توقّع الباحثان تومر فدلون وستيفن كلور  في مقال لهما أن يكون للحرب على قطاع غزة تأثيراً سلبياً كبير على اقتصاد "اسرائيل"، بتكلفة مباشرة وغير المباشرة ستبلغ نحو 200 مليار شيكل (55.3 مليار دولار)

وقالا في مقال على موقع "نظرة عليا"، إن أحد الأهداف الرئيسية (للمقاومة) في أرجاء العالم هو المس بروتين حياة المواطنين واقتصاد الدولة التي تتم مهاجمتها، ولكن رغم جولات القتال الكثيرة مع حماس في قطاع غزة، فإن أحداثاً أمنية بارزة لم تحدث أي ضرر لاقتصاد إسرائيل منذ الانتفاضة الثانية.



ولفتا إلى أن هذا وضع يتغير الآن، في حرب “السيوف الحديدية” عقب قوة الحرب والنطاق الواسع لتجنيد الاحتياط واستمرار الحرب لأكثر من شهرين.، وفي موازاة الجبهات التي تنشط بقوة متغيرة، فإن جبهة الاقتصاد نشطة جدًا على صعيدين: الأول تمويل الحرب نفسها؛ وهذا الجانب يتعامل بالأساس مع تمويل التسلح وتجنيد الاحتياط.

والصعيد الثاني هو تكلفة الحرب غير المباشرة، التي تشمل التكلفة المتوقعة عقب الحاجة إلى إعادة إعمار النقب الغربي وإخلاء السكان من بيوتهم، ومن البلدات القريبة من الحدود مع لبنان، إلى جانب انخفاض عام في الاستهلاك نتيجة تغيير سلوك الاستهلاك في فترة الحرب، الذي يضر بالقطاع التجاري بشكل خاص.


وأشار المقال إلى أن  حرب "السيوف الحديدية" تعتبر هزة للاقتصاد الكلي، سيكون لها تأثير في السنوات القادمة، وهذا التأثير يتوقع استمراره حال تواصل القتال في جبهة واحدة بقوة مرتفعة، وذلك لعدة أسباب منها:

1- استخدام الذخيرة لتحقيق أهداف الحرب، حيث يستخدم الجيش الإسرائيلي حجم نيران أعلى من أي وقت مضى، الأمر الذي يحتاج إلى كمية كبيرة من السلاح. قوة الحرب أيضاً تقتضي استخدام المعترضات (القبة الحديدية بالأساس)، وصاروخ “حيتس 3”. حتى بداية كانون الأول، كان هناك 11 ألف عملية إطلاق على "إسرائيل" من كل الجبهات.

2- تجنيد 350 ألف جندي احتياط يخفض 7 في المئة من قوة العمل في الاقتصاد. هذا التأثير مزدوج في الواقع. فقوة العمل أيضاً يصعب استبدالها في أماكن العمل، وكذلك المدفوعات التي يجب على الدولة تحويلها لجنود الاحتياط.

3- إخلاء 125 ألف شخص يقتضي دعم السكن وتكلفة معيشة المخلين.
4- تعويضات للسكان الذين تضررت ممتلكاتهم بسبب إطلاق الصواريخ على "إسرائيل".
5- مساعدات مالية للعمال والمصالح التجارية التي تضررت بسبب الحرب، بدءاً ببدل البطالة وحتى التعويض بسبب فقدان الدخل نتيجة الحرب.
6- انخفاض مداخيل الدولة، سواء بسبب المداخيل المتدنية أكثر من ضريبة الدخل أو عقب وقف الاستثمارات الخارجية المباشرة.

وقال المقال إن الميزانية الجديدة للعام 2023- 2024، التي تتم مناقشتها الآن في الكنيست، تبلغ 510 مليارات شيكل، وتجسد ارتفاعاً يبلغ 30 مليار شيكل مقابل اقتراح الميزانية السابق.


ولفت إلى أن هناك أموال مخصصة لنفقات الحرب العسكرية، وضمنها الدفع عن أيام الاحتياط ونفقات حرب مدنية بما في ذلك إسكان المخلين.

ولا خلاف حول الحاجة إلى زيادة النفقات، حسبما يرى الكاتبان، وذلك لأنه إلى جانب نفقات الحرب الجارية، يجب على "الدولة" إعطاء تعويض مناسب لكل المتضررين من الحرب.

ومع ذلك، يبدو أن العامل الرئيسي لتمويل النفقات المتزايدة بالنسبة للحكومة الحالية هو تجنيد لدين، الأمر الذي سيزيد العجز في السنوات القريبة القادمة، بالتأكيد عقب دفع الفائدة المرتفعة حول معدل الفائدة الحالية.

إضافة إلى ذلك، ليس لدى الحكومة استعداد لاتخاذ قرارات صعبة، التي تعني خفض الميزانيات القطاعية على أنواعها وتقليص الوزارات الزائدة وتخصيص هذه الأموال للجهود الحربية.

وأكد المقال أن تخصيص هذه الأموال لا يمكن أن يوفر كل الأموال المطلوبة، لكن هذه الخطوات المطلوبة ستظهر انضباطاً مالياً مهماً جداً لإسرائيل لاعتبارات داخلية، لا سيما اعتبارات خارجية، أمام شركات التصنيف الائتماني.

وبنظرة بعيدة المدى على الاقتصاد، قال المقال إن  المستقبل سيشهد مزيجاً من بيئة أمنية مليئة بالتحديات وزيادة في النفقات الأمنية والإضرار بالاستهلاك الخاص وانخفاض الاستثمارات الأجنبية المباشرة. كل ذلك قد يكون إشارة على عقد اقتصادي ضائع كما حدث على الفور بعد حرب يوم الغفران حتى خطة تحقيق الاستقرار في العام 1985.

ومن أجل تجنب هذا السيناريو السلبي، دعا الكاتبان الحكومة إلى التحرك بمسؤولية وفي أسرع وقت لتجنبه – الحد من الأضرار المستقبلية على اقتصاد "إسرائيل" ، بكلمات أخرى، على الصعيد الاستراتيجي " إسرائيل" تفاجأت في 7 أكتوبر كما تفاجأت قبل خمسين سنة في حرب يوم الغفران وعلى الصعيد الاقتصادي، فإن اتخاذ خطوات اقتصادية صحيحة الآن ستجنبنا عقداً اقتصادياً ضائعاً مثلما حدث بعد حرب "يوم الغفران".

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية الاقتصاد الإسرائيلي طوفان الاقصي صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة

إقرأ أيضاً:

غسان حسن محمد.. شاعر التهويدة التي لم تُنِم. والوليد الذي لم تمنحه الحياة فرصة البكاء

بقلم : سمير السعد ..

في عالمٍ تُثقله الحروب وتغرقه الفواجع، تبرز قصيدة “تهويدة لا تُنيم” للشاعر العراقي غسان حسن محمد كصرخة شعرية تحمل وجع الوطن، وتجسِّد الإنسان العراقي في زمنٍ لم يعد فيه للتهويدات مكان، ولا للطفولة حضنٌ آمن. غسان، ابن العمارة ودجلة والقصب، هو شاعر يكتب بقلبه قبل قلمه، ويغزل قصائده من نسيج الوجع العراقي بأدقّ خيوط الإحساس وأصفى نبرة صدق.
يفتتح الشاعر قصيدته بمشهد يختزل حجم الانهيار الداخلي في صورة جسدية/معمارية رمزية:

“من ربّت على ظهرِ الجسر..،
حتى انفصمت عُراه.”

ليتحوّل الجسر، رمز العبور والحياة، إلى معبر نحو الفقد والانفصال، ولتمتدّ صورة اليُتم على النهر كلحن لا يُفضي إلى الوصول:

“ليمتدَّ اليتمُ على كامل النهرِ،
يعزفُ لحنَ اللاوصول؟!”

هنا لا يتحدث الشاعر عن اليتيم بمعناه الفردي، بل يُحوّله إلى حالة جماعية تسري في جسد المكان، حالة بلد بأكمله يُرَبّى على غياب الآباء، وانقطاع الحكايات.

تدخل الحرب بوصفها شخصية غاشمة، لا تنتظر حتى تهدأ التهويدة، بل تُباغت الزمن وتفتك بالطمأنينة:

“الحرب..،
الحرب..،
(لعلعةٌ..):
كانت أسرعَ من تهويدة الأمِّ لوليدها”

هكذا يضع الشاعر التهويدة، رمز الحنان والرعاية، في مواجهة مباشرة مع صوت الحرب، لنعرف أن النتيجة ستكون فاجعةً لا محالة. ولا عجب حين نسمع عن الوليد الذي لم تمنحه الحياة حتى فرصة البكاء:

“الوليدُ الذي لم يفتر ثغرهُ
عن ابتسام..”

فهو لم يعرف الفجيعة بعد، ولم يلعب، ولم يسمع من أبيه سوى حكاية ناقصة، تُكملها المأساة:

“لم يَعُد أباه باللُعبِ..,
لم يُكمل حكايات وطنٍ..،
على خشبتهِ تزدهرُ المأساة لا غير.!”

في هذا البيت تحديدًا، يكشف غسان عن قدرة شعرية مدهشة على تحويل النعش إلى خشبة مسرح، حيث لا تزدهر إلا المأساة، في تورية درامية تفتك بالقلب.

ثم يأتي المشهد الفاصل، المشهد الذي يُكثّف حضور الغياب:

“عادَ الأبُّ بنعشٍ.. يكّفنهُ (زهرٌ)
لم يكُن على موعدٍ مع الفناء.!”

فالموت لم يكن مُنتظرًا، بل طارئًا، كما هي الحرب دومًا. لقد كان الأب يحلم بزقزقة العصافير، وسنابل تتراقص على وقع الحب:

“كان يمني النفسَ
بأفقٕ من زقزقات.،
وسنابلَ تتهادى على وقع
أغنية حبٍّ..
تعزفها قلوبٌ ولهى!”

بهذا المشهد، يقرّب الشاعر المأساة من القلب، يجعل القارئ يرى الأب لا كمقاتل، بل كعاشق كان يحلم بأغنية، لا بزئير دبابة. حلمُ الأب كُسر، أو بالأدق: أُجهض، على خيط لم يكن فاصلاً، ولا أبيض، بين الليل والنهار:

“حُلم أُجهض على الخيط
الذي لم يكن فاصلاً..،
ولا ابيضَ..
بين ليلٍ ونهار”

لا زمن في الحرب، لا بداية ولا نهاية، ولا فاصل بين حلمٍ وحطام. فالحرب تعيش في الفراغ، وتُشبع نهمها من أجساد الأبناء دون أن ترمش:

“ذلك أن لا مواقيت لحربٍ..
تُشبعُ نهمَ المدافع بالأبناء..”

وفي النهاية، تأتي القفلة العظيمة، القفلة التي تحوّل الحرب من آلة صمّاء إلى كائنٍ لو امتلك عيناً، لبكى، ولابتسم الطفل:

“فلو كانَ للحربِ عينٌ تدمع.،
لأبتسم الوليد!”

ما أوجع هذا البيت! إنه انقلابٌ شعريّ كامل يجعل من التهويدة التي لم تُنِم أيقونةً لفجيعة كاملة، وابتسامة الوليد غاية ما يتمنّاه الشاعر، وكأنّها وحدها قادرة على إنهاء الحرب.

غسان حسن محمد الساعدي ، المولود في بغداد عام 1974، والحاصل على بكالوريوس في اللغة الإنجليزية، هو عضو فاعل في اتحاد الأدباء والكتاب في العراق. صدرت له عدة مجموعات شعرية ونقدية منها “بصمة السماء”، و”باي صيف ستلمين المطر”، و”أسفار الوجد”، إضافة إلى كتابه النقدي “الإنصات إلى الجمال”. شاعرٌ واسع الحضور، يكتب بروح مغموسة بجماليات المكان وروح الجنوب العراقي، وينتمي بصدق إلى أرضه وناسها وتاريخها الأدبي والثقافي.

شاعر شفاف، حسن المعشر، لطيف في حضوره، عميق في إحساسه، يدخل القصيدة كمن يدخل الصلاة، ويخرج منها كما يخرج الطفل من حضن أمه، بكاءً وشوقًا وحلمًا. هو ابن العمارة، وابن دجلة، وابن النخيل والبردي، يدخل القلوب دون استئذان، ويترك فيها جُرحاً نديًّا لا يُنسى.

في “تهويدة لا تُنيم”، لا يكتب الساعدي الشعر، بل يعيش فيه. يكتب لا ليواسي، بل ليوقظ. لا ليبكي، بل ليُفكّر. قصيدته هذه، كما حياته الشعرية، تُعلن أن الشعر ما يزال قادراً على فضح الحرب، وردّ الضمير إلى مكانه، لعلّ الوليد يبتسم أخيرًا.

سمير السعد

مقالات مشابهة

  • غسان حسن محمد.. شاعر التهويدة التي لم تُنِم. والوليد الذي لم تمنحه الحياة فرصة البكاء
  • 35 مليار دولار.. أوكرانيا ترفع قيمة إنتاج السلاح رغم الحرب
  • الاعلام الصهيوني : إسرائيل تدفع أثماناً باهضة جداً بسبب صواريخ اليمن وستدفعنا نحو الذهاب إلى وقف الحرب على غزة (تفاصيل ساخنة)
  • صحف عالمية: ترامب يهمش إسرائيل لكن دون مساعدة غزة
  • كيف كان تأثير الحرب والعقوبات على اقتصاد سوريا؟ 7 نقاط تشرح ذلك
  • 166 مليار دولار إيرادات وول مارت الفصلية.. نمو بـ 2.5 بالمئة
  • هل هي “حمى الذهب والمعادن الثمينة” التي تحرك النزاع في السودان.. أم محاربة التطرف الإسلامي؟
  • هذه الشركات التي ألغت رحلاتها إلى إسرائيل خشية صواريخ الحوثي
  • مايقارب (2) مليار دولار ستضيع على الخزينه هذا العام
  • عُمان التي أسكتت طبول الحرب