فى سجلات التاريخ القديم، يصوّر المؤرخ الاغريقى سترابو (ت. 24 م)  مدينة الإسكندرية لؤلؤة تزيّن صدر مصر، وتشكّل فيها الشوارع المزدحمة والهندسة المعمارية الرفيعة والفكر الفلسفى خيوطًا فى نسيج هوية فريدة، يتداخل فيها جمال الأنسنة الهيلينية مع جلال الحضارة المصرية.

مدينة تجسّد تَعَانُق البشر وتَثَاقُف الحضارات.

ويأتى بلوتارك، مؤرخ اغريقى آخر جليل، فيردد مشاعر سترابو حينما يصف الإسكندرية بمنارتها الشهيرة (الفاروس) كشاهد حيّ لرقيّ العصر البطلمى، حيث تقف مكتبة الاسكندرية القديمة صرحا للمسارات الفكرية ومجمّعا للمعرفة يلتقى فيه العلماء من خلفيات متنوعة، يصنعون إرثًا يشبه سيمفونية تتناغم  فيه الأصوات المختلفة لتخلق لحنًا يتردد فى ردهات التاريخ.

فى أيدى هؤلاء المؤرخين القدماء، تتحول الإسكندرية إلى أكثر من مجرد مدينة؛ بل تتحول إلى كائن حى يحتضن الحضارات المتنوعة. الاستعارات التى يستخدمونها تضفى حياةً إلى السجلات التاريخية، مما يسمح للقراء بالانتقال عبر الشوارع القديمة، والانبهار بالعجائب المعمارية، والمشاركة فى الحيوية الفكرية التى كانت تميز الإسكندرية-المدينة التى تركت بصمة لا تنسى على قماش التاريخ الإنسانى.

وفى نسيج ساحر من الأعمال الأدبية وخاصة أدب الرحلات، تظهر الإسكندرية كمصدر إلهام للكتَّاب والشعراء، من أمثال فلورنس نايتنجيل، قسطنطين كفافى، إى إم فورستر، لورانس دريل، جان كوكتو، ونجيب محفوظ، ففى أعمالهم تتكشف روح الإسكندرية قديما وحديثا.

فلورنس نايتنجيل، المعروفة بمساهماتها فى مجال التمريض، تركت أيضًا ملاحظاتها البارزة عن الإسكندرية. فى رسائلها ويومياتها، تظهر إسكندرية نايتنجيل كمجاز للتحديات والانتصارات فى عملها الرائد فى مجال الرعاية الصحية. تصبح المدينة رمزًا للصمود ورجاء للذين يسعون للشفاء من أمراض الجسد وأسقام الروح.

تصف فلورنس جمال شروق الشمس فى الاسكندرية (وأنا هنا أترجم بتصرف): "أشرقت  الشمس.. إنها لا تظهر هنا ببطء  وجدية تكسوها مسحة من الحزن، كما يحدث فى الفجر البارد عندنا فى إنجلترا..  هنا الشمس تقفز عبر الأفق، وهى تنخس بطون أحصنة أشعتها النارية وتصيح بفرح ينبلج معه النهار المشرق.. لن أنسى أبدًا رؤيتى الأولى لشمس الشرق».

قسطنطين كفافى، الشاعر الإسكندرى البارع، يقدم نظرة أكثر تأملًا فى أشعاره. فى «المدينة»، تصبح الإسكندرية متاهة مجازية، حيث يتداخل التاريخ والرغبة، يتنقل الشاعر فى شوارع المدينة وممرات الذاكرة، يكشف عن طبقات ماضيها بأناقة حزينة تتردد فى أذهان القراء عبر القارات.

فى كتابه «الإسكندرية: تاريخ ودليل»، يحوّل إى إم فورستر المدينة إلى لوحة ينسج عليها تعقيدات العلاقات البشرية، وتبدو الإسكندرية مجازًا لتداخلات العلاقات الثقافية والشخصية، وتصبح كل زاوية فى الإسكندرية كنايات تنبض برغبات وصراعات القاطنين فيها.. وللحديث بقية.

 

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: الإسكندرية ت ع ان ق البشر سجلات التاريخ مصر الحضارة المصرية

إقرأ أيضاً:

«مصنوعة من عظام الحيتان».. علماء يكشفون سرًا عن أدوات قديمة صنعها الإنسان

حدد العلماء أقدم دليل معروف على أن البشر كانوا يصنعون أدوات من عظام الحيتان، حيث اكتُشفت هذه العظام، المصاغة على شكل مقذوفات ضيقة للصيد، في حفريات يعود تاريخها إلى أكثر من قرن في خليج بسكاي بالقرب من إسبانيا وفرنسا.

وظن العلماء أن هذه الأدوات قديمة جدًا، لكن العديد منها كان عبارة عن شظايا صغيرة، مما جعل تحديد عمرها صعبًا.

العلماء يحددون عمر هذه الأدوات القديمة

أتاح التقدم التكنولوجي في العقد الماضي تحديد عمر أقدم هذه الأدوات بحوالي 20 ألف عام، حيث وجد العلماء أن العظام تعود إلى الحيتان الزرقاء، وحيتان الزعانف، وحيتان العنبر، وأنواع أخرى.

من جهتها، قالت فيكي زابو من جامعة كارولينا الغربية، والتي تدرس تاريخ صيد الحيتان ولم تشارك في أحدث الأبحاث: "من الواضح أن البشر والحيتان كانوا يلتقون ببعضهم البعض منذ زمن طويل".

ويعتقد العلماء أن البشر القدماء كانوا يصنعون أدوات من عظام الحيتان في أماكن تشمل القطب الشمالي وجنوب المحيط الهادئ.

كما أن هناك أدلة دامغة على وجود أدوات من عظام الحيتان يعود تاريخها إلى حوالي 5000 عام، إلا أن البحث الجديد الذي نُشر يوم الثلاثاء في مجلة "نيتشر كوميونيكيشنز" يُرجّح هذا التاريخ.

قال جان مارك بيتيون، مؤلف الدراسة من المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي، إن البشر القدماء لم يكونوا بالضرورة يصطادون الحيتان. بل على الأرجح، كانوا يقتاتون على جثث الحيتان الجانحة على الشاطئ، ويصنعون عظامها الكثيفة والثقيلة أدواتٍ لصيد الرنة أو البيسون.

تشير هذه الأدوات إلى أن قدماء سكان المنطقة استغلوا الموارد القريبة من البحر للبقاء على قيد الحياة. ومن المرجح أنهم كانوا يجمعون الأصداف البحرية ويصطادون الأسماك أيضًا. وقد صرّح العلماء بصعوبة العثور على مثل هذه الأدلة نظرًا لارتفاع منسوب مياه البحر الذي يُزعزع السواحل في جميع أنحاء العالم.

اقرأ أيضاًحسام موافي يحذر المواطنين من عادة خطيرة قد تؤدي إلى فشل نخاع العظام

لحمايتك من وهن العظام.. مصادر طبيعية لفيتامين «د »

غني بالفيتامينات والكالسيوم.. «الثوم» مسكن طبيعي لآلام الظهر والعظام

مقالات مشابهة

  • الضعين سوف تستسلم من مصدر ثقة ولن تطلق فيها النار
  • مسرحية يُغمى فيها على الجميع
  • إيكونوميست: الذكاء الاصطناعي يُسرّع العمل ولن يقصي البشر
  • «مصنوعة من عظام الحيتان».. علماء يكشفون سرًا عن أدوات قديمة صنعها الإنسان
  • تغير المناخ وزيادة الاحترار ينشران طفيليات قاتلة
  • سؤال عن أخلاق مرحلة "ما بعد الإنسانية"
  • الدين والوطن
  • محمد صلاح: مباراة مع منتخب مصر لم استطع فيها حبس دموعي
  • من نكبات الطبيعة إلى جرائم البشر.. ماذا جرى اليوم في عالم يئن تحت وقع الكوارث؟
  • منظمة الصحة العالمية: 60% من الأمراض المعدية بين البشر سببها الحيوانات