راي تقية - رويل مارك جيرشت
ها هي حرب غزة قد امتدت، ولم يكن كثيرون يتوقعون ذلك فامتدت إلى صراع في لبنان وسوريا والعراق والبحر الأحمر. ومع ضربات أمريكا المتوالية للحوثيين في اليمن هذا الشهر، تتنامى باطّراد مخاوف اندلاع النار على مستوى إقليمي أكبر.
وإيران حاضرة في كل هذه الساحات، وكذلك السؤال عما لو أن طهران بجيشها القوي ماضية في الطريق إلى خوض حرب أوسع.
على مدى سنين، قدمت إيران تمويلات أو أسلحة أو تدريبا لحماس ولحزب الله ـ اللذين يقاتلان إسرائيل ـ وللحوثيين الذين يهاجمون السفن في البحر الأحمر. وشنت إيران أيضا ضرباتها الخاصة في الأيام الأخيرة ردا على تفجير قاتل في وقت سابق من الشهر الحالي، زاعمة أنها تستهدف مقرات جاسوسية إسرائيلية في العراق وفي الدولة الإسلامية بسوريا. كما تبادلت ضربات مع باكستان على الحدود المشتركة بينهما.
في حين أن إيران تؤكد بوضوح قوتها العسكرية وسط اضطراب إقليمي واسع، فلا يعني ذلك أن قادتها يريدون الانجراف إلى حرب أوسع. وقد قالوا ذلك علنا، ولعل الأكثر أهمية أنهم اجتنبوا بحرص القيام بأي عمل عسكري مباشر ضد إسرائيل أو الولايات المتحدة. ويبدو النظام الحاكم قانعا في الوقت الراهن بالركون إلى استراتيجيته القديمة القائمة على الحرب بالوكالة: فالجماعات التي يدعمها تحارب خصوم إيران ولم تبدِ إسرائيل والولايات المتحدة حتى الآن اهتماما بالانتقام المباشر.
إيران في عزوف عن خوض صراع كبير، وينشغل النظام الحاكم بموضوعات محلية. فالمرشد الأعلى المسن آية الله علي خامنئي يسعى إلى تأمين تركته، وذلك من خلال التغلب على الأنواء السياسية لتنصيب خليفة له يماثله في التفكير، والسعي إلى سلاح نووي، وضمان بقاء النظام الحاكم قوةً إسلاميةً مهيمنة في الشرق الأوسط، وذلك كله يعني عدم الانجراف إلى حرب أوسع.
إن حكومة آية الله خامنئي تحاول إبقاء المعارضة السياسية له تحت السيطرة منذ عام 2022، أي منذ أن واجهت ما لعله كان أكبر انتفاضة منذ الثورة. فقد أثار موت ماشا أميني وهي في عهدة شرطة الأخلاق إحباطا مستشريا من قادة البلد وأطلق شرارة حركة وطنية رامية بوضوح إلى الإطاحة بالحكم الديني. وباللجوء إلى أساليب وحشية، استعادت القوات الأمنية الشوارع والمدارس، وهي واعية تمام الوعي بأنه حتى المظاهرات العفوية غير المنظمة قد تمثل تهديدا للنظام الحاكم. وتواجه إيران أيضا أزمة اقتصادية بسبب الفساد وسوء الإدارة المالية المزمن والعقوبات المفروضة بسبب مخالفاتها النووية.
وحتى في ظل ظروف أقل توترا، كانت مسألة الخلافة لتمثل أيضا مسألة حساسة. فالمرة الوحيدة التي تحتم فيها على الجمهورية الإسلامية أن تختار مرشدا أعلى جديدا منذ عام 1979 كانت في عام 1989 عند وفاة المؤسس والأب الروحي للثورة آية الله روح الله الخميني. وقد أعرب آية الله خامنئي، آنذاك، عن تخوفه من أنه في حال عدم إتمام النظام للمهمة على النحو الصحيح، فإن أعداءه في الغرب وفي المنطقة سوف يستعلون فراغ قمة السلطة للإطاحة بالدولة الدينية الشابة.
اليوم، يحظى مجلس الخبراء في إيران، المؤلف من ثمانية وثمانين من كبار العلماء، بصلاحيات دستورية لاختيار المرشد الأعلى القادم. وكثير مما يتعلق بعملية الاختيار هذه يجري وراء حجاب من السرية، لكن تقارير حديثة في الإعلام الإيراني تشير إلى أن لجنة ثلاثية تضم الرئيس إبراهيم رئيسي وعضوي المجلس آية الله أحمد خاتمي وآية الله رحيم توكل تجري فحصا للمرشحين بإشراف من آية الله خامنئي. وفي حين أن الهدف من ذلك قد لا يعدو أن تبدو العملية أشبه ببحث مفتوح في بيئة سياسية ملتهبة، فمن شبه المؤكد أن الأمر لا يعدو أحد أطوار تنصيب واحد من الثوريين ذوي النزعة المحافظة في المنصب.
بالنسبة لآية الله خامنئي، لا بديل عن مرشح زميل من الدينيين صالح للاستمرار في سعي إيران إلى الهيمنة الإقليمية والمشاركة في جزء آخر أساسي من تركته وهو السعي إلى سلاح نووي. ففي الوقت الذي ركّز فيها العالم على حربي أوكرانيا وغزة، كانت إيران تقترب ببطء من القنبلة، بتخصيب اليورانيوم في مستويات أعلى، وإقامة المزيد من أجهزة الطرد المركزي المتقدمة وتحسين مدى وشحنات الصواريخ البالستية. وفي وقت تبدو فيه القنبلة أقرب بدرجة مخيفة، لا يرجح أن يخاطر آية الله خامنئي بذلك التقدم من خلال قيامه بسلوك قد يستدعي ضربة لتلك المنشآت.
في حين يشرف آية الله خامنئي على البحث عن الخليفة وعلى مطامح إيران النووية فإنه يبدو قانعا، في الوقت الراهن، بترك الوكلاء في الشرق الأوسط يفعلون ما كانت إيران تدفع لهم من أجله وتدربهم عليه. فما يعرف بمحور المقاومة الإيراني ـ المؤلف من حماس وحزب الله والحوثيين ـ يقع في القلب من الاستراتيجية الكبرى التي تتبعها الجمهورية الإسلامية ضد إسرائيل والولايات المتحدة والزعماء العرب، وتسمح للنظام الحاكم بضرب خصومه دونما استعمال لقواته أو المخاطرة بأرضه. وقد أتاحت الميلشيات العديدة والجماعات التي ترعاها طهران بإجلاء أمريكا من العراق بطرق غير مباشرة وإبقاء الأسد في سوريا كما أسهمت ـ في السابع من أكتوبر ـ في إنزال ضربة مؤلمة بالدولة اليهودية.
وفي حين يشعل مقاتلوها الوكلاء النار في جبهة إسرائيل الشمالية من خلال ضربات حزب الله الصاروخية المتفرقة، والتحريض على مهاجمة قواعد الولايات المتحدة في العراق، وإعاقة الشحن البحري في البحر الأحمر وخليج عدن، من المرجح أن إيران ترجو أن تضغط على المجتمع الدولي لكبح جماح إسرائيل. وتعني ضرورة عدم توسيع حرب إسرائيل-غزة (وهذه الضرورة هي التي حركت السياسة الأمريكية والإسرائيلية حتى الآن) أن الانتقام لا يرجح أن يستهدف إيران وإنما الوكلاء وحسب.
وبالطبع، حماس ـ التي تعهدت إسرائيل بالقضاء عليها ـ لها قيمة لدى إيران؛ إذ استثمر النظام وقتًا ومالًا في الجماعة، وحماس جماعة سنية ـ خلافا لأغلب وكلاء الجمهورية الإسلامية وحلفائها ـ وهو ما يساعد الدولة الدينية الشيعية على تجاوز الانقسامات الطائفية في المنطقة. فتحرير فلسطين، الذي أولع به الثوريون الإيرانيون منذ أن ساعدتهم منظمة التحرير الفلسطينية ضد الشاه في عام 1979، يمثل أيضا جوهرا لمهمة النظام الحاكم الإسلامي المعادي للإمبريالية.
لكن بالنسبة لآية الله خامنئي، تسود الجبهة الداخلية دائما على مشكلات الجوار. وفي النهاية، في حال نجاح إسرائيل في تحقيق هدف القضاء على حماس، يرجح أن تسلِّم الدولة الدينية بزوال الجماعة، ولو على مضض.
بالطبع، كلما ازدادت إيران انخراطا في الصراع ـ بشكل مباشر أو غير مباشر ـ تزداد أيضا فرصة أن تؤدي ضربة مارقة أو هجمة ناجمة عن حسابات خاطئة إلى أن يخرج العنف عن السيطرة فيمضي في اتجاه لا تحبذه إيران. والتاريخ حافل بحسابات خاطئة، وثمة إمكانية كبيرة لأن تجد إيران نفسها منجرفة إلى صراع أكبر كانت تسعى إلى اجتنابه.
لكن المرشد الإيراني الأعلى هو أطول الحكام بقاء في الحكم في الشرق الأوسط وسبب ذلك الأساسي هو قدرته البارعة على المزج بين التشدد والتحوط. فهو يفهم نقاط ضعف بلده ونقاط قوته وهو يسعى إلى دفع الجمهورية قدما إلى ما يتجاوز حدودها.
بعبارة أخرى، آية الله خامنئي يعرف حدود قدراته، ويعرف التركة التي ينبغي أن يضمنها ليضمن بها أن تتجاوز الثورة وفاته في أمان.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: النظام الحاکم فی حین
إقرأ أيضاً:
إسرائيل اليوم: هؤلاء قادة حماس الذي ما زالوا في غزة
نشرت صحيفة "إسرائيل اليوم" تقريرا بعد مزاعم الاحتلال حول اغتيال القيادي في القسام رائد سعد عن قادة حماس الذين ما زالوا في غزة.
وقالت الصحيفة إنه بعد اغتيال رعد سعد، "الرجل الثاني" في "الجناح العسكري" لحماس، بقي عدد من قادة الحركة وعلى رأسهم:
1. عز الدين الحداد: القائد الحالي للجناح العسكري، الذي وصل إلى السلطة بعد اغتيال محمد ضيف ونائبه مروان عيسى ومحمد السنوار بحسب الصحيفة.
وكان الحداد قائداً للواء مدينة غزة، ووفقاً لتقارير عربية، كان من بين القلائل الذين علموا بتوقيت هجوم 7 أكتوبر. حيث كان شريكا رئيسيا في التخطيط للعملية.
وأوضحت أنه مع كل عملية تصفية، ارتقى في التسلسل القيادي، حتى أصبح مسؤولا عن قضية الأسرى الذي ذكروا أن الحداد كان يتحدث العبرية ويتواصل معهم.
وخلال الحرب، قُتل اثنان من أبنائه، اللذين كانا يعملان في صفوف نخبة القسام النخبة.
محمد عودة: رئيس مقر استخبارات حماس في غزة. لا يُعرف الكثير عن عودة، لكن بحكم طبيعته، كان متورطًا بشكل كبير في التخطيط لعملية ٧ أكتوبر.
وفي وثائق نُشرت قبل الحرب، يظهر اسمه إلى جانب محمد ضيف والمتحدث باسم القسام أبو عبيدة.
ووفقًا لتقارير ، أُجبر عودة على تولي قيادة لواء شمال غزة، بعد اغتيال القائد السابق أحمد غندور كما زعمت الصحيفة العبرية.
وبينت "إسرائيل اليوم" أنه إلى جانب كبار قادة الجناح العسكري، بقي اثنان من الشخصيات البارزة في حماس على قيد الحياة، واللذان كانا في السابق ضمن أعلى مستويات نظامها في غزة.
الأول هو توفيق أبو نعيم، الذي ترأس جهاز الشرطة وكان يُعتبر من المقربين من السنوار. أما الثاني فهو محمود الزهار، عضو المكتب السياسي في غزة وأحد أعضاء الفصائل المؤسسة لحماس.
وأشارت إلى أن هناك أيضاً قادة كتائب مخضرمون في حماس لم يُقتلوا بعد أولهم حسين فياض ("أبو حمزة")، قائد كتيبة بيت حانون، الذي نجا من محاولتي اغتيال على الأقل حيث أسفرت المحاولة الأخيرة عن مقتل أفراد من عائلته.
وفي وقت سابق من الحرب، أعلن جيش الاحتلال أنه قُتل، لكن فياض ظهر بعد فترة من وقف إطلاق النار.
ولفتت الصحيفة إلى قائد كتيبة آخر هو هيثم الحواجري، المسؤول عن كتيبة مخيم الشاطئ.
وأعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي اغتياله، لكنه ظهر خلال وقف إطلاق النار في إحدى المراسم الدعائية لإطلاق سراح الأسرى.
وفي تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، برز اسم قائد بارز آخر في حماس وهو مهند رجب. وبحسب تقارير عربية، عُيّن رجب قائداً للواء مدينة غزة خلفاً للحداد، الذي أصبح قائداً للجناح. كما ورد أنه، على غرار رجب، عُيّن قادة ميدانيون آخرون ليحلوا محل من قُتلوا خلال الحرب.