دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- لم تستخدم ديلايزا دياز صوتها حتى بلغت التاسعة من عمرها.

وخلال غالبية فترات حياتها، كانت تتواصل عن طريق اهتزاز البطانة الداخلية لخديها لتكوين الكلمات، الأمر الذي وصفته والدتها لوسيرو دياز بالصوت الحاد.

وقالت دياز، البالغة من العمر 34 عاماً وتعيش مع ابنتها في مدينة سايلم بولاية أوريغون الأمريكية: "يتطلب الأمر الانتباه بشكل وثيق للغاية لترى ما كانت تقوله".

ويستطيع فقط أفراد الأسرة فهم ما تعنيه ديلايزا جيدًا.

في أيامها الأولى، توقف قلب ديلايزا دياز ورئتاها عن العمل بشكل شبه يومي.Credit: Courtesy Lucero Diaz

وقالت دياز: "كان لديها جهاز لوحي تتحدث من خلاله، لكنها لم تحب استخدامه لأنها تقول إن لديها صوتها الخاص الذي يمكنها استخدامه".

وتعاني ديلايزا من حالة نادرة تسبب مجموعة من العيوب الخلقية التي يمكن أن تؤثر على العمود الفقري، والمجرى الهوائي العلوي، والمريء. ويقدّر الأطباء أن هذه الحالة تحدث لدى واحد لكل 10 آلاف إلى 40 ألف مولود.

وكما هو الحال مع العديد من الأشخاص الذين يعانون من هذه الحالة، كان لدى ديلايزا اتصالا غير طبيعيا بين مجرى الهواء والمريء، يُعرف في الطب باسم النّاسور.

وأوضح طبيب الأنف والأذن والحنجرة لدى الأطفال في جامعة أوريغون للصحة والعلوم، الدكتور ديريك لام، وهو طبيب ديلايزا منذ 10 أعوام، أنها ولدت "بشكل أساسي بدون فتحة بالحنجرة الصوتية والجزء العلوي من قصبتها الهوائية أيضًا".

وشرح أنه في الأساس، كان هناك غضروف صلب في المكان الذي من المفترض أن تكون فيه فتحة القصبة الهوائية، مضيفًا أن "غالبية الأطفال الذين يولدون بهذه الحالة لا يبقون على قيد الحياة".

وفي اليوم الثاني فقط من حياتها، أجرى لام عملية جراحية لديلايزا لتثبيت مجرى الهواء لديها.

وقال لام: "لقد كانت حالتها غير مستقرة إلى حدٍ ما، إذ لبعض الوقت، توقف قلبها ورئتاها عن العمل بشكل شبه يومي، وكانت بحاجة إلى الإنعاش"، موضحًا: "لذلك لم أكن متأكداً من أنها ستنجو".

وفي نهاية المطاف، تمكن من إصلاح الاتصال غير الطبيعي، وتمكنت الطفلة أخيرًا من العودة إلى منزل عائلتها عندما كان عمرها 5 أشهر.

واستطاعت ديلايزا التنفس بمساعدة أنبوب موجود في حلقها، لكن الغضروف منع أيضًا أحبالها الصوتية من الاهتزاز والكلام، إذ لم يكن هناك فتحة من خلال أحبالها الصوتية.

وأشار لام إلى أنه "كان من الممكن أن تعيش حياتها بسهولة" بمساعدة أنبوب التنفس ولكن بدون صوت. ولكنه كان مصمماً على منحها خياراً أفضل، إذ كان يعلم أن الأشخاص الذين يفقدون صندوق الصوت الخاص بهم بسبب السرطان يمكنهم تعلم التحدث باستخدام المريء.

وأوضح أن الأمر أشبه بتوليد الصوت عن طريق التجشؤ المستمر. وهو ما يُسمى بخطاب المريء.

وقد كان بمثابة خيار غير جراحي لتجنب مخاطر الجراحة، لكنه لم يتمكن من العثور على أي شخص يعرف كيفية تعليم الكلام المريئي للأطفال.

وبدلاً من ذلك، قرروا إجراء عملية جراحية نادرة ومعقدة لإعادة بناء صندوق الصوت الخاص بديلايزا. وأكدّ لام أنه كان قرارًا صعبًا، بسبب المخاطر التي ينطوي عليها الأمر.

بالإضافة إلى إنتاج الكلام، تُعد الحبال الصوتية الحامي الرئيسي للممرات الهوائية أثناء البلع. وإذا لم تتم الجراحة بشكل صحيح، فقد ينتهي الأمر بتعريض مجرى الهواء للخطر، والتدخل في قدرتها على البلع. وهذا من شأنه أن يزيد من خطر وصول الطعام أو السوائل إلى رئتيها والتسبب في العدوى.

وقال لام إنه تحدث مع عائلة ديلايزا لسنوات حول ما إذا كان هذا هو القرار الصحيح وما هو التوقيت المناسب. وقد حددوا هدفًا للقيام بذلك قبل أن تبدأ ديلايزا المدرسة، لكنها كانت في حالة جيدة لدرجة أنهم قرروا في النهاية تأجيل العملية.

وقالت دياز إن ابنتها عانت حقًا عندما انتقلت إلى التعلم عن بعد خلال جائحة "كوفيد-19"، إذ تكره ديلايزا الجلوس ساكنة، وقد جعلت الفصول الافتراضية التواصل أكثر صعوبة بالنسبة لها.

وقد أجريت الجراحة أخيرًا في خريف عام 2022، قبل يوم ميلاد ديلايزا التاسع مباشرةً.

واستغرقت العملية حوالي ثماني ساعات، قام لام خلاها بإزالة الغضروف غير الطبيعي الموجود في الجزء العلوي من القصبة الهوائية لديه، وحفر ثقبًا بين أحبالها الصوتية لتتمكن من التحرك، واستخدم غضروفًا إضافيًا من أحد أضلاعها لبناء صندوق صوت جديد أكبر لها، وربطه بالجزء العلوي من القصبة الهوائية لديها.

كما قام أيضًا بإدخال أنبوب دائري يُسمى الدعامة لإبقاء صندوق الصوت الجديد مفتوحًا. وبقيت الدعامة في مكانها لمدة تسعة أشهر لضمان عدم تشكل أي ندبة وإغلاق حلقها.

وتعمل إحدى حبال ديليزا الصوتية الآن بشكل كاف، حيث يمكنها - لأول مرة - تعلم التحدث بشكل طبيعي.

وقال لام: "لديها حبل صوتي واحد يعمل بشكل جيد الآن وآخر لا يعمل، ولكن يبدو أنها قادرة على التعويض بدرجة كافية بالحبل الذي يعمل بشكل جيد، حيث لا يزال بإمكاننا تحقيق الأهداف التي نريدها".

وأشار لام إلى أن ديلايزا تخضع لإشراف معالجي الصوت لمدة شهرين قبل أن يعاينها مرة أخرى ويسمعها تتحدث للمرة الأولى.

وقال: "لقد كانت تلك لحظة رائعة حقًا، ومثيرة حقًا بالنسبة لي".

أما إحدى العبارات الأولى التي تعلمت ديلايزا قولها كانت: "أحبك يا أمي".

وتتذكر دياز أن طفلتها كانت تستخدم يديها لتقول "أنا أحبك". ولكن عندما قامت بنطقها، كان الأمر مثيرًا بالنسبة لها.

مع ذلك، صوت ديلايزا لا يزال منخفضًا وخشنًا.

ولا تزال والدتها تتفاجأ عندما تسمع صوتها في جميع أنحاء المنزل. وأضافت أن ابنتها تتمتع بصوت قوي "مثل صوت شخص كبير السن".

ويأمل لام أن يتحسن صوت ديلايزا مع الممارسة، قائلاً: "أعتقد أنها تستطيع التواصل بوضوح بشكل أفضل عندما تستخدم صوتها الجديد مقارنة بالطريقة التي كانت تتحدث بها من قبل".

وبفضل الجراحة، قد يتم إخراج الأنبوب البلاستيكي، الذي يساعدها على التنفس، من حلقها في يوم من الأيام.

المصدر: CNN Arabic

كلمات دلالية: صحة الأطفال

إقرأ أيضاً:

بين الأمل والخداع.. كيف يتلاعب المحتالون بمشاعر ذوي المفقودين في سوريا؟

دوما، ريف دمشق – جلست تضرب كفا بكف حسرة على ما أنفقت من أموال طائلة ذهبت أدراج الرياح في سبيل معرفة أخبار عن فلذة كبدها، الذي اختفت آثاره في عام 2012 بعد اعتقاله من نقطة تفتيش في ريف دمشق.

لكنها اكتشفت أخيرا أن ما تعلقت به كان مجرد سراب، وأنها وقعت ضحية عصابات احتيال تقدر منظمات حقوقية أنها سطت على نحو مليار دولار أميركي من أموال ذوي المفقودين والمختطفين قسرا بسوريا، في عمليات خداع مستمرة حتى بعد سقوط النظام، كما يقول حقوقيون.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2منظمة حقوقية تكشف معاناة الأطفال بسوريا وتدعو لإطار قانوني يحميهمlist 2 of 2هكذا يعاقب الاحتلال بلدة بيت أُمّر شمالي الخليلend of list

لا تريد سلمى العقبة -اسم وهمي- الكشف عن هويتها، وترفض إبداء الأسباب، وتقول إنها تحتسب تلك الأموال -7 ملايين ليرة سورية- عند الله، وتكل إليه مصير ابنها المفقود.

قصة من قصص أخرى كثيرة تحدثت عن أن نظام الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد ضالع أيضا في تلك العمليات، وأنه كان يدعم مؤسساته الأمنية من جيوب ذوي المعتقلين.

فهذه لمياء العبد الله كادت تسقط في الفخ لولا أنها كانت أكثر حذرا، فقد "طلعت صاحية" كما تقول، بعد أن اكتشفت تلعثما في كلام المحتال الذي تظاهر بأنه ضابط، حين دققت معه في صفات ابنها المفقود، فما كان منه إلا أن "هرب".

وكان اللقاء مع سلمى ولمياء على هامش اجتماع دعت له الهيئة الوطنية للمفقودين في سوريا حذرت فيه من الخضوع لعمليات الاحتيال تلك، أو مشاركة أي بيانات شخصية أو معلومات مع أي جهة خارج إطار الهيئة الوطنية للمفقودين.

لمياء العبد الله لا تزال بانتظار معرفة مصير ابنها المفقود بعد اعتقاله في سجون الأسد (الجزيرة)تحذيرات من آثار خطيرة

ويؤكد الرئيس المؤسس المشارك لـ"رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا" رياض أولار، استمرار الظاهرة حتى اليوم، ويحذر من "آثارها الكارثية الخطيرة على السلم الاجتماعي" في سوريا.

ويقول في حديث لمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسان بشبكة الجزيرة، إن تلك العصابات التي "تتلاعب بمشاعر الأهالي" تنقل أحيانا لأهالي المفقودين أنباء كاذبة بمعرفة مصير أبنائهم، وأنهم إما نقلوا قُبيل أو إبان سقوط النظام إلى الساحل السوري أو إلى العراق أو إيران أو إلى مناطق سيطرة حزب الله في لبنان، وهو ما يؤدي إلى تعلق ذوي المفقود بأمل زائف ويحدو بهم إلى الدفع في غير طائل.

إعلان

وبشأن مخاطرها على تماسك الأسر، يقول أولار إن الأمهات غالبا ما يكافحن للدفع في مقابل معارضة باقي الأسرة أو أحد أفرادها، وقد يرفض الدفع والخضوع للابتزاز أحد القادرين من العائلة -كشقيق المفقود مثلا- فيتهم من الباقين بالبخل وهو ما يؤدي لسريان الشحناء والبغضاء داخل الأسر، وفق تعبيره.

وعلى هامش اللقاء الذي أقامته "الهيئة الوطنية للمفقودين" مع الأهالي في دوما بريف دمشق، أكد أحد المنظمين استمرار ظاهرة الابتزاز تلك.

وقال، متجنبا ذكر اسمه وصفته لكونه غير مخول له بالحديث لوسائل الإعلام، "الدولة السورية تتعامل مع ذلك بكل حزم، وهذه الأمور تأخذ مجراها القانوني وشرحنا لأهالي المفقودين أهمية الحذر من هذه المنصات والجهات التي تتداول بعض هذه الأخبار".

أولار حذر من الآثار الكارثية الخطيرة لعمليات الاحتيال على أهالي المفقودين (الجزيرة)خسارة ملايين الدولارات

وخلال سنوات حكم النظام الساقط، كان الأمر منصبا على قدرة المبتز على إخلاء سبيل المعتقل، أو نقله إلى سجن مدني، أو تأمين زيارة له في مكان احتجازه، أو إعادة محاكمته، وقد يتم ترتيب مكالمة وهمية معه بخطوط اتصال رديئة تمنعهم من تبين الحقيقة فيكتشفون لاحقا، بعد أن دفعوا كل ما بحوزتهم، أن العملية كانت مجرد خداع.

واستخدم نظام الأسد المعتقلين والمخفيين قسرا "وسيلة لجني ومراكمة الثروات وزيادة نفوذ الأجهزة الأمنية وقادتها والنافذين في حكومته وبعض القضاة والمحامين"، حسب رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا.

وتقدر الرابطة حجم الأموال التي جنتها شبكات الاحتيال تلك، ومن ضمنها رجال أمن وضباط في الجيش وبعض القضاة والمحامين، بأكثر من 900 مليون دولار أميركي خسرتها العائلات منذ العام 2011 وحتى نهاية العام 2020.

وفي أغسطس/آب الماضي، أعلن رئيس الهيئة الوطنية للمفقودين في سوريا أن عدد الأشخاص الذين فقدوا خلال عقود من حكم عائلة الأسد وخلال سنوات الثورة السورية قد يتجاوز 300 ألف شخص.

مقالات مشابهة

  • السودان.. البرهان يرفض الورقة الأمريكية ويؤكد عزم الجيش استعادة الأراضي
  • كوبانية أم هارون في أراضي النقاع.. بؤرة استيطانية في الشطر الغربي من الشيخ جراح
  • رئيس لجنة متابعة الغربية: الانتخابات تتم بشكل منتظم وشكوى اليوم كانت غير صحيحة
  • اختراق علمي جديد.. استعادة البصر لمرضى كسل العين
  • سماعات Buds 4 Pro من سامسونج تساعدك في العثور على هاتفك المفقود
  • كيف يُمكن لمبدأ المعكرونة والجبن أن يُساعد في مكافحة مرض الزهايمر؟
  • تعلن محكمة غرب الأمانة بأن الأخ/ حمدي علي الصماط تقدم إليها بطلب تنصيبه عن والده المفقود
  • المنخفض المفقود
  • الأهلي يصطدم بشبيبة القبائل في انطلاقة نارية بدوري الأبطال.. بث مباشر وموعد المباراة
  • بين الأمل والخداع.. كيف يتلاعب المحتالون بمشاعر ذوي المفقودين في سوريا؟