هل الإنحراف اليسير في القبلة يبطل الصلاة؟ رأي الشرع
تاريخ النشر: 23rd, December 2023 GMT
ورد إلى دار الإفتاء المصرية، سؤال يقول (ما هي درجة الانحراف المسموح بها في القبلة؟ حيث إن المسجد قائم، والقبلة فيه تنحرف 13 درجة يمينًا؟
وأجابت دار الإفتاء على السؤال، بأن الانحراف المسموح به عن سَمْتِ الكعبة هو الذي لا يزيد على خمسة وأربعين درجة يمينًا أو شِمالًا؛ لأن المطلوب ممن لا يرى عين الكعبة أن يتوجه إلى جهتها لا إلى عينها؛ لقول الله تعالى: ﴿فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ [البقرة: 144].
وعلى ذلك: فالنسبة المذكورة داخلة في الحد المسموح به شرعًا في اتجاه القبلة، ولا يلزمكم تغييرُ الاتجاه الحالي.
وأكدت أن استقبال القبلة حال الصلاة واجب مأمور به في قوله تعالى: ﴿فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ﴾ [البقرة: 144]. والمقصود من استقبال القبلة التوجه إلى عين الكعبة لمن كان في المسجد الحرام، والتوجه إلى المسجد الحرام لمن كان في مكة، والتوجه إلى مكة لمن كان خارجها، كما روى البيهقي في "السنن الكبرى" (2/ 9، ط. مجلس دائرة المعارف النظامية بالهند) عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعًا: «البيت قبلةٌ لأهل المسجد، والمسجد قبلةٌ لأهل الحرم، والحرم قبلةٌ لأهل الأرض في مشارقها ومغاربها مِن أمتي».
والذي عليه العمل والفتوى: أن من بَعُد عن الكعبة فإنه يكفيه التَّوَجهُ إلى جهتها؛ لِما رواه ابن أبي شيبة والترمذي وابن ماجه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَا بَيْنَ المشرِقِ والمغرِب قِبْلَةٌ»، وقد صححه الترمذي، وقوَّاه الإمام البخاري. ورواه أيضًا الدارقطني في "السنن"، والحاكم في "المستدرك"، والبيهقي في "السنن الكبرى" من حديث ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعًا، قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين.
ولِمَا رواه البخاري ومسلم وغيرهما من حديث أبي أيوبَ الأنصاري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِذَا أَتَيْتمُ الْغَائِطَ فَلَا تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ وَلَا تَسْتَدْبِرُوهَا، وَلكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا»، وبوَّب الإمام البخاري في "صحيحه" بقوله: (باب قبلة أهل المدينة وأهل الشام والمشرق، وليس في المشرق ولا في المغرب قبلة؛ لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ بِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ، وَلكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا»).
وعلى ذلك نص جمهور الفقهاء من علماء المذاهب المتبوعة:
قال العلامة ابن عابدين الحنفي في "رد المحتار على الدر المختار" (1/ 430، ط. دار الفكر): [فعُلِمَ أن الانحراف اليسير لا يضر، وهو الذي يبقى معه الوجه أو شيء من جوانبه مسامتًا لعين الكعبة أو لهوائها، بأن يخرج الخط من الوجه أو من بعض جوانبه ويمر على الكعبة أو هوائها مستقيمًا، ولا يلزم أن يكون الخط الخارج على استقامة خارجًا من جبهة المصلي، بل منها أو من جوانبها كما دل عليه قول الدرر من جبين المصلي، فإن الجبين طرف الجبهة وهما جبينان، وعلى ما قررناه يحمل ما في الفتح والبحر عن الفتاوى من أن الانحراف المفسد أن يجاوز المشارق إلى المغارب، فهذا غاية ما ظهر لي في هذا المحل، والله تعالى أعلم] اهـ.
وبناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فالنسبة المذكورة داخلة في الحد المسموح به في اتجاه القبلة شرعًا، وحينئذٍ فلا يسمَّى ذلك انحرافًا عن التوجه للقبلة، ويصدق عليكم بذلك أنكم مستقبلون للقبلة شرعًا، وعلى القائمين على المسجد إبقاء الوضع على ما هو عليه؛ استغلالًا لمساحة المسجد كلها، واستغلالًا لمحرابه، ولا يلزمكم تغييرُ الاتجاه الحالي.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: دار الإفتاء الانحراف القبلة المسجد رضی الله الله عن
إقرأ أيضاً:
هل يجوز الخروج من المنزل على جنابة؟.. لا إثم عليك بهذه الحالة
الكسل أو العجلة أحدهما أو كلاهما، قد يتسبب في طرح سؤال هل يجوز الخروج من المنزل على جنابة ؟، باعتباره أحد الأحوال التي تشمل عدد ليس بقليل من الناس الذين قد يضطرون إلى الخروج إلى أعمالهم دون الاغتسال من الجنابة، ولعل هذا ما يطرح السؤال عن هل يجوز الخروج من المنزل على جنابة ؟.
قالت دار الإفتاء المصرية، إنه إذا ما حصلت الجنابة فينبغي المسارعة إلى الطهارة منها ما استطاع إلى ذلك سبيلًا، ويجوز له الخروج لقضاء حوائجه والتصرف في بعض شئونه.
وأوضحت " الإفتاء" في إجابتها عن سؤال: هل يجوز الخروج من المنزل على جنابة؟، أنه ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يدل على أن الجنب ليس بنجس؛ فقد روى الإمام البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: لَقِيَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم وَأَنَا جُنُبٌ، فَأَخَذَ بِيَدِي، فَمَشَيْتُ مَعَهُ حَتَّى قَعَدَ، فَانْسَلَلْتُ، فَأَتَيْتُ الرَّحْلَ فَاغْتَسَلْتُ، ثُمَّ جِئْتُ وَهوَ قَاعِدٌ، فَقَالَ: «أَيْنَ كُنْتَ يَا أَبَا هِرٍّ؟» فَقُلْتُ لَهُ، فَقَالَ: «سُبْحَانَ اللهِ، يَا أَبَا هِرٍّ، إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يَنْجُسُ».
وأشارت إلى أن فقهاء الشافعية والحنابلة استحبوا للجنب أن يتوضأ ويغسل فرجه إذا أراد النوم أو الطعام أو معاودة الجماع، وعليه يستحب للجنب أن يتوضأ إذا أراد أن يشرع في أي عمل وهو جنب، ولفقهاء المالكية في وضوء الجنب إذا أراد النوم قولان؛ أحدهما بالوجوب والآخر بالندب، أما فقهاء الحنفية فيرون أن الجنب له أن ينام بلا وضوء.
واستشهدت الإفتاء بما روي عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها قالت: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم يَنَامُ وَهُوَ جُنُبٌ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَمَسَّ مَاءً»، ويرون كذلك أنه ينبغي على الجنب أن يغسل يده ويتمضمض إذا أراد أن يأكل أو يشرب؛ قال في المرجع السابق نفسه: «وإن أراد أن يأكل، أو يشرب فينبغي أن يتمضمض، ويغسل يديه ثم يأكل ويشرب».
ونوهت بأن غسل الجنابة يجب على التراخي لا على الفور، وإنما استحب بعض الفقهاء عدم تأخيره؛ لما يخشى من أثر تأخيره على النفس بكثرة الوساوس ونحوها؛ فلا يجب غسل الجنابة على الفور، إلا لإدراك وقت الصلاة؛ فلا يأثم الجنب بتأخيره الغسل في غير وقت الصلاة، وإنما يأثم بتأخيره للصلاة عن وقتها.
وأكدت أنه بناء على ذلك إنه يستحب للجنب إذا أراد معاودة الجماع أو الطعام أو النوم أن يتوضأ، وكذلك إذا اضطر للخروج من بيته ونحو ذلك، وغسل الجنابة لا يجب على الفور، فلا يكون الجنب آثمًا بتأخيره لغسل الجنابة، ما لم يؤدِّ ذلك إلى تأخير الصلاة عن وقتها».
حكم الخروج من البيت على جنابةوأفادت بأن الجنابة لغة: البُعد؛ ضد القُرب، وجنَّب الشيء، وتَجانبه، واجتنبه أي: بعد عنه، يُقال: أجنب الرجل؛ أي: أصابته الجنابة، وإنما قيل له: جُنُب؛ لأنه نُهي أن يقرب مواضع الصلاة ما لم يتطهر، فتجنَّبها وأجنَب عنها، أي: تَنحَّى عنها، وشرعًا: أمر معنوي يقوم بالبدن يمنع صحة الصلاة حيث لا مُرَخِّص.
ونوهت بأنه إذا ما حصلت الجنابة فينبغي المسارعة إلى الطهارة منها ما استطاع الجنب إلى ذلك سبيلًا، ويجوز له الخروج لقضاء حوائجه والتصرف في بعض شئونه، وقد ورد عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما يدل على أن الجنب ليس بنجس؛ فقد روى الإمام البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: لَقِيَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم وَأَنَا جُنُبٌ، فَأَخَذَ بِيَدِي، فَمَشَيْتُ مَعَهُ حَتَّى قَعَدَ، فَانْسَلَلْتُ، فَأَتَيْتُ الرَّحْلَ فَاغْتَسَلْتُ، ثُمَّ جِئْتُ وَهوَ قَاعِدٌ، فَقَالَ: «أَيْنَ كُنْتَ يَا أَبَا هِرٍّ؟» فَقُلْتُ لَهُ، فَقَالَ: «سُبْحَانَ اللهِ، يَا أَبَا هِرٍّ، إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يَنْجُسُ».
وأردفت : وهذا هو ما فطن إليه الإمام البخاري؛ حيث بوَّب في "صحيحه" (1/ 65، ط. دار طوق النجاة) بابًا لذلك فقال: (باب الجنب يخرج ويمشي في السوق وغيره، وقال عطاء: "يحتجم الجنب ويقلم أظفاره، ويحلق رأسه، وإن لم يتوضأ").
ولفتت إلى أن غسل الجنابة يجب على التراخي لا على الفور، وإنما استحب بعض الفقهاء عدم تأخيره؛ لما يخشى من أثر تأخيره على النفس بكثرة الوساوس ونحوها؛ قال العلامة ابن ميارة المالكي في "الدُّر الثمين والمورد المعين شرح المرشد المعين على الضروري من علوم الدين" (166، ط. دار الحديث، القاهرة): [وتأخير غسل الجنابة يثير الوسواس، ويمكن الخوف من النفس، ويقلل البركة من الحركات، ويقال: إن الأكل على الجنابة يورث الفقر] اهـ.
وبينت أنه لا يجب غسل الجنابة على الفور، إلا لإدراك وقت الصلاة؛ قال العلامة الشبراملسي الأقهري في "حاشيته على نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج" (1/ 209، 210، ط. دار الفكر): [قوله: (ولا يجب فورًا أصالة) خرج به ما لو ضاق وقت الصلاة عقب الجنابة أو انقطاع الحيض، فيجب فيه الفور؛ لا لذاته، بل لإيقاع الصلاة في وقتها] اهـ. فلا يأثم الجنب بتأخيره الغسل في غير وقت الصلاة، وإنما يأثم بتأخيره للصلاة عن وقتها؛ قال العلامة ابن قدامة المقدسي في "المغني" (1/ 152، ط. مكتبة القاهرة): [وليس معنى وجوب الغسل في الصغير التأثيم بتركه، بل معناه أنه شرط لصحة الصلاة، والطواف، وإباحة قراءة القرآن، واللبث في المسجد، وإنما يأثم البالغ بتأخيره في موضع يتأخر الواجب بتركه، ولذلك لو أخره في غير وقت الصلاة، لم يأثم] اهـ.
وأكدت أنه بناءً على ذلك: فلا حرج من خروج الجنب من بيته وهو على حالة الجنابة، ولا إثم عليه في ذلك، وإن كانت المسارعة إلى الطهارة أولى؛ لأن غسل الجنابة لا يجب على الفور، ولا يكون الجنب آثمًا بتأخيره لغسل الجنابة، ما لم يؤدِّ ذلك إلى تأخير الصلاة عن وقتها.