محمد جلال أحمد هاشم
جوبا - 21 يناير 2024م

(مهداة الى والدي في ذكرى وفاته الثالثة والعشرين: لقد عاش موظفا في الدولة، لكنه لم يكن أبدا أفنديّاً؛ فهو لم يخن، ولم يسرق، ولم يساوم أبداً في مبادئه)

*نخب دولة ما بعد الاستعمار الأربع*
هذه النخب هي: (1) المؤسسة العسكرية؛ (2) زعماء الطوائف الدينية؛ (3) زعماء العشائر الإثنية؛ (4) وطبقة الأفندية ناتجة النظام التعليمي غير الوطني.

وأشرّهم الأخيرة لأنها هي المباءة التي عادةً ما ينتهي إليها نخب المجموعات الثلاث الأولى. وجميعها متحالفة مع بعضها، مها تظاهرت بغير ذلك، أكان من حيث الانقسام الزائف يميناً ويساراً، أو من حيث الحكم والمعارضة. وهي نفسها النخب التي اصطنعها الاستعمار لنفسه ثم ورثت عنه حكم البلاد بعد تحقق الاستقلال السياسي الإسمي، لتبدأ بعدها رحلة التبعية. وجميع هذه النخب الأربع تلتقي في أنها تنتمي بالأصالة إلى الأيديولوجيا الإسلاموعروبية الغاشمة، حتى إذا كان بعض منها ليس بمسلم اعتقاداً أو انتقادا. فإذا عرفنا بأن هذه هي النخب التي حكمت السودان منذ استقلاله، وقايسنا هذه الحقيقة مع حقيقة أخرى تقول بأن وضع السودان منذ الاستقلال وإلى هذه اللحظة ظل ينحدر من حالقٍ إلى ماحقٍ، عندها أدركنا كيف أن ما يبدو في ظاهره كفشل ليس سوى انعكاس طبيعي لنجاح قوى الاستعمار والإمبريالية في التحكم على مصائرنا من عبر البعد عبر هذه النخب فيما يعرف بظاهرة تبعية دولة ما بعد الاستعمار لقوى الإمبريالية العالمية.

*خيانة طبقة الأفندية الكمبرادورية لوطنها وشعبها: حرب السودان نموذجا*
إنه لمما سيذكره التاريخ على أنه عار وطني كبير ما نراه الآن وما يحدث من تآمر على السودان من قبل قطاعات واسعة من طبقته المتعلمة من حيث دعم مليشيات الجنجويد المجرمة في حرب الوكالة التي تخوضها ضد الشعب السوداني وضد كيان الدولة السودانية نيابةً عن قوى الإمبريالية، بجانب استعدادها الداخلي للترويج لكل ما من شأنه إضعاف شوكة الجيش السوداني (على علاته). وهذا أمر يا طالما ظللت أكتب عنه كثيرا منذ أكثر من ثلاثين عاما، وليس أدل على ذلك من آخر كتابين صدرا لي، أحدهما باللغة الإنكليزية عام 2019م:
_To be or not to be: Sudan at Crossroads:A Pan Afrikan Perspective_ (Dar es Salaam, Tanzania)
والآخر باللغة العربية وقد صدرت طبعته الثالثة عام 2023م:
*مفاكرات حول منهج التحليل الثقافي* (كوالالمبور)

وقد قلت بالحرف، إن الخطوط الأمامية لسدنة الأيديولوجيا الإسلاموعروبية (الكيزان، أنصار السنة، الطائفيين، القوميين العرب ... إلخ) قد استهلكت طاقتها وتهاوت وفقدت قدرتها على التأثير وتوجيه الأمور نحو الانهيار الكبير. هنا ستظهر الخلايا النائمة للأيديولوجيا الإسلاموعروبية وهي سدنة الصف الثاني والثالث، وهم أخطر ألف مرة من الصفوف الأمامية لأنهم لا يرفعون شعارات تلك الصفوف البائدة، بل ظلوا عمرهم كله يعملون كما لو كانوا حاملي مشعل الحداثة وما بعد الحداثة. فمنهم الماركسي اللينيني غير الشيوعي، ومنهم الماركسي اللينيني الشيوعي، ومنهم الاتحادي الديموقراطي الحداثوي وحزب الأمة المستنير، ومنهم المؤتمر السوداني المتفتح، ومنهم عضو حركات النضال المسلح من حركة شعبية وخلافها، ومنهم من يطرح نفسه كشخصية وطنية غير منتمية حزبيا ولكنه فقط مع الحقيقة ومع الشعب والوطن ... إلخ، وجميييييييعهم غير أصيلين فيما يتظاهرون به، فهم أسوأ من الكيزان وأسوأ من أنصار السنة وأسوا من التكفيريين الداعشيين ومن بوكو حرام. ومرد السوء فيهم هو أن غباءهم الأيديولوجي لا يستحكم فيهم لدرجة العِماية التي ألفناها في سدنة الصف الأول للأيديولوجيا الإسلاموعروبية مثل الكيزان وأنصار السنة وكل من لفّ لفّهم، بل هو غباء بين بين، ذلك بأثر التعلق بأهداب الحداثة ومطالعة ما صادفهم من كتابات جعلتهم يحتفظون ببعض مخايل التفكير النقدي الذي لا يساعدهم أول وهلة ليفهموا الأمور على ما هي عليه من حيث وطنيتها من عدمها. ولكنه، في نفس الوقت، مع كونه غباءً، لكنه ليس كافياً ومستحكما بحيث يجعلهم غير قادرين على أن يستمروا في خداع أنفسهم. ولهذا، فهم بين بين، ذلك ريثما يعمدون إلى لعبة خداع الذات هربا من جلد الذات وسوانح صحيان الضمير متى ما واتتهم، فإذا هم في دوامة ما بين اليقظة والتوهان.
ثم لا يقف بهم الحال إلا بتخدير الذات، ذلك بإعلاء سقوطهم الأخلاقي والوطني، واستعراضهم لأنفسهم في سوق النخاسة السياسية، ذلك بأن يفقدوا كل مخايل الحشمة والوقار، إذ يبرزون بين الناس كما لو كانوا سدنة الوطنية الحقة والاستنارة. وكلما ألمت بهم وخزة من متبقيات الضمير المخدر، لجّوا في النكران وأسرفوا في فارغ الكلام المُكترى ببَدرةٍ من مال السحت، من فتات مال منظمات المجتمع المدني الدولية والمحلية.
وهذا ما يجعلهم ينكشفون، أول ما ينكشفون أمام أنفسهم. وهكذا تراهم يعيشون في جحيم وسُعار خداع الذات وانكشافها أمام نفسها، فلا يملكون من أمر نفسهم شيئا ولا يستطيعون أن يواروا سوءاتهم. وهكذا تسقط دونهم جميع أقنعة الحداثة، ولا يملكون من مهربٍ عنها أو مندوحة. وهنا ينطبق عليهم المثل القائل: عايرة وادوها سوط!

*قوى الصف الأول للأيديولوجيا الإسلاموعروبية: تفكيك مؤسسات الدولة الوطنية الحديثة*
وهكذا خلصت إلى أن دور الصفوف الأمامية للأيديولوجيا الإسلاموعروبية هو دهورة الأمور عبر التفكيك الممنهج لمؤسسات الدولة الوطنية: الشرطة تقابلها الشرطة الشعبية؛ الجيش تقابله مليشيات الدفاع الشعبي (ثم لاحقا مليشيات الجنجويد المجرمة، بما فيها المرتزقة العابرة للحدود)؛ قوات الاحتياط المساندة للقوات المسلحة تقابلها قوات المجاهدين؛ الخدمة المدنية والعدلية عبر الكفاءة تقابلها الخدمة المدنية والعدلية عبر الولاء على حساب الكفاءة؛ الاستقلالية والسيادة تقابلها التبعية والتفريط في الأرض وفي وحدة البلاد؛ الدولة الوطنية الحديثة التي لا تقوم لها قائمة حال افتقادها لشرط علمانيتها البنيوية تقابلها الدولة الدينية التي تمايز بين الشعب على أساس الضمير، وتتظاهر بأنها تحرس الاخلاق بينما هي تفعل العكس.
وجميعنا عشنا ورأينا ما فعلته دولة الإنقاذ الكيزانية المارقة وما بلغته في هذا. ولكن يجب علينا أن نصدع بالحقيقة كاملة. فدولة الكيزان هي فعلا تمثل سنام الأيديولوجيا الإسلاموعروبية، لكنها لا تمثل قاعدة هذه الأيديولوجيا. فجميع القوى السياسية المندرجة تحت نخب دولة ما بعد الاستعمار هي إسلاموعروبية، وقد ساهمت كل واحدة منها حسبما يليها من أدوار ومهام. فبعد ثورة اكتوبر، تمخض الجبل فولد فأرا، ذلك عندما التقت كلمة جميع أحزاب الأمة والاتحادي والكيزان على تجريد مؤسسة الدولة الوطنية الحديثة من شرط علمانيتها البنيوية، ذلك بتحويلها إلى دولة دينية. فقام انقلاب مايو 1969م اليساري، ظاهريّاً للحيلولة دون ذلك. فماذا فعل؟ كشف عن عميق انتمائه للأيديولوجيا الإسلاموعروبية عندما قام بالتخلي عن علم استقلال السودان، وهو العلم الذي رفعته أفريقيا ليمثل علم استقلال أفريقيا، ولا تزال هناك أكثر من ثماني دول أفريقية تحمله كما هو أو استمدت أعلامها منه. فماذا فعل نظام مايو في صبح يساريته الظالعة تبك؟ قام بتبني علم جامعة الدول العربية الذي يرمز فيه اللون الأسود إلى كل ما هو سيء، فتصوروا! ولا غرو! فإذا كان الحزب الشيوعي قبل ذلك بعامين، في مؤتمره العام الرابع، قد أعلن إيمانه بالأمة العربية، وجدد التزامه بمشروع القومية العربية، مؤكداً التزامه بالعمل من اجل تحقيق الوحدة العربية، فكيف لا تكون أولى قرارات ذلك النظام هو التخلي عن علم استقلال أفريقيا وابتوجه نحو ابتدار الوحدة العربية ثلاثيا (السودان ومصر وليبيا) ولاحقا رباعيا بانضمام سوريا، ريثما يتهاوى جبل الرمل سريعا. ولا غرو! فمفهوم "الأمة" هو نفسه من منتجات مؤسسة الدولة الوطنية الحديثة التي تأسست بموجب اتفاقية ويستفاليا في عام 1648م، ما يعني أن الدولة الوطنية هي المعمل الذي تتشكل وتتبلور داخله الأمة متى ما توفرت لها العوامل من حيث معاملة الدولة لجميع مواطنيها بالتساوي والعدل. وعليه، مفهوم القومية العربية ليس فقط مجرد مفهوم أيديولوجي يقع خارج دائرة مؤسسة الدولة الوطنية، بل هو مفهوم بوضعه هذا لا يمكن أن يتحقق إلا عبر تفكيك ذات مؤسسة الدولة الوطنية. بمعنى أن نطلق العصفور الذي في يدنا على أمل اصطياد العصافير التي تصدح في الأشجار، فتخيلوا! فهل بعد هذا يحق لأحد أن يستغرب كيف ولماذا انتهى نظام مايو إلى مجرد دولة دينية، فكأننا يا بدر لا رحنا ولا جينا!

*الخلايا النائمة للأيديولوجيا الإسلاموعروبية: هد المعبد فوق رؤوس الجميع*
وهكذا لعبت قوى الصف الاول للأيديولوجيا الإسلاموعروبية دورها كاملا في تهيئة الجو لانهيار وتسييل مؤسسة الدولة الوطنية، ولكنها دفعت في ذلك ثمنا كبيرا جعلها "تشيل وش القباحة" وتفقد بالتالي شعبويتها (وليس شعبيتها). وعليه، لم يبق من بد غير أن تتقدم
الخلايا النائمة للأيديولوجيا الإسلاموعروبية لإكمال المهمة، وهي مهمة هد المعبد فوق رؤوس الجميع، بالضبط كما فعل نيرون عندما حرق روما، وهو ما نعيشه الآن.
وحتى لا نصرف من الكلام أكثر مما يجب، دعونا نأخذ قحت بوصفها رأس الرمح في الخلايا النائمة للأيديولوجيا الإسلاموعروبية، لنرى ما فعلته ولا تزال تفعله.

*الخيانة الاولى:* عندما اندلعت الثورة، لم تكن هناك قحت، وحتى عندما انتصرت الثورة ونصب الثوار اعتصامهم أمام القيادة العامة بموجب وعيهم الثوري، ودون أي توجيه من قحت. وقد ظل هتاف الثوار الخالد هو: *تسقط تاني وتالت ورابع!* ثم الهتاف الخالد الذي تقرحت به حناجر الثوار في الاعتصام: *مدنياااااااااو!* فماذا فعلت قحت؟ بكل بساطة عقدت نيتها وبيتت أمرها على التفاوض مع اللجنة الأمنية لنظام الكيزان وبمعية ميليشيات الجنجويد. وهذا ما سعت إليه قحت وظلت تعمل على تحقيقه برغم علمها التام برفض جماهير الثورة لأي شراكة مع العسكر والجنجويد. ولكن قحت ظلت سادرة ضلالها المقيم لا تلوي على شيء. وبالفعل، توصلت قحت إلى عدة اتفاقات مع لجنة البشير الأمنية ومعها مليشيا الجنجويد. ولكن قحت لم تتمكن من تغيير موقف الجماهير الرافض التي أصرت على مقاطعة قيادات قحتةبالهتاف الخالد: *مدنياااااااااو!* فالمهم أن يشاركوا في الحكم ولو عبر خيانة الثورة والشعب!

*الخيانة الثانية:* عندما عجزت قحت تماما عن تمرير اتفاقاتها مع العسكر والجنجويد، ذلك لاتحاد كلمة المعتصمين ورفضهم لأي اتفاق، هنا صُنعت الشروط المنطقية لفض الاعتصام. فقد توصلت قحت إلى عدة صيغ اتفاقات مع العسكر والجنجويد ولكنها عجزت تماما عن تمرير ما اتفقت عليه. وبالفعل تم الاتفاق بين العسكر والجنجويد وقحت (وكذلك كتائب الكيزان - وقد اعترفت بهذا قحت نفسها)، على فض الاعتصام. وهنا لا يهم إذا كانت قحت لا تعلم بطريقة فض الاعتصام أو أنهم ضللوها، إذ يكفيها من الخيانة أنها وباعتراف قادتها كانوا يعرفون ذلك. وهكذا خانت قحت ذات الجماهير وذات الشعب الذي ادعت أنها تمثل ثورته وتعمل على تحقيق شعارات وأهداف ثورته. فالمهم أن يشاركوا في الحكم ولو عبر خيانة الثورة والشعب!

*الخيانة الثالثة:* بمجرد فض الاعتصام وبتلك الوحشية غير الإنسانية، اتخذت قحت قرارها بقطع الاتصال مع العسكر والجنجويد، ومن ثم العودة إلى موقف الشعب الثوري المتمثل في مواصلة الثورة، تحقيقا لشعار *تسقط تاني وتالت ورابع!* وكذلك شعار *مدنياااااااااو!* ولكن سريعا ما تراجعت قحت عن قرارها ذلك ومن دون أن تتخذ قرار يلغي قرارها الأول، وكانت هذه هي الخيانة الثالثة التي ارتكبتها قحت في حق الثورة والشعب السوداني. فالمهم أن يشاركوا في الحكم ولو عبر خيانة الثورة والشعب!

*الخيانة الرابعة!* بعد عودتها المخزية إلى التواصل مع العسكر والجنجويد ودخل التفاوض مرحلة صياغة الوثيقة الدستورية، لم تفشل قحت فحسب من حيث انتداب ضعاف العقول والقلوب والأهلية لصياغة تلك الوثيقة، بل ضعفت عن أن تحافظ على صيغة واحدة لها ولو كانت مليئة بالثقوب كالغربال، بل تساهل مع العسكر والجنجويد لدرجة أنه حتى الآن لا يعرف الشعب على وجه اليقين كم نسخة توجد من هذه الوثيقة المثقوبة وهي مختلفة عن أخراها. وبهذا أطلقوا يد العسكر والجنجويد في كل مفاصل الفترة الانتقالية. فالمهم أن يشاركوا في الحكم ولو عبر خيانة الثورة والشعب!

*الخيانة الخامسة:* نصت الوثيقة الدستورية في بعض نسخها المعلنة على أن يكون مجلس السيادة ذا سلطة رمزية يمثل السيادة، ولكن، إما عبر نسخ أخرى غير معلنة، أو بطريقة "السُّكات رُضا"، تفاجأ الشعب والثوار بأن مجلس السيادة ليش مجرد مجلس بسلطات رمزية، بل هو مجلس سيادي رئاسي. وقد نجم عن هذا اختطاف المرحلة الانتقالية تماما من قبل عسكر وجنجويد مجلس السيادة، بما يعني تهميش حكومة قحت برئيس وزرائها الباهت. وقد خرج الثوار في عدة مليونيات دعما وتقويةً لحكومة قحت ولكن كما يقول المثل "مرمي الله ما بترفع"! وقد بلغ تجاهل قحت لجماهير الشعب السوداني درجة أن رئيس حكومتها لم يكلف نفسه مشقة الخروج لملاقاة تلك الجماهير. فقد انزووا جميعا! فالمهم أن يشاركوا في الحكم ولو عبر خيانة الثورة والشعب!

*الخيانة السادسة:* كان كل ذي عينين وفؤاد، بخلاف قحت وحكومتها ورئيس وزرائها، يعلم أنه بمجرد انتهاء فترة رئاسة العسكر والجنجويد لمجلس السيادة أنهم لن يسلموها لقحت. ولماذا يفعلوا ذلك وقد أثبتت قحت لهم أنها ليست فقط أضعف من أن يؤبه لها، بل أثبتت لهم المرة تلو الأخرى أنها أضيق القوى السياسية صدرا بالجماهير والثوار! وعليه، فهم ليسوا سوى نخب أفندوية ذاقت طعم الحكم ولا تريد أكثر من ذلك. وبالفعل، وقع انقلاب 25 أكتوبر 2021م، قبل شهر واحد من تسليم قيادة مجلس السيادة لمدنيي قحت. وتم اعتقال رئيس الوزراء! وبينما كانت الجماهير تملأ الشوارع دعما لقحت والحكومة قحت ولرئيس وزراء حكومة قحت، خرج رئيس وزراء حكومة قحت من مخبئه ليبارك ما فعله العسكر والجنجويد [كذا والله]! عندها لم تملك الجماهير وبوعيها الثوري الاستثنائي أن اجترحت هتافها الذي سيخلده التاريخ: *حمدوك الني! الشارع حي!* فتصوروا نحن لا نطالب رئيس الوزراء الذي هتفت ضده بهذا الهتاف جماهير شعبه أن ينتحر، لكن لا أقل من أن يتوارى خجلا. لكن إذا به يلجأ إلى الدولة التي ترعى الحرب ضد بلده وشعبه بالمال والسلاخ، ثم بعد كل هذا يريد أن يعود ليحكم. ألا ما أصدق المثل: *"اللي اختشوا ماتوا"!* لا غرو أن تبعته قحت في سقطاته هذه بطريقة وقع الحافر على الحافر. فالمهم أن يشاركوا في الحكم ولو عبر خيانة الثورة والشعب!

*الخيانة السابعة:* برغم كل هذا، أرادت قحت أن تعود إلى طاولة المفاوضات مع العسكر والجنجويد، ولكن الجماهير كانت تقف لها بالمرصاد. فالجماهير كانت قد أبدعت وابتدعت لها هتافات جديدة من قبيل: *"يا برهان ثكناتك أولى .. مافي مليشيا بتحكم دولة"!* ثم زادت عليها بعد انقلاب 25 أكتوبر أعظم قراراتها الثورية المتمثلة في اللاءات الثلاث: *"لا تفاوض .. لا شراكة .. ولا شرعية"!* ثم ألحقته بهتافها الذي ستخلده التاريخ والأجيال: *"الثورة ثورة شعب .. والسلطة سلطة شعب . والعسكر للثكنات .. والجنجويد ينحل"!* وهنا أُسقط في يد قحت! فهي تريد أن تعود لطاولة المفاوضات! فالمهم أن يشاركوا في الحكم ولو عبر خيانة الثورة والشعب! ولكن لجان المقاومة هي العقبة! إذن فلتذهب لجان المقاومة إلى الجحيم! وهكذا انحدرت قحت من حالقٍ إلى ساحقٍ، ذلك عندما أصبح جل همها تفكيك لجان المقاومة وإضعافها، لدرجة أن تحاول أن تكون بها مليونيات باسم قحت، دون لجان المقاومة، فتصوروا! هنا تصدى لهم "غاضبون بلا حدود" وكذلك "ملوك الاشتباك". فما ملكت قحت من أمرها رشدا! فجاء العسكر والجنجويد إلى نصرتها، أولا بالقمع الوحشي للجماهير في مليونياتها، وبفتح النيران الحية فتساقط رتل الشهداء والشهيدات، وشرعت المؤسسات العدلية في تدبيج التهم واختلاقها، نصرةً منها لقحت، فكانت محاكمات توباك ورفاق توباك، وما أدراك ما توباك! أسماء لشباب تسطع في سماواتنا كالنجوم الزاهرة. وقحت في غيها القديم! فالمهم أن يشاركوا في الحكم ولو عبر خيانة الثورة والشعب!

*الخيانة الثامنة:* وعادت قحت إلى المفاوضات مع العسكر والجنجويد متحديةً في ذلك الشعب وثورة الشعب وكل شعارات الثورة. وكان الاتفاق الإطاري، وما حواه من اتفاقات تحت الطاولة. وهنا ظهر "الحاوي" الذي كان موجودا منذ بداية الثورة، لكنه لم يكن يجرؤ على الظهور بهذه الدرجة: إنها دويلة الإمارات العربية المتحدة التي ظهر أنها امسك بخيوط اللعبة. وهنا أيضاً تكشفت النوايا المبطنة لقوى الإمبريالية العالمية المتمثلة في ضرورة تسييل الدولة الوطنية السودانية بغرض إعادة تقسيمها على دويلات إماراتية صغيرة، ذلك بوصفه بداية المخطط الإمبريالي الكبير بكل أفريقيا والشرق الأوسط. بعيد السقوط السياسي لنظام الكيزان، ذهب وفد صغير من قحت (طبعا بدون تفويض من مجلس قحت) إلى دولة الإمارات العربية المتحدة. هناك، بحسب تسريبات شخصية، أبلغهم بعض كبار المسئولين بالدولة بالتهديد التالي: تمشوا معانا في خطنا، سوف نجعل من السودان دبي أفريقيا؛ ما تمشوا معانا في خطنا، سوف نجعلكم مثل ليبيا. هكذا! بكل بساطة! فما هي الخطة: تعود حليمة لي قديمها! جميعهم (العسكر والجنجويد وقحت) يعودون إلى شراكتهم السابقة، مع وضع أفضلية لمليشيات الجنجويد لا يمكن أن يقبل بها اصغر عسكري في الجيش: دمج مليشيات الجنجويد في 10 سنوات كاقتراح من قحت مقابل فترة 15 سنة اقترحها حميدتي، وإسقاطا لفترة العامين التي اقترحها قادة الجيش. ما هو الهدف من هذا؟ أن تتمكن مليشيات الجنجويد من ابتلاع الجيش والدولة، ربما في فترة لا تزيد عن 5 سنوات. ومن ثم طفقت قحت وبوقاحة وقوة عين تتحدث وتهدد بأنه إما الاتفاق الإطاري بصيغته تلك، أو الحرب! لماذا؟ ليعودوا إلى الحكم ولو على أشلاء الوطن والشعب. فالمهم أن يشاركوا في الحكم ولو عبر خيانة الثورة والشعب!

*الخيانة التاسعة:* واندلعت الحرب وجميع الشعب والعالم يعلم من هو الذي بدأها. فالذي بدأها هو الذي استعد لها وبادر بتحريك قواته عبر الأقاليم، وفتح النيران في كل المدن والأقاليم في وقت واحد، بل طفق مقاتلوه يهتفون في الساعة الرابعة والنصف صباحا (أي قبل الساعة الخامسة وتمثيلية المدينة الرياضية) وهم يقولون: "مسكنا الخرطوم! مسكنا السودان"! ولكن هيهات. لكن كل هذا ليس سوى تحصيل حاصل. فالحروب تقوم عندما تتوفر عواملها، وتصبح في حكم الضرورة. فوجود جيشين داخل مؤسسة الدولة الوطنية هو مدعاة للحرب ما لم يتم تفكيك أحدهما، إما لصالح الآخر (وهو ما سعت إليه قحت عبر تفكيك الجيش لصالح مليشيات الجنجويد وهذه هي الخطة A)، أو عبر انهزام أحدهما لصالح الآخر (وهو ما سعت إليه قحت بوصفه الخطة B وظلت تهدد به). وهكذا وقعت قحط فيما يراه الكثيرون على أنها الخيانة العظمى، ولا تظل سادرة في غيها القديم. فالمهم أن يشاركوا في الحكم ولو عبر خيانة الثورة والشعب!

*الخيانة العاشرة:* ثم بعد الأسبوع الأول من الحرب اتضح لكل ذي عينين وفؤاد معافى أن هذه الحرب التي أشعلتها وشنتها مليشيات الجنجويد المجرمة ليست ضد الجيش أو فلول النظام والكيزان (فالجنجويد هم أنفسهم فلول لنظام الكيزان، وفيهم من الكيزان وقيادات الكيزان ما يفوق ما عليه الوضع في الجيش)، بل هي:حرب ضد الشعب السوداني وضد كيان الدولة السودانية. وهنا لا نحتاج انصرف ولو ربع كلمة فيما فعلته مليشيات الجنجويد المجرمة في الشعب السوداني في الخرطوم بمدنها الثلاث وفي الجزيرة ومدني، ثم على وجه الخصوص ما فعلوه ولا زالوا يفعلونه منذ عشرين عاما على أقل تقدير في دارفور الصامدة، ثم كردفان. فهذا تحصيل حاصل. في كل هذا تمثلت خيانة قحت للشعب السوداني في أنها دخلت الحرب وهي على اتفاق تام مع مليشيات الجنجويد ثم ها هي حتى الآن في اتفاق تام معها. هذا لدرجة تشكل رأي عام يأن قحت (والآن "تقدم") هي الحاضنة السياسية لمليشيات الجنجويد المجرمة. لماذا كل هذا؟ صدقوني، في احسن الأحوال ليثبتوا نخبويتهم وأفندويتهم، ذلك من حيث الاحتفاظ بالامتيازات ولو على حساب الشعب والوطن (وهو ما نأخذ به حاليا)، أو هي الخيانة العظمى كما يذهب آخرون يتزايد عددهم كل يوم. أي أن كل المهم بالنسبة لهم هو أن يشاركوا في الحكم ولو عبر خيانة الثورة والشعب!
وبعد، لن تنفعهم صرخاتهم الهيستيرية بمقولات الفلول. فالحزب الذي أسسه حسن الترابي (مفلفل الفلول نفسه) معهم؛ واليوم قبل الغد إذا وافق جيش الفلول هذا على التشارك معهم في الحكم، هللوا له وكبروا.٧ وإلا فيم ولماذا جوبان الآفاق وعواصم الدول للضغط على جيش الفلول حتى يجلس معهم ويتفاوض بموجب الشراكة التي أرسوها في الاتفاق الإطاري؟ ولقد حكموا لعامين ونصف، فلم يفككوا هيمنة الفلول على مفاصل الدولة، فلماذا وكيف سيفعلوها وقد قبلوا بالفلول، ممثلين في جيش الكيزان هذا، كشركاء لهم في الحكم، ولا يزالون يطالبون بعودة هذه الشراكة.
مثل هذه الحجج هي نوع من الاستثمار في الجهل وتكريس الغباء. فالحقيقة الماثلة للعيان هي أن قحت وكل قوى المشهد السياسي بالداخل ليسوا سوى الصف الثاني من قوى الأيديولوجيا الإسلاموعروبية، إنهم الخلايا النائمة لهذه الأيديولوجيا وقد تحركت وقليلا ما قليلا، سوف ينكشف عنها قناع الخداع والكذب ليكشف عن الغباء الأيديولوجي في أسوأ تجلياته.

*ضرورة فرز الكيمان*
في كل كتاباتي خلال الثلاثين عاما الماضية وأكثر، وبالذات في كتبي الأخيرة، ظللت أكرر وأردد، وأنبه ما أمكنني ذلك، إلى ضرورة فرز الكيمان.
هؤلاء جميييييعهم هم آكلو مال السحت من لفيف كمبرادورات التبعية الإمبريالية، ربائب منظمات المجتمع المدنى الدولية والمحلية. هؤلاء هم الذين يخونون وطنهم وشعبهم بلا أي حساسية. إذ لو استيقظ فيهم الضمير، لانتحروا غير مأسوفٍ عليهم، إذ لا بواكي لهم، ولكن هيهات، هيهات لميت الضمير أن يحيي. فميت الروح سوف يُنفخ فيه وتُردّ له الحياة، لكن ليس ميت الضمير.

فما الحل بالنسبة لهؤلاء المتاعيس؟ لا حل لهم! أللهم إلا أن يكون الحل هو المزيد والمزيد من خداع الذات، بطريقة: أنا أخون، فأنا إذن موجود!

*MJH*
جوبا - 21 يناير 2024م  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الدولة الوطنیة الحدیثة مؤسسة الدولة الوطنیة الشعب السودانی لجان المقاومة مجلس السیادة کل هذا من حیث على أن وهو ما

إقرأ أيضاً:

فصول من كتاب «نتنياهو وحلم إسرائيل الكبرى»: «8» الدولة اليهودية

يصر نتنياهو في كافة خطاباته وكتاباته على ان «اليهودية» تمثل قومية مستقلة، وشعبًا فريدًا يتميز عن باقي الأمم، وهو لذلك يستحق أن تكون له دولته «اليهودية»، على عكس الفلسطينيين الذين- يرى- أنهم لا يشكلون قومية فريدة، وبالتالي فهم لا يستحقون دولة لهم.

وبالرغم من المغالطات التاريخية التي يسوقها نتنياهو لدعم رؤيته، إلا أنه يصر دومًا على اعتبار أن «الشعب الإسرائيلي» كان موجودًا طيلة 3500سنة، وينسى أو يتناسى أن عمر اغتصاب فلسطين وإعلان دولة إسرائيل بدأ في مايو ى1948، لقد ادعى نتنياهو في كتاباته أن الشعب اليهودي يتميز عن الفلسطيني بأنه شعب متفرد ومتميز وذلك في إطار العلاقة بين الدين اليهودي واليهود أنفسهم، متجاهلًا أن الشعب الفلسطيني هو واحد من الشعوب ذات التاريخ والحضارة، ولذلك يصر دومًا على التمسك بأرضه، لأنه يحمل كل مكونات العلاقة بين الشعب والأرض، على عكس اليهود الذين يهرعون خارج حدود الكيان الصهيوني ويعودون إلى بلادهم الأصلية مع أول أزمة حاده تواجههم أو قلاقل أمنية تزلزل استقرارهم، وأظن أن المتتبع للهجرة اليهودية العكسية التي جرت في أعقاب عملية طوفان الأقصى، خاصة الهجرة إلى الخارج، يدرك تمامًا الفارق بين الشعب الفلسطيني المتمسك بأرضه رغم حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على مدى أكثر من عام، وبين اليهود الإسرائيليين الذين هربوا إلى قبرص واليونان ومواطنهم الأصلية خوفًا من استمرار تدهور الأوضاع، خاصة بعد أن نالت الصواريخ التي أطلقها حزب الله من لبنان، أو تلك التي أطلقت من غزة من الأمن والاستقرار في المناطق التي يسكنها إسرائيليون من الشمال إلى الجنوب.

ولذلك فإن محاولة نتنياهو الربط بين ما يسميه بـــ«القومية اليهودية» واليهود في شتى أنحاء العالم ليس إلا محاولة استعمارية لتبرير احتلال الأراضي الفلسطينية واستنادًا إلى أسس دينية، عبر محاولة خلق رابطة استعمارية بين ديانة وبين السعي لتكوين هوية قومية، وهذه العلاقة المزعومة بين «اليهود» والأرض تنفرد بها الديانة اليهودية عن بقية الأديان الأخرى.

كتاب «نتنياهو وحلم إسرائيل الكبرى»

ويرى نتنياهو في ضوء ذلك أن «اليهود» هم «الشعب» الوحيد الذى له حقوق مرتبطة بالأرض الفلسطينية، ومن ثم فهو ينفى أيه حقوق للشعب الفلسطيني، ويرفض أن تكون لهم هوية وطنية مستقلة، ويسميهم دومًا بـــ»العرب الغرباء».

وينكر نتنياهو في كتابه «مكان تحت الشمس» حقيقة أن الفلسطينيين يشكلون قومية خاصة معتبرًا إنهم اختلقوا لأنفسهم قومية خاصة بهم لمواجهة اليهود، فهو يقول: إن العرب أوجدوا هوية فلسطينية جديدة وخلقوا بالأكاذيب شعبًا جديدًا مختلفًا هو الفلسطينيون في الضفة وقطاع غزة ويقول: ليس المقصود هنا أقلية تنتمى لشعب كبير حق استقلاله في إطار21 دولة، بما فيها شرق الأردن، بل شعب جديد تمامًا يطالب بنيل حقوقه القومية.

وفى هذا يزعم نتنياهو أن الفلسطينين لم تكن لهم أى مطالب قومية عبر التاريخ، وأنهم ابتكروا لأنفسهم هوية قومية من العدم بعد1967، وأن العرب دعموا ذلك بشكل كبير، ومن ثم فإن منح حق تقرير المصير لهذه «الأقلية» كما يسميها- تضمن خطرًا كبيرًا يهدد الإستقرار العالمى لأنه يفتح المجال أمام مطالبات كثيرة من أقليات العالم بالإستقلال.

والأمر الذى لا شك فيه أن نظرة نتنياهو إلى الشعب الفلسطيني باعتباره أقلية، ولا هويه له، هو افتئات على الواقع وعلى التاريخ، لأنه يعرف تمامًا أن هذه الأرض فلسطينية، وأن وعد بلفور الذى منح اليهود وطنًا قوميًا في هذه الأرض، لا يغير من حقائق الواقع شيئًا.

يؤكد نتنياهو في كتابه «مكان تحت الشمس» على هذه الادعاءات بقوله: «إن إسرائيل هي المكان الوحيد على وجه البسيطة الذى يستطيع اليهود أن يعيشوا فيه كقومية مستقلة، وليس كأقلية تعيش تحت رحمة الأغلبية.

ويقول: كان هذا المبدأ، في نظر الجماهير اليهودية في العالم، قوة إيجابية وجذابة، أكثر من الحاجة إلى الفرار من اللاسامية أو تحسين مستوى الحياة.

ويسعى نتنياهو إلى إشاعة الكذب والروايات التاريخية المزيفة، مشيرًا إلى أن الأردن هي الوطن القومي للفلسطينيين والأردنيين على السواء، بل ويعتبر أن الأردن جزء من أرض إسرائيل، ويرى فيها حلًا للمشكلة الفلسطينية إلا أنها سوف تظل أيضًا كما يقول أرضًا إسرائيلية يسيطر عليها العرب، ومن ثم فهو يرى أن هناك حلًا مطروحًا للنزاع بين الشعبين، يتمثل بإقامة دولة يهودية لليهود المقيمين في غرب نهر الأردن، ودولة عربية للشعب العربي الذى يقيم معظمه شرقي نهر الأردن.

ويزعم نتنياهو أن تسمية الفلسطينيين كانت تطلق بالأساس على اليهودي وليس العربي في فلسطين، وهو يسوق أكاذيبه بقوله: لم تكن فلسطين العربية قائمة أبدًا، كما لم تكن هنالك منطقة عربية تحاذى منطقة أرض إسرائيل، حتى أن اسم فلسطين نفسه لم يعد مستعملًا بين العرب، البريطانيون هم الذين أحيوه، ومنهم صادره العرب لأنفسهم في القرن الحالي.

ويقول نتنياهو: أما التناقص فهو أن الذين كانوا يلقبون أنفسهم بــ»فلسطينين» فى عهد الإنتداب البريطانى هم يهود فلسطين، كما أن الجنود الذين خدموا فى إطار اللواء اليهودى فى الجيش البريطانى، كانوا يدعون من قبل البريطانين «فلسطينين»، وكان هذا المصطلح خاصًا، أنذاك، باليهود.

وقال: صحيح أنه كان آنذاك إلى جانب اليهود الفلسطينيين «عرب فلسطين» أيضًا، بيد أنه في تلك الأيام لم يكن عرب «أرض إسرائيل» يرفعون شعارات قومية خاصة منفردة، وكانوا يؤكدون دائمًا على انتمائهم للأمة العربية، إن انتماء العرب الفلسطينيين للأمة العربية، لم يضعف مع مرور الوقت أبدًا.

لقد ظل نتنياهو يتحدث عن أرض فلسطين هي أرض فقيرة ومهملة، وأن اليهود هم الذين حققوا التنمية في أرضهم كما يزعم، ولذلك انتشر الاستيطان حتى يتم التمكن من تعمير «الأرض».

لقد ظل نتنياهو يردد هذه المقولات في مراحل تاريخية عديدة، لكنه دومًا يسعى إلى صياغة هذه العقيدة في إطار قانون يشرعن هذه الأمنية وهو ما تحقق في وقت لاحق.

وفى الاجتماع الذى عقدته الحكومة الإسرائيلية في 4 مايو 2014، أعلن بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء أنه ماضٍ قدمًا نحو سن قانون يعرف إسرائيل بأنها «الدولة القومية للشعب اليهودي» ويحمل اسم «قانون القومية» وأكد أن عدم سن هذا القانون سيجعل إسرائيل دولة ثنائية القومية.

وقال: إنه لايوجد حتى الأن تعبير كاف عن جوهر دولة إسرائيل، وهذا مايطرحه القانون المقترح، والذى سيعرّف الحق القومى للشعب اليهودى فى دولة إسرائيل، من دون المساس بحقوق الأفراد.

ولفت نتنياهو إلى أن هذا القانون سوف يحصن مكانة قانون (العودة) لليهود من خلال قانون «أساس»، وكذلك سيعزز الرموز الوطنية وعناصر أخرى مرتبطة بالصيرورة القومية، مؤكدًا أن أساس وجود دولة إسرائيل نابع من كونها الوطن القومي للشعب اليهودي.

وقد تعهد نتنياهو في هذا الوقت بأنه يتم سن هذا القانون من خلال الحوار مع جميع أحزاب الائتلاف الحكومي، وأعاد إلى الأذهان أنه سبق وأن أعلن دعم هذا القانون عندما قامت المعارضة بطرحه في الماضي.

وبالفعل في 19 يوليو 2018، أقر الكنيست الإسرائيلي القانون الذى يعرف إسرائيل بأنها «دولة قومية للشعب اليهودي» وذلك بأغلبية 62 ومعارضة 55 عضوًا وامتناع نائبين عن التصويت.

وقد حدد القانون أن اللغة العبرية هي اللغة الرسمية في إسرائيل، كما نص القانون على أن الهجرة التي تؤدي إلى المواطنة المباشرة هي لليهود فقط.

وفى هذه الجلسة تم طرد النواب العرب بعد أن مزقوا مشروع القانون الذين وصفوه بأنه قانون فصل عنصري، يميز بين العرب واليهود من السكان.

وقد ألغى القانون اللغة العربية باعتبارها لغة رسمية ثانية في إسرائيل، كما نص على أن إسرائيل هي الوطن التاريخي للشعب اليهودي وأن حق تقرير المصير فيها يخص الشعب اليهودي فقط.

لقد تحدث رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمام الكنيست حيث قال بعد انتهاء التصويت: «هذه لحظة فارقة في تاريخ الصهيونية وتاريخ دولة إسرائيل».

وقد أدانت السلطة الفلسطينية هذا القانون، حيث أصدرت الخارجية الفلسطينية بيانًا قالت فيه: إذ تدين الوزارة بأشد العبارات إقرار ما يسمى بقانون القومية، وإذ تعتبره أبشع عملية تطاول وإستخفاف بالقوانين والمواثيق والشرائع الدولية والمبادئ السامية لحقوق الإنسان، فإنها تؤكد أن إقرار هذا القانون العنصرى التمييزى أسقط وللأبد جميع الإدعاءات بديمقراطية دولة الإحتلال، كونها الدولة الديمقراطية الوحيدة فى الشرق الأوسط، ونصّب إسرائيل فى قمة الدول الظلامية.

و وصف المركز القانونى لحقوق الأقلية العربية فى «إسرائيل» (عداله) القانون بأنه «يعزز التفوق الإثنى الذى يتجلى فى ترسيخ السياسات العنصرية.

لقد استهدف هذا القانون العنصرى فلسطينى48، حيث أكد بالإضافة إلى حصر حق تقرير المصير لى اليهود، وأن الهجرة التى تؤدى للمواطنين هى لليهود فقط، وأن القدس الكبرى عاصمة لدولة الشعب اليهودى، أكد أيضًا على ضرورة تعزيز العلاقة مع «يهود المهجر، ليؤكد بأن هذا التشريع يستهدف الشعب الفلسطينى وقضيته.

وهذا القانون يعنى فى تقدير المراقبين يعنى وفاة «حل الدولتين» لأنه سيزيد من الإستيطان، وترسيخ مقولة «القدس الموحده» عاصمة للدولة اليهودية فقط، كما سيؤدى إلى دمج مفهومى أرض إسرائيل ودولة إسرائيل، الأمر الذى يوضح الإندفاع تدريجيًا إلى مأسته نظام الفصل العنصرى.

وتغاضى القانون الإشارة إلى حدود الدولة اليهودية كما أنه لا يبقى مكانًا لشعب آخر، كى يقرر مصيره على أرضه التاريخية.

وقد صدر القانون فى أحد عشرة مادة، معتمدًا على نصوص مستمدة من العقيدة اليهودية والأيديولوجيا الصهيونية، كما إنه يشكل تشويهًا للتاريخ، وإنتهاكًا متواصلًا للقانون والشرعية الدولية، إلا أن الجديد هو تقنين هذا السلوك وجعله مرجعية ملزمة لكل الحكومات الإسرائيلية القادمة ومحاولة فرضه على العالم.

وتشير المادة الأولى من القانون، إلى أن الحق فى تقرير الصير فى دولة «إسرائيل» أصبح حصريًا للشعب اليهودى، مما يعنى أن هذا القانون لا يعترف بأى حق لأى مجموعة غير يهودية فى تقرير المصير، فضلًا عن عدم الإعتراف بأن هذه الدولة موطن لشعب آخر، كما يعطى الحق لكل يهودى فى العودة إليها بإعتبارها الوطن القومى له، وتنص المادة الثالثة على أن القدس كاملة والموحده هى عاصمة «إسرائيل».

وتفرض المادة السادسة ضمان الدولة لحقوق أى يهودى فى أى من دول العالم، فضلًا عن سعيها لجمع الشتات بالحفاظ على روابط اليهود فى كل مكان.

و وفقًا للمادة السابعة يصبح الإستيطان ضمن الصالح العام، ومن ثم إباحة مصادرة الأراضى لهذا الغرض مباشرة، فضلًا عن أن هذا التطور التشريعى لا يرسخ المؤسسات الصهيونية غير الرسمية فقط، بل يرسخ يهودية الدولة أيضًا، فهى بموجبه تعلن عن إقامة مدن وبلدات لليهود فقط، ومن خلال هذه المادة تشجع إسرائيل فكرة تطوير التجمعات السكنية لليهود فى القرى والمدن، أى تشجيع الإستيطان، وإقامة المجمعات السكنية، وهذه المادة لا تحدد مواقع الإستيطان داخل حدود الدولة، بل تتركها دون تحديد، بما يعنى تشجيع الإستيطان من دون تحديد، أين يكونن وفى أى حدود، كتجاهلة حقوق الفلسطينين المسلمين والبالغ عددهم1.2 مليون نسمة، وايضًا الفلسطينين المسيحين داخل مناطق الــ48 والذين يبلغ عددهم نحو 123ألفًا، كما يبلغ عدد السكان المنتمين لأديان مختلفة بحسب وزارة الداخلية الإسرائيلية 418ألفًا حسب إحصائية 2018.

إن خطورة هذا القانون لا تقتصر التمييز على المجالات الرمزية كتعريف الدولة ورموزها فحسب، بل تمضى إلى ما هو أخطر وابعد من ذلك، حيث يتغلغل إلى المجالات التى تلامس جذور المكانة القانونية للفلسطينين مثل تقرير المصير، والهجرة، والمواطنة، والأراضى، والثقافة، والدين، وهى بهذا تؤسس البنود المختلفة لمشروع القانون لفوقية قومية رسمية شمولية فى القاعدة الدستورية من إسرائيل، وذلك من خلال تحديدها أن الأصل القومى لليهود يشكل قاعدة التمتع بالامتيازات التى تنبع من هذا البند أو ذاك، دون توفير ترتيبات موازية للمواطنين الفلسطينين.

لقد سبق للكنيست الإسرائيلى أن أقر فى العام 1985تعديلًا فى قانون «اساس»، والذى تم من خلاله لأول مرة تعريف إسرائيل رسميًا كدولة للشعب اليهودى، إلا أن التعديل الذى صدر فى القانون الذى تقدم به الليكود وبعض القوى الأخرى فى عام2018، جاء لينص على الدولة اليهودية الديمقراطية كتعريف رسمى يحمل صيغة دستورية.

لقد أثار هذا القانون غضب العديد من أعضاء الكنيست من العرب الفلسطينين حيث وجه النائب توفيق طوبى المنتمى للجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة إنتقادات حادة حول خطورة القانون قائلًا: إن هذا القانون يعنى أن 16% من مواطنى الدولة (يقصد الفلسطينين) فى مناطق الــ48- يعنى أنه لا دولة بتاتًا، ويعنى أيضًا الإقرار أنهم سكان بلادولة، وأن دولة «إسرائيل» هى دولة مواطنيها اليهود فقط، وأن المواطنين العرب يعيشون فيها ويسكنوها بدون حقوق متساوية كما للمواطنين اليهود، أى انهم يقولون لـــ700ألف مواطن فلسطينى أنهم مواطنون من الدرجة الثانية.

لقد حدد البند الثانى من القانون رموز الدولة بالتفصيل وحصر ثقافى النشيد الوطنى الإسرائيلى (نشيد هو هتيكفا) ومضمون علمها (علم الدولة الأبيض، وثمة خطان بالون الأزرق السماوى فى مركزه) وكذلك شعارها (شعار الدولة هو الشمعدان ذو القضبان السبع وغُصنا زيتون فى جانبيه، وكلمة «إسرائيل» فى قاعدته).

إن ذلك يعنى أن قانون العلم والشعار والنشيد الوطنى للدولة وختم الدولة جميعها رموز يهودية وقومية ودينية، كلها تم إصفاء المكانة الدستورية عليها من خلال هذا القانون، مما يؤدى إلى تعميق التمييز القائم ضد الفلسطينين، وهو ما تجسد أيضًا فى إعتماد التقويم العبرى بإعتباره هو التقويم الرسمى للدولة، كما أن البند التاسع من القانون ينص على أن يوم الاستقلال هو يوم العيد الوطنى للدولة، كما تحدد فى البند العاشر من القانون أن أيام العطل المحدده فى إسرائيل هى أيام السبت والأعياد اليهودية، فى حين تجاهل القانون أعياد الــ700ألف مواطن فلسطينى أو عطلاتهم.

ولا شك أن قانون «يهودية الدولة» يتناقض مع مبادئ قرار التقسيم رقم (181) الذى أقرته الأمم المتحدة عام 1947، والذى دعت فيه الدولتين (إسرائيل وفلسطين) إلى تبنى دستور ديمقراطي يضمن عدم ممارسة أي نوع من التمييز بين السكان في العرق أو الدين أو اللغة أو الجيش، وكذلك مخالفة كافة القوانين والعهود الدولية التي ترفض التمييز بأي شكل من الأشكال، وهذه المبادئ سبق وأن وقعت عليها إسرائيل بما في ذلك الإعلان الدولي للتمييز العنصري الصادر عام1965، والمعاهدة الدولية للحقوق المدنية والسياسية عام1966، والمعاهدة الدولية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية عام1966، والإعلان الدولي لحقوق الأقليات عام1992، والإعلان الدولي لحقوق الأقليات الأصلانية عام2007.

ولم تكن رؤية «يهودية الدولة» بجديدة على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لكنها رؤية ومعتقد سبق أن طرحه كثيرًا وتبنى الدفاع عنه.

لقد ألقى نتنياهو خطابًا في 20أغسطس2010، أمام مؤتمر «رؤساء كبرى المنظمات اليهودية الأمريكية» أشترط فيه أن يكون السلام مع الفلسطينيين سلامًا يمكن الدفاع عنه كما قال.

وأكد أن هناك شرطين يشكلان لب الموضوع:

- الشرط الأول: الاعتراف بإسرائيل «دولة قومية للشعب اليهودي»، خاصة وأن هناك فرقًا شاسعًا بين مصطلح «دولة يهودية» ومصطلح «دولة قومية للشعب اليهودي» ذلك بأن الأول يقصد دولة لليهود الذين كانوا يعيشون في فلسطين، في حين أن الثاني يفترض أن تكون دولة لليهود في العالم كافة بقوة ما يسمى بالحقوق التاريخية التي تعود إليهم.

وقد فسر «إيجورا إيلاند» الرئيس الأسبق لمجلس الأمن القومي الإسرائيلي هذه الرؤية بقوله إن هناك سببين مهمين وراء هذا الطرح:

- الأول: سبب مرتبط بالمطلب الإسرائيلي المتعلق بنهاية النزاع بهدف وضع حد للمطالب الفلسطينية في المستقبل.

- والثاني: سبب مرتبط بــ»مكانة عرب 48» ذلك بأن هؤلاء في معظمهم يعتقدون أن إسرائيل يجب أن تكون دولة جميع مواطنيها، ولذا فلا حاجة لأن تبقى متمسكة بطابعها اليهودي القومي، وفى رأيه إذا لم تعترف الدولة الفلسطينية التي ستُقام بإسرائيل كدولة قومية للشعب اليهودي، فإن احتمال تسليم الفلسطينيين في إسرائيل بذلك سيبقى احتمالًا ضئيلًا للغاية.

وقال: إذا لم نصر على ذلك الأن يمكن بعد جيل أو جيلين أن نواجه وضعًا يطالب هؤلاء فيه بالحصول على حقوق قومية متساوية، وقال: لا شك أن الدولة الفلسطينية ستؤيد هذا الطلب أتوماتيكًيا، بل حتى سترى فيه ذريعة كافية لإنهاء اتفاق السلام مع (إسرائيل).

وقال: إن الطريق لكبح هذا الخطر، أو على الأقل لإيجاد وضع تحظى فيه إسرائيل بتأييد دول العالم لخوض مواجهة ذد هذا الخطر، هو أن يكون واضحًا من خلال اتفاق الجميع على أن إسرائيل هي الدولة القومية للشعب اليهودي.

- أما عن الشرط الثاني: فهو متعلق باتخاذ ترتيبات أمنية صارمه لتجنب تكرار ما حدث بعد انسحاب إسرائيل من لبنان وغزة.

قبل ذلك كان نتنياهو قد ألغى خطابًا فى جامعة «بار إيلان» فى 14/6/2009، رد فيه على خطاب أوباما الذى ألقاه فى جامعة القاهرة يوم 4/6/2009، لمح فيه إلى حل «الدولتين»، مما دفعه إلى الرد على هذا الخطاب الذى لمح فيه أوباما إلى الهولوكست الذى تعرض له اليهود على يد هتلر بإعتباره دافعًا لقيام دولة إسرائيل!!.

قال نتنياهو فى خطابه: إن حق الشعب اليهودى فى أن تكون له دولة فى أرض إسرائيل (فلسطين) لا ينبع من سلسلة الويلات التى إبتلى بها.

وقال: إن هناك من يقول انه لولا وقوع المحرقه لما كانت دولة إسرائيل ستقوم، لكننى أقول إنه لو قامت دولة إسرائيل فى موعدها لما كانت المحرقة ستقع أصلًا.

وقال: إن حقنا فى إقامة دولتنا هنا فى أرض «إسرائيل» مرده حقيقية واحدة بسيطة: أن هذه الأرض هى وطن الشعب اليهودى، وهنا نشأت هويتنا، كما قال رئيس الحكومة الأول ديفيد بن جوريون لدى إعلانه إقامة الدولة وأضاف: نشأ الشعب اليهودى فى أرض إسرائيل، وفيها تمت صياغة شخصيته الروحانية والدينية والسياسية، وفيها عاش حياة مستقلة فى دولة ذات سيادة، وفيها أنتج ثرواته الثقافية الوطنية والإنسانية العامة وأورث العالم أجمع سفر الأسفار الخالد..

كان نتنياهو مصرًا فى كافة خطاباته التأكيد على أن هذه الأرض هى وطن للشعب اليهودى مطالبًا بإجبار الفلسطينين والعرب والعالم الإعتراف بها وبناء السلام على أساسها.

وفى خطابه خلال جلسة الكنيست التى عقدت فى 12/3/2014، وبمناسبة زيارة رئيس الوزراء البريطانى ديفيد كاميرون قال نتنياهو: «إننا نريد السلام مع جيراننا الفلسطينين، لكن تكوين هذا السلام يستوجب إعتراف الفلسطينين بالصلة التاريخية التى تربط الشعب اليهودى بوطنه فى أرض إسرائيل وبحقوقه فيها مدعيًا أن السكان الفلسطينين الأصلانيين فى هذه الأرض كانوا نتاج هجرة عربية مكثفة من دول الجوار، أفرزتها عودة اليهود إلى أرض إسرائيل وما ترتبت على هذه العودة من عمليات تجدد وإعادة إعمار.

وكان جورج بوش هو أول رئيس أمريكى يتحدث فى خطاب ألقاه فى العقبه الدولى فى العام 2003، على فكرة الإعتراف بإسرائيل «دولة يهودية» كما أنه إستهل خطابه الذى ألقاه أمام الكنيست فى 15أغسطس2008، بمناسبة الذكرى الستين لإقامة إسرائيل بقوله: «لقد اجتمعنا لأحياء مناسبة بالغة الأهمية، حيث كان دافيد بن جوريون قد أعلن من قبل ستين عامًا فى تل أبيب إستقلال دولة إسرائيل القائم على أساس «الحق الطبيعى للشعب اليهودى» فى تقرير مصيره، بمعنى وطن قومى للشعب المختار على أرض إسرائيل!!.

لقد تضمن قانون أساس: قانون «الدولة القومية للشعب اليهودى» عددًا من المبادئ أهمها:

- أن أرض إسرائيل هى الوطن التاريخى للشعب اليهودى ومكان إقامة دولة إسرائيل.

- أن دولة إسرائيل هى الوطن القومى للشعب اليهودى الذى تجسد فيها حقه فى تقرير المصير بناء على تراثه الحضارى والتاريخى.

- أن حق تقرير المصير القومى لدولة إسرائيل مقصور على الشعب اليهودى.

- أن دولة إسرائيل هى دولة ديمقراطية تقوم على أساس الحرية والعدالة والسلام على ضوء رؤية أنبياء إسرائيل وتلتزم بحماية الحقوق الشخصية لجميع مواطنيها بمقتضى القانون.

وهكذا تجسدت نصوص قانون الدولة القومية لليهود فى إسرائيل على الوجه النهائى كالتالى:

بند (1) المبادئ الأساسية:

1- أرض «إسرائيل» هى الوطن التاريخى للشعب اليهودى وفيها قامت إسرائيل.

2- دولة إسرائيل هى الدولة القومية للشعب اليهودى، وفيها يقوم بممارسة حقه الطبيعى والثقافى والدينى والتاريخى لتقرير المصير.

3- ممارسة حق تقرير المصير فى دولة إسرائيل حصرية للشعب اليهودى.

بند (2) رموز الدولة:

1- إسم الدولة «دولة إسرائيل».

2- علم الدولة: أبيض، وعليه خطان أزرقان، وفى وسطه نجمة داود زرقاء.

3- شعار الدولة: هو الشمعدان السباعى وعلى جانبيه غصنا زيتون، وكلمة «إسرائيل» تحته.

4- النشيد الوطنى للدولة هو نشيد «هتكفا».

5- تفاصيل رموز الدولة تحدد فى القانون.

بند (3) عاصمة الدولة:

1- القدس الكاملة والموحدة هى عاصمة إسرائيل.

بند (4) اللغة:

1- اللغة العبرية هى لغة الدولة.

2- اللغة العربية لها مكانة خاصة فى الدولة، تنظيم إستعمال اللغة العربية فى المؤسسات الرسمية أو التوجه إليها يكون بموجب القانون.

3- لا يمس المذكور فى هذا البند باتلمكانة الممنوحة فعليًا للغة العربية.

بند (5) لم الشتات:

1- تكون الدولة مفتوحة أمام قدوم اليهود ولم الشتات.

بند (6) العلاقة مع الشعب اليهودى

1- تهتم الدولة بالمحافظة على سلامة أبناء الشعب اليهودى ومواطنيها، الذين تواجههم مشاكل بسبب كونهم يهودًا أو مواطنين فى الدولة.

2- تعمل الدولة فى الشتات للمحافظة على العلاقة بين الدولة وأبناء الشعب اليهودى.

3- تعمل الدولة على المحافظة على الميراث الثقافى والتاريخى والدينى اليهودى لدى يهود الشتات.

بند (7) الإستيطان اليهودى:

1 - تعتبر الدولة تطوير الإستيطان اليهودى قيمة قومية، وتعمل لأجل تشجيعه ودعم إقامته وتثبيته.

بند (8) التقويم الرسمى:

1 - التقويم العبرى هو التقويم الرسمى للدولة.

وإلى جانبه التقويم الميلادى تقويمًا رسميًا.

بند (9) يوم الاستقلال ويوم الذكرى:

1 - يوم الاستقلال هو العيد القومى الرسمى للدولة.

2 - يوم ذكرى الجنود الذين سقطوا فى معارك إسرائيل، ويوم ذكرى الكارثة والبطولة هما يوما الذكرى الرسميان للدولة.

بند (10) أيام الراحة والعطل:

1 - يوم السبت وأعياد الشعب اليهودى هى أيام العطلة الثابتة فى الدولة، لدى غير اليهود الحق فى أيام عطلة فى أعيادهم، وتفاصيل ذلك تحدد فى القانون.

بند (11) نفاذ القانون:

1 - أي تغيير فى هذا القانون يستلزم أغلبية مطلقة من أعضاء الكنيست.

لقد حظي هذا القانون بانتقادات حاده من كافة الأطراف الفلسطينية والعربية والدولية، لأنه لا يمثل تمييزًا مناقضًا للمواثيق والقرارات الدولية التي وقعت عليها «إسرائيل» فحسب، وإنما هو حكم بإعدام الشعب الفلسطيني، خاصة هؤلاء الذين يقطنون تحت سلطة الكيان الصهيوني في منطقة الـــ»48».

لقد كان هذا القانون هو حلقة جديدة من حلقات سيطرة إسرائيل على ما تبقى من أراض فلسطينية والسعي إلى تهجير الفلسطينيين من مناطقهم إلى خارج الأرض الفلسطينية، وهو ما عبر عنه نتنياهو في مقولاته، وفى حرب الإبادة التي شنها ضد الشعب الفلسطيني.

اقرأ أيضاً«نتنياهو وحلم إسرائيل الكبرى».. كتاب جديد لـ مصطفى بكري يكشف فيه بالوثائق استراتيجية الكيان الصهيوني للهيمنة على المنطقة

فصول من كتاب «نتنياهو وحلم إسرائيل الكبرى».. (6) وصايا الجد

فصول من كتاب «نتنياهو وحلم إسرائيل الكبرى».. (7) جابوتنسكي «الملهم»

مقالات مشابهة

  • مقاومة الاستعمار تبدأ بمحو الاستبداد
  • دعامي يحكي أنّ ظلمَ المليشيا بات أكثرُ فداحةً مِنْ ظلم الدولة التي قاتلها
  • عبدالعزيز الحلو في وجه الطاحونة التي لا ترحم
  • البعض يرغب في أن تسترد هذه الدولة كرامتها بين ليلة وضحاها
  • وليد مادبو: لا تهدم سياجاً لم يتفق لك بعد لماذا قام في أول أمره
  • أبو الغيط: العراق هو الدولة الأولى التي تترأس القمتين السياسية والاقتصادية
  • منصور بن زايد يشارك في القمة العربية التي بدأت أعمالها في بغداد
  • فصول من كتاب «نتنياهو وحلم إسرائيل الكبرى»: «8» الدولة اليهودية
  • بعد موافقة مجلس الوزراء.. إقامات مميزة في قطر وهذه هي الفئات المستهدفة
  • قادة 7 دول أوروبية: لن نصمت أمام الكارثة التي تجري في غزة