الثقافة للأمم المتحضرة كالماء والهواء
تاريخ النشر: 25th, January 2024 GMT
لا شك أن معرض الكتاب السنوى يعد عرسا وملتقى ثقافيا بامتياز، حيث الكتب والكُتّاب، والمفكرون والمثقفون، ودور النشر الوطنية والعالمية، والندوات والمتلقيات الفكرية، ومن تفوته زيارة المعرض فى أى عام يفوته قسط ثقافى كبير، إذ يحرص المثقف دائما على الوقوف على أحدث ما نشر فى مجال اهتمامه، وهو ما لا غنى عنه لباحث جاد، فضلا عن مثقف واعٍ، فحيث يتوقف الإنسان عن تطوير ذاته يسبقه الزمن ويسبقه الآخرون، فالزمن لا ينتظر أحدا.
الثقافة لنا كالماء والهواء، لا قدرة لنا على العيش أو مواجهة تحديات الحياة بدونها، والثقافة الرشيدة من أهم مفاتيح الفكر الرشيد والتفكير السديد، وهى كما عرَّفها إدوارد تايلور 1871م: ذلك الكلّ المركَّب الذى يشمل المعرفة والعقيدة والفن والأخلاق والقانون والعادات، وكل المقومات الأخرى التى يكتسبها الإنسان بوصفه عضوًا فى المجتمع، فهى تشمل مجموع النشاط الفكرى والفنى بمعنيهما الواسع، وما يتصل بهما من المهارات وما يعين عليهما من الوسائل، وكلما اتسعت المدارك الثقافية للإنسان أهَّلته للحكم الدقيق على الأشياء، إذ يقرر علماء النفس أن المعلومات الوافدة على الذهن تفسَّر فى ضوء المخزون فيه، فكلما كان المخزون الثقافى كبيرًا سهل على العقل فهم واستيعاب وتفسير الوافد الفكرى ورؤيته بمقياس أدق، ومن ثمَّ فإن النشاط الذهنى الثقافى يوسع المدارك ويعين على الفهم الصحيح للأشياء وحسن التقدير للأمور.
ولعل من أيسر التعاريف لمفهوم الثقافة والمثقف هو أنه من يعرف كل شيء عن شيء وشيئًا عن كل شيء، وقد يتسع أو يضيق هذا الشيء على قدر قربه من التخصص الدقيق للإنسان ومدى الحاجة إليه فى خدمة المجتمع والحياة العامة، مع تأكيدنا أن الثقافة ليست أمرًا هامشيًّا أو ثانويًّا فى حياة الأمم والشعوب، إنما هى مكون رئيس فى حياتها، وأن الثقافة التى ننشدها ونعض عليها بالنواجذ هى ثقافة النور فى مواجهة ثقافة الظلام، هى الثقافة التى تبنى ولا تهدم، وتعمر ولا تخرب، وهى أحد أهم عوامل مواجهة التحديات، وفك شفراتها، والتعامل بمنهجية معها، بل إن كثيرًا من المشكلات التى تعانى منها كثير من المجتمعات ترجع فى بعض جوانبها إلى ضيق الأفق الثقافي، أو ضعفه، أو محدوديته، أو انغلاقه، أو حتى انسداد شرايينه؛ فالثقافة قضية حياة.
وإذا كانت الثقافة أمرًا تراكميًّا، وكلما كانت المعلومات المتراكمة عبر الزمن أكثر كانت الثقافة أغزر وأعمق؛ فإن الثقافة الإسلامية تتميز بأنها تجمع بين التأصيل الشرعى والوعى الواقعى بتاريخ الأمة وحاضرها ومستقبلها، وما يواجهها من تحديات وما يتاح لها من فرص، وعرض ذلك كله بما يتسق وروح العصر، حيث عرَّفها بعض المفكرين والكتاب بأنها: معرفة مقومات الأمة الإسلامية العامة بتفاعلاتها فى الماضى والحاضر.
والثقافة الإسلامية بوصفها مجموعة المعارف والمعلومات النظرية والخبرات العملية والتطبيقية المستمدة من القرآن الكريم والسنة النبوية المشرَّفة، هى الهوية الراسخة لتكوين الشخصية الإسلامية المتميزة فى معارفها، المطَّلعة على ثقافة عصرها المتبنِّية لقضاياه، وهى التى يكتسبها الإنسان ويحدد فى ضوئها طريقة تفكيره ومنهج سلوكه فى الحياة.
ولا شك أن خطابًا ثقافيًّا وسطيًّا سمحًا رشيدًا منضبطًا يسهم وبقوة فى قضايا البناء والتعمير وتحقيق الأمن المجتمعى والأمن النفسي، كما يسهم فى تحسين مناخ العلاقات الإنسانية فى المجتمع، وتحقيق وسائل الاندماج وقبول الآخر وفقه العيش المشترك بين أبنائه، وهو مطلب دينى ووطنى وإنساني.
ومن منطلق مسئوليتنا الشرعية فى نشر صحيح الثقافة الإسلامية، ثقافة التسامح والسلام، وبيان أوجه الكمال والأدب والجمال فيها، وتأصيل فقه العيش المشترك، وتصحيح المفاهيم الخاطئة، ومواجهة التحديات الفكرية نقدم من خلال التعاون مع وزارة الثقافة ممثلة فى الهيئة المصرية العامة للكتاب «موسوعة رؤية» تلك الموسوعة العصرية التجديدية فى الثقافة الإسلامية؛ لتلقى الضوء على بعض الجوانب الرئيسة فيها، بدءًا من ثوابت الإيمان، وأوجه الكمال والجمال فى القرآن الكريم، والأدب مع سيدنا رسول الله، مرورًا ببيان المقاصد الكلية للشريعة الإسلامية، وفلسفة الحرب والسلم والحكم فى الإسلام، ومسئولية الكلمة وأمانتها، مع مقالات فى بيان أهمية التجديد وحتميته فى ضوء مستجدات الواقع والفهم الصحيح له فى إطار الحفاظ على الثوابت الشرعية، وإلقاء الضوء على فن الخطابة عبر العصور الإسلامية بوصفه من الوسائل الرئيسة التى لا غنى عنها فى نشر الثقافة الإسلامية، ثم الحديث عن دلالات ومعانى وبركة أسماء الله الحسنى، والحديث عن فلسفة الحياة والموت، وبيان أن الموت للمؤمن ليس عقدة وليس عائقًا؛ لأن المؤمن يُدرك أنه سيجنى ثمرة عمله إما فى الدنيا وإما فى الآخرة وإما فيهما معًا، فالموت عند المؤمن انتقال لا انتهاء، وختامًا يأتى الحديث عن فن المقدمات والخواتيم الذى لا غنى عنه لباحث أو كاتب.
وزير الأوقاف
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الثقافة الماء والهواء د محمد مختار جمعة وزير الأوقاف الثقافة الإسلامیة
إقرأ أيضاً:
آليات تنمية الإبداع لدى الأطفال في لقاء لقصور الثقافة بالسويس
نظم فرع ثقافة السويس عددًا من الأنشطة الأدبية والفنية، ضمن أجندة فعاليات الهيئة العامة لقصور الثقافة برئاسة اللواء خالد اللبان، في إطار خطة وزارة الثقافة.
"آليات إعداد جيل مبدع"
أُقيمت الفعاليات بإشراف الكاتب محمد ناصف، نائب رئيس الهيئة، وتضمنت لقاء بمركز شباب فيصل، بعنوان "آليات إعداد جيل مبدع"، تحدثت خلاله د. هبة حسن، خبير الصحة النفسية، عن خصائص المبدع، والعوامل التي تسهم في تنمية إبداعه، وتساعد الوالدين على دعم هذا الإبداع، ومنها تشجيع الطفل على الفضول واستكشاف العالم من حوله، تعزيز مهارات التفكير النقدي، والتعليم الإبداعي، ومنحه الفرصة للتعبير عن ذاته بحرية.
قصائد شعريةأعقب ذلك فقرة إلقاء قصائد شعرية، ألقت خلالها الشاعرة عائشة عبد الحميد، قصيدة بعنوان "أكتبلها"، وقدم الشاعر حمدي عطية، قصيدة "باب المدد"، بينما ألقى الشاعر مصطفى النحاس، قصيدة "كوكب الاشتغالات"، وقدم جمال نور الدين قصيدتي "طارات الرحيل"، و"النسيان"، واختتمت الأمسية بقصيدة "أكره الوداع" للشاعر مجاهد عبد الهادي.
عرض مسرحية “التحول”
من ناحية أخرى، وضمن الأنشطة المنفذة بإقليم القناة وسيناء الثقافي، بإدارة د. شعيب خلف، وفرع ثقافة السويس، بإدارة هويدا طلعت، واصلت فرقة السويس المسرحية عرض "التحول" ضمن عروض الموسم الجديد لهيئة قصور الثقافة والمقدمة على مسرح قصر ثقافة الإسماعيلية.
العرض عن رواية الكاتب فرانز كافكا، ومن إعداد محمود سيد، وإخراج محمد عجيزي، وشهد حضور لجنة التحكيم المكونة من المخرج جلال عثمان، الناقد محمد علام، ومهندس الديكور محمود جمال.
ويناقش قضايا مجتمعية ويتضح ذلك من خلال الأحداث التي تدور حول رحلتين الأولى للكاتب والكوابيس التي يعيشها وهو يكتب روايته، والثانية حول قصة حياة بطل الرواية "جريجور سامسا" الذي يستيقظ ذات يوم ليجد نفسه تحول إلى مسخ "حشرة"، فتتخلى عنه أسرته.
العرض إنتاج الإدارة العامة للمسرح برئاسة سمر الوزير، وإشراف الإدارة المركزية للشئون الفنية برئاسة الفنان أحمد الشافعي، بطولة مجموعة متميزة من فناني السويس، ألحان أمجد صموئيل، ديكور محمود صلاح، تنفيذ ديكور محمد التنجيري، ملابس ميرنا مدحت، ومخرج منفذ محمد فتحي.