د. عبدالله الغذامي يكتب: المواطن العالمي
تاريخ النشر: 3rd, February 2024 GMT
لا بد من تحرير مصطلح المواطن العالمي، وهذه فكرة طرحها برتراند راسل مميزاً بها الفيلسوف عن سائر المواطنين، وقد نقدت هذه الفكرة في كتابي «مآلات الفلسفة» لأنها فكرة غير إنسانية بما أنها تميز بين العقول والقدرات وهي تعود تأسيساً لأفكار أفلاطون بأن العقل يحكم، وهي الفكرة التي عارضها ديفيد هيوم وقال إن العاطفة هي التي تحكم وليس العقل، غير أن الذي أراه هو أننا نمر بمرحلة ثقافية لم يشهدها أي من الثلاثة، وهي مرحلة سقوط النخبة وبروز الشعبي -وليس الشعبوي- فالشعبي يعني الجماهير بصيغتها العريضة بينما الشعبوي هو مصطلح عنصري وطبقي ويقوم على شيطنة المختلف.
ولكن وبما أن وسائل التأثير تعددت فإن تعددها أدى لتفتتها وبمجرد سماع أو مشاهدة واحدة فإن مقارنتها بأخريات ستنافسها على تغير حال الاستقبال، ومن ثم أصبح فضاء الاستقبال مكتظاً بالمتنافسين مما يجعل المتلقي أمام الشيء ونقيضه، وهنا فهو لم يعد خالي الذهن ولم يعد تحت هيمنة قولٍ واحد ومتسلطٍ واحد، ولقد تعددت قوى التأثير ومن ثم تعددت فرص التمييز بين المتنافسين، وهذا هو المواطن الحديث الذي يختلف عن المواطن المثالي كما عند راسل.
والعقل لم يعد يحكم بوصفه عقلاً كلياً مطلقاً بل تعددت العقول كما تعددت الوسائل، حتى اللاجئ والمهاجر لم يعد غريب الوجه واليد واللسان كما كانت حال المتنبي في خراسان بل وصل لسدة القيادة الأمامية، وفي انتخابات حزب «المحافظين» الأخيرة في بريطانيا تنافس على القيادة خمسة مهاجرين، وواحد منهم أصبح رئيس الوزراء في بريطانيا، وهذا أمر لم يكن ليحدث فيما مضى بأن يتمكن مهاجر فرد ليس معه جيش ولا قوة غازية من أن يحكم بلداً له خبرة قرون في نظريات الحكم، لقد تغيرت مفاهيم المواطنة لتعني بالضرورة التعددية الثقافية، وهذا ما تحاول الشعبوية التصدي له والقضاء عليه.
كاتب ومفكر سعودي
أستاذ النقد والنظرية/ جامعة الملك سعود - الرياض أخبار ذات صلة
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: الغذامي عبدالله الغذامي لم یعد
إقرأ أيضاً:
أرحل انت مطرود من وطنك
بقلم: كمال فتاح حيدر ..
أقسى أنواع الاهانة ان يتحول الموطن إلى مجرد رقم يدونونه في سجلاتهم، ثم يشطبونه، ويرمون أوراقه في سلك المهملات. .
ماذا لو ورد اسمك في القوائم التي شملت المواطنين الكويتيين المسحوبة جنسياتهم وجوازاتهم، من أمثال لاعب منتخب الكويت الوطني (فهد العنزي)، وزميله (مؤيد الحداد)، أو الطبيب الجراح (مثنى السرطاوي) ؟. .
لدينا الآن عشرات الأوطان المتهمة بخذلان مواطنيها، والتآمر عليهم، والتفريط بهم وبمستقبل عيالهم. .
زمن عجيب، وحكايات لا تسمعها إلا في ديار العرب التي صارت تتفنن بالتخلي عن مواطنيها، وتجتهد في سحب جوازاتهم وبطاقاتهم التعريفية، وحرمانهم من حقوقهم الاجتماعية والإنسانية، وإرغامهم على الهجرة والمغادرة نحو المنافي البعيدة. .
فقد ظلت الصورة القانونية للمواطن غير محسومة في سجلات الاحوال المدنية، وغير واضحة حتى الآن في تشريعات معظم الحكومات. .
وبموازاة هذا الخط التعسفي تفشت عندنا ظاهرة المناطقية، فكان مصير بعض المدن مدرجا على القوائم السوداء ولأسباب لا علاقة لها بالطائفية ولا بالقومية. بل لأسباب لها علاقة بالتحضر والتمدن والتعالي والتكبر، وما إلى ذلك من الفوارق الاجتماعية الموروثة. .
لكن الأغرب من ذلك كله اننا صرنا نسمع بقرارات بعض البلدان العربية بسحب الجنسية من مواطنين ولدوا فوق أرضها، ونشئوا وترعرعوا في أحضانها، وخدموا في جيشها وفي مؤسساتها، ومنهم من كان عضوا في البرلمان، أو لاعبا في منتخبهم الوطني لكرة القدم، أو مهندسا أو جراحا مرموقا، أو فنانا معروفا بانتمائه لتلك البلدان. .
صار قرار سحب الجنسية من أدوات التنكيل والإضطهاد والعقاب. واصبح مصير المواطن مرهونا ومهددا بقرارات مزاجية ارتجالية قد تطلقها عليه حكومته في اي لحظة. .
قرارات لا يسلم منها احد إن عاجلاً أو آجلاً فيما يمكن ان نطلق عليه: (خيانة الوطن للمواطن). فجأة يجد المواطن نفسه مطرودا منبوذا لا يحق له العيش على الارض التي ولد عليها اجداده، وفجأة تتعامل الحكومات مع مواطنيها بأنظمة الشركات كنظام سحب اليد أو الاستغناء عن الخدمات، فيعطونه مكافأة نهاية الخدمة، ثم يضعونه امام الامر الواقع في اختيار البلد البديل، أو يرغمونه على المغادرة إلى غير رجعة. فقد خانه وطنه، وخذله بلده، واستغنت عنه حكومته. .
ختاما: نرفع القبعة للحكومات العربية التي اكتشفت ان قيمة الإنسان بما يقدمه لرفعة وطنه، وان استقطاب الكفاءات والمتميزين من أطباء وأكاديميين ورياضيين ومهندسين وإعلاميين وفقهاء هي ثروات بشرية تتنافس عليها ومن أجلها أرقى البلدان المتحضرة. . د. كمال فتاح حيدر