بقي قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو في الظل خلال الأشهر التسعة الأولى من النزاع في السودان، إلى أن وقّع مؤخراً إعلاناً مع المدنيين وقام بجولة إفريقية يبحث خلالها عن شرعية دولية سعياً لحسم معركته مع الجيش.

في أواخر العام الماضي، قام قائد الجيش عبد الفتاح البرهان بجولات خارجية تزامنت مع جهود دبلوماسية لإنهاء الحرب التي اندلعت منتصف أبريل، وألقى كلمة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة.

في المقابل بقي خصمه دقلو المعروف بحميدتي، بعيداً عن الأنظار واكتفى بمواقف من خلال التسجيلات الصوتية.

لكن في الأيام الأخيرة، ومع تحقيق قواته تقدماً ميدانياً، استبدل دقلو زيّه العسكري بالملابس المدنية، وقام بجولة خارجية تخللها لقاء مسؤولين كبار في أوغندا وجيبوتي وكينيا وإثيوبيا وجنوب إفريقيا.

ويرى الخبير في الشأن السوداني أليكس دي فال أن دقلو "في حالة صعود"، في حين يقول كليمان ديهي، المتخصص في الشؤون السودانية في جامعة السوربون بباريس، إن دقلو تمّ استقباله "بمراسم تخصص لرئيس دولة".

وأودى اندلاع القتال في 15 أبريل بين الحليفين السابقين البرهان ودقلو، بأكثر من 12190 شخصا، وفق تقديرات منظمة "مشروع بيانات مواقع الصراعات المسلحة وأحداثها" (أكليد)، وهي حصيلة يُعتقَد أنها تبقى دون الفعلية، كما تسبب بنزوح أكثر من سبعة ملايين شخص داخل وخارج البلاد بحسب الأمم المتحدة.

إعلان أديس أبابا

أبعد من الميدان، يحاول دقلو تحقيق مكاسب سياسية في حربه ضد الجيش، وقد وقّع الثلاثاء إعلاناً سياسياً في العاصمة الإثيوبية مع عبد الله حمدوك الذي سبق أن تولى رئاسة الوزراء في السودان قبل أن يطيحه انقلاب عسكري قاده البرهان ودقلو في العام 2021.

جانب من كلمتي خلال توقيع إعلان أديس أبابا مع تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) pic.twitter.com/E0pIGtM1uf

— Mohamed Hamdan Daglo (@GeneralDagllo) January 2, 2024

وكانت الهيئة التنسيقية للقوى الديموقراطية المدنية برئاسة حمدوك دعت مؤخراً لعقد "لقاءات عاجلة مع الجيش وقوات الدعم السريع، تبحث قضايا حماية المدنيين وتوصيل المساعدات الإنسانية وسبل وقف الحرب عبر المسار السلمي التفاوضي".

ونتيجة لاستجابة الدعم السريع فقط لهذه الدعوة إلى الآن، وقّع دقلو وحمدوك "إعلان أديس أبابا" الذي تبدي من خلاله قوات الدعم "استعدادها التام لوقف هجمات فوري وغير مشروط عبر تفاوض مباشر مع القوات المسلحة".

كما تتعهد "فتح ممرات آمنة لوصول المساعدات الإنسانية، وتهيئة الأجواء لعودة المواطنين لمنازلهم في المناطق التي تأثرت بالحرب".

ويرى أستاذ الدراسات الأمنية في جامعة كينغز كوليدج بلندن أندرياس كريغ أن الإعلان "هو الخطوة الأكثر أهمية التي يمكن لدقلو القيام بها لكسب الشرعية".

ويقول ديهي لفرانس برس إن "توقيع المدنيين على اتفاق مع حميدتي، على الرغم من التطهير العرقي في دارفور والاغتصاب والنهب الممنهج في وسط السودان ودارفور، يمنحه الشرعية في نظر المجتمع الدولي".

وقبل نشوب النزاع بينهما، كان دقلو نائباً للبرهان، حيث قاما بتنظيم انقلاب أكتوبر 2021 الذي أطاح الحكومة المدنية برئاسة حمدوك. وأعيد الأخير إلى منصبه لفترة وجيزة، قبل أن يستقيل في مطلع 2022 ويغادر السودان، ولم يلتق القائدان العسكريان منذ اندلاع الحرب على رغم محاولات الوسطاء.

المسؤول الفعلي!

ترى المحللة السودانية خلود خير أن جولات دقلو الخارجية أشعرت البرهان بـ"استياء"، خصوصاً مع محاولات الأول "تقديم نفسه كزعيم سياسي وطني".

وفي كلمة ألقاها الأسبوع الماضي لمناسبة استقلال السودان، انتقد البرهان زيارات دقلو ومضيفيه، وخاطب الدول "التي تستقبل هؤلاء القتلة" طالبا منها كف أيديها "عن التدخل في شأننا" معتبراً "استقبال أي جهة معادية للدولة لا تعترف بالحكومة القائمة يعتبر عداء للدولة". إلا أن اللقاء بين حمدوك ودقلو أعاد فتح الباب أمام تكهنات قديمة.

دقلو: نهدف لإجراء انتخابات ديموقراطية أبدى الفريق محمد حمدان دقلو نائب زعيم المجلس العسكري السوداني الحاكم حماسه لإجراء انتخابات ديمقراطية وذلك خلال لقاء مع جمع من زعماء القبائل ودبلوماسيين كبار السبت في الوقت الذي سعى فيه لتفادي المسؤولية عن العنف الذي وقع بالخرطوم الأسبوع الماضي.

وتوضح خير لفرانس برس "الشائعات حول وجود صلة بين قوى الحرية والتغيير وحميدتي، والتي كانت منتشرة حتى قبل الحرب، زادت الآن بسبب مشهد الاجتماع" بين حمدوك ودقلو بغياب البرهان.

وفي مقاطع فيديو نشرت على منصات التواصل لاجتماع أديس أبابا، شوهد حمدوك وغيره من السياسيين وهم يصطفون لمصافحة دقلو. وتقول خير "ظهر حميدتي خلال الاجتماع وكأنه هو المسؤول".

وكانت الهيئة التنسيقية للقوى الديموقراطية المدنية نشأت من كتلة المعارضة الرئيسية، أي ائتلاف قوى الحرية والتغيير الذي أدى دورا رئيسيا في الإطاحة بالرئيس عمر البشير. وترى خير أن هذا التحالف المشكل حديثاً لا يزال "ائتلافاً ضعيفاً مكوناً من ائتلافات ضعيفة"، وقد لا يمتلك القدرة على تغيير الأوضاع.

خطأ دبلوماسي

اتهم نشطاء حمدوك بخيانة المدنيين لتحقيق مكاسب سياسية. وكتب مستخدم على منصة "إكس"، "هذا هو حميدتي ذاته الذي اتفق مع الجيش لفض الاعتصام وشارك في انقلاب 25 أكتوبر"، في إشارة إلى الاعتصام أمام مقر القيادة العامة للجيش وسط الخرطوم في يونيو 2019 للمطالبة بالحكم المدني.

ويستبعد خبير الشؤون الإفريقية في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن كاميرون هيودسون أن يلبّي البرهان حالياً دعوة حمدوك للقائه، خصوصاً بعد الإعلان بين الأخير ودقلو.

إلا أنه يرجح أن يكون "هذا هو القصد تحديداً من الطرفين، لأن عدم لقاء البرهان بحمدوك سيجعل الجيش يبدو معارضاً للسلام ويصور حميدتي على أنه الطرف الأكثر عقلانية ومسؤولية".

ويرى دي فال أن حمدوك ارتكب "خطأ دبلوماسيا فادحاً" بالظهور مع الدعم السريع وبعيداً عن الجيش.

من جهته، يعتبر ديهي أن الجيش أصبح "معزولاً أكثر فأكثر"، وأن ما تكبدته القوات المسلحة من خسائر في الميدان أبعد عنها حلفاء أقوياء مثل القاهرة.

ويضيف أنه بات في مقدور دقلو الآن "بدء المفاوضات من موقع قوة"، محذّراً من أن عزل البرهان بشكل إضافي "سيؤدي حصراً إلى تعقيد الوضع وتوفير مزيد من الوقت والمجال لاستمرار القتال".

المصدر: الحرة

إقرأ أيضاً:

د. حسن محمد صالح يكتب: الفاشر .. يا خط دفاع ما ينكسر يا راية في جيش الفتى البرهان

كما هو معلوم فإن السيد رئيس المجلس السيادي القائد العام للقوات المسلحة الفريق اول ركن عبد الفتاح البرهان استجاب للطلب الذي تقدم به الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في إتصاله الهاتفي مع البرهان في صبيحة ٢٧ يونيو ٢٠٢٥م.

جاء طلب الأمين العام للأمم المتحدة متمثلًا في إعلان هدنة لمدة أسبوع في محلية الفاشر بولاية شمال دارفور لإيصال المواد الغذائية والمستلزمات الطبية لمدينة الفاشر المحاصرة لأكثر من عامين بواسطة مليشيا الدعم السريع الإرهابية .

الأمين العام للأمم المتحدة وكثير من المهتمين والمراقبين والإعلاميين أبدوا تفاؤلًا بأن الهدنة ووقف إطلاق النار في الفاشر يمكن أن تعمم علي مناطق أخرى في السودان ويتم إيقاف الحرب ويحل السلام في السودان. ولكن هيهات فالعالم والمجتمع الدولي لا يعرف أو يتعامى عن هذه المليشيا الإرهابية.

وكما هو متوقع أخرجت المليشيا وأعوانهم في تأسيس وأحزابها العميلة أضغانهم وأعلنوا رفضهم لأي هدنة أو وقف لإطلاق النار من شأنه أن يوصل الإعانات للنازحين واللاجئين والمحرومين في مدينة الفاشر بل كثفوا هجماتهم الصاروخية على المدينة بواقع صاروخ كل يوم وهذا ليس بالأمر الغريب.
فقد ظلت المليشيا المتمردة تمارس سياسة التجويع على الفاشر ومعسكر زمزم للنازحين وأحالت حياة المواطنين هناك إلى جحيم لا يطاق باستهداف القوافل التي تنقل الإغاثة وآخرها ما حدث لقافلة الإغاثة التابعة لبرنامج الغذاء العالمي التي وصلت إلي مدينة الكومة بشمال دارفور وقامت المليشيا بتغيير وجهتها من الفاشر إلى حيث قواتها التي تحاصر أكثر من اثنين مليون مواطن داخل الفاشر معظمهم من النساء والأطفال .

هذا الجرم يضاف لكثير من الجرائم التي ترتكبها مليشيا الدعم السريع من نهب وسلب للإغاثة وتقوم بحرقها ونقل المواد من شاحنات تتبع للمنظمات الدولية إلى سيارات تتبع للمليشيا التي تنقل الإغاثة نظير أموال تدفعها المنظمات للمليشيا وقد تواترت العديد من التقارير الصحفية والإعلامية عن هذه تجاوزات المليشيا المتمردة ولكنها لا تجد إذنًا صاغية من الأمم المتحدة والمنظمات المنضوية تحتها بل قرار مجلس الأمن القاضي بفك حصار الدعم السريع عن مدينة الفاشر لم يتم تنفيذه وقد طالب رىئس مجلس السيادة البرهان عدة مرات بتنفيذ قرارات مجلس الأمن ٢٧ و٣٥ الخاصة بفك حصار الدعم السريع ولم يكن طلبه من غوتريش في الاتصال الذي جرى بينهما الأخير .

هل تصدق عزيزي القارئ أن المليشيا تمنع حتى الدواب والحمير من التحرك بين الفاشر وأريافها بحجة أنها تحمل موادًا تموينية لمواطني الفاشر .

وتستهدف المليشيا التكايا التي تقدم القوت وما يسد الرمق لأطفال الفاشر بالقصف المدفعي والصاروخي وتستهدف المستشفيات بالقصف وتقوم بقتل الكوادر الطبية العاملة في مشافي شمال دارفور حسب إفادة وزير الصحة بالولاية .

المليشيا بهذه الأفعال تريد الضغط على القوات المسلحة والمشتركة والمقاومة الشعبية التي تدافع عن الفاشر حتي تستسلم لها وهي تواصل هجومها فوق المئتين منذ اندلاع الحرب وفي كل مرة يتم دحر المليشيا على أبواب الفاشر وقتل قادتها وتدمير آلياتها وعتادها العسكري .
الفرقة السادسة والقوات المساندة لها في الفاشر صامدون ولها قيادة رشيدة مدربة فاهمة للحروب ومضاربها وهي تدري ما ترمي له المليشيا من استهداف المدنيين لأجل الضغط على القوات المسلحة .

بعد مضي يومين على اعلان الهدنة في محلية الفاشر بطلب من الأمين العام للأمم المتحدة على الشعب السوداني أن يدرك أن المجتمع الدولي ليس له ما يفعله مع المتمردين وليته كف دعمهم ودعم دولة الإمارات العربية المتحدة لمليشيا آل دقلو الإرهابية لأراحنا قليلًا .
ويبقى الحل في يد القوات المسلحة بأن تسند الفرقة السادسة بجحفل جرار قوامه البراءون والمشتركة والوعد الصادق وكل رايات الجهاد يتم رفعها بقيادة القوات المسلحة وما حدث في كادوقلي والدمازين من هزيمة التمرد يبشر باقتراب النصر في فاشر السلطان وعلي الباغي تدور الدوائر .
د. حسن محمد صالح

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • المليشيات وتحدي الدولة الطبيعية
  • البرهان أمس كان مع حميدتي، وقحت ضدّه؛ اليوم اتبادلوا المواقف
  • الجيش السوداني: المصنع الأم للإجرام ومأزق النخبة النيلية:
  • آية الله عبد الفتاح البرهان
  • “الخارجية السودانية” تكشف محاولات دولة الإمارات لعرقلة صدور إدانات دولية ضد الدعم السريع
  • يُشعل حرارة الجو.. ماذا تعرف عن منخفض الهند الذي يضرب البلاد؟
  • “حميدتي” يستقل طائرة شركة خاصة مقرها في دبي
  • البرهان لـ”حفتر”: “أنت لست صادقاً”.. تقابلا في العلمين وجها لوجه
  • د. حسن محمد صالح يكتب: الفاشر .. يا خط دفاع ما ينكسر يا راية في جيش الفتى البرهان
  • حميدتي في نيالا.. وترتيبات لإعلان سلطة موازية لحكومة الخرطوم