الموقع بوست:
2025-07-01@18:22:59 GMT

بريف تعز.. "مأوى الضبع" وجد الحِمني راحته

تاريخ النشر: 23rd, December 2023 GMT

بريف تعز.. 'مأوى الضبع' وجد الحِمني راحته

بإطلالة عتيدة وملامح صارمة وهيئة من أثر الأسلاف، يطل محمد ابراهيم الحِمني منتصبا -كلما شعر بالخطر- من أعالي الجبل الذي يحرسه في منطقة "حِمنة" بريف تعز، مطلقا نظرة متفحصة صوب الأسفل، قاطعا السكون بأصداء نداءات تحذيرية -يعرفها كل من زار المكان- قاصدا إخافة لصوص الحطب المحتملين، وقد نذر نفسه منذ 12 عاما لحراسه جبل يُدعى بـ"مأوى الضبع"، في مديرية خدير.

 

يقطع الحِمني (65 عاما) طريقا بطول 10 كلم، يمتد ما بين منزله والجبل، ويغذ الخطى كل يوم في البكور صوب الجبل حاملا جرابا عتيقا يحوي مؤنة بسيطة من الطعام والشراب يتزود بها طوال اليوم. ويحرص على الوصول قبيل آذان الفجر، استباقا لِلُصوص الحَطب، ويعكف على حراسة الأشجار طيلة النهار ولا يغادر إلا بعد ولوج الليل.

 


 

يؤكد ابراهيم أن حراسة الجبل هي مهنته الوحيدة، وهي ما يمنح حياته معنى. ويتساءل: ماذا سأفعل لو لم أحرس هذا الجبل؟ "إنها مهنتي وتلهيتي".

 

يرتبط ابراهيم بالجبل بصلة وجدانية متينة، ويشعر بانتماء كبير له. يقول، "متعلق أنا بهذا المكان وأحب وجودي هنا بين هذي الجبال". فهو ينتمي لها منذ الطفولة، بحسب قوله، ولا يمكنه أن يتصور حياته في مكان آخر غيرها. تجده يتعهد الشُجيرات ويقلق عليها من الحاطبين العشوائيين.

 

 

جاشت في نفسه الشجون وهو يحدثنا عن ذكريات صباه في الجبل، يقول: "لقد رحل كل رفاقي القدامى الذين لطالما رعيت الأغنام معهم في صباي في هذه الأماكن، غادروا الحياة وبقيتُ أنا بعدهم وحيدا".

 

لا تزال تشعل قلبه الكثير من ذكريات الصبى المرتبطة بهذا المكان، يلهج بها فينتعش مزاجه، فهي تؤنس وحدته وتمنحه العزاء فيما تبقى من سنوات حياته. بذكرياته يتسامى على واقعه، وبصلته بالجبل يكتسب المزيد من الإصرار لمواصلة الحياة.

 

 

فقد الحِمني زوجته قبل أعوام قليلة، وصار وحيدا. ورغم أن لديه خمسة من الأبناء الذكور، وابنة واحدة، لكنه يعيش وحيدا، ذلك أن جميعهم بعيدون عنه ولهم حيوات مستقلة عن حياته، باستثناء ابنته المستقرة مع زوجها وأسرتها في منطقة قريبة؛ لا تزال تفد إلى منزله وتتعهده بالطعام الذي يحمله معه كل يوم إلى عزلته في الجبل.

 

وهناك يقيم طوال النهار في ظل الأشجار أو داخل محراسه المؤلف من غرفة صغيرة كان قد بناها بيديه من أحجار الجبل. يقول الحمني أنه راض عن حياته، وتملؤه بالحبور مهمته الطوعية المتمثلة في حراسة الأشجار البرية في ذلك الجبل، الذي يُعرف بـ"مأوى الضبع"، لاحتوائه على كهوف يُعتقد شعبيا أنها مخابئ للضباع.

 

لا يحب الحمني مخالطة الناس منذ فقدان زوجته، لا سيما منهم أبناء هذا الجيل الذي لا يراهم سوى نماذج للجحود والنكران، مبديا سخطه عليهم، بسبب مما يبدو له أنه فقدان للصلة بالماضي لديهم، ذلك الماضي الذي يحوي كل ما هو حميم وأثير بالنسبة إليه.

 

 

قبضة من أثر الأسلاف يُمثل الحِمني، فهو مثال حي لأصالة الإنسان اليمني الريفي الفريد، ذلك الإنسان المتعلق دوما بتراثه وأرضه. تبرُز في الحمني المعالم والصفات العتيقة في الشخصية الريفية، والتي ما عادت حاضرة كثيرا في مشهد الحياة، بفعل التنميط الذي جلبته التكنولوجيا والتقنية ووسائل العولمة، والذي بدد الكثير من خصوصيات الهوية.

 

ويجسد نموذجا جماليا من بأس شيخوخة لا تزال تقاوم الأفول. وفي كُليّته هو مشهد حي مما تبقى من أثر الأسلاف، ففيه لا تزال حية تلك البواعث الفطرية التي ما عادت مألوفة.

 

ما عاد الناس في المناطق الريفية يكترثون لحماية أشجار سقيمة في جبال بعيدة. وعلى النقيض منهم يفكر الحمني مكرسا نفسه طوال الوقت للانهمام بالجبل وحراسه الأشجار من الحاطبين، وبفضله تحتفظ تلك المنطقة اليوم بغطاء نباتي لافت يُضفي مظهرا جماليا عليها، لا يتوفر في المناطق الأخرى المجاورة.

 

يُسر الحمني بزوّاره القلائل الذين يفدون إليه إلى الجبل، يشاركونه بعض الطعام والقات، ويتلقون في المقابل الطرائف والمرح وتشريف مُلامسة الماضي. ويتحدد مشهد حياته اليوم في الإقامة بين تلك التلال، رفيقا للأشجار، ينعم في المساحات الخالية.

 


المصدر: الموقع بوست

كلمات دلالية: اليمن تعز قصة إنسانية لا تزال الذی ی

إقرأ أيضاً:

هل لا تزال إيران قوية بعد الحرب؟

في مقالنا الأخير المنشور هنا قبل أسبوع، كان العنوان (لا تنتظروا نعى إيران)، وكانت الحرب الأمريكية على إيران تصعد إلى ذروتها، وكان مضى أكثر من أسبوع قصف إسرائيلي متصل بمئات القاذفات الأمريكية، وكنا بانتظار دور القاذفات الأمريكية الشبحية الأضخم من طراز «بي 2 «، وأطلق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الهجوم الأكثر ترويعا في التاريخ، واستخدم أغلب مخزون أمريكا من أم القنابل «جي. بي . يو 57»، سقطت 14 قنبلة منها على منشآت إيران النووية العلنية في «نطنز» وأصفهان» و»فوردو» بالذات، أضيف إليها 30 صاروخ كرروز من نوع «توماهوك» أطلقت من البحر، وفي الهجوم الأقسى تاريخيا، شاركت سبع قاذفات «بي 2»، ومعها حشد هائل من 125 طائرة حماية وطائرات تزود بالوقود في الجو.

وبعد انجلاء غبار الهول الجحيمي، بدا أن شيئا جوهريا لم يتغير، لا في إيران ولا في منشآتها النووية، فقد كانت إيران على علم بالضربة الأمريكية غير المسبوقة، تماما كما كانت واشنطن على علم مسبق بالضربة الإيرانية الرمزية على «العديد» أكبر قواعد أمريكا الجوية في المنطقة، بعدها كانت نهاية الحرب إلى حين، وقد أعلنها ترامب على طريقة «حفظ الله إسرائيل وحفظ الله إيران» ، والتزم بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي بقرار ترامب وقف النار، بعد توجيه إيران لصاروخها الأخير إلى «بير سبع» ، ثم إعلانها هي الأخرى التوقف عن قصف الكيان المحتل.

وبعد المشاهد الأخيرة المفرطة في عبثيتها وهزليتها، كان ترامب، كما نتنياهو يواصلان معزوفة النصر البائس، كان نتنياهو يكرر مزاعمه عن النجاح المدوي لعملية «الأسد الصاعد»، لكنه اضطر بعدها بقليل لصناعة «فيديو» حزين، كان سببه عملية «كتائب القسام» جنوب خان يونس، التي أودت بحياة سبعة من ضباط وجنود جيش الاحتلال، وجرحت أضعافهم في كمين عبقري مركب، كانت الصدمة كاشفة لخواء تباهي نتنياهو بالنصر على إيران وحلفائها، وكما كان بؤسه، كان معلمه ترامب يتلقى الصفعات بدوره.

وكانت تقارير أجهزة المخابرات الأمريكية تتسرب وتفسد عليه متعة حركاته وأقواله البهلوانية الاستعراضية، وتؤكد خطأ مزاعمه في النجاح الساحق للضربة الأمريكية، وأنها قضت تماما على البرنامج النووي الإيراني إلى الأبد، بينما كانت شبكة «سي.إن.إن» الأمريكية تنقل عن تقارير جهاز مخابرات الدفاع، أن الضربة الأمريكية لم تدمر المكونات الأساسية للبرنامج النووي الإيراني، وأنها قد تكون عطلته فقط لأسابيع أو لشهور على الأكثر، مما زاد من غضب ترامب، الذي اندفع إلى وصلة شتائم وبذاءات صاخبة ضد تقارير المخابرات والإعلام الأمريكي.

وراح ينشر ضجة إعلامية معاكسة بفيديو موسيقى وأغنية على منصته الخاصة «تروث سوشيال»، عنوانها «اقصف إيران»، تقول كلماتها «اقصف إيران. سأخبر آية الله (يقصد خامنئى) بأنني سأضعه في صندوق. العم سام (رمز أمريكا) ساخن جدا. سيحول إيران إلى موقف سيارات» (!)، وهكذا بدا ترامب بطبع «البلياتشو» في تكوينه، وكأنه يعوض عن بؤس الوقائع المرئية، ويصطنع نصرا ساحقا في خياله وفيديوهاته وأغانيه، بينما الدنيا كلها، وفي أولها مخابرات بلاده وصور أقمارها الصناعية تثبت أن أضرارا حلت فعلا بمواقع البرنامج النووى الإيراني، لكنها لم تدمر البرنامج الإيراني قطعا، فقد نجحت إيران فى نقل 400 كيلوغرام يورانيوم مخصب بنسبة 60 في المئة بشاحنات قبل الضربة الأمريكية بثلاثة أيام، وبالذات من منشأة «فوردو» المحصنة تحت الجبل، كما نقلت إيران آلاف أجهزة الطرد المركزي من الجيل السادس.

وكانت إيران قد أبلغت الوكالة الدولية للطاقة الذرية قبل الحرب بعزمها إنشاء موقع تخصيب جديد لم تفصح عن مكانه، والمعنى ببساطة أن قصة البرنامج النووي الإيراني لا تزال على الطاولة، وأن حرب الأيام الإثنى عشر على ضراوتها الفتاكة، لم تحقق هدفها الأول المعلن في واشنطن وتل أبيب، بينما يؤكد الجانب الإيراني على لسان محمد إسلامي، رئيس هيئة الطاقة الذرية الإيرانية، أن إعادة تأهيل المواقع النووية الإيرانية تجري كما كان مخططا لها مسبقا، ولا تتحدث المصادر الإيرانية الرسمية طبعا عن مواقع البرنامج النووي الموازي، وإن كان الأرجح في ما نظن، أن يستمر البرنامج الإيراني في مواقع سرية جديدة وربما تتعامل إيران مع ما جرى من ضرر لمنشآتها النووية على نحو آخر، تستفيد فيه من مخزونها من اليورانيوم المخصب بنسبة الستين في المئة.

وربما تزيد نسبة التخصيب إلى 93 في المئة اللازمة لصنع نحو عشر قنابل ذرية سريعا، وتوقف العمل بالفتوى المحرمة لصناعة القنابل الذرية، وعلى قاعدة الضرورات التي تبيح المحظورات، ولو فعلت وعلقت التزامها بضمان التفتيش كما قرر البرلمان الإيراني، أو انسحبت من معاهدة حظر الانتشار النووي فقد تتم المفارقة التاريخية فصولها، ويكون لترامب فضل لم يقصده على إيران، فقد كان انسحاب ترامب من الاتفاق النووي عام 2018 مفيدا للبرنامج الإيراني.

وسمح برد إيراني زاد نسبة التخصيب من 3.67 في المئة المتفق عليها إلى نسبة الستين في المئة وأكثر، ثم قد تكون ضربة ترامب الاستعراضية للمنشآت النووية سببا دافعا لتسريع حيازة إيران للقنابل الذرية، بعد أن أدركت طهران أنه لا معنى للتلكؤ ولا للتفاوض، وأنه يمكنها السير على طريق الهند وباكستان وكوريا الشمالية وإسرائيل ذاتها، وكلها أطراف نووية باتت غير ملتزمة أو غير موقعة على معاهدة الحظر النووي، وقد لا تحتاج إيران إلى أي عون نووي من طرف آخر، فلديها معارفها وصناعاتها النووية المتقدمة، وعندها جيش هائل بعشرات الآلاف من العلماء والمهندسين والفنيين النوويين، ولا تؤثر فيها خسارة عشرات من أكبر العلماء النوويين، على نحو ما جرى فى الحرب الأخيرة وقبلها.

وقد لا يجادل أحد في خسارات وضربات فادحة تلقتها إيران ، فقد تلقت ضربة «قطع رأس» في الدقائق الأولى للحرب الأخيرة، وفقدت العشرات من كبار القادة العسكريين والنوويين، وتبين أن الاختراق الأمني للداخل الإيراني بلغ حدودا مفزعة، وأن جيوش الجواسيس هربت وصنعت عشرات آلاف المسيرات في الداخل الإيراني، إضافة لاستخدام سلاح الجو الإسرائيلي لقواعد أمريكية في سوريا والعراق بالذات، لكن القيادة الإيرانية على كثرة صور معارضاتها العرقية والاجتماعية والثقافية، أثبتت صلابة مذهلة، وتمكنت من استعادة زمام المبادرة في الحرب بعد ساعات قليلة.

وبدأت ضرباتها الصاروخية على كيان الاحتلال في مساء يوم ضربة المفاجأة الأولى ونقلت حمم الدمار الواسع إلى قلب الكيان، ورغم كل ما قيل وهو صحيح عن ضعف الدفاعات الجوية الإيرانية، وانفتاح السماء الإيرانية لطائرات القصف الإسرائيلي الأمريكي ، وشن ضربات متوالية عنيفة على منشآت إيران النووية والعسكرية والمدنية، وارتقاء مئات الشهداء والمصابين الإيرانيين.

لكن الصمود الإيراني امتص كل الضربات المعادية، وبما فيها الغارة الأمريكية الأخطر في التاريخ، ونجح في نقل حرائق النار إلى قلب الكيان طولا وعرضا، من مستعمرة «المطلة» في الشمال إلى «بير سبع» و»إيلات» فى الجنوب، ووضع ملايين الإسرائيليين اليهود في الملاجئ طوال أيام الحرب، ودفع مئات الآلاف منهم إلى الهرب وشل كل جوانب الحياة في «إسرائيل»، وتحويل مناطق كثيرة في «تل أبيب» وما حولها، وفي «حيفا» نزولا إلى «أسدود» و»النقب» والقواعد الجوية ومصافي البترول ومعاهد البحث ومراكز المخابرات، حول القصف الإيراني الصاروخي أغلب هذه المناطق والمباني إلى مواقع منكوبة بالدمار.

وعلى نحو لم يحدث أبدا في سيرة كيان الاحتلال، وقد يكون العدو الأمريكي الإسرائيلي نجح في خداع ومفاجأة الضربة الأولى فجر 13 يونيو/حزيران 2025 ، لكن الرد الإيرانى جعل نجاح العدو مجرد سبق تكتيكي، زادت الاختراقات الأمنية الواسعة من خطورته، بينما بدا النجاح الإيراني استراتيجيا باهرا، قهر كل أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلي الأمريكي، وجعل من أنظمة «ثاد» و »مقلاع داود» و»حيتس» و»القبة الحديدية» أساطير مهشمة ومزحات ثقيلة، وكان تطور الصواريخ الإيرانية مفاجأة الحرب الكبرى، وقد جرى استخدام مدروس متدرج لها، وزادت نسبة اختراقها وإفشالها لما يوصف بأنه أفضل نظام دفاع جوي في العالم، وجعلت الصواريخ الإيرانية الأحدث سماء إسرائيل عارية، وحققت صواريخ إيران الفرط صوتية الدقيقة أثرا مرعبا، وصارت أسماء صواريخ إيران «فتاح» و»سجيل» و»خيبرشكن» و»خرمشهر» وغيرها، وبالذات الأجيال متعددة الرؤوس التفجيرية منها، صارت هذه الأسماء أبطال ونجوم الدرجة الأولى في الدراما الحربية المفتوحة، وبدت كأنها أكثر خطرا من صواريخ أمريكا وأم قنابلها «جى.بى.يو57» .

وبالجملة، فلم يحقق العدوان الأمريكي الإسرائيلي أي نصر مؤكد، لا في تفكيك البرنامج النووي ولا البرنامج الصاروخي، ولا في تهديد بقاء النظام الإيراني، ولم تهزم إيران طبعا، بل بدت في الوضع الأقوى بعد الحرب داخليا وإقليميا.

القدس العربي

مقالات مشابهة

  • 6 حرائق لا تزال مشتعلة .. تركيا تواصل معركتها مع النيران
  • الأهلي ينافس الهلال على ضم خالد الغنام
  • فرح الجبل الأخضر
  • حارس أمني ينهي حياته لأسباب مجهولة في بغداد
  • جبالي: لا يمكن ترك مواطن بلا مأوى أو يزاح عن مسكنه دون بديل آمن
  • رئيس النواب عن قانون الإيجار القديم: لن يترك مواطن بلا مأوى أو أن يزاح عن مسكنه دون بديل آمن
  • 700 طن قمح تصل إلى صوامع السبينة بريف دمشق
  • رئيس مجلس صفرو يخصص 70 مليون لتشطيب العشب وغرس الأشجار
  • افتتاح مركز متخصص للعيون في بابسقا بريف إدلب
  • هل لا تزال إيران قوية بعد الحرب؟