بسم الله الرحمن الرحيم و أفضل الصلاة و أتم التسليم على سيدنا محمد.

ساقت الأقدار و الحظ العاثر صاحبنا إلى مشاهدة مقابلة أجرتها قناة إسكاي نيوز عربية تُسَوِّقُ فيها الجهة الممولة للقناة قآئد مليشيات الجَنجَوِيد (الدعم السريع) محمد حمدان دَقَلُو (حِمِيدِتِي) كرجل الدولة السودانية القادمة التي يجري تكوين أجنتها في مختبرات تقع فيما ورآء بحر المالح!!! ، و قد أحدثت تلك المقابلة ، التي جرى تمثيلها و إخراجها مسبقاً و بصورة رديئة ، في صاحبنا الكثير من القلق و الإكتئاب ، و سببت له حالة غثيان و تقيؤ إستمرت لفترة من الوقت ، و ذلك بسبب ما إحتوت عليه الحلقة من نفاق و أكاذيب و تضليل للرأي العام.

..
و لقد إِبتُلِيت بلاد السودان بالعديد من الطغاة و القادة أصحاب العاهات النفسية و بعقود طويلة من الحكم العسكري المستبد و الأنظمة الدكتاتورية ، و مما ساهم و ساعد على إطالة أمد الطغاة و الأنظمة الشمولية: القمع و ترويج فكرة القآئد الطاغية و تلميعه مع التضليل/التطبيل الإعلامي المكثف المصحوب بعمليات مسح/غسل/برمجة أدمغة الجماهير و تسويق و ترويج ”الفكر“ الأحادي و كذلك الإرتهان للأجنبي بدعاوى شتى ، و هذه الألاعيب هو عين ما مارسته و لا زالت تمارسه الأجهزة الأمنية و الإعلامية للجنة الأمنية العليا لنظام الجماعة الإنقاذية المتأسلمة (الكيزان) و مليشيات الجَنجَوِيد (الدعم السريع) المتمردة...
إن من أسباب الأزمة السودانية الحالية/المزمنة و إستدامتها غياب أصحاب المصلحة الحقيقية من الشعوب السودانية عن المشهد السياسي ، و شح إسهاماتهم في الأمر العام ، و إحجام غالبيتهم عن إبدآء الرأي فيما يخصُّ حياتهم و شؤونهم ، و تقاعسهم عن الفعل و العمل ، و ضعف إيمانهم في إمكانية إحداث التغيير...
و يتراوحُ الغيابُ بين:
- التغييب القهري/القسري:
و هو ما مارسته و فرضته الطغم العسكرية الدكتاتورية التي توالت على الحكم و السلطة منذ رحيل المستعمر (المحتل) البريطاني ، و قد ساعدتهم في مسعاهم المدمر ذاك أتباعهم من جماعات ”النخب المستنيرة“ التي تم تدجينها و تأليفها بالمناصب و الألقاب و الإمتيازات...
و يتم التغييب عن طريق إستخدام إستراتيجيات و وسآئل و أساليب متعددة منها: ممارسة القمع و البطش و الإرهاب المفرط ضد المعارضين و إستغلال الدين و خلط المفاهيم و إرباكها و تكثيف نشر الأفكار المضللة و تشجيع النزعات الفردية و القبلية و الجهوية و تسهيل التعليم السطحي و منح الدرجات العلمية من غير إستحقاق مما يُفَعِّلُ الجهل المعرفي و المهني و كذلك الإرتهان للنظام ، هذا بالإضافة إلى تشجيع النشاط الإقتصادي الطفيلي و ثقافة الإستهلاك و تزيين الفساد و الإنتهازية و المصلحة الذاتية...
- الغياب الطوعي:
و من مظاهره اللامبالاة و الخنوع و العجز و القصور و التقاعس عن القيام بالواجب و أدآء إستحقاقاته التي ربما تضمن التضحيات الأجسام ، و مما يساعد على الغياب الطوعي إنتشار ثقافة الخنوع التي ينشط في تسويقها أتباع و أجهزة النظام القمعية ، هذا إلى جانب ترسيخ مفاهيم حتمية الرضا و القنوع بالأمر الواقع و عدم الخروج عن طاعة ولي الأمر و ترويج فرضية أنه لا يوجد بديل ، و أن البديل هو الفراغ و الفوضى و الطوفان...
و رغم هذه الضبابية إلا أن الشعوب السودانية حاولت مراراً الفكاك من دوآئر التغييب القسري و الغياب الطوعي و التضليل الفكري و التطبيل الإعلامي ، و تشهد على ذلك عدة ثورات/إنتفاضات لم تُجنَىَٰ ثمارها بسبب التحالف التاريخي اللعين بين العسكر و بعضاً من النخب الإنتهازية من جهة و التدخلات الأجنبية من جهة و التقاعس/الإحجام/العجز من قبل القادرين من الشعوب السودانية من جهة أخرى...
الخلاصة:
المشهد السياسي السوداني الحالي يبين أن: الحرب و الفوضى و المعاناة العظيمة و عقود ممتدة من القمع و التغييب و الفكر الضآل و تغبيش الحقآئق بواسطة المكآئن الإعلامية المضللة/المطبلة للجماعة (الكيزان) و مليشيات الجَنجَوِيد قد قادت إلى ضبابية في التفكير لدى الكثير من أفراد الشعوب السودانية ، و ساقت طوآئف منهم إلى الإصطفاف خلف قَاتِلَين/سَفَّاحِين كلاهما من إنتاج مصانع الجماعة (الكيزان) الشيطانية ، التي تسعى إلى إخماد جذوة الثورة السودانية بكل الوسآئل و بشتى الدعاوى...
و المؤكد هو أنه لا مجال للقتلة و السفاحين و حلفآءهم في السودان الجديد ، و أن لا فكاك من هذه الدوآئر الشيطانية إلا بالعودة إلى مربع الثورة الأول و مواصلة النضال/الكفاح و تنقيحه و تجويده من أجل تحقيق شعارات الثورة الخالدة التي هزت ثم دكت أركان نظام الكيزان/الشيطان:
أي كوز ندوسو دوس...
حرية ، سلام و عدالة...
مدنية خيار الشعب...
العسكر للثكنات...
و الجنجويد ينحل...
و الحمدلله رب العالمين و أفضل الصلاة و أتم التسليم على سيدنا محمد.

فيصل بسمة

fbasama@gmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الشعوب السودانیة

إقرأ أيضاً:

زيارة ترامب للخليج.. أو مرحلة التعرية المتعجرفة

هذا زمنُ الغَلبة، ولا معنى فيه لخطاب اللياقة وأساليب اللباقة، ولا جدوى فيه للبروتوكول التقليدي في التعامل بين مسؤولي الدول وقادة البلدان، هو زمنٌ للأقدر على الفعل وليس للأبلغ خطابة ولا للأجمل بيانا ولا للألطف صوتا، فقد انقضى زمن مسرحة السياسة؛ حيث يتدرب الساسة لمدة طويلة على فنون الخطابة وعلى كيفيات الحضور الرسمي؛ حيث حركة الأيدي وإشارات الأصابع واستدارات الرأس، وحيث يكون السياسي الأبرع هو الأقدر على سحر الجماهير بل وعلى تحقيق الهيمنة النفسية على الطرف المقابل من سياسيي الداخل أو قادة الخارج.

كانت الجماهير في أغلب بلدان العوالم المتخلفة تنظر إلى زعمائها على أنها صانعة انتصارات وقاهرة الأعداء وحامية حمى الأوطان والدين، ولا أحد من عموم الناس كان يتصور أن قائدا عربيا يمكن أن يكون خاضعا لأوامر خارجية أو يمكن أن يتلقى معاملة سيئة من أي قائد أجنبي؛ دون أن يكون له موقف منتصر لكرامته ولكرامة بلاده وعزة شعبه وشرف أمته.

لم تتكشّف معايبُ النظام العربي الرسمي كما تكشّفت بعد طوفان الأقصى، حيث ظهر القادة العرب منهزمين عاجزين وجبناء، بل وبعضهم انكشف مشاركا في جريمة الإبادة ضد أبناء غزة
لم تتكشّف معايبُ النظام العربي الرسمي كما تكشّفت بعد طوفان الأقصى، حيث ظهر القادة العرب منهزمين عاجزين وجبناء، بل وبعضهم انكشف مشاركا في جريمة الإبادة ضد أبناء غزة، لقد بدا قادة أغلب الدول العربية في وضعية المهزوم؛ لا يقدرون حتى على قول كلمة حق ولا على إطلاق صرخة حقيقية ضد قادة الكيان الغاصب وضد قادة الدول الكبرى الداعمة بالسلاح وبالمال وبالمواقف لحرب الإبادة ومشاريع التهجير التي لم تتوقف منذ انغراس هذا الكيان الغريب على منطقتنا وعلى أمتنا.

ما يصدر من حين لآخر من تصريحات وبيانات إدانة، يُطلقها "قادة" عرب، لم تعد تعني شيئا بالنسبة لشعوبنا ولم تعد تزعج المعتدين وحلفاءهم، الجميع يعرفون أنها بلاغة العاجزين بل وصرخات شركاء الجريمة يمشون في جنازات ضحاياهم ويظنون أنهم يصرفون عن أنفسهم شُبهة المشاركة في جريمة.

لقد كان ترامب واضحا وصريحا إلى حدّ نزع كل ما تبقى من غشاوات على أعين السّذّج من عموم أقوامنا؛ ما زالوا يعتقدون أن زعماءَ من العرب تعنيهم سيادة أوطانهم وكرامة شعوبهم ومهابة أمتهم وقداسة قضيتهم.

كان حددّ مطالبه قبل الزيارة، بل هي أوامرُه أطلقها بكل عنجهية وجشع ومن غير تقاليد بروتوكولية معهودة، كان متعجرفا وهازئا ومُهينا، وليس إهانة أكبر من أن يعتبرهم سُذّجا بلهاء حين قال -بعد أن "حَلبَهم"- إنه وجدهم بحاجة إلى الحب فأعطاهم إياه، وقال إن "بايدن لم يُعطِهم إلا قبضة يده".

ما من مواطن حر، إلا ويؤلمه أن يُهان زعماء دول عربية كبرى في مساحاتها أو في ثرواتها أو في عدد سكانها، فتلك الإهانات تتجاوز ذواتهم الخاصة لتنال من كرامة الأوطان ومن عِزّة الشعوب، وهو ما يقصده جبابرة العالم الرأسمالي
عادة، قادة الدول يستمدون قوتهم من وقوف شعوبهم معهم حتى وإن كانت بلدانهم أقل قوة اقتصاديا وعسكريا، فالشعوب هي القوة التي يهابها جبابرة العالم وقد علمهم التاريخ أن الشعوب المؤمنة بعدالة قضاياها لا يمكن أن تُهزم مهما تعاظمت تضحياتها ومهما طالت سنوات مقاومتها، فأصحاب الحق هم الأقدر على الصبر وهم الأكثر تحملا لتكاليف معارك التحرر.

غير أن هؤلاء القادة لا هم يمتلكون أسرار "قوتهم العسكرية"، ولا هم يحظون بشعبية تجلب لهم هيبة وتُكسبهم مهابة فلا يستصغرهم ظالمٌ ولا يحتقرهم متجبّرٌ.

إن ترامب وهو يمارس فنون الإهانة على بعض قادة العرب، كان يعلم أنهم في العراء، وكان يتعّمد المزيد من تعريتهم حتى لا يبقى لهم ما يتعللون به من كونهم يخشون شعوبهم وكونهم يحتاجون تدرّجا في بلوغ مرحلة "الاستسلام التام"، أي مرحلة التطبيع العلني مع الكيان الغاصب.

ما من مواطن حر، إلا ويؤلمه أن يُهان زعماء دول عربية كبرى في مساحاتها أو في ثرواتها أو في عدد سكانها، فتلك الإهانات تتجاوز ذواتهم الخاصة لتنال من كرامة الأوطان ومن عِزّة الشعوب، وهو ما يقصده جبابرة العالم الرأسمالي الغالب حين "يُنكّلُون" علنا وعلى مرأى ومسمع الساسة والمثقفين والدعاة وأجهزة الدول دون أن يتوقعوا غضبةً أو ردة فعل.

لقد علمنا التاريخُ أن مَكرَهُ مُودَعٌ في غباء المتجبّرين، وأنهم حين يبلغون فيه أوجَ عبثهم لا تتأخرُ سُننُه، فإذا هي "البطشةُ الكبرى" تنتقم فيها الشعوب لكرامتها المُخَبّأة في أعماقها؛ لا نعلم لها موعدا وإنما نعلمُ يقينا حتميتها بما هي مواتاة النتائج للأسباب.

x.com/bahriarfaoui1

مقالات مشابهة

  • وكالة ترويج الاستثمار تطلق برنامج حوافر للمستثمرين بقيمة مليار دولار
  • تحذيرات صارمة داخل لجان امتحانات النقل.. و"التعليم" تشدد على الانضباط وتجرم الغياب والغش
  • وزير السياحة والآثار: ترويج دير أبو مينا كواحد من أبرز المواقع الأثرية والدينية
  • بمشاركة دولية.. السليمانية تستعد لإطلاق أول مهرجان لثقافات الشعوب (صور)
  • دينا الشيخ: أضئْ شمعةً في الغيابِ البعيدِ وعلِّمْ طقوسَ البكاءِ السكوتْ وكنْ للسماءِ سماءً وجسرًا وللراحلينَ كدفءِ البيوتْ
  • الأمة العربية.. مأساة وحدة ضائعة وكرامة مهدورة
  • زيارة ترامب للخليج.. أو مرحلة التعرية المتعجرفة
  • الغياب قبل الامتحانات .. ظاهرة سلبية تؤرق الهيئة التدريسية ويبررها أولياء الأمور
  • تحذير من حملات ترويج عقارية غير مرخصة داخل مراكز التسوق
  • معركة الوعي: كيف يحاول الكيزان إعادة التاريخ