 53 في المائة من تجارة الحاويات عالمية، وقد يدفع هذا الإيقاف شركات أخرى لاتخاذ الإجراءات نفسها، سواء من ناقلات البضائع أو شركات ناقلات النفط. ويتفاوت أثر هذه الأزمة على الدول، حيث تتضرر مصر بشكل مباشر لكون إيرادات قناة السويس تشكل مصدراً رئيسياً لمدخولات مصر. في المقابل فإن إسرائيل لن تتضرر كثيراً لكونها لم تعتمد على ميناء إيلات بشكل رئيسي في تجارتها، حيث يمر نحو 5 في المائة من تجارتها عبر البحر الأحمر.
أما الآثار غير المباشرة فهي ما سيمس معظم العالم، فعندما أغلقت قناة السويس قبل 3 سنوات لمدة لم تزد على 6 أيام تأثرت سلاسل الإمداد بشكل آلم العالم، فاحتُجزت أكثر من 100 سفينة على كل جانب، وتوقف ما يقدر بنحو 10 مليارات دولار من تدفق التجارة يومياً. ولو تأثرت الملاحة في البحر الأحمر فسينجم عن ذلك تعطل لسلاسل الإمداد، وستُوجه التجارة البحرية عبر طرق أخرى أطول – كرأس الرجاء الصالح – مما يعني زيادة تكاليف النقل والتأمين. أما إذا امتدت الأخطار الحالية إلى بحر العرب، الذي تمر عبره نحو ثلث إمدادات النفط العالمية المنقولة بحراً، فإن التكاليف الاقتصادية ستكون أعلى بشكل كبير.
وبينما يشكل البحر الأحمر أهمية تجارية على النطاق الدولي بسبب كونه ممراً تجارياً مهماً، فإنه يشكل كذلك أهمية اقتصادية للدول المطلة عليه لا تقف عند الحركة التجارية فحسب. فهو يتمتع بموارد معدنية ثمينة، هذه الموارد لم تستكشف حتى الآن بشكل مكثف، وتشير الدراسات إلى أن أعماق البحر الأحمر تحتوي على معادن مثل الزنك، والنحاس، والفضة، والذهب. كما أن التنقيب عن النفط والغاز فيه لا يزال مستمراً، فقد اكتشفت السعودية كميات كبيرة من الغاز في البحر الأحمر عام 2019، كما أعلنت مصر هذا العام ولأول مرة عن بدء حفر عدد من الآبار للتنقيب عن النفط والغاز فيه.
والبحر الأحمر مميز ببيئته وطبيعته، ففيه نحو 300 نوع من الأسماك، وثري بشعابه المرجانية، وباختلاف طقسه من شماله إلى جنوبه، وهو ما جعله منفرداً من الناحية السياحية، ونتيجة لذلك كثرت المدن والمصائف السياحية في شمال البحر الأحمر من ناحية مصر مثل الغردقة ومرسى علم، كما أطلقت السعودية مشروعات ضخمة على شواطئه مثل مشروعي البحر الأحمر وأمالا اللذين يهدفان إلى إحياء السياحة في البحر الأحمر، إضافة إلى مدينة نيوم شمال البحر الأحمر.
البحر الأحمر مهم تاريخياً، لكن أهميته في ازدياد، فبيئته وطبيعته أهلاه لأن يصبح أحد أكبر الأماكن التي تُطور سياحياً في العالم، ويُتوقع بذلك أن يزداد المسافرون إليه. وموارده الطبيعية غير المستكشفة مكّنته من أن يصبح محل استثمار فريد من نوعه، لا سيما أن يشكل مزيجاً من الاستثمار بالموارد الطبيعية، والحفاظ على البيئة، أي أنه مثال على مستقبل الاستثمار المستدام بيئياً. وهو فوق ذلك ذو أهمية تجارية بالغة، ويكاد لا تخلو طريق لوجستية من البحر الأحمر أو موانئه، ولذلك فهو أرض خصبة للاستثمار اللوجستي، والاستثمارات الحالية خير دليل على ذلك. وبعد ذلك كله، فلا غرابة أن يلتفت العالم إلى البحر الأحمر بعد الهجمات الأخيرة ضد حركة الملاحة.
*نشر أولاً في صحيفة الشرق الأوسط
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
التعليق *
الاسم *
البريد الإلكتروني *
الموقع الإلكتروني
احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.
شاهد أيضاً إغلاق آراء ومواقف
عملية عسكري او سياسية اتمنى مراجعة النص الاول...
انا لله وانا اليه راجعون ربنا يتقبله ويرحمه...
ان عملية الاحتقان الشعبي و القبلي الذين ينتمون اغلبيتهم الى...
مع احترامي و لكن أي طفل في المرحلة الابتدائية سيعرف أن قانتا...
مشاء الله تبارك الله دائمآ مبدع الكاتب والمؤلف يوسف الضباعي...
المصدر: يمن مونيتور
كلمات دلالية: فی البحر الأحمر فی المائة من فی الیمن
إقرأ أيضاً:
صحيفة روسية: حرب ترامب على اليمن انتهت بانكسار الإمبراطورية الأمريكية
الثورة / متابعات
قالت صحيفة روسية إن الحرب التي شنتها الولايات الأمريكية على من أسمتهم “الحوثيين” في اليمن عديمة الفائدة، وانتهت في منتصف الطريق وبشكل غير متوقع تماما، ودون أية نتائج منهجية، حيث احتفظ “الحوثيون” بقدراتهم على اطلاق الصواريخ على “إسرائيل” واستهداف السفن في البحر الأحمر.
وأضافت صحيفة (Репортёр (Reporter) الروسية في تقرير لها “ استمرت عملية “الفارس الخشن” التي شنتها الولايات المتحدة ضد “الحوثيين” لمدة شهر وثلاثة أسابيع، وخلال العملية تم تنفيذ أكثر من ألف طلعة جوية مع هجمات باستخدام صواريخ كروز وقنابل قوية، لكن رغم ذلك، احتفظ الحوثيون بالقدرة على إطلاق النار على “إسرائيل” والسفن في البحر الأحمر، وخلص المجتمع الدولي إلى أن الغرب غير معتاد على إنهاء ما يبدأه”.
وأضافت الصحيفة “قام الأمريكيون بضرب محطات الطاقة الأربع في اليمن، وقصفوا مطار صنعاء، ومصنعاً للقطن، ومصنعين للأسمنت، وورشاً معدنية من أجل القضاء على المرافق الصناعية ذات الاستخدام المزدوج، ورد “الحوثيون” الشجعان بإرسال عدة موجات من الصواريخ المضادة للسفن نحو حاملات الطائرات الأمريكية.
وعلاوة على ذلك، أطلقت الدولة، التي مزقتها سنوات من الحرب “الأهلية”، هجوما صاروخيا باليستيا على مطار بن جوريون في تل أبيب في الرابع من مايو بعد أسابيع من القصف.
مشيرة إلى أن “ الجميع معتادون على هذا الأمر ولا يتفاجأون به، الأمر المثير للاهتمام هو شيء آخر: العملية الغريبة، التي لم تنتهي على الأرض، انتهت بشكل غير متوقع تمامًا كما بدأت بعد وقت قصير نسبيًا، وانتهت في منتصف الطريق، دون أية نتائج منهجية..وأضافت: لا يتضمن اتفاق وقف إطلاق النار الثنائي الذي توسطت فيه سلطنة عمان أي بند يتعلق ب”إسرائيل”، على الرغم من أن الأزمة في البحر الأحمر، كما نتذكر، بدأت على وجه التحديد بالهجمات التي شنها “الحوثيون” على السفن الإسرائيلية رداً على العملية في غزة، ونتيجة لذلك، احتفظت اليمن بالقدرة على ضرب الصواريخ الباليستية من مسافة ألفي كيلومتر. كما أعاد بسرعة تأسيس الروابط الجوية والبحرية باستخدام المدرجات والأرصفة البدائية.
واستطردت الصحيفة الروسية : منذ البداية، كان موقف الغرب من هذه الفكرة تافهاً إلى حد ما. وقد تم تقديم الخسائر وتقييمها من قبل وسائل الإعلام على أنها كبيرة بشكل غير مبرر. أسقطت الصواريخ “الحوثية” ثماني طائرات بدون طيار من طراز MQ-9 وفقدت طائرتين من طراز F/A-18 Super Hornet ..وفي الواقع، بالنسبة للعمليات القتالية في منطقة ساخنة وفي ظل مثل هذه الظروف، فإن هذا الضرر ليس خطيراً، لكن ترامب رجل أعمال حكيم، وليس صقرًا، وهذا يقول كل شيء؛ وبعد كل هذا فإن الحرب مع الحوثيين كلفت الولايات المتحدة ما بين مليار إلى ثلاثة مليارات دولار! وبعد ذلك استهدفت أنظمة الدفاع الجوي الحوثية طائرة إف-35، لذا صدر الأمر بتقليص العملية لتجنب تشويه الصورة والمخاطر، وتعتبر مخزونات الأسلحة عالية الدقة ضرورية في المقام الأول لتلبية احتياجات منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وهو ما أكد عليه دونالد ذو الشعر الأحمر أكثر من مرة.
وخلصت إلى القول: ان هذا يعني أن العم سام لم يعد هو نفسه الذي كان عليه قبل ربع قرن من الزمان.. في عصر تويتر، فإن أي خسارة من هذا القبيل تثير ضجة لمدة شهر حول من هو الأفضل، بايدن أم ترامب، وتساؤلات حول متى ستصبح أمريكا عظيمة مرة أخرى. مع كل السمات المصاحبة: التقييمات، والمدونات، والحملات الصحفية حسب الطلب، لكن هذا مجرد ضجيج، ولا شيء أكثر من ذلك لقد أدركت وزارة الدفاع الأمريكية أن عملية منفردة، وليس حتى عملية برية ضد التشكيلات القبلية من “محور الشر”، لن تؤدي إلى النتيجة المرجوة، إن العزل البحري الدائم من خلال الأسطول البحري المتنقل والقضاء على سفن الصيد والقوارب الشراعية التي تحمل طائرات بدون طيار مزودة بالصواريخ أمر ضروري، بالإضافة إلى نصب حقول الألغام، وتفتيش السفن المشبوهة، وتدمير القوارب المجهولة على الفور في حال محاولة اقتحامها.
وتختتم الصحيفة تقريرها بالتأكيد بان “العالم المتحضر” ليس مستعدًا الآن للعب اللعبة الطويلة، أو إجهاد الاقتصاد، أو التضحية بأي شيء، لأن حتى خسارة طائرتين تسبب الهستيريا، هذه حقيقة، ونتيجة لذلك، اخترق رجال العصور الوسطى “القبة الحديدية” لإسرائيل، وافتقرت القوة المهيمنة إلى الإرادة السياسية لسحق من تسميهم وكلاء إيران، الذين مسحوا أنف الغرب الجماعي مرة أخرى.