لبنان ٢٤:
2025-07-04@17:50:27 GMT

شيخ العقل اطلع من وفد حماس على المفاوضات الجارية

تاريخ النشر: 1st, February 2024 GMT

شيخ العقل اطلع من وفد حماس على المفاوضات الجارية

دعا شيخ العقل لطائفة الموحدين الدروز الشيخ الدكتور سامي أبي المنى لإنشاء مجلس للشيوخ يكون الإطار المناسب للحوار وصيانة العيش المشترك الذي يرمي إليه، والذي آن الأوان لتحقيقه، بحيث تتمثل فيه الطوائف الأساسية، ويكون مصدر اطمئنان لها، ويكون الولاء للوطن أساسا في بناء الدولة"، مشددا على "ضرورة احترام المكونات اللبنانية بعضها بعضا، لأن من يفكر بإلغاء الآخر فهو يلغي لبنان".



كلام شيخ العقل جاء في كلمة ألقاها في معهد الدراسات الإسلامية والمسيحية في كلية العلوم الدينية في جامعة القديس يوسف في بيروت، بمناسبة الحفل التكريمي لوزير التربية التعليم العالي في حكومة تصريف الاعمال القاضي عباس الحلبي وإطلاق سيرته الحوارية في كتاب "مغامرة الحوار" للدكتور انطوان افرام البستاني.

وألقى شيخ العقل كلمة قال فيها: "يسعدني اليوم، أن أكون حاضرا في ندوة تكريمية لأحد أبرز وجوهنا الحوارية المشرقة، ممثل طائفة الموحدين الدروز في اللجنة الوطنية للحوار الإسلامي المسيحي، معالي الوزير الأستاذ عباس الحلبي، المعبر بصدق عن انفتاح بيئته التوحيدية على الحوار، والمناضل في سبيله منذ مطلع شبابه، والمتعمق في موضوعه محليا وعربيا ودوليا، والمساهم الأبرز في نشر ثقافته في مجتمع أهله الموحدين الدروز وبين شيوخهم وشبابهم ومؤسساتهم ومثقفيهم".

اضاف: "مع الأستاذ عباس ورفاقه الكبار لاحظنا وأيقنا أن العيش الإسلامي المسيحي في لبنان له نكهة خاصة تطبع المواطنية فيه لأن دور لبنان الفريد لا يختصر بجمال طبيعته الجغرافية، كما قال يوما أستاذنا المخضرم، بل بكونه مختبرا ومركزا طليعيا للحوار الإسلامي المسيحي، ونموذجا يحتذى به في عالمنا، مدركين معه أن حوار الحياة هذا العلاقات الحتمية بين اللبنانيين تحتاج إلى عمل دائم وديناميكية فاعلة سعيا لتنقيتها من شوائب الماضي... ولتوسيع المشتركات على حساب الخصوصيات، من دون القضاء عليها تحت عنوان الانصهار"، كما ألمح في كتابه "الحوار بين الأديان"، وهو ما اعتدنا أن نقوله وإياه: إن حوار الحياة يحتاج إلى تعارف واحترام وتشارك وانفتاح، لا إلى تجاهل وإلغاء وهيمنة واستقطاب".

وتابع: "لكم تمنى صديقنا وتمنينا معا أن يحظى الحوار باهتمام الدولة وأن لا يظل محصورا بين النخب المثقفة، هذا إذا ما "تحملت الدولة مسؤوليتها وحسمت أمرها حيال العلاقة التي يجب أن تقوم بين الشأن الديني والشأن العام"، كما يرى رفيق دربه صاحب الكلمة الطيبة المؤثرة الأمير حارس شهاب في كتابه "الحصن الأخير"، داعين إلى نشر ثقافة الحوار في المدارس والجامعات والإعلام والمنتديات، ومتحدثين عن أهمية إنشاء وزارة أو هيئة عليا رسمية ترعى الوفاق الوطني والحوار، وعن تغيير في النظام السياسي، بالاتجاه نحو إلغاء الطائفية السياسية وإقامة مجلس للشيوخ، الذي ربما سيكون الإطار المناسب لهذا الحوار ولصيانة العيش المشترك الذي يرمي إليه، والذي آن الأوان لتحقيقه، بحيث تتمثل فيه الطوائف الأساسية، ويكون مصدر ٱطمئنان لها، ويكون الولاء للوطن أساسا في بناء الدولة، مهما كانت المودات الخارجية مشروعة ومؤثرة، دون أن نخلط بين الدين والسياسة بالشكل النافر الذي يحصل، والذي يقسم الولاء الوطني إلى ولاءين، أحدهما للدولة والوطن، وثانيهما للطائفة أو للحزب الطائفي".

اضاف: "اللبنانيون بحاجة الى التفاهمات والتسويات، حيث لا مفر ولا مهرب من العيش معا، فالمكونات الوطنية موجودة ولا غنى عنها، والأجدر أن تراعى هواجسها وأن يحترم تاريخها وموقعها؛ الكل يجب أن يحترم الكل، ومن يفكر بإلغاء الآخر فهو يلغي لبنان، كما قيل، وعلى كل طائفة وعلى كل حزب وعلى كل مكون أن يسعى للحفاظ على شريكه، لأن القاعدة الذهبية للحفاظ على الصيغة اللبنانية، تقضي بأن يسعى كل شريك للمحافظة على شريكه في المواطنة وليس على نفسه فحسب". 

اضاف: "معالي الوزير العزيز، نفتخر بك لأنك غامرت من أجل لبنان والإنسان، وناضلت من أجل الدور والرسالة، وجاهدت لفتح الطريق أمام أبناء طائفتك ووطنك للانخراط في مسيرة الحوار، تلك التي أرسى فكرها الروحاني اللطيف عندنا شيوخ أطهار أجلاء، وأفاض في شرح مفاهيمها الفلسفية المعمقة مفكرون كبار، في مقدمتهم كمال جنبلاط "في ما يتعدى الحرف"، وسامي مكارم في أدبه العرفاني الراقي، وسواهما من أرباب الفكر والانفتاح، ولذا، رأيناك ترسخ تلك المداميك بإيمان والتزام وحضور قل مثيله، موجها النداءات إلى أهلك الموحدين "الدروز"، قبل سواهم، للخروج من هواجس التاريخ، قائلا لهم: "أنتم في طليعة المؤمنين بديمومة لبنان وبنهائيته، وبأنه لجميع أبنائه على قدم المساواة، فلا تسعوا إلى تغليب الانغلاق والتطرف، بل ساهموا في دعم تفكيركم المنفتح ووعيكم الوطني ودوركم الوسطي، ولا تتراجعوا".

اضاف: "إذا كنا مؤمنين بما آمن به الأستاذ عباس ورفاقه في الفريق العربي للحوار بأن مبدأ الحوار هو "القبول بالمشترك والتعاون على أساسه، والإقرار بالمختلف والحوار في شأنه"، فلماذا لا يقبل بعضنا بعضا؟ ولماذا لا نتفهم هواجس الآخرين ولا نسمع الصوت الصارخ المحذر من الانجرار إلى مستنقع الموت وهاوية الدمار؟ ولماذا لا نعذر من يخالفنا الرأي والموقف؟ بل نجعل التخوين والتحقير لغة التواصل والتخاطب والتجاذب، ونحن على ثقة بأن الجميع يريد لبنان الوطن القوي المعافى، لكنهم لا يقرون بالاختلاف ولا يتعاونون في المشترك، لذلك قلنا مع أهل الإيمان والاعتدال بأن مهمة الحوار تستحق المغامرة، وأن سيرة المغامرين تستحق التدوين، وأن ما يقوم به معهدنا الكريم وجامعتنا العريقة يستحق 

من ناحية ثانية، استقبل شيخ العقل في دار الطائفة في بيروت اليوم، وفدا من قيادة حركة "حماس" في لبنان برئاسة الدكتور احمد عبد الهادي، ضم اليه مسؤول العلاقات السياسية والإعلامية عبد المجيد العوض ومسؤول العلاقات الإسلامية بسام خلف.

ونقل الوفد الى ابي المنى تحيات قيادة الحركة، وتناول البحث ما يجري في غزة وفلسطين جراء العدوانية الإسرائيلية الوحشية ومعركة "طوفان الأقصى" والمفاوضات الجارية على هذا الصعيد. كما شكر الوفد لشيخ العقل مواقفه التضامنية الثابتة مع أبناء غزة والشعب الفلسطيني.

وكان اللقاء مناسبة جدد خلالها ابي المنى موقفه "الإنساني المتضامن تجاه أبناء غزة والضفة والشعب الفلسطيني عموما، لا سيما في الظروف القاسية جدا التي يمر بها"، مستنكرا "الاعمال العسكرية الإسرائيلية الوحشية تجاه هذا الشعب الصامد على ارضه والمدافع عن حقوقه، بمن فيهم الأطفال والنساء والشيوخ".

ودعا "الدول العربية والإسلامية الى المبادرة والوقوف الى جانب أبناء غزة، خصوصا مع توقف الاعمال الإنسانية من جانب مؤسسة الغوث الاونروا، وحاجة أبناء غزة الى سبل الحياة والصمود الاجتماعي والامن الغذائي على اختلافه، وبذل الجهود الممكنة لوقف الحرب الدائرة، التي آن لها ان تهدأ مع تعاظم احتمالاتها التوسعية تجاه جنوب لبنان أيضا". المصدر: "الوكالة الوطنية للاعلام"

المصدر: لبنان ٢٤

كلمات دلالية: شیخ العقل أبناء غزة

إقرأ أيضاً:

المقاصد بين النبوة والخلافة.. قراءة في العقل الاستراتيجي المؤسس.. كتاب جديد

الكتاب : الاستراتيجية المقاصدية الشاملة في العهدين النبوي والراشدي"
الكاتب : الدكتور مصطفى العرفاوي
الناشر : دار المنارة للنشر والتوزيع والطباعة.سنة النشر2024
عدد الصفحات :455 صفحة


ليست المقاصد ترفًا فقهيًا ولا اجتهادًا فكريًا مستحدثًا، بل هي في الأصل تجلٍّ لعقل الوحي حين يتحوّل إلى نظام حياة، وتعبير عن روح الشريعة حين تتنزّل في سياق العمران البشري وتدبير الاجتماع. من هذا المنطلق، يقدّم الدكتور مصطفى العرفاوي في كتابه "الاستراتيجية المقاصدية الشاملة في العهدين النبوي والراشدي" رؤية تجديدية تحفر في أعماق التجربة الإسلامية التأسيسية لاستخراج عقلها التدبيري، لا من باب الاستذكار التاريخي، بل من زاوية استئناف الوظيفة الحضارية للمقاصد.

أولًا ـ من المقاصد إلى الاستراتيجية

لا يكتفي العرفاوي بإعادة ترتيب المفاهيم المقاصدية، بل يدعو إلى نقلة نوعية في التفكير الإسلامي، تتحول فيها المقاصد من كونها غايات مرصوفة في كتب الأصول إلى عقل استراتيجي يؤسس لفعل حضاري شامل. ويعني بالعقل الاستراتيجي هنا القدرة على ربط الوسائل بالمآلات، وعلى تحويل القيم الكبرى إلى سياسات عملية، وعلى فهم السنن التاريخية والاجتماعية ضمن منظومة توجيهية تلتزم بالوحي وتُراعي الواقع.

الملاحظ أن النبي ﷺ لم يكن يتحرك بردود الأفعال، بل بخطة هادئة تُقدّر المآلات وتُوازن بين المبادئ والضرورات. وهذا ما يؤكد أن "حفظ الدين" لم يكن شعارًا تعبويًا، بل هدفًا حضاريًا يُبنى بتدرج، عبر بناء الإنسان، وتأمين الجماعة، وتنظيم السلطة، وتوسيع دائرة الرسالة.يرى المؤلف أن هذه النقلة ليست بدعة معاصرة، بل هي جوهر التجربة النبوية والراشدية نفسها، التي لم تكتفِ ببيان الأحكام، بل أنشأت كيانًا سياسيًا، وأدارت علاقات دولية، وخاضت حروبًا وسلمًا، وأسست مجتمعًا جديدًا على قواعد التوحيد والعدل والعمران.

إن أبرز ما يطرحه العرفاوي هنا ليس فقط تجاوز المقاصد من حيز التنظير إلى حيز التدبير، بل كذلك إعادة الاعتبار لمنهج المقاصد كفكر كلي شامل، لا كآلية جزئية في استخراج الأحكام أو ترتيب الأولويات. إنه يستبطن رؤية تعتبر المقاصد بوصلة فكرية واستراتيجية يمكن أن تهدي الحركات الإصلاحية، والمشاريع السياسية، ومؤسسات الدولة، في حاضر الأمة ومستقبلها.

ثانيًا ـ المقاصد كعقل تدبير في العهد النبوي

في تحليله للتجربة النبوية، يتجاوز العرفاوي القراءة السردية التقليدية، ليُبرز كيف تشكّلت ملامح الاستراتيجية المقاصدية من خلال خطوات واعية، نابعة من رؤية بعيدة المدى، تُراكم الإنجازات وتُمهّد للتحوّل الحضاري. فقد كانت الهجرة مثلًا ليست فرارًا من الاضطهاد، بل نقلة استراتيجية لتأسيس مجتمع جديد. وكانت المعاهدات، مثل وثيقة المدينة وصلح الحديبية، أدوات لترسيخ قواعد التعايش والتمكين.

والملاحظ أن النبي ﷺ لم يكن يتحرك بردود الأفعال، بل بخطة هادئة تُقدّر المآلات وتُوازن بين المبادئ والضرورات. وهذا ما يؤكد أن "حفظ الدين" لم يكن شعارًا تعبويًا، بل هدفًا حضاريًا يُبنى بتدرج، عبر بناء الإنسان، وتأمين الجماعة، وتنظيم السلطة، وتوسيع دائرة الرسالة.

يُبرز العرفاوي أن التدبير النبوي اتسم بالمرونة دون أن يتنازل عن المبادئ، وبالصرامة دون أن يتحول إلى قهر، وبالانفتاح على الغير دون الذوبان فيه. وهذه المعادلة الدقيقة، التي جمعت بين الرسالية والبراجماتية، كانت تتنزل وفق عقل مقاصدي يزن الواقع بميزان المآل، لا الانفعال.

ولعل أحد أبرز وجوه هذا العقل المقاصدي هو ما يسميه العرفاوي بـ"حماية مسار الرسالة"، لا فقط من حيث العقيدة، بل من حيث القدرة على الانتشار والتجذر والتفاعل. فالنبي ﷺ أسس دولة لا لتكريس السلطة بل لحماية الإنسان، وأقام مجتمعًا لا على العصبية، بل على القيم.

ثالثًا ـ الدولة الراشدية واستئناف العقل المقاصدي

يرى العرفاوي أن الخلافة الراشدة كانت استئنافًا طبيعيًا للمشروع النبوي، وليست انحرافًا عنه كما يدعي بعض الخطاب الحداثي أو الطائفي. فقد حافظت هذه المرحلة على جوهر الشورى، ومركزية المقصد، ووحدة الجماعة، رغم التحولات الكبرى والتحديات السياسية. ومع ذلك، لا يمكن إغفال ما اعترى هذه المرحلة من خلافات عميقة، بلغت ذروتها مع الفتنة الكبرى واغتيال الخليفة عثمان، ما يُظهر أن العقل المقاصدي، رغم صلابته المبدئية، اصطدم بمعوّقات الواقع السياسي والاجتماعي، وهو ما يدعو إلى قراءة أكثر تركيبًا للمرحلة، تتجاوز الثنائيات المطلقة بين التمجيد والتقويض.، وليست انحرافًا عنه كما يدعي بعض الخطاب الحداثي أو الطائفي. فقد حافظت هذه المرحلة على جوهر الشورى، ومركزية المقصد، ووحدة الجماعة، رغم التحولات الكبرى والتحديات السياسية.

ويُبرز الكتاب كيف تعامل الخلفاء الراشدون مع المستجدات بمرونة، دون تفريط في الأصول. فقد قبل عمر بن الخطاب بتعليق حد السرقة في عام المجاعة، ووسع دار الإسلام بنظام الدواوين، وشرّع مؤسسة بيت المال، وكلها خطوات نابعة من منطق المقاصد لا من تعطيل الأحكام.

ومن أبرز مظاهر الفعل المقاصدي في العهد الراشدي تجلي روح العدل في السياسات العامة، لا كشعار بل كممارسة. إذ لم يكن العدل مجرد قيمة خطابية، بل كان محددًا للتشريع، وللقرار، وللسلوك السياسي. فسياسات عمر مثلاً في توزيع الثروة، وتنظيم السلطة، وحماية الحقوق، كلها كانت تعبيرًا عن عقل استراتيجي يستبطن مقصد العدل بوصفه حجر الزاوية في بناء الدولة.

كما تميزت هذه المرحلة بإحياء فقه الأولويات ضمن منطق مقاصدي واقعي، حيث تم تقديم المصلحة العامة على الجزئيات، وتأجيل بعض الأحكام لحماية وحدة الجماعة. وهذا المنهج هو ما تفتقر إليه كثير من الأنظمة المعاصرة التي تدّعي المرجعية الإسلامية دون تفعيل حقيقي لمنطق المقاصد.

رابعًا ـ المقاصد بين النص والتاريخ

من الملامح المميزة لهذا الكتاب أنه لا يحصر المقاصد في النصوص، بل يدعو إلى قراءتها في سياقها الزمني. فالتجربة النبوية والراشدية تُفهم ـ بحسب العرفاوي ـ كمصدر ثانوي للمقاصد، لا يقل شأنًا عن النصوص. وهذا ما يعيد الاعتبار إلى الفعل السياسي للنبي ﷺ والخلفاء، ويخرجه من التقديس الجامد إلى الاقتداء الواعي.

في السياق العربي الراهن، حيث تتراجع الإرادة الشعبية، وتُشرعن السلطات الفردية باسم الخصوصيات، وتُفكّك الروابط الجامعة باسم الهويات الفئوية، تبدو دعوة العرفاوي لإحياء العقل المقاصدي الاستراتيجي دعوة ملحّة. فليس المطلوب فقط العودة إلى القيم، بل تحويلها إلى بوصلة للفعل الحضاري، تستلهم روح النبوة ولا تتجمد في حدود الفقه.فحين ندرس مقاصد الشورى، أو العدل، أو الوحدة، لا نعود فقط إلى الآيات، بل أيضًا إلى ممارسات الدولة الأولى، وكيف تمّت ترجمة تلك القيم إلى مؤسسات وإجراءات. وهذا ما يجعل المقاصد علمًا حيويًا متجددًا، لا منظومة مغلقة متحفية.

ويُعد هذا التوجه تأويلاً منهجيًا يعيد الاعتبار للتاريخ العملي للإسلام، بوصفه مخزونًا معرفيًا لا يقل أهمية عن النصوص المؤسِسة، كما يفتح الباب لتطوير فقه سياسي مقاصدي مستقبلي، لا يعتمد فقط على القياس والفقه الفردي، بل على إعادة بناء النظر في مقاصد الاجتماع الإنساني ذاته.

خامسًا ـ راهنية المشروع ومآلات التغريب

لا يخفي العرفاوي نقده للواقع الراهن، حيث تم اختزال المقاصد في محاضرات وعناوين أخلاقية، بينما تمّ تهميشها في دوائر القرار والتخطيط. ويُشير إلى أن غياب العقل المقاصدي هو أحد أسباب تراجع الأمة، وعجزها عن صياغة مشروع ذاتي في مواجهة الضغوط الداخلية والتدخلات الخارجية.

وفي السياق العربي الراهن، حيث تتراجع الإرادة الشعبية، وتُشرعن السلطات الفردية باسم الخصوصيات، وتُفكّك الروابط الجامعة باسم الهويات الفئوية، تبدو دعوة العرفاوي لإحياء العقل المقاصدي الاستراتيجي دعوة ملحّة. فليس المطلوب فقط العودة إلى القيم، بل تحويلها إلى بوصلة للفعل الحضاري، تستلهم روح النبوة ولا تتجمد في حدود الفقه.

كما ينتقد العرفاوي الأنساق الغربية التي تسربت إلى الوعي الإسلامي باسم الحداثة، والتي قامت على الفصل الجذري بين الدين والسياسة، مما جعل المشاريع الإسلامية تعيش انفصامًا بين المرجعية والسلوك. غير أن النقد هنا، وإن كان مشروعًا، يستدعي تمييزًا ضروريًا بين أدوات الحداثة ومضامينها؛ إذ يمكن لبعض آليات الحداثة، كالمنهج النقدي أو الحوكمة الرشيدة أو التنظيم المؤسسي، أن تكون عونًا لا خصمًا، إذا أُعيد إدماجها ضمن منظور مقاصدي واعٍ وغير تابع. باسم الحداثة، والتي قامت على الفصل الجذري بين الدين والسياسة، مما جعل المشاريع الإسلامية تعيش انفصامًا بين المرجعية والسلوك. ويؤكد أن المقاصد هي الجسر الممكن بين الأصالة والتجديد، بين النص والواقع، بين القيم والسياسات.

سادسًا ـ تجديد الفقه السياسي وإمكانات الاستئناف

يشدد الكتاب على ضرورة إعادة بناء الفقه السياسي الإسلامي على أساس مقاصدي، يُراعي متغيرات العصر ويستعيد المبادرة من داخل المرجعية الإسلامية. غير أن السؤال المقلق يظل قائمًا: هل تسمح الأنظمة السياسية القائمة، غالبًا ذات الطابع السلطوي أو الريعي، بمثل هذا البناء المقاصدي؟ وهل يتوفر المناخ السياسي والمعرفي لإعادة تفعيل الفكر المقاصدي على أرض الواقع؟، يأخذ بعين الاعتبار تعقد الواقع وتغير موازين القوى. فلم تعد الأحكام السلطانية التقليدية صالحة لتأطير الدولة الحديثة، بل نحن بحاجة إلى فقه سياسي يعيد وصل ما انقطع بين الدين والواقع، ويستوعب أدوات العصر، ويوازن بين الثوابت والمستجدات.

العقل الإسلامي، حين يُحرر من التجزيء والارتجال، وحين يستعيد المقاصد كمنهج تدبير شامل، يصبح قادرًا على إنتاج مشروع نهضوي، يقاوم التبعية، ويعيد الاعتبار للإنسان، ويعيد صياغة العلاقة بين الدولة والمجتمع ضمن رؤية حضارية متجذّرة في الوحي، ومنفتحة على العصر.وفي هذا السياق، تبرز أهمية التأصيل المقاصدي لقضايا مثل: الشورى التشاركية، والعدالة الاجتماعية، وحقوق الإنسان، والعلاقات الدولية، ودور المجتمع المدني. فهذه كلها ليست مستوردة من الغرب، بل يمكن تأصيلها من داخل المنظومة المقاصدية ذاتها، بما يجعلها جزءًا من مشروع حضاري مستقل، لا تابع.

كما يفتح هذا المنظور المجال أمام الحركات الإسلامية لتجاوز الحرج المزدوج بين التديّن الماضوي والانخراط التبعي، ويمنحها إطارًا مرنًا لتطوير برامجها السياسية بما يخدم الصالح العام ويعبّر عن المرجعية دون جمود.

خاتمة ـ من الذاكرة إلى المستقبل

إن أهم ما يميز كتاب "الاستراتيجية المقاصدية الشاملة" أنه لا يقف عند حدود الدفاع عن الماضي، بل يسعى إلى تحويله إلى مادة نظرية لإعادة بناء المستقبل. فالعقل الإسلامي، حين يُحرر من التجزيء والارتجال، وحين يستعيد المقاصد كمنهج تدبير شامل، يصبح قادرًا على إنتاج مشروع نهضوي، يقاوم التبعية، ويعيد الاعتبار للإنسان، ويعيد صياغة العلاقة بين الدولة والمجتمع ضمن رؤية حضارية متجذّرة في الوحي، ومنفتحة على العصر.

ولعل في هذا الكتاب ما يلهم جيلًا جديدًا من المفكرين والمصلحين، كي يواصلوا هذا الطريق، ويحوّلوا المقاصد من معرفة مؤجلة إلى طاقة فاعلة في الواقع السياسي والثقافي العربي والإسلامي. فالمقاصد، كما يراها العرفاوي، ليست أداة فقهية، بل مشروع حضاري متكامل، لا يتحقق إلا بوعي استراتيجي، وعقل نقدي، وقيادة مستنيرة. غير أن التحدي الأكبر يظل في ترجمة هذا المشروع من أطروحة معرفية إلى سياسات تنفيذية، خاصة في ظل المعوقات البنيوية التي تعاني منها دول العالم الإسلامي من حيث الحكم الرشيد، والمؤسسات، والتعليم، وغياب الإرادة السياسية للتحول الحضاري، لا يتحقق إلا بوعي استراتيجي، وعقل نقدي، وقيادة مستنيرة.

من هنا، فإن هذا الكتاب يُعد لبنة معرفية في مسار استعادة المقاصد إلى مركز الفعل الإسلامي، ومرآة لحوار ممكن بين الماضي والحاضر، بين النص والتاريخ، بين الطموح الواقعي والحلم الرسالي.

مقالات مشابهة

  • مصر والسعودية.. استدعاء الماضي وتغييب العقل
  • سعيد أطلع الرئيس عون على نتائج لقاءاته الدولية الاقتصادية
  • المقاصد بين النبوة والخلافة.. قراءة في العقل الاستراتيجي المؤسس.. كتاب جديد
  • مسؤولون إسرائيليون يكشفون عن رغبة نتنياهو حول المفاوضات.. وهذا موعد رد حماس
  • عون اطلع على نتائج قمة إشبيلية واستقبل دبلوماسيين ومسؤولين سياسيين
  • صحف عالمية: جهود حثيثة لإقرار هدنة في غزة لكن المفاوضات ستكون معقدة
  • واشنطن ستؤيد تمديد وقف إطلاق النار في غزة بعد فترة الـ60 يوما
  • محلل فلسطيني: هدنة غزة قريبة.. وإسرائيل قد تحتل ما تبقّى من القطاع إذا فشلت المفاوضات
  • في الوهم السياسي .. !
  • اقتراح جديد يدفع الاحتلال الإسرائيلي وحماس نحو طاولة المفاوضات