قالت مجلة "إيكونوميست" البريطانية إن ما وصفتها بالفوضى العالمية الجديدة ظهرت جليا في المنتدى الاقتصادي العالمي، الذي انعقد في منتجع دافوس بسويسرا خلال الفترة من 15 إلى 19 يناير/كانون الثاني الجاري.

وأضافت أن الزعماء والمسؤولين الصينيين حضروا الاجتماعات بأعداد صغيرة مخافة أن يحيدوا عن مبادئ الحزب الشيوعي.

وأُبعدت القلة الحاكمة في روسيا عن المنتدى، في حين رأت الهند والسعودية من خلاله عالما متعدد الأقطاب حافلا بالفرص.

على أن ما طغى على كل ذلك -بحسب المجلة- إمكانية عودة دونالد ترامب إلى رئاسة الولايات المتحدة مجددا، وهو احتمال بات أقرب عقب فوزه مؤخرا في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري في ولاية أيوا، وانسحاب منافسه رون ديسانتيس. ويبدو أن ترامب سيكتسح أيضا الجولة الانتخابية في ولاية نيو هامبشير اليوم الثلاثاء.

الحكومات الأجنبية تتوجس خيفة

ونقلت إيكونوميست عن أحد المشرعين الأميركيين -المنخرطين فيما يُعرف بدبلوماسية القنوات الخلفية لتهدئة مخاوف الحلفاء- أن الحكومات الأجنبية "تتوجس خيفة مما تراه في وسائل التواصل الاجتماعي بشأن الديمقراطية الأميركية".

ومثلما تراهن أسواق المال على أحداث المستقبل مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، بدأ العالم يستعد لعودة ترامب مرة أخرى إلى سدة الحكم وما تحمل في طياتها من عواقب.

وأفضل ما يمكن للمرء أن يتوقعه من تبعات -وفق مقال إيكونوميست- أنها ستشمل الرسوم الجمركية، والتخلي المحتمل عن دعم أوكرانيا وتايوان، والنهج المتعلق بالتعاملات مع الحلفاء، والعداء المتبادل مع الخصوم ومزيد من تراجع القواعد الدولية.

انتقال الحكم لترامب سينتج عنه تغيير كبير

وتقول المجلة البريطانية إن كل تغيير في الإدارة الأميركية ينشأ عنه عدم استمرارية فيما يتعلق بالسياسة الخارجية. فعلى سبيل المثال، ذهب الرئيس ريتشارد نيكسون إلى الصين؛ وطلب رونالد ريغان من الاتحاد السوفياتي إزالة جدار برلين. لكن انتقالا للحكم من جو بايدن إلى دونالد ترامب سيكون كبيرا نظرا للفجوة الواسعة بين سياساتهما وظروف الفوضى العالمية، واحتمال انتشار الحروب.

رؤساء تنفيذيون ومديرو بعض الشركات العالمية على هامش الاجتماع السنوي الـ54 لمنتدى دافوس في سويسرا (رويترز)

ووفقا لمعهد أبحاث السلام في العاصمة النرويجية أوسلو، هناك أكثر من 50 صراعا على مستوى الدول، وهو أعلى معدل منذ عام 1946.

وتعتقد إيكونوميست أن إدارة بايدن حاولت إعادة صياغة الدور الأميركي في عشرينيات القرن الحالي وما بعده، باستمرارها، كقوة عظمى، في الانخراط في القضايا العالمية وأن تكون قريبة من حلفائها. وفي الوقت نفسه، أمعنت في "أنانيتها" في أمور التجارة، وأضحت أشد حذرا فيما يتصل بالأمن الاقتصادي وأكثر انتقائية بشأن نشر قوات عسكرية؛ خاصة على الأرض.

استفحال الفوضى العالمية

وتشمل الإنجازات التي تحققت عبر هذا النهج، تقوية التحالفات في آسيا مرة أخرى، وإعادة بناء التحالف لدعم أوكرانيا. ورغم ذلك -تقول المجلة- فقد استفحلت الفوضى العالمية مع اضمحلال النظام العالمي القائم على القواعد؛ وشيوع الاضطرابات في الشرق الأوسط وأجزاء من أفريقيا وأفغانستان؛ و"نزوع لا يخمد" نحو الانعزالية في السياسة الأميركية والرأي العام.

ويصر مسؤولو إدارة بايدن على عدم وجود ما يشي بأن نظراءهم الأجانب "يحتاطون" لاحتمال تغيير الإدارة الأميركية؛ ولذلك يقومون بجولات حول العالم لطمأنة الحكومات الأجنبية.

ولكن مع اقتراب موعد سباق رئاسي محتدم، قد تتراجع فعالية مبدأ بايدن؛ وسيكون من الصعب على إدارته -برأي المجلة البريطانية- إلزام نفسها بوعود تمتد إلى ما بعد عام 2024، بما في ذلك حل الدولتين في الشرق الأوسط. لذا تعمل الحكومات في مختلف أنحاء العالم على وضع خطط بديلة في حال وصول ترامب إلى الرئاسة.

وتزعم إيكونوميست أن رئاسة ثانية لترامب ستكون مختلفة عن الأولى لسببين هما أن العالم بات أكثر فوضوية؛ وأن ترامب لن يطيق عراقيل أكثر لبرامجه. ويقال إن فرض رسوم جمركية في جميع القطاعات بنسبة 10% أمر مرجح، كما هو الحال فيما يختص بتعليق "العلاقات التجارية العادية الدائمة" مع الصين والذي سينجم عنه فرض رسوم أعلى مما هو قائم اليوم.

عودة ترامب ستسعد البعض

أما بالنسبة لبعض السياسيين والدول المتوافقة مع ترامب أيديولوجيا، فإن رئاسته ستكون خبرا سعيدا. ففي إسرائيل، بإمكان بنيامين نتنياهو -إذا نجح في التشبث بالسلطة حتى عام 2025- أن يتوقع دعما كاملا له ورفض تطلعات الفلسطينيين إلى إقامة دولتهم المستقلة. وكذا الحال بالنسبة لرئيس وزراء المجر فيكتور أوربان، ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، اللذين يتمتعان بعلاقات قوية مع ترامب.

غير أن إيكونوميست تستدرك بأن أسلوب ترامب "الفوضوي" وشخصيته "المتقلبة الأطوار" تجعل من الصعب التكهن بما سيفعله في حال تولى زمام الأمور في الولايات المتحدة مرة أخرى.

المصدر: الجزيرة

إقرأ أيضاً:

بايدن يصف مقاربة ترامب تجاه روسيا بـ"الاسترضاء" في أول مقابلة بعد مغادرته البيت الأبيض

في أول مقابلة له منذ انتهاء ولايته، حذر الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن من أن إدارة ترامب تعمل على ما وصفه "بتآكل ثقة العالم في الولايات المتحدة". اعلان

قال الرئيس الأمريكي جو بايدن، إن ضغط رئيس البيت الأبيض دونالد ترامب على أوكرانيا للتنازل عن أراض لصالح روسيا يعد شكلا من "سياسة الاسترضاء الحديثة".

وفي أول مقابلة له بعد انتهاء فترة ولايته الرئاسية عبر برنامج "توداي" على قناة "بي بي سي"، أعرب بايدن عن قلقه من تآكل العلاقات بين الولايات المتحدة وأوروبا في ظل حكم ترامب، مشيرا إلى أن بعض دول حلف شمال الأطلسي (الناتو) بدأت تعيد النظر في ما إذا كانت واشنطن لا تزال شريكا موثوقا.

وأضاف بايدن: "أوروبا ستفقد ثقتها في ثبات أمريكا وفي قيادتها للعالم".

وأوضح أن قادة القارة باتوا يتساءلون: "هل يمكنني الاعتماد على الولايات المتحدة؟ هل ستكون موجودة حين نحتاجها؟

وأشار بايدن إلى أن ما يثير القلق بشكل خاص هو اقتراح الإدارة الأمريكية الجديدة بالسماح لروسيا بالاحتفاظ ببعض الأراضي الأوكرانية في إطار السعي للتوصل إلى اتفاق سلام.

صورة من اللقاء المثير للجدل الذي جمع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونائبه جيه دي فانس والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في البيت الأبيض، يوم 28 فبراير 2025AP Photo

وقال بايدن: "هذا شكل من أشكال الاسترضاء في العصر الحديث".

ووصف الرئيس الأمريكي السابق الجدال الصاخب الذي دار بين ترامب والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في المكتب البيضاوي خلال شهر فبراير بأنه كان "أقل من أمريكا".

وأضاف بايدن يوم الإثنين، منتقدا إدارة ترامب: "لا أفهم كيف لا يدركون أن القوة تكمن في التحالفات".

ويستخدم مصطلح "الاسترضاء" للإشارة إلى سياسة رئيس الوزراء البريطاني السابق نيفيل تشامبرلين، الذي فاوض أدولف هتلر في ثلاثينيات القرن الماضي بينما كان الزعيم النازي يضم مناطق حدودية إلى ألمانيا تمهيدا للحرب العالمية الثانية.

وكان تشامبرلين قد أعلن، في سبتمبر 1938، أن الاتفاق الذي أبرمه مع هتلر جاء "ليضمن السلام لعصرنا".

لكن ألمانيا النازية غزت بولندا بعد أقل من عام، لتبدأ بذلك أكثر الصراعات دموية في تاريخ أوروبا.

Relatedهل يدمّر ترامب الدولار؟ وماذا يعني ذلك بالنسبة لليورو؟من يلحق بركب التطبيع؟ مبعوث ترامب ويتكوف يلمح إلى توسيع اتفاقيات أبرهام قريبا جدا كارني يؤكد من البيت الأبيض أن كندا ليست أبدًا للبيع وترامب يردّ: لا تقل أبدًا

وكان ترامب قد ادعى خلال حملته الانتخابية أنه يمكنه إنهاء الحرب التي بدأت بالغزو الروسي الشامل لأوكرانيا في غضون أيام فقط، وكان يستهين بالصراع منذ فترة طويلة معتبرا إياه مضيعة للأرواح ولأموال دافعي الضرائب الأمريكيين.

لكن خلال فترة رئاسته، كان نهجه في التفاوض من أجل وقف القتال متقلبا.

وفي بداية رئاسته، أمر بوقف المساعدات الأمريكية لأوكرانيا قبل أن يستأنفها لاحقا.

وفي الأسبوع الماضي، وقعت إدارته اتفاقا مع كييف يمنح الولايات المتحدة حق الوصول إلى الموارد المعدنية الضخمة في أوكرانيا، وهو ما اعتبره ترامب "عائدا على الاستثمار" يمكن أن يمهد الطريق لمزيد من المساعدات الأمريكية لأوكرانيا.

اعلان

كما قال ترامب إن شبه جزيرة القرم، التي ضمتها روسيا بشكل غير قانوني في عام 2014، "ستظل مع روسيا"، متجاهلا على ما يبدو المطالب الأساسية لأوكرانيا بأن تعيد روسيا كافة الأراضي التي استولت عليها منذ بداية هجومها على جارتها.

دع التاريخ يحكم

وقال بايدن أيضا لـ"بي بي سي"، إن تصريحات ترامب بشأن الاستحواذ على بنما وغرينلاند وكندا أدت إلى انعدام الثقة في الولايات المتحدة لدى الدول الأوروبية.

وأضاف "أي رئيس يتحدث بهذه الطريقة؟ هذا ليس ما نمثله، نحن نتحدث عن الحرية والديمقراطية والفرص، وليس عن المصادرة".

رجل يتفقد الأضرار التي لحقت بشقته بعد غارة روسية في كييف، 7 مايو 2025AP Photo

كما قال بايدن إن انسحابه من سباق الانتخابات الرئاسية لعام 2024 قبل أربعة أشهر من يوم الانتخابات وذلك لتمكين نائبته السابقة كامالا هاريس من الترشح ضد ترامب بدلا منه، كان "قرارا صعبا". لكنه أصر أيضا على أن التراجع في وقت أبكر، كما يشير بعض منتقديه، لم يكن ليغير شيئا.

اعلان

وعند سؤاله عن احتفال ترامب بانتصاره في أول 100 يوم من ولايته، رد بايدن قائلا إن "التاريخ هو الذي سيحكم على خلفه".

وأضاف: "لا أرى أي شيء كان يستحق الاحتفال".

انتقل إلى اختصارات الوصولشارك هذا المقالمحادثة

مقالات مشابهة

  • فورين أفيرز: هكذا تفوق الحوثيون على الولايات المتحدة
  • إيكونوميست: الحرب في غزة يجب ألا تستمر وعلى ترامب الضغط على نتنياهو
  • باحث اقتصادي: العالم يعيش حالة عالية من عدم اليقين وخاصة فيما يتعلق بالسياسات التجارية
  • النظام العالمي أسسته أميركا بعد الحرب العالمية الثانية.. هل يهدمه ترامب؟
  • أخبار العالم | بايدن: أتحمل مسؤولية فوز ترامب بالرئاسة.. الرئيس الأمريكي يدرس خفض التعريفات الجمركية على الصين.. وهجمات جوية متبادلة بين الهند وباكستان
  • بايدن: أتحمل مسؤولية فوز ترامب برئاسة أمريكا
  • "8 ماي 1945": فيما يحتفي العالم بـ "عيد النصر".. الجزائر تستحضر جراح الثامن من أيار
  • بايدن ينتقد ترامب في أول مقابله له منذ ترك المنصب
  • مجلة أمريكية: وقف ترامب حربه على الحوثيين.. هل يأتي في سياق التفاهمات الأمريكية الإيرانية بشأن البرنامج النووي؟ (ترجمة خاصة)
  • بايدن يصف مقاربة ترامب تجاه روسيا بـ"الاسترضاء" في أول مقابلة بعد مغادرته البيت الأبيض