إدلب- يحمل محمد خضرو بعضا من أثاث منزله، وما خف حمله لينزح مع عائلته من محل سكنه المطل على نهر العاصي في مدينة دركوش بريف إدلب الغربي.

خضرو نزح إلى منزل جبلي بعيد عن مجرى نهر العاصي بعد ارتفاع منسوبه لمستويات قياسية، وغمرِه عددا من المنازل والمسابح والمطاعم المطلة على النهر، وسط تحذيرات من عواصف مطرية جديدة.

يقول خضرو -في حديث للجزيرة نت- إنه "منذ عشرات السنين، لم يصل نهر العاصي لهذا المستوى، حيث غمر -للمرة الأولى- المنازل وباتت المياه تجري في الأحياء وهو ما يهدد بسقوط المنازل القديمة فوق رؤوس ساكنيها".

وأضاف أن "منطقة دركوش معروفة بأنها ذات طبيعة زراعية خصبة، وفي كل موسم تصدر أطنانا من الخضراوات والفواكه، ولكن في هذا العام سوف تتضرر المواسم بشكل كبير بسبب غمر المياه البساتين، وهو ما يهدد المواسم الزراعية للفلاحين".

النازحون في إدلب يواجهون كارثة بيئية وصحية بسبب فيضان نهر العاصي (الجزيرة) العاصي يفيض وينشر الأمراض

وحذر الدفاع المدني السوري من أن "تأثير فيضان نهر العاصي والسيول لا يقتصر على الأثر المباشر بتهديد سلامة السكان وزيادة معاناتهم، لكن الخطر الأكبر الذي يحمله يتجلى في انتشار الأمراض المنقولة بالمياه نتيجة ضعف أو غياب شبكات الصرف الصحي، واستنفاد نظام الرعاية الصحية نتيجة ظروف الحرب المستمرة".

وتركزت أضرار العاصفة المطرية بشكل أكبر على مناطق ريف إدلب الغربي والمخيمات فيها، بسبب ارتفاع منسوب مياه نهر العاصي من جراء الهطولات المطرية الغزيرة، وفتح عدة سدود على النهر، وفيضان عدة مجاري مياه رافدة للنهر في مناطق الزوف والحمبوشية وعين البيضا ودركوش وخربة الجوز في ريف إدلب الغربي، حيث تضررت عدة مخيمات بسبب السيول، وتسربت المياه لعدة منازل للمدنيين في مدينة دركوش.

كما غمر فيضان روافد نهر العاصي أراضي زراعية في منطقتي بتيا والغزالة، ومنطقة تلول بالقرب من مدينة سلقين في الريف نفسه، بسبب ارتفاع منسوب مياه النهر، كما تسببت السيول في إغلاق عدة طرقات في مناطق حارم وكفرتخاريم وفرجين وبداما، وتجمعت مياه الأمطار والسيول في عدة منازل للمدنيين في مناطق حارم وبداما والحمبوشية وعين الحور.

خيام النازحين تضررت بشكل كبير (الجزيرة) كابوس موسم الأمطار

من جهته، أشار عضو مجلس إدارة الخوذ البيضاء أحمد يازجي إلى أن فرق الدفاع المدني السوري على جاهزية تامة للاستجابة لأي طارئ في حال ازدياد منسوب نهر العاصي وفيضان مياهه على المدن والبلدات، "حيث تواصل الفرق أعمالها في تدعيم السواتر الترابية على كتف نهر العاصي، بالتوازي مع أعمال الاستجابة والأعمال الخدمية المخففة للأضرار والمعاناة التي يعيشها المدنيون والمهجرون في شمال غربي سوريا".

واعتبر أن "الأضرار الكبيرة التي سببتها الأمطار الغزيرة لم تكن لتحدث لو كان السكان يعيشون في ظروف طبيعية، لكن تداعيات حرب نظام الأسد وروسيا جعلت من موسم الأمطار الذي ينتظره السكان كابوسا يزيد معاناتهم، في ظل وجود نحو مليوني مهجر يعيشون في المخيمات التي تفتقر لمقومات الحياة والبنية التحتية، وجاءت كارثة الزلزال المدمر في السادس من فبراير/شباط الماضي لتشرد عشرات آلاف العائلات، وتضعف سبل العيش".

ورأى أن المأساة التي يعيشها المهجرون لا يمكن حلها عبر تقديم الخدمات للمخيمات، رغم أهميتها وضرورتها ولا حتى بناء مخيمات أسمنتية، فمعاناتهم أعمق من مجرد السكن.

وأوضح يازجي أن الحل الجذري والوحيد يكون في توفير الأمان للمدنيين للعودة إلى مساكنهم وعندها تتضاءل الحاجة إلى الدعم الإنساني والإغاثي، وإلى حين هذا الحل يجب أن تتحقق لهم ظروف عيش تحفظ كرامتهم البشرية.

وتسبب الفيضان في أضرار بالأراضي الزراعية لبلدة جارز بريف حلب الشمالي، بغمر في الأراضي الزراعية واقتراب المياه من أحد منازل المدنيين، وتشكلت سيول من جراء الهطولات المطرية الغزيرة خلفت أضرارا في المخيمات بغمر المياه للخيام، وتشكل الوحل في طرقاتها في عدة مناطق في ريف حلب الشمالي والشرقي.

وأدت الهطولات المطرية الغزيرة لانهيار جدار في مسكن مؤقت في مخيمات أطمة شمالي إدلب، وانهيار جزئي لمنزل طيني في بلدة تقاد غربي حلب، وانهيار صخري على خيام لإيواء الناجين من الزلزال ضمن مخيم الشرفة بالقرب من عزمارين غربي إدلب دون وقوع إصابات.

فيضان نهر العاصي يهدد بغرق منازل ومساحات زراعية واسعة في مدينة دركوش (الجزيرة) نداءات استغاثة

غمرت المياه خيمة أحمد الراعي (أحد المدنيين من ريف إدلب الغربي)، وتبللت كل ملابسه، وبقي مع أطفاله يرتجف من البرد في العراء، حيث يجمع بعض العيدان ليشعلها من أجل التدفئة وسط اشتداد العاصفة المطرية.

وقال الراعي، في حديث للجزيرة نت، إن "هذا العام هو الأقسى منذ بداية نزوحي، أولادي أراهم يرتجفون أمامي وأنا عاجز تماما عن تأمين الدفء أو حتى المأوى، إن بقيت أوضاعنا من دون مساعدة فحياتنا في خطر".

وأضاف -في حديثه- أن معظم المخيمات في المنطقة تعرضت للغرق، والأهالي يطلقون نداءات استغاثة لإنقاذهم من البرد الشديد، "فليس لديهم لا مأوى ولا محروقات ولا طعام".

بدوره، وثق فريق "منسقو استجابة سوريا" تضرر نحو 110 آلاف نازح، ضمن 309 مخيمات في شمال غربي سوريا، جراء الهطولات المطرية الغزيرة التي أدت إلى سيول وفيضانات.

من جانبه، أكد مدير فريق "إدلبيون" التطوعي إبراهيم الزيدان -في حديث للجزيرة نت- أنهم بدؤوا حملات لمساعدة النازحين في الخيام، ولكن حجم الحاجة كبير جدا، وبحاجة إلى تضافر جهود جميع المنظمات من أجل مساعدتهم، حسب قوله.

وأضاف أن "آلاف النازحين بحاجة إلى نقلهم إلى مراكز إيواء بعيدة عن المخيمات التي تعرضت للغرق، وبحاجة إلى مواد التدفئة والأغطية وسلال الغذاء والنظافة والملابس على وجه السرعة".

المصدر: الجزيرة

إقرأ أيضاً:

كاتبة بين النازحين: نحن سكان غزة نمحى من التاريخ على الهواء

اعترفت الصحفية والشاعرة الفلسطينية الشابة نور العاصي بكل ألم وخجل -كما تقول- بأنها تفكر جديا في مغادرة غزة، لأن إسرائيل نجحت في خطتها للتهجير القسري بتدميرها كل الاحتمالات.

وتذكّر الكاتبة التي نزحت من شمال غزة مرتين -في مقال لها بموقع ميديا بارت الفرنسي- بأنها نشأت على الاعتقاد أن غزة ليست مجرد مكان، بل هي روحها وتاريخها وهويتها، وهي لم تر فيها سوى معاناة مغلفة بالقداسة، وحرب مغلفة بالدفء، ودمار محاط بشعور لا يتزعزع بالانتماء، كما تقول.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2مقال بتلغراف: هذه الانتخابات ستؤثر كثيرا في تحديد مستقبل أوروباlist 2 of 2واشنطن بوست: الشرع يواجه تحدي الأجانب الذين ساعدوه في الإطاحة بالأسدend of list

ومع ذلك، وبعد كل ما عانيناه -تقول نور العاصي- وبعد ليال لا تنتهي من القصف والجوع والتشرد والجثث المدفونة تحت الأنقاض، أترك الآن فكرة "ماذا لو غادرت؟" تكبر في ذهني، ككثير من الشباب الأذكياء المتجذرين في هذه الأرض، وهم يفكرون الآن في المستحيل، "فنحن نحلم ببناء شيء ما في الخارج، لأن كل ما نبنيه هنا مدمر ماديا وروحيا".

"تطهير ديمغرافي"

وتقول بنت حي التفاح بشمال شرق غزة، بكل ألم، إن إسرائيل نجحت في إستراتيجيتها الشيطانية المتمثلة في التهجير القسري من خلال الصدمة بجعل غزة غير صالحة للسكن، "فقد حولوا المنازل إلى أهداف، والمستشفيات إلى مقابر، والمدارس إلى أنقاض، جوعونا وشردونا وقصفونا مرارا وتكرارا. لم يكن هدفهم قتلنا فحسب، بل أرادوا قتل إرادتنا في البقاء".

إعلان

وتتابع "يؤلمني أكثر من أي صاروخ أو جرح أن أقول إنهم يدفعوننا إلى الرحيل، وقد بدأنا نضعف، لا في حب غزة، بل في إيماننا بأننا نستطيع العيش هنا، وسلاحهم الحاسم في ذلك ليس القنابل، بل اليأس".

ما تفعله إسرائيل في غزة ليس حربا، بل تطهيرا عرقيا وإبادة جماعية -كما تقول الكاتبة- فقد "دمروا كل شيء عمدا والعالم يراقب، والكاميرات تصور، وشاحنات المساعدات تصل محملة بفتات المساعدات والشعارات الزاهية، والمجتمع الدولي المتستر بلغة الدبلوماسية والديمقراطية، لم يعد متواطئا فحسب، بل هو المسؤول".

وذكّرت الكاتبة بإعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن عملية "عربات جدعون"، مشيرة إلى أنها اسم توراتي لمجزرة معاصرة، تعني غزوا عسكريا شاملا لمدن غزة المتبقية -كما تقول الكاتبة- "فها هي رفح التي كانت يوما مدينة جميلة ومزدهرة، قد محيت تماما، وخان يونس تحت الغزو الآن، ودير البلح تختنق تحت وطأة النازحين".

لا نموت بصمت

وأشارت الشاعرة إلى أن ما تريده إسرائيل هو إجبارهم على الاستسلام، وجعل الجيل القادم من الفلسطينيين يعتقد أنه لا يوجد ما يستحق المرء البقاء من أجله، لأن "بيوتنا غبار، ومدارسنا خراب، وشهاداتنا ودفاترنا وحتى أحلامنا ترقد تحت الأنقاض".

وتضيف نور العاصي: "نشهد شيئا يتجاوز القسوة، حيث الأطفال يحرقون أحياء، وتنتزع الأطراف من أجسادهم الصغيرة، نحن شعب غزة، نُمحى من التاريخ على الهواء، ومع ذلك لم يُتخذ أي إجراء، لأن العالم قد باع روحه للسياسة والتطبيع".

وذكّرت الشابة الفلسطينية بأنها لا تكتب هذه السطور بوصفها صحفية، بل بوصفها ابنة لم تعد قادرة على ضمان سلامة والديها، وأختا تسمع دوي الانفجارات وتتساءل هل ستكون هي الضحية التالية، هي الطالبة التي تحول تعليمها إلى رماد، والإنسانة التي تصرخ في الفراغ، متوسلة لأي شخص أن ينظر إلى هذه الحقيقة ولا يغض الطرف عنها.

إعلان

وختمت نور العاصي عمودها بأن حقوق الإنسان والقانون والأخلاق يجب أن تحفظ في غزة، وأن العالم الذي يشاهدنا نختفي دون أن يفعل شيئا، لا يدافع حقيقة عن شيء، "فنحن لا نموت بصمت، نحن نوثق دمارنا، وإذا سقطت غزة فلن تسقط في الظلام، بل ستسقط في دائرة الضوء، ويمضي العالم مفضلا النسيان".

مقالات مشابهة

  • مدير عام الدفاع المدني: خطة لضمان سلامة الحجاج براً وجواً وبحراً ..فيديو
  • الدفاع المدني يخمد الحريق في غابات منطقة السفكون بريف اللاذقية
  • ضبط شخصين لتعديهما على سيدة وابنها بالأسلحة البيضاء فى المطرية.. فيديو
  • ضبط 13 مخالفاً لنظام البيئة في عدد من مناطق المملكة خلال أسبوع..فيديو
  • كاتبة بين النازحين: نحن سكان غزة نمحى من التاريخ على الهواء
  • روبي تشعل المسرح برقصها بفستان أسود لامع يفيض أنوثة
  • صحة الخرطوم والدفاع المدني تبحثان مكافحة الكوليرا
  • الإمارات.. حريق في ميناء الحمرية والدفاع المدني يتعامل 
  • فيديو.. الإسكندرية تتعرض لعاصفة غير مسبوقة
  • في نص الشارع .. تجديد حبس متحرش المطرية