يواصل المؤرخ الفلسطيني أحمد الدبش، في الجزء الثاني من قراءته لكتاب "البحث عن إسرائيل: مناظرات حول علم الآثار وتاريخ إسرائيل الكتابية"، للباحثين إسرائيل فنكلشتاين وعميحاي مزار، تحرير: بريان شميت، حيث يتناول هذا الجزء، الأهمية التاريخية للكتاب، ودولتي إسرائيل ويهوذا، ومضامين علم الآثار على الحقائق التاريخية.



الفصل الرابع.. اختبار جديد حاسم حول الأهمية التاريخية للكتاب

العصر الذهبي للملك سليمان بين الأسطورة والتاريخ

يؤيد البروفيسور فنكلشتاين تاريخية داود وسليمان، فهو يرفض تمامًا الاحتمالية التاريخية لوجود ملكية موحدة في القرن العاشر ق.م، وبدلًا من ذلك، ينقل فنكلشتاين، ما يمكن أن يشكل مثل هذه الملكية الموحدة، إلى زمن يلي ذلك بقرون تقريبًا، أي القرن التاسع ق.م، بينما "يثبت" حكم الأسرة العمرية، وعاصمتهم السامرة، في الشمال. كما يؤكد فنكلشتاين صعوبة، بالأخرى انعدام، قراءة الكثير من رواية داود وسليمان في أسفار صموئيل والملوك كشهادة تاريخية مباشرة من القرن العاشر ق.م.. حيث لم تكن مملكتهما إمبراطورية كبرى متحدة بطبيعتها، بل كانت مشيخة هامشية في أقصى جنوب الشام، لا يوجد ما يشير إلى وحدتهما على يد لأي من حكام هذه المشيخة في القرن العاشر ق.م.

باختصار، تبدو القصة الكتابية حول مملكة متحدة عظيمة كنتاج يوشياني لاحق لتوحيد الدولتين تحت راية عاصمة جنوبية أو يهوذية في أورشليم. وتم تضمين مجدو وحاصور وجزر في نص المحرر الكتابي اللاحق لأنها كانت من أهم المدن في الشمال خلال القرن الثامن ق.م، مما يبرر ما يراه فنكلشتاين على أنه طموح المؤلف اللاحق لعموم "إسرائيل" في وضع المنطقة بأكملها تحت سيطرة أورشليم عندما حكم يوشيا كملك على يهوذا.

البحث عن داود وسليمان.. وجهة نظر علم الآثار

يراجع البروفيسور دعمًا لما وصفه بـ"تاريخية النظام الملكي الموحد" عدة خطوط من الأدلة الدلعمة. فيوضخ أولًا، ما يسميه "التحقيب التقليدي المعدل"، حيث يجب أن ينظر إلى القرنين العاشر ق.م والتاسع ق.م على أنهما يشكلان معًا فترة أثرية واحدة أطول. لذلك سيكون من الصعب للغاية تحديد هيكل أو قطعة أثرية محددة بدقة أكبر في هذه الفترة لأي من هذين القرنين. ثم يقوم بتسليط الضوء على أهمية قائمة حملة الفرعون المصري شيشنق الأول، التي تحدد الطابع التاريخي لبعض المواقع المعروفة أيضًا من الرواية الكتابية للحدث ذاته.

يستعرض مزار، بعد ذلك، المؤشرات الأثرية التي تشير إلى مكانة أورشليم كقاعدة سلطة في القرنالعاشر ق.م. ويرفض مزار أن يكون الوصف الكتابي لمعبد وقصر أورشليم اختراعًا يعود إلى القرن السابع ق.م، أو بعده. وهكذا يصل مزار إلى رأي يري اعتبار التقاليد مبكرة وموثوقة تاريخيًا. ويبرر مزار ندرة النقوش العبرية من القرن العاشر ق.م، وبالتالي من القرن التاسع ق.م في الشمال ــ على الرغم من توافق الجميع لافتراض وجود إدارة مركزية ــ على احتمال الاستخدام الواسع لمواد الكتابة القابلة للتلف، وليس دليلًا على نقص معرفة القراءة والكتابة.

ويستعرض مزار أيضًا الدليل الأثري للقرن العاشر ق.م حول بدايات التمدن بين جيران "إسرائيل" الذين ورد ذكرهم في القصص الكتابية: الفلستيون والأدميون والموآبيون والعمونيون والفينيقيون والآراميون. ويثير، بناءً على حالات محدودة يدعمخا السجل الأثري، احتمال أن تكون "إسرائيل" في القرن العاشر ق.م أقامت علاقات تجارية مع أكثر من طرف واحد من هذه الأقوام. لقد كانت الملكية الموحدة بالنسبة لمزار دولة تعيش إرهاصاتها التطورية الأولى، برغم ابتعادها كثيرًا عن أن تكون الإمبراطورية التي يصورها الكتاب. على أي حال، يلغى نقش دان، بالنسبة لمزار فكرة اختراع شخصيتي داود وسليمان.

الفصل الخامس.. بصدد البحث عن خلفية صلبة: إسرائيل ويهوذا في العصر الحديدي الثاني

مملكتي إسرائيل ويهوذا

يلخص البروفيسور فنكلشتاين الفترة الزمنية الطويلة التي تغطي أواخر القرن العاشر ق.م حتى أواخر القرن الثامن ق.م. في منطقة غرب الأردن [الضفة الغربية الفلسطينية] في أربع حلقات: ظهور التوطن المتسلسل أولًا في المرتفعات الشمالية؛ وإنشاء الدولة العمرية هناك؛ والتطور اللاحق للمرتفعات الجنوبية؛ وأخيرًا، النمو المفاجئ ليهوذا بعد زوال دولة الشمال.

المملكة المنقسمة، تعليقات على بعض القضايا الأثرية

يستعرض البروفيسور مزار الأدلة الأثرية المتحصل عليها خلال العقود القليلة الماضية ومساهمتها المتزايدة في فهمنا للمراحل اللاحقة من العصر الحديدي الثاني (930- 586 ق.م)، أو ما يشير إليه العلماء غالبًا بالمملكة المنقسمة في الرواية الكتابية إلى نصفين: شمالي (إسرائيل) وجنوبي (يهوذا). ثم يحول تركيزه إلى ثلاثة مجالات أحرز فيها تقدم كبير في السنوات الأخيرة؛ ظهور يهوذا ككيان سياسي إزاء "إسرائيل"، وتأثير الحرب على الحياة اليومية، وبعض التطورات الجديدة في الدين "الإسرائيلي". ويجادل مزار بظهور يهوذا كدولة، مثل "إسرائيل" في القرن التاسع ق.م وليس بعد ذلك.

الفصل السادس.. مضامين علم الآثار على الحقائق التاريخية والناس

الكتاب وعلم الآثار

يشير البروفيسور فنكلشتاين إلى أنه لا نستطيع استعراض التاريخ المبكر لـ"إسرلئيل" بالأسود والأبيض، بسيناريو نعم أو لا، بأن هذا حدث وهذا لم يحدث، وبالتالي، وجود هذا أو هي/ هو كان مجرد محض خيال مختلق. الصورة أكثر تعقيدًا بكثير، وفي حالات عدة يمكن تلخصيها على النحو التالي: إن حدثًا كذا وكذا لم يقع كما هو موصوف في النص على الرغم من احتواء النص، ربما، على بعض ذكريات غامضة عن الماضي، والسبب في أن النص تم تدوينه بهذه الطريقة كانت... ولك أن تضع ما تشاء بعد ذلك. فلا ينبغى لنا أن نضع الإيمان بجانب البحوث التاريخية.

 رسالة علم الآثار

يستحضر البروفيسور مزار مقاله يائير زاكوفيتز، أستاذ الأدب الكتابي في الجامعة العبرية، بعنوان "الكلمات، والأحجار، الذاكرة والهوية"، التي يستنج يائير فيها: "حتى لو تم إثبات أن كل ما هو مكتوب في الكتاب ليس تاريخيًا، فإن جوهر هويتي وذاكرتي التاريخية التي تقوم على الكتاب لن تهتز".  يتفق مزار مع هذه الكلمات، على الرغم من كونه أثري ييبحث عن الأدلة المادية للماضي بالقول: "الرسائل الفكرية للكتاب لا تحتاج إلى تأكيدات أثرية. فهذه القيم والأفكار والرسائل... إلخ تقف بمفردها كأحد الإنجازات الفريدة من نوعها في إسرائيل القديمة. وليس دور علم الآثار التأكيد على المرويات الكتابية، بل محاولة تحديد الخلفية التاريخية لتشكيل هذه القصص في الكتابية.

وأخيرًا، يتضح وجود خلاف جوهري بين فنكلشتاين ومزار، في مقاربتهم للموضوعات المختلفة بين فصول هذا الكتاب، مزار يعطى النص الكتابي قيمة كمصدر للمعلومات "التاريخية" أكبر  من تلك التي يعطيها فنكلشتاين فيما يتعلق بالبيانات الأثرية.

*مؤرخ فلسطيني

إقر أيضا: البحث عن دولة الاحتلال.. مناظرات حول علم الآثار وتاريخ "إسرائيل" الكتابية (1من2)

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير كتب الكتابية سوريا كتاب عرض نشر كتب كتب كتب كتب كتب كتب أفكار أفكار أفكار سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة علم الآثار البحث عن فی القرن

إقرأ أيضاً:

ماكرون يلوّح بتشديد موقفه حيال إسرائيل إذا لم تخفف حصارها على غزة

لوّح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أمس الجمعة بتشديد موقف بلاده حيال إسرائيل إذا لم تخفف حصارها على قطاع غزة، مما أثار غضب تل أبيب التي اتهمته بخوض "حملة صليبية" ضدها.

وقال ماكرون في مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس الوزراء السنغافوري لورانس وونغ إن هناك حاجة إلى توفير الماء والغذاء والأدوية والسماح للجرحى بالخروج من غزة للعلاج في الخارج، مؤكدا أن على الأوروبيين "تشديد الموقف الجماعي ضد إسرائيل وفرض عقوبات عليها إذا لم تكن هناك استجابة ترقى إلى مستوى الوضع الإنساني في الساعات والأيام المقبلة.

وشدد على أن "الحصار الإنساني يخلق وضعا لا يمكن الدفاع عنه على الأرض"، معبرا عن أمله في أن تغير الحكومة الإسرائيلية موقفها، وأن تحدث في نهاية المطاف استجابة إنسانية.

وقال ماكرون إن باريس ملتزمة بالعمل من أجل التوصل إلى حل سياسي، وأكد مجددا دعمه حل الدولتين لإنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، مشيرا إلى أن وجود دولة فلسطينية "ليس مجرد واجب أخلاقي، بل ضرورة سياسية أيضا".

ولم يعلن الرئيس الفرنسي بوضوح ما إذا كان سيعترف بالدولة الفلسطينية خلال المؤتمر الدولي بشأن حل الدولتين في الأمم المتحدة بنيويورك -والذي تترأسه فرنسا والسعودية- في 18 يونيو/حزيران المقبل.

إعلان

لكنه عدّد شروطا مقابل هذا الاعتراف، وهي "الإفراج عن الأسرى" المحتجزين في غزة، و"تجريد حركة حماس من السلاح"، و"عدم مشاركتها" في حكم هذه الدولة، و"إصلاح السلطة الفلسطينية"، واعتراف الدولة المستقبلية بإسرائيل و"حقها في العيش بأمان"، و"وضع آلية أمنية في جميع أنحاء المنطقة".

الرد الإسرائيلي

وردا على هذه التصريحات، اتهمت وزارة الخارجية الإسرائيلية الرئيس الفرنسي بأنه "يخوض حملة صليبية ضد إسرائيل"، منتقدة رغبة باريس في الاعتراف بدولة فلسطينية.

وأضافت الوزارة أنه بدلا من الضغط على من وصفتهم بـ"الجهاديين الإرهابيين" يريد ماكرون مكافأتهم من خلال منحهم دولة فلسطينية.

من جهته، كتب وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو على منصة إكس أن "فكرة دولة فلسطينية تمثل مصلحة للإسرائيليين وأمنهم، إنها البديل الوحيد لحرب دائمة".

وأضاف أن بلاده تدعم قيام دولة فلسطينية "منزوعة السلاح" ضمن "هيكل أمني إقليمي يضم إسرائيل".

وفي رد على منشور بارو، قال وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر "لن تقرروا نيابة عن الإسرائيليين ما هي مصالحهم"، مؤكدا معارضة إسرائيل بشدة إقامة دولة فلسطينية.

وللضغط على إسرائيل أعلنت فرنسا وكندا وبريطانيا الاثنين الماضي أنها "مصممة على الاعتراف بالدولة الفلسطينية للمساهمة في تحقيق حل الدولتين، وأنها مستعدة للعمل مع أطراف آخرين لتحقيق هذه الغاية".

واستأنفت إسرائيل العدوان على غزة يوم 18 مارس/آذار الماضي بعد أن انقلبت على اتفاق وقف إطلاق النار، ومنذ ذلك الوقت استشهد ما يزيد على 4 آلاف فلسطيني وأصيب نحو 11 ألفا، وفقا لبيانات وزارة الصحة في القطاع، كما نزح ما لا يقل عن 200 ألف من مناطقهم، بحسب الأمم المتحدة.

وتقول وزارة الصحة في غزة إن الحرب أسفرت عن استشهاد نحو 54 ألف فلسطيني.

مقالات مشابهة

  • ظاهرة فلكية نادرة.. كويكب ينفجر في سماء دولة عربية بقوة هائلة
  • دولة عربية توثق هجوم فضائي على أراضيها وانفجار بقوة تعادل 178 طنا من المتفجرات يهزّ المنطقة
  • إسرائيل ترفض عقد اجتماع لوزراء عرب في رام الله
  • ماكرون يلوّح بتشديد موقفه حيال إسرائيل إذا لم تخفف حصارها على غزة
  • مناقشات تقنية لتعزيز كفاءة أنظمة الإنقاذ بالأقمار الصناعية
  • ماكرون: فرنسا قد تشدد موقفها من إسرائيل
  • «الوطني للبحث والإنقاذ»: استضافة «كوسباس-سارسات» تعكس مكانة الإمارات المرموقة دولياً
  • كاتبة أسترالية تهاجم الاحتلال بشدة.. إسرائيل لا تستحق البقاء
  • إسرائيل دولة تعيش على المعجزات.. روان أبو العينين تستعرض ما تنشره صحف الاحتلال عن مصر
  • بريطانيا:موافقة إسرائيل على مستوطنات بالضفة عقبة أمام قيام دولة فلسطين