سودانايل:
2025-05-24@20:31:43 GMT

عودة إلى المعطيات وفرص الحل

تاريخ النشر: 29th, December 2023 GMT

بسم الله الرحمن الرحيم و أفضل الصلاة و أتم التسليم على سيدنا محمد.

الحرب الدآئرة الآن تسببت في الكثير من المآسي ، و أورثت الشعوب السودانية معاناة عظيمة ، و تحاول جهات عديدة و لأغراض و منطلقات شتى إستمرارها أو إيجاد حل لها ، و يمكن فرز الجهات إلى معسكرين:
(أ)- معسكر إستمرارية الحرب و إستدامة الأزمة:
١- مليشيات الجَنجَوِيد:
و هي مليشيات باطشة و فالتة فرضت وجودها في الساحات و الأرجآء السودانية في زمن الغفلة عن طريق القتل و الترويع و قطع الطريق و شرآء الذمم الفاسدة ، و لديها مصلحة في إستمرارية حالة الحرب و الفوضى و اللادولة ، فلا رواج لبضاعتها الخاسرة في زمن الإستقرار و الأمن و القانون ، و لهذا فسوف تقاوم كل محاولات الوفاق و الحلول بقوة السلاح و عن طريق إحداث الخوف و نشر الذعر على أوسع نطاق ، و يساندها في مسعاها المدمر كفيلها الأجنبي ، الذي وجد في مليشيات قطاع الطرق (الرَّبَّاطَة) ضآلته ، و السلاح الذي يحمي مصالحه ، و يسهل له إستنزاف الموارد السودانية.

..
و مصير هذه المليشيات المتفلتة التشظي ، و ذلك لأنها تحمل في داخلها عناصر فنآءها و المتمثلة في تركيبتها العشآئرية/الجهوية و ممارستها الهمجية اللأخلاقية ، و سوف يصاحب سقوطها فوضى و إنتهاكات و فظاعات و خراب عظيم ، و سوف يكون أمر حسمها جد عسير ، و ذلك لأنه يتطلب وجود دولة قادرة ذات سيادة و قوانين و أجهزة أمنية تمنع و تدافع و أخرى عدلية تحاسب و تعاقب ، و هو أمر يبدو غير متاح في الوقت الحاضر ، و مجرد التفكير فيه قد يصيب العقل بالشلل ، لكن الخلاصة هي أن لا دور لهذه القوة الهمجية في الأجهزة الأمنية المستقبلية ، و أن لا بد من محاسبتها...
٢- القوى الأجنبية الوالغة في الشأن السوداني:
و سوف تواصل هذه القوى مجهوداتها في إزكآء نار الحرب و إستدامة الأزمة السودانية و تجنيد العملآء المحليين الذين يسهلون لها نهب الموارد السودانية ، و مما يساعدها على النجاح في مساعيها و بلوغ أهدافها: نشاط عملآءها المحموم في إزكآء نار الحرب و إحداث حالة الفوضى و اللادولة و إحجام/تحييد القادرين من الشعوب السودانية عن أخذ زمام المبادرة...
٣- الجماعة الإنقاذية المتأسلمة (الكيزان):
جماعات التنظيم الكيزاني الشيطاني لها مصلحة حقيقية في إستدامة الحرب ، و يبدوا أنها تؤمن بأن الحرب و القتال هي الوسيلة الوحيدة المتبقية التي ربما تعيدها إلى سدة الحكم ، و الشاهد هو أن تصميم الجماعة على إستلام السلطة يفسدُ و يُعَوِّقُ كل محاولات الإصلاح و الخروج من الأزمة ، فما من مبادرةٍ صادقةٍ تلوح في الأفق إلا و بادرت تنظيمات (الجماعة) إلى تخريبها و إفسادها بالفتن و الخطاب النفاقي الإقصآئي الذي يرتدي عبآءة الدين يخفي تحتها بضاعته المتطرفة و المنفرة ، فإذا ما ذكر الوفاق الوطني تقافزت الجماعة (الكيزان) إلى حشر تنظيماتها في المحافل ، و شرعت في أعادة شريط خطاباتها السمجة عن: شرع الله و العلمانية و الكفر و الإلحاد و العمالة و الإرتهان للأجنبي ، و إذا ما تداعت الناس إلى نصرة الجيش سارعوا إلى المناداة بمعارك الشرف و الكرامة و ترديد شعارات إراقة الدمآء عن طريق: البَلْ و الجَغِم و المَتِك!!! ، و إذا ما دُعِيَ الناس و استنفروا إلى المقاومة الشعبية تسللوا بين الصفوف و صعدوا إلى المنابر و نعقوا نفاقاً و تقيةً بالشعارات و الأناشيد الجهادية...
لذا فإن أول خطوات الحلول الجآدة تستلزم إستبعاد تنظيمات الجماعة (الكيزان) المضلة و الفاسدة عن الساحتين السياسية و العسكرية ، و عزلها و تعطيلها إلى حين حلول ميعاد محاسبتها على ما إرتكبته من الفساد و الجرآئم في حق الشعوب السودانية...
(ب) معسكر إيقاف الحرب و السلام:
و يضم المعسكر الجهات التي سوف تربح من حالة الإستقرار
١- الأجهزة الأمنية:
و لا بد للدولة القادرة من أن تمتلك أجهزة تشريعية و تنفيدية و أمنية و قضآئية فاعلة ، لكن جميع أجهزة الدولة السودانية تراوح الآن ما بين المعاناة و الإعطاب و الغياب ، فالأجهزة الأمنية و في مقدمتها القوات المسلحة تمر بمرحلة إنعدام وزن و تخبط عظيم على مستوى قياداتها و عملياتها ، و هي في أمس الحاجة إلى عقول راجحة تصلحها حتى تستطيع القيام بواجباتها الأساسية/الإحترافية في حفظ الأمن و سيادة/سلامة الدولة بعيداً عن ألاعيب السياسة و إغرآءات النشاطات الإقتصادية...
أما السؤال عن الكيفية التي يحدث بها هذا الإصلاح؟ فيبدوا أن الإجابة عليه ربما يمتلكها ، في الوقت الحاضر على الأقل ، بعضٌ من منسوبي هذه الأجهزة من الذين تفوقت مرجعياتهم الأخلاقية و أجهزة مناعتهم الوطنية على فساد و جراثيم أفكار الجماعة الإنقاذية المتأسلمة (الكيزان) التي سرت و استوطنت في أوردة و شرايين تلك الأجهزة و لأكثر من ثلاثة عقود...
و هذا الإصلاح المعني عند ترجمته إلى لغة الأمن و السياسة يعني أحد أمرين لا ثالث لهما: أولهما الإنقلاب العسكري و ثانيهما التمرد على القيادة ، و ملعومٌ أن الإنقلابَ العسكري أمرٌ عصيٌ ، و أن خطوات إنجازه العملياتية في وجود حالة الفوضى و اللادولة تبدو غير قابلة للتنفيذ على أرض الواقع إن لم تكن مستحيلة ، و أما التمرد العسكري و في غياب أجهزة الدولة الفاعلة فليس سوى إضافة المزيد من الفوضى و التعقيد إلى هَردَبِيس و لامعقول الأزمة السودانية...
٢- الأحزاب السياسية و منظمات العمل المدني:
هيمنة تنظيمات جماعة الإخوان المتأسلمين (الكيزان) على أمور السياسة و الحكم في بلاد السودان ، و أساليبها الملتوية الفاسدة في ممارسة السياسة و إدارة الدولة و الأمر العام و الإقتصاد و لعقود طويلة قد أضر/أعاق كثيراً مراحل تطور و نمو الأحزاب الطبيعي ، و أفقدها المقدرة على المعارضة الفعالة و التعامل البنآء مع العمل العام و إيجاد الحلول لمشاكل الجماهير ، و قد ظهر فقر و عجز الأحزاب و فشلها جلياً خلال التجربة الإنتقالية الأخيرة ، و تنطبق ذات القاعدة على منظمات العمل المدني التي تعاني من الفوضى و سوء التنظيم ، و التي لا تخلو إداراتها و عملياتها من شبهات الفساد...
الأحزاب السياسية و منظمات العمل المدني بوضعها الراهن عاجزة و غير مؤهلة لمخاطبة هموم الجماهير ، و لا تملك المقدرة على المساهمة في إيجاد حلول للأزمة السودانية ، و هي في حوجة مآسة إلى الإصلاح و التأهيل و إعادة التنظيم ، مما يعني أن قيادة الأمر العام و السياسي في الوقت الحاضر سوف تعتمد في المقام الأول على مساهمات و مبادرات الشخصيات الوطنية الراشدة و الحكيمة...
٣- الحركات المتمرد المسلحة:
و الشاهد هو أن الحركات ”التحريرية النضالية“ السودانية لا تعمل في أزمنة الحروب!!! ، فحالة السلم تعني بوار تجارتها المرتكزة على: التكسب من معاناة القواعد الجماهيرية و المناورات و المحاصصات و التطفل و الإرتزاق السياسي و الإقتصادي ، هذه الحركات تعاني كثيراً من الفساد و سوء القيادة ، و لا يملك أغلبها طرح جآد أو حلول للأزمة السودانية ، و هي إسوة بالأحزاب السياسية و منظمات العمل المدني في أمس الحاجة إلى إعادة التأهيل و التنظيم...
٤- الشعوب السودانية الصامتة و المراقبة و المقاومة:
و يبدوا أن شرآئح عريضة/نسبة عالية من الشعوب السودانية تعتمد إعتماداً عظيماً على: الصمت و الصبر و سلاح الدعآء!!! ، و تنتتظر حدوث المعجزات ، و يبدوا أن كثيرين منهم يعولون كثيراً على الآخرين يمدونهم بالمساعدات و يد العون ، و يبدوا أنهم ربما لا يعلمون/يعوون أن سلاح الدعآء يكون أكثرَ فعاليةً عندما تصاحبه المبادرات و الأفعال...
و على الرغم من هذه القتامة إلا أن تجارب الإنتفاضات السودانية العديدة ، خصوصاً الثورة الأخيرة ، قد أبانت أن قطاعات عريضة من الشعوب السودانية ، و إذا ما صممت و شآءت ، فإن بإمكانها إلحاق الهزيمة بالظالمين و إحداث التغيير...
التدخل الأجنبي:
و هنالك جهات عديدة من المعسكرين تؤمن بأن تعقيدات و تركيبات الأزمة السودانية لا يمكن حلها سودانياً ، و أن الحل الحاسم يتطلب التدخل الدولي و وضع السودان تحت مظلة الوصاية الدولية لفترة طويلة من الزمن يتم خلالها بسط الأمن و الإستقرار و إعادة بنآء أجهزة الدولة السودانية ، و يظل هذا الخيار من أسوأ الخيارات المتاحة ، و قد يعني حال حدوثه نهاية الدولة السودانية و تشظيها ، و الدليل على ذلك تدخلات/خيبات الأمم المتحدة في: فلسطين و جمهورية الكنغو و دول جنوب شرقي آسيا و الصومال و العراق و أفغانستان و سوريا و ليبيا...
الخلاصة:
المسألة/الأزمة السودانية بالغة التعقيد و عصية على الحل ، و يبدوا أن غالبية الفاعلين في ساحات بلاد السودان السياسية و الفكرية و الأمنية لا يملكون حلولاً مقنعة للأطراف المشاركة في خلق الأزمة/الكارثة ، و يبدوا أن مدى الحرب الدآئرة سوف يتسع ، و أن أمدها سوف يطول...
لكن الأمل ما زال معقوداً على شباب الثورة السودانية يقودون المقاومة و العمل الشعبي الذي سوف يؤسس لميلاد الدولة السودانية الجديدة و يحقق الأهداف و الغايات ، خصوصاً و أنهم قد أثبتوا ، و ضد كل الصعاب و الرهان ، أنهم يمتلكون المقدرات و الخبرات الضرورية التي تؤهلهم لقيادة و تنظيم الحراك الجماهيري كما حدث إبان ثورة ديسمبر ٢٠١٨ ميلادية الظافرة...
و الحمد لله رب العالمين و أفضل الصلاة و أتم التسليم على سيدنا محمد.

فيصل بسمة
fbasama@gmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الأزمة السودانیة الدولة السودانیة

إقرأ أيضاً:

العقوبات الاقتصادية الأميركية على السودان: شلّ الاقتصاد أم كبح آلة الحرب؟

بقلم: عمر سيد أحمد – خبير مصرفي ومالي وتمويل


مايو 2025
العقوبات من واشنطن إلى الخرطوم… ما بين الحساب والعقاب
في 24 أبريل 2025، أعلنت وزارة الخارجية الأميركية عزمها فرض عقوبات صارمة على السودان بموجب “قانون مراقبة الأسلحة الكيميائية والبيولوجية لعام 1991”، وذلك بعد تأكيد استخدام الحكومة السودانية لأسلحة كيميائية في عام 2024، في خرق صريح لاتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية التي تُعد السودان طرفًا فيها.
القرار، الذي سُلِّم إلى الكونغرس الأميركي مرفقًا بتقرير يؤكد “عدم امتثال السودان”، يُمهّد لتطبيق حزمة من التدابير العقابية، تشمل حظر الوصول إلى خطوط الائتمان الأميركية، وتقييد الصادرات، وتجميد الأصول. ومن المتوقع أن تدخل هذه العقوبات حيّز التنفيذ في أو حوالي 6 يونيو 2025، عقب نشرها في السجل الفيدرالي الأميركي.
ورغم أن هذه العقوبات تأتي ردًا على خروقات خطيرة للقانون الدولي، فإن توقيتها في ظل حرب أهلية طاحنة، وانهيار اقتصادي شامل، وتوسع المجاعة والنزوح، يطرح تساؤلات أخلاقية واستراتيجية حول فاعليتها وجدواها، ومدى تأثيرها الفعلي على النخبة الحاكمة مقارنة بما تلحقه من أضرار مباشرة بحياة المواطنين واقتصاد الدولة.
تجربة السودان السابقة مع العقوبات (1997–2020)
بين عامي 1997 و2020، خضع السودان لعقوبات أميركية شاملة فرضت عليه عزلة اقتصادية ومصرفية خانقة، بتهم دعم الإرهاب واحتضان تنظيمات متطرفة. طالت العقوبات المؤسسات الحكومية والمالية، وحرمت السودان من:
• استخدام النظام المصرفي العالمي المرتبط بالدولار.
• استقبال الاستثمار الأجنبي المباشر أو التمويلات الإنمائية.
• التحديث التكنولوجي والاتصال بأسواق المال.
أدت هذه العقوبات إلى تدهور البنية الاقتصادية، وزيادة الاعتماد على التهريب والاقتصاد الموازي، وهروب الكفاءات ورؤوس الأموال. ورغم الرفع التدريجي للعقوبات في 2017، إلا أن استمرار وضع السودان على قائمة الإرهاب حتى أواخر 2020 أعاق أي تعافٍ جاد، خصوصًا مع تعاقب الأزمات السياسية والانقلابات والحرب الأخيرة.
العقوبات الجديدة – البنود والتوقيت
العقوبات الأميركية الجديدة، التي ستدخل حيز التنفيذ في يونيو 2025، جاءت كرد مباشر على ما وصفته واشنطن بـ”استخدام موثّق للأسلحة الكيميائية من قبل حكومة السودان”. وتشمل:
• حظر التعاملات بالدولار الأميركي.
• تجميد أصول الحكومة والشخصيات المتورطة.
• منع الشركات الأميركية من تصدير تقنيات أو منتجات للسودان.
• حرمان السودان من الوصول إلى التمويل الأميركي أو الدولي المدعوم أميركيًا، خصوصًا عبر خطوط الائتمان أو التسهيلات المالية.
ما يضاعف من أثر هذه العقوبات هو هشاشة الوضع الداخلي، حيث يخوض السودان واحدة من أسوأ حروبه الأهلية، وسط انهيار شبه كامل لمؤسسات الدولة المدنية.
ثالثًا: التأثيرات الاقتصادية المباشرة
1. خروج فعلي من النظام المالي العالمي
السودان اليوم شبه معزول عن النظام المالي العالمي، ومع تنفيذ هذه العقوبات، ستفقد البنوك السودانية القدرة على:
• فتح الاعتمادات المستندية لشراء السلع.
• تنفيذ التحويلات البنكية الرسمية.
• التعامل مع المؤسسات الوسيطة في التجارة الخارجية.
هذا يعني عمليًا إغلاق باب التجارة القانونية، وتوجيه كل النشاطات نحو السوق السوداء أو التهريب.
2. تهديد الأمن الغذائي والدوائي
مع صعوبة الاستيراد الرسمي، تتراجع واردات القمح، الدواء، الوقود، والأدوية المنقذة للحياة. ويؤدي ذلك إلى:
• نقص حاد في الإمدادات الأساسية.
• تضاعف الأسعار نتيجة ارتفاع تكلفة التأمين والنقل.
• توسّع الفجوة في الخدمات الصحية.
3. ضياع موارد الدولة من الذهب
في ظل غياب الرقابة وازدهار اقتصاد الظل، يُقدّر حجم الذهب السوداني المُهرّب بأنه يفوق 50 إلى 80% من الإنتاج السنوي. وقدرت الخسائر من التهريب خلال العقد الماضي بما بين 23 و36 مليار دولار. العقوبات الحالية تدفع بهذا المورد نحو مزيد من التهريب، وتُفقد الدولة فرصة استثمار أكبر كنز نقدي تملكه.
4. تعميق أزمة سعر الصرف
كل هذه التطورات تؤدي إلى:
• تسارع تدهور الجنيه السوداني أمام الدولار.
• تزايد التضخم المفرط.
• انهيار القدرة الشرائية للمواطنين.
رابعًا: من يدفع الثمن؟
رغم أن العقوبات تستهدف النظام السياسي والعسكري، إلا أن من يدفع الثمن فعليًا هو المواطن العادي:
• العامل الذي فقد وظيفته بسبب توقف المصنع عن الاستيراد.
• المزارع الذي لا يجد سمادًا ولا وقودًا.
• المريض الذي لا يحصل على دواء.
• التاجر الذي يُجبر على التعامل عبر السوق السوداء.
خامسًا: العقوبات كأداة سياسية – فعالة أم عقوبة جماعية؟
تاريخيًا، نادرًا ما أسقطت العقوبات الأنظمة القمعية. بل كثيرًا ما زادت من تماسكها عبر:
• خطاب “الحصار الخارجي”.
• عسكرة الاقتصاد.
• قمع المعارضة بحجة الطوارئ.
وفي السودان، حيث الاقتصاد منهار أصلًا، ستدفع العقوبات الناس نحو مزيد من الفقر واليأس، دون ضمان أن تؤدي إلى تغيير حقيقي في سلوك النظام.
سادسًا: أهمية وقف الحرب فورًا
العقوبات في حد ذاتها خطيرة، لكن الحرب تجعلها كارثية. فكل يوم يستمر فيه القتال:
• يُفقد السودان مزيدًا من موارده.
• ينهار الأمن الغذائي.
• يتوسع النزوح والدمار.
وقف الحرب هو الخطوة الأولى والأكثر إلحاحًا للخروج من هذه الدوامة. فبدون وقف إطلاق النار، لا يمكن التفاوض، ولا يمكن الإصلاح، ولا يمكن للعالم أن يستجيب لدعوات تخفيف العقوبات.
الآثار المتوقعة على إعادة الإعمار بعد الحرب
من أبرز التداعيات الخطيرة للعقوبات الأميركية المرتقبة أنها ستُقوّض بشدة فرص إعادة الإعمار بعد الحرب، حتى إذا تم التوصل إلى وقف إطلاق النار أو تسوية سياسية. إذ أن إعادة بناء البنية التحتية المدمرة – من طرق ومرافق وخدمات عامة – تتطلب تمويلات ضخمة، لا يمكن تغطيتها من الموارد المحلية وحدها، خصوصًا في ظل الانهيار الكامل للإيرادات العامة وغياب مؤسسات الدولة الفاعلة. وبما أن العقوبات تشمل حظر الوصول إلى التمويل الأميركي وخطوط الائتمان، فإنها تحرم السودان من أي فرص واقعية للحصول على قروض ميسّرة، أو دعم من المؤسسات المالية الدولية مثل البنك الدولي وصندوق النقد، أو حتى من شركات مقاولات عالمية. كما أن استمرار العقوبات يُعزّز مناخ عدم الثقة في السودان كبيئة استثمارية، ما يدفع المستثمرين للابتعاد عنه، ويطيل أمد العزلة الاقتصادية، وبالتالي يُجمّد أي مسار حقيقي نحو التعافي والتنمية بعد الحرب.
خاتمة: بين المحاسبة والإنقاذ
العقوبات الأميركية على السودان تُعبّر عن موقف دولي حازم ضد استخدام الأسلحة الكيميائية، لكنها في سياق حرب داخلية وانهيار اقتصادي، تتحول إلى عقوبة جماعية تهدد بقاء الدولة ذاتها. المطلوب اليوم ليس فقط التعامل مع العقوبات، بل تغيير المسار السياسي والاقتصادي كاملاً.


وذلك يتطلب:
• وقف الحرب فورًا.
• تشكيل حكومة مدنية ذات مصداقية.
• إصلاح شامل للقطاع المالي والمؤسسي.
• الشروع في مفاوضات مع المجتمع الدولي لرفع العقوبات تدريجيًا مقابل التزامات واضحة بالسلام والشفافية.
فالعالم لن يستثمر في بلد يحكمه الرصاص والتهريب، ولن يخفف عقوبات ما لم يرَ إرادة حقيقية للتغيير. والسودان، برغم الجراح، لا يزال يملك فرصة – لكنها تضيق كل يوم.



o.sidahmed09@gmail.com


 

مقالات مشابهة

  • حدث في 8ساعات| الشيوخ يوافق على قانونه الانتخابي.. وفرص عمل للمصريين بالأردن
  • كريم وزيري يكتب: أرباح الحروب التي لا نراها في نشرات الأخبار
  • تأجيل محاكمة 57 متهما بقضية اللجان النوعية للإخوان لجلسة 25 يونيو المقبل
  • لنقي: مبادرة ستيفاني للتشاور مع البلديات مؤشر خطير على تفكيك الدولة
  • العقوبات الاقتصادية الأميركية على السودان: شلّ الاقتصاد أم كبح آلة الحرب؟
  • بعد قليل.. نظر محاكمة 57 متهما بقضية اللجان النوعية للإخوان
  • وزارة الخارجية السودانية: ننفي المزاعم غير المؤسسة التي تضمنها بيان وزارة الخارجية الأمريكية
  • الحرب فرضت نفسها علي الواقع السوداني وكما ترون فقد تحولت البلاد الي حطام !!.. ما الذي قادنا الي هذا الوضع الكارثي ؟! الجهل هو السبب !!..
  • اقتصاد الظل في السودان: تحالفات الخفاء التي تموّل الحرب وتقمع ثورة التحول المدني
  • ما الدولة التي تراهن عليها أميركا للتحرر من هيمنة الصين على المعادن النادرة؟