بوابة الوفد:
2025-12-15@04:47:29 GMT

اقتصاديات الجوع

تاريخ النشر: 7th, January 2024 GMT

ومازالت الارتفاعات متوالية، والأسعار تحرق أكباد المصريين، وانعكس الجوع على قواهم وأصبح الهزال والترنح سمة أساسية، الاندهاش قاسم مشترك، وباتت الأسعار حديث الصباح والمساء وكل الأوقات والمحور الرئيسى فى كل الحوارات والمعادلة الصعبة فى «حسبة برما» التى أرهقت الجميع حول كيفية الوفاق بين ما نملك وما نحتاجه لتستمر الحياة.

وحكاية «حسبة برما» مقولة مصرية دارجة باتت مثلا يدرج تجاه كل من أعيته الحيل فى العمليات الحسابية، أو المواءمة بين الإمكانيات والاحتياجات، وبرما إحدى قرى مدينة طنطا وتشتهر بتربية الدواجن.

وجاءت الحسبة عندما اصطدم رجل بسيدة كانت تحمل فوق رأسها سلة بها بيض فتحطم البيض بأكمله، وعندما سألها عن عدد البيض الذى كانت تحمله لتعويضها أجابت:

لو أحصيت البيض بالثلاثة تبقى بيضة، ولو بالأربعة تبقى بيضة، ولو بالخمسة تبقى بيضة، ولو بالستة تبقى بيضة، ولو أحصيته بالسبعة فلا يبقى شيء.

وأخذ الرجل وقتا وجهدا لحساب عدد البيض، وبعد عناء كبير وصل إلى أن عدده كان 301 بيضة، واتخذ الناس من هذا الموقف مقولة تجاه الشخص الذى يجد صعوبة فى حساب شيء ما، وظل الأمر يتداول من محافظة لأخرى حتى بات مثلا مصريا خالصا لكل من أعيته الحيل.

وحضرتنى هذه القصة التى تجمع بين التسلية والعبرة فيما آل إليه أحوال المصريين هذه الأيام، حيث يضع رب الأسرة أو ست البيت جنيهات الميزانية اليومية المعدودة لتبدأ حسبة برما فى فك الطلاسم بين المتاح والمطلوب، ولأن الأسعار قفزاتها سريعة، فإن الحسبة تزداد كل يوم تعقيدا بل وفى كل ساعة عن سابقتها لتصبح الحكاية الأصلية التى كانت معقدة فى الحساب المتعلق بعدد البيض فى السلة لدفع ثمنه إلى قصة تراجيدية مأساوية حول كيفية مواصلة البقاء ونحن نفتقد لكل مقومات الحياة.

البيوت المصرية التى أصبحت تعيش معادلات حسابية صعبة بصورة يومية، وتحتاج إلى تغيير معادلة الإنفاق كل يوم عن سابقه، حيث أصبح لكل سلعة بورصة مختلفة، فى الوقت الذى يعانى فيه الجنيه المصرى من الضمور فى الاتزان ليزداد ترنحا أما العملات الأخرى وخاصة الدولار الذى أفقده المقدرة على المقاومة، ويزداد كل يوم جبروت متحكما فى الأسعار تجاه الصعود إلى الهاوية.

الانفلات فى الأسعار الذى تشهده البلاد طال كل شيء، والناس فى حيرة من أمرها، والأهالى يلفون الأسواق «كعب داير» بحثا عن سعر أقل، فالأسواق لا يحكمها سعر موحد والتسعيرة «حسب المزاج» والأسعار غير مدونة على السلع والباعة يرفعون شعار «اللى معهوش ميلزموش»، والمواطن يرد فى لوعة «لو على نفسى أموت من الجوع، لكن أسرتى فى رقبتى وإطعامهم واجب لا أستطيع التخلى عنه».

رفاهية ترك السلع الغالية والبحث عن الرخيصة لم تعد موجودة، فجميع السلع تقريبًا باتت فى غير المتناول، واختفت من منازلنا فكرة المائدة الشاملة المتنوعة، ووفقًا لاقتصاديات الجوع وضيق ذات اليد أصبح الصنف الواحد إن وجد، هو سيد المائدة الذى تتكالب عليه الأيادى لتوقف أنين البطون الخاوية.

باختصار.. الممارسات الاحتكارية للسلع فى غياب الرقابة الحكومية الفاعلة سبب رئيسي وراء زيادة الأسعار تحت زعم المنافسة الحرة التى تفقد معناها الحقيقى فى غياب الشفافية وآليات الإنتاج وضبط الأسواق.

تبقى كلمة.. المصرى زادت معاناته وويلاته بين ترشيد الدعم الحكومى وانفلات الأسواق، فالدولة رفعت يديها وفقًا لبرنامج الإصلاح الاقتصادى عن دعم بعض السلع، الأمر الذى أثر على احتياجات ومتطلبات الشعب، بل خرجت الحكومة لتبرر الزيادات فى الأسعار وتركت الأسواق بلا رقابة فكانت الفرصة الذهبية لتجار الأزمات الذين تاجروا فى كل شيء بلا رحمة ولا وازع من ضمير ولا خوف من قانون لتضيق الدنيا على صدورنا بما رحبت.

[email protected]

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: باختصار الأسعار المصريين الجوع

إقرأ أيضاً:

الرجل الشقلباظ!

هناك بعض الأشخاص الذين لديهم القدرة على تغيير ألوانهم حسب ما يتعاملون، ويطلق على هؤلاء فى الثقافة المصرية رجال الشقلبظات. وقد استلهم المصريون هذه التسمية نسبة إلى نوع من الحمام يسمى «الحمام الشقلباظ» هذا الحمام لديه القدرة على تغيير لون ريشه باستمرار. لذلك فالرجل الشقلباظ يغير لونه فى كل مرحلة، اليوم يميل إلى تيار الدين السياسى، وبعده نجده فى كراسى الليبرالية، وهكذا كالبهلوان الذى يقفز ويتشقلب أمام الأطفال فى السيرك، أو الأطفال أنفسهم الذين يلعبون لعبة التنطيط فى الملاهى يقفزون إلى أعلى وينزلون إلى أسفل هكذا طوال الوقت يقفزون مرات ومرات ويشعرون بالسعادة وهم يلعبون، مثل الرجل الشقلباظ الذى يسعد بالقفز، ويدافع عن كل تيار كأنه أشد المؤيدين له. والعجيب أن هذا التيار أو ذاك يعلم حقيقة الرجل، ولكنهم يتركونه فى أدائه مثل البوق الذى يصدر عنه صوت عالٍ يلملم الناس به. هذا الشخص النطاط يخالف حتى آراءه السابقة فى بساطة شديدة وكأنه لم يقلها، وينكر الرجال الذين نافقهم فى يوم من الأيام، ويقدم نفسه فى كل مرحلة على أنه ابن بار للتيار أو الشخص المنتظر منه الرضا والمناصب والمال.

مقالات مشابهة

  • «عنكبوت بريطانيا» .. لدغته تبقى مدى العمر
  • اقتصاديات المحافظات.. وإدارة المخاطر المستقبلية
  • لماذا تزيد شهيتك مع البرد؟ أطعمة تساعدك على الشعور بالشبع في الشتاء
  • الفرح : صراع لصوص بحضرموت والمهرة .. وهذا ما تبقى للسعودية؟
  • البابا تواضروس: الهاتف المحمول أنهى عصر «الإنسانية».. والجماهير تصفق لـ«شخصيات فارغة»
  • الجوع يهدد نحو 22 مليون مواطن.. السودان يواجه مجاعة متزايدة!
  • الرجل الشقلباظ!
  • «فخ» كأس العرب
  • نائب يطالب بتحرك دولي عاجل : أنقذوا ما تبقى من غزة
  • السكرتير العام للكاف: من الطبيعي أن تبقى الكأس الأفريقية بالمغرب