(CNN)-- قال شقيق الطالب العراقي الذي قتل نتيجة الغارات الجوية الأمريكية على العراق وسوريا، الجمعة، إن الأسرة تحمل الولايات المتحدة مسؤولية وفاته.

عبدالرحمن خالد البالغ من العمر 20 عاماً، قتل في بلدة القائم على الحدود العراقية السورية، فيما تعتقد العائلة أنه انفجار ثانوي بعد أن أصابت الضربات ثلاثة منازل تستخدمها ميليشيا شيعية مدعومة من إيران لتخزين الأسلحة.

عبدالرحمن خالدCredit: Courtesy Anmar Khaled

وقال شقيقه الأكبر، أنمار خالد، لشبكة CNN إن العائلة "سمعت وشعرت" بالغارات الجوية بعد وقت قصير من منتصف الليل بالتوقيت المحلي، وأن "حريقاً هائلاً اندلع". ويقول إنه بدأت خلال الساعات الأربع التالية الصواريخ بالانطلاق من مخزن الأسلحة "باستمرار، يمينًا ويسارًا" وأصابت عدة منازل في مجمعهم السكني المعروف باسم "السكك".

وقال أنمار: "عندما بدأنا جميعاً نسمع المزيد من الانفجارات، قرر عبدالرحمن الخروج والاطمئنان على والدنا، الذي كان وحيداً في منزله."

وأضاف بأن الجيران رأوا أحد الصواريخ الطائشة يضرب سيارة بجوار عبدالرحمن. وبعد ذلك، عثروا على جثته مقطعة إلى قطع.

وقال أنمار لشبكة CNN عبر الهاتف من القائم، الثلاثاء: "لقد قُتل أخي على الفور. أمي لا تعرف كيف رأينا جثته، ولا نستطيع أن نخبرها بالتفاصيل. إنها محطمة وتظل تعتقد أنه سيعود."

عبدالرحمن خالد (يمين) مع أفراد من عائلتهCredit: Courtesy Anmar Khaled

ووصف شقيقه وهو يبكي بأنه "فرد العائلة المدلل"، وأضاف: "لقد اعتنينا به ولم نتركه يحتاج إلى أي شيء."

قال أنمار: "كان يتمتع بشعبية كبيرة وكان يحب دائمًا مساعدة وخدمة الآخرين. أفتقده كثيراً، ولا أستطيع أن أصدق أنه غادر هذا العالم بالفعل."

ووفقًا للحكومة العراقية، فإن عبدالرحمن هو واحد من 16 شخصًا على الأقل قتلوا نتيجة الضربات التي نفذتها الولايات المتحدة على 85 هدفًا في سبعة مواقع في البلدين الأسبوع الماضي. ومن بين هؤلاء الستة عشر، كان عبدالرحمن هو المدني الوحيد، وفقاً للسلطات المحلية في محافظة الأنبار، بما في ذلك مسؤولان أمنيان واثنين من رؤساء البلديات المحليين. وأصيب 25 آخرون، من بينهم أم وابنتها في القائم.

وجاءت الضربات الانتقامية، التي استمرت حوالي 30 دقيقة والتي اعتبرها البيت الأبيض ناجحة، ردًا على غارة بطائرة بدون طيار شنها مسلحون مدعومون من إيران على موقع عسكري أمريكي في الأردن في 29 يناير، والذي أسفر عن مقتل ثلاثة من أفراد الجيش الأمريكي وإصابة أكثر من 40 آخرين.

لماذا لم يحذر السكان؟

أنمار، مساعد طبي في مستشفى القائم العام وأب لطفلين، يعيش على بعد حوالي 500 متر (1640 قدم) من موقع الغارات. ويعيش والداه في منزل آخر على مسافة مماثلة، كما يعيش شقيقه.

وقال لشبكة CNN إنه يريد أن يعرف لماذا لم يكن هناك تحذير من الولايات المتحدة ربما كان أنقذ المدنيين مثل شقيقه - الذي كان يدرس في مدرسة القائم الإعدادية الثانوية بعد أن تسبب الحرب على داعش، في اغلاق المدارس بالمنطقة لسنوات وأخرت تعليمه.

وقال أنمار: "إذا كانت الإدارة الأمريكية تعلم بوجود مستودعات أسلحة هناك، فلماذا لم يحذروا سكان المنطقة؟ على الأقل يسقطون منشورات قبل الهجوم حتى يكون لدينا ما يكفي من الوقت لمغادرة منازلنا أو على الأقل إبلاغ الأمن المحلي."

وأضاف: "نحمل الولايات المتحدة مسؤولية مقتل أخي."

وأعربت المدرسة الثانوية التي كان يدرس فيها عبدالرحمن عن "خالص تعازيها وتعاطفها" مع الأسرة في منشور على صفحة المدرسة على فيسبوك، الأحد.

وقال متحدث باسم وزارة الدفاع إنها لا تزال تقيم التقارير عن سقوط ضحايا من المدنيين، ورفض الإدلاء بمزيد من التعليقات.

ما نعرفه عن الموقع في القائم

استولت الميليشيا الشيعية المدعومة من إيران والمعروفة باسم الحشد الشعبي قبل عدة سنوات، على عدد من المنازل على أطراف مجمع السكك وأحاطتها بألواح الألمنيوم، وفقًا لمسؤولين أمنيين محليين، وعدد من السكان المحليين.

ويعتقد أن مقاتلي قوات الحشد الشعبي لديهم ما لا يقل عن 50 منزلاً في هذا القسم، مع استخدام عدد قليل منها كمستودعات ومكاتب، وفقاً للمسؤولين والسكان.

يوجد حوالي 440 منزلاً سكنياً في مجمع السكك.

ومعظم سكان المنطقة من المسلمين السنة ويقول بعض السكان المحليين إنهم عارضوا وجود الميليشيا الشيعية لسنوات.

وأقر البرلمان العراقي في العام 2016 مشروع قانون يعترف بالحشد الشعبي ككيان حكومي، أو قوة شبه عسكرية، تعمل إلى جانب الجيش العراقي. وجاء هذا القرار لأن الميليشيات المدعومة من إيران ساعدت الجيش العراقي في محاربة داعش في البلاد بين عامي 2014 و2017.

ولطالما نظرت الإدارة الأمريكية إلى وحدات الحشد الشعبي على أنها ميليشيا مدعومة من إيران. وتعتبر الجماعة من بين المسؤولين عن تنفيذ هجمات على مواقع أمريكية في العراق وسوريا.

"ضد سيادة العراق"

ووصفت الحكومة العراقية الضربات الجوية الأمريكية على أراضيها بأنها “اعتداء على سيادة العراق”.

كما انتقدت الولايات المتحدة، واتهمتها بالخداع، بعد أن ادعى المتحدث باسم مجلس الأمن القومي، جون كيربي، خطأً خلال عطلة نهاية الأسبوع أن الولايات المتحدة أبلغت الحكومة العراقية بخططها قبل تنفيذ الضربات.

ونفت الحكومة العراقية ذلك، ووصفته بأنه "ادعاء لا أساس له من الصحة يهدف إلى تضليل الرأي العام الدولي والتهرب من المسؤولية القانونية عن هذا العمل المدان، في انتهاك للقوانين الدولية."

واعترف البيت الأبيض، الثلاثاء، بأنه ارتكب خطأ عندما ذكر أنه تم إخطار المسؤولين العراقيين مسبقًا بضربات، الجمعة.

وقال كيربي للصحفيين: "أعتذر بشدة عن الخطأ وأشعر بالأسف على أي ارتباك سببته."

كان الرئيس الأمريكي جو بايدن قد حذر في الوقت نفسه من أن رد الجيش الأمريكي على الهجوم المميت بطائرة بدون طيار في يناير/ كانون الثاني "سيستمر في الأوقات والأماكن التي نختارها."

وحذرت الحكومة العراقية من أن مثل هذه الهجمات "ستدفع الوضع الأمني في العراق والمنطقة إلى حافة الهاوية."

المصدر: CNN Arabic

كلمات دلالية: الحشد الشعبي الحكومة العراقية حصريا على CNN سلاح الجو الأمريكي الولایات المتحدة الحکومة العراقیة من إیران

إقرأ أيضاً:

الولايات المتحدة قد تتّجه نحو حرب أهلية قد تُنهي وجودها

 

 

يكثر الحديث في الولايات المتحدة عن توجه المجتمع الأمريكي نحو حرب أهلية قد تكون أكثر دموية من الحرب الأهلية الأولى، التي حدثت بين عامين 1859 و1865 والتي أودت بحياة نحو 700 ألف أمريكي. وتنتشر عناوين في مجمل الصحف الأمريكية، كان أبرزها في “واشنطن بوست”، تفيد بأن الولايات المتحدة على شفير حرب أهلية ثانية في تاريخها، قد تؤدي إلى القضاء عليها وتقسيمها إلى عدة دول.
ونشر المؤرخ في جامعة ستانفورد فيكتور ديفيس هانسون، مقالاً في مجلة “ناشيونال ريفيو”، بعنوان “كيف ومتى ولماذا وصلت الولايات المتحدة الآن إلى حافة حرب أهلية حقيقية؟”، بينما نشر عضو الكونغرس عن الحزب الجمهوري عن ولاية أيوا، ستيف كينغ، مقالاً في “واشنطن بوست”، حذّر فيه من مغبة انتشار السلاح بصورة واسعة بين الأمريكيين، وأفاد بأن الأمريكيين يمتلكون 8 تريليونات رصاصة يمكن استخدامها في حال اندلعت الحرب. وأفادت استطلاعات للرأي بوجود نسبة كبيرة من الأمريكيين تتخوف من اندلاع حرب أهلية خلال الأعوام القليلة المقبلة.
تشكل حالة الاستقطاب التي تسبب بها فوز دونالد ترامب بالرئاسة في عام 2016، ثم ترشحه مجدداً خلال هذا العام، بغية العودة إلى البيت الأبيض، أحدَ عوامل التفجير للصراع في الولايات المتحدة. فرجل الأعمال، الذي تمكن من اختراق نادي النخبة السياسية المغلق بإحكام، تسبّب ببلبلة كبيرة في صفوف هذه النخبة، التي تحاول جاهدة احتواء الرئيس السابق المشاغب، الذي رفض نتائج الانتخابات السابقة التي أدت إلى خسارته أمام جو بايدن، والذي أمر أنصاره باقتحام الكونغرس، في سابقة هي الأولى في التاريخ السياسي للولايات المتحدة. يضاف إلى ذلك الاتهامات التي تساق له بإقامة علاقة غير شرعية بممثلة إباحية ورشوتها للسكوت، وحتى اتهامات لروسيا بالتدخل في نتائج الانتخابات، والتي أدت إلى فوز ترامب في عام 2016م.
لكن ظاهرة ترامب لا تُعَدّ إلّا أحد تمظهرات أزمة هي أعمق كثيراً مما يحاول الأمريكيون تصويره، وهذه الأزمة مرتبطة بتعثر المشروع الإمبريالي الأمريكي، الذي قام، منذ استقلال الولايات الثلاث عشرة عن بريطانيا في عام 1776، على ظاهرة التوسع والغزو. لذا، فإننا نرى أنه لم يمر عقد من الزمن في تاريخ الولايات المتحدة إلا وكانت متورطة في حرب كبرى.
لقد شهدت نهاية القرن الثامن عشر وبدايته حروباً مع البحارة الجزائريين قبالة السواحل الجزائرية، فيما يسميه الأمريكيون الحروب البربرية بين عامي 1801 و1805، ثم عامي 1815 و1816. وخلال هذه الفترة، وقعت حرب بين الولايات المتحدة وبريطانيا في عام 1812، تمكّنت خلالها القوات البريطانية من التقدم في اتجاه واشنطن وإحراق البيت الأبيض، ومنع غزو الأمريكيين لكيبيك الكندية، الواقعة تحت التاج البريطاني.
بالتوازي مع ذلك، كانت الولايات المتحدة بدأت الحروب ضد السكان الأصليين فيما عُرف بالحروب الهندية، لمدة ثلاثة عقود، تمّ خلالها نهب الأراضي الهندية وقتل معظم الشعب الأصلي. في عام 1848، شنت الولايات المتحدة حرباً ضد المكسيك، كان من نتائجها استيلاؤها على كامل الولايات المكسيكية الواقعة إلى الشمال من نهر الريو غراندي، وأبرزها تكساس ونيومكسيكو، ونيفادا وكاليفورنيا الغنية بمناجم الذهب.
خلال العقد التالي (القرن التاسع عشر)، ستتجه الأمور في الولايات المتحدة إلى حالة استقطاب حادة بين الشمال، الذي دخل في وتيرة عالية من التنمية الصناعية الرأسمالية والمالية في مقابل الجنوب الذي كان يغلب عليه الاقتصاد الزراعي، لتندلع الحرب الأهلية في عام 1859 حتى عام 1865، والتي ستؤدي نهايتها، التي شهدت هزيمة الجنوب، إلى فتح المجال أمام التحول إلى الرأسمالية المالية، التي ستُخضع مناطق الجنوب والغرب الأوسط والأقصى لاستغلال مكثف.
بعد الحرب الأهلية، ستعاود الولايات المتحدة حروبها ضد السكان الأصليين لمدة ثلاثة عقود متواصلة، لتقضي عليهم بصورة شبه كاملة، وتصادر كامل أرضهم، وتُبقي القلة الناجية منهم في مستوطنات هي أشبه بمعتقلات كبيرة، على مثال حال قطاع غزة مع الاحتلال الصهيوني، أو التجمعات السكانية الفلسطينية في الضفة الغربية المعزول بعضها عن بعض، بالمستوطنات الصهيونية.
مع نهاية القرن التاسع عشر، كانت الولايات المتحدة سيطرت على كامل الأرض الواقعة إلى الشمال من نهر الريو غراندي، والتي تفصلها عن المكسيك، وإلى الجنوب من الخط الممتد من سياتل في الغرب إلى بوسطن في الشرق، وكان عليها الانطلاق من أجل التوسع حول العالم.
وكانت عيناها منصبَّتين، منذ النصف الأول من القرن التاسع عشر، على بسط هيمنتها على الجزء الغربي من العالم، أي القارتين الأمريكية الشمالية والجنوبية. وكان استيعاب كندا البريطانية سهلاً بحكم العلاقات الوثيقة التي أقيمت ببريطانيا مع نهاية القرن التاسع عشر، وبحكم عدد السكان القليل جداً، الذي يعيش في الولايات الكندية الشاسعة.
من هنا، شنت الولايات المتحدة حرباً ضد إسبانيا بذريعة دعم الحركة الاستقلالية الكوبية في عام 1898، والتي أدت إلى احتلال كوبا وبويرتوريكو والفيليبين، وإطلاق سياسة الهيمنة الأمريكية على دول أمريكا الجنوبية، تحت شعار دبلوماسية البوارج البحرية، وهو التعبير الذي صاغه الرئيس الأمريكي الأسبق تيودور روزفلت (1901 – 1909).
حتى عام 1917، كانت الولايات المتحدة تدعم نفوذها في أمريكا اللاتينية، حين ارتأت الدخول في الحرب العالمية الأولى إلى جانب دول الوفاق الثلاثي، وهي بريطانيا وروسيا وفرنسا، ضد دول المركز، وهي ألمانيا والنمسا-المجر والدولة العثمانية.
خرجت الولايات المتحدة منتصرة، بأقل الخسائر البشرية، مع تكبدها فقط مئة ألف قتيل من الجنود في مقابل ملايين الفرنسيين والبريطانيين والألمان والروس وغيرهم. وخلال الحرب، تمكنت بنوكها من رهن اقتصادات الدول الأوروبية الحليفة لها والعدوة بحكم استدانتها من المصارف الأمريكية.
وخلال مرحلة ما بين الحربين، عمّقت الولايات المتحدة هيمنتها الاقتصادية على الدول الأوروبية، لتتحفز نحو إطلاق هيمنتها العالمية بعد الحرب العالمية الثانية.
لم تتكبد الولايات المتحدة سوى 300 ألف قتيل خلال الحرب العالمية الثانية، في مقابل 9 ملايين ألماني و30 مليون روسي وملايين البريطانيين والفرنسيين وغيرهم، وعشرات ملايين الصينيين واليابانيين.
وفي مقابل تدمير كامل لاقتصادات الدول الأوروبية والآسيوية، فإن الاقتصاد الأمريكي خرج مزدهراً نتيجة بُعد الأراضي الأمريكية عن ميدان المعارك، الأمر الذي جعل المصانع الأمريكية تصبح المزود الأول للعتاد الحربي وغير الحربي للدول الحليفة لها، وهو ما جعل الاقتصادات الأوروبية ترتهن لها في مرحلة ما بعد الحرب، وخصوصاً بعد القروض التي منحت لهذه الدول عبر «مشروع مارشال» لإعادة الإعمار في عام 1948م.
بعد الحرب العالمية الثانية، دخلت الولايات المتحدة في الحرب الكورية (1950 – 1953) ضد كوريا الشمالية والصين، لتبدأ، مباشرة بعد هذه الحرب، التورطَ في الأزمة الفيتنامية، وتبدأ منذ أوائل الستينيات من القرن الماضي إرسال خبراء، ثم جنود، وتتورط في حرب فيتنام حتى عام 1975م.
خلال هذه الفترة، كانت واشنطن أطلقت مشروعها للهيمنة العالمية، وخصوصاً مع صعود فريق المحافظين الجدد، عقب اغتيال الرئيس جون كينيدي في نوفمبر من عام 1963. ومع التورط في حروب ثانوية، كحرب لبنان بين عام 1982 و1984، واجتياح غرينادا في عام 1983 واجتياح باناما في عام 1989، كانت واشنطن تتحضر لإطلاق مشروعها للأحادية القطبية في عام 1990، بعد نهاية الحرب الباردة، عبر محاولة إطاحة الرئيس العراقي صدام حسين من خلال تدبير انقلاب ضده، الأمر الذي جعله يرد باجتياح الكويت في العام نفسه، ليتعرض بعدها العراق لضربة أمريكية في فبراير 1991.
كانت الولايات المتحدة بدأت ترسم الخطوط العريضة لهيمنتها بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، عبر توسيع حلف شمال الأطلسي شرقاً، ليصل إلى حدود روسيا، وعبر تحضر إقامة نظام عالمي جديد في بداية الألفية الجديدة، قائم على الهيمنة الأحادية الأمريكية.
هذا الذي دفع الولايات المتحدة إلى اجتياح أفغانستان في عام 2002، والعراق في عام 2003، والتسبب بأزمات، كان الهدف منها تجديد النهب عبر الغزو الذي قامت عليه الولايات المتحدة، ومحاصرة القوى الأوراسية الصاعدة، وعلى رأسها روسيا والصين. لكن حربي أفغانستان والعراق لم تسمحا لواشنطن بممارسة النهب، الأمر الذي يجعلها تعالج أزماتها الداخلية، فارتدّت تكلفة الحرب عليها، لتتفجر أزمة اقتصادية في عام 2008.
بنتيجة الفشل في بسط الهيمنة المطلقة على الشرق الأوسط عبر القوة الناعمة، وصعود قوة إيران وحلفائها في محور المقاومة، بالتوازي مع صعود القوتين الروسية والصينية وإطلاق منظمة شنغهاي للتعاون في عام 2001 وبريكس في عام 2009، ظهر جلياً أن الولايات المتحدة لن تتمكن من تحقيق هدفها بشأن إقامة نظام أحادي القطبية.
وبعد فشل آخر محاولة لتنفيذ المخطط مع باراك أوباما (2009 –2017)، دخلت النخبة السياسية الأمريكية في طور الأزمة، وكان وصول رئيس من خارج النادي السياسي، نتيجة ما يسمى التصويت الاحتجاجي من جانب الجمهور الأمريكي، أحد تجلياتها.
من هنا، فإن المشروع الأمريكي بالتوسع الدائم ومراكمة الرأسمال عبر الغزو والنهب وصل إلى حائط مسدود، وهذا سيرتد حكماً إلى الداخل الأمريكي. وبما أن الثقافة الأمريكية قامت على العنف منذ انطلاق الولايات المتحدة، كان لزاماً أن يرتد هذا العنف إلى الداخل الأمريكي بعد عجز واشنطن عن شن حروب جديدة.
من هنا، فإن ما قام به أنصار دونالد ترامب في عام 2021، احتجاجاً على خسارته الانتخابات واقتحامهم للكابيتول، ما هو إلا عينة من الطريقة التي قد يسلكها الأمريكيون في معالجة تناقضاتهم الداخلية، وهي العنف.
لذا، فإن علماء اجتماع أمريكيين أبدوا خشيتهم من إمكان اللجوء إلى العنف، مؤكدين أن الخطر الأكبر الذي يواجه المجتمع الأمريكي يكمن في مؤشرات العنف السياسي وتوجه الجمهوري الأمريكي إلى اللجوء إلى هذا العنف، مثل سعي أحد لقتل ديمقراطيين وصحافيين يعارضون توجهاته اليمينية، وهو ما يؤشر على استعداد عموم الناس للانخراط في أعمال عنف ضد أعدائهم السياسيين.
والجدير ذكره أن حالة الاستقطاب المناطقية تعزز التوجه نحو العنف. فبينما يحتل الديمقراطيون الساحة في السواحل الشرقية والغربية للولايات المتحدة، فإن الجمهوريين يسيطرون على المناطق الجنوبية والغرب الأوسط، الأمر الذي يشير إلى استقطاب عمودي في المجتمع الأمريكي.
ويتخوف علماء السياسة الأمريكيون من أن تتجه الولايات المتحدة إلى حرب أهلية جديدة ستكون الأكثر دموية في تاريخها. فالحرب الأهلية الأولى كانت الأكثر دموية في تاريخ البلاد مع سقوط نحو 700 ألف قتيل، في مقابل 100 ألف قتيل في الحرب العالمية الأولى، و300 ألف قتيل في الحرب العالمية الثانية، وبضعة آلاف في الحرب الكورية، وخمسين الفاً في حرب فيتنام، وبضعة آلاف في حربي أفغانستان والعراق. وإذا كانت البلاد أطلقت مشروعها الإمبريالي، عقب نهاية حربها الأهلية في عام 1865، فإن الحرب الأهلية الثانية قد تعلن نهاية عصر الهيمنة الأمريكية العالمية، بل نهاية الولايات المتحدة، ككيان سياسي ووطني موحد.

أستاذ تاريخ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية

مقالات مشابهة

  • مصدر دبلوماسي لـCNN: وضع رد حماس بإطار الرفض أمر مضلل
  • المخابرات الأمريكية تكشف عن صفقة أسلحة محتملة بين الحوثيين وحركة الشباب الصومالية
  • أنطونوف: سفارة روسيا في الولايات المتحدة تتلقي تهديدات يوميا والسلطات تتغاضى عن ذلك
  • واشنطن تكشف عن تزويد الحوثيين لحركة الشباب الصومالية بالأسلحة (ترجمة خاصة)
  • يوم وضع القذافي يده على مقبض مسدسه.. قصة أول مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة
  • الولايات المتحدة قد تتّجه نحو حرب أهلية قد تُنهي وجودها
  • وزير عراقي يكشف تفاصيل الاتفاقيات المائية مع تركيا.. هذا موعد تنفيذها
  • ما مصيرهم؟.. مسؤول عراقي يكشف أسباب توقيف حجاج في السعودية
  • الولايات المتحدة تستأنف إنزال المساعدات الجوية في شمال غزة
  • الولايات المتحدة: ثلاثة جرحى في هجومين لأسماك القرش بفلوريدا