في 2010، صدر تقرير ل"مركز سياسة الشعب اليهودي" Jewish People Policy Institute JPPI، عنوانه: "2030: البدائل المستقبلية للشعب اليهودي"، شارك في إعداده صفوة العقول اليهودية مثل: هنري كيسنجر، دينس روس المنسق السابق لعملية السلام في الشرق الأوسط، إليوت إبرامز مدير قسم الشرق الأوسط بمجلس الأمن القومي الأمريكي في ولاية جورج بوش الابن ، والمفكر الاستراتيجي يحزقيل درور، وغيرهم.



وفي 2023، أخرج المعهد تقييمه السنوي: "وضع وديناميات الشعب اليهودي 2023"، ويدرس الأحداث والتطورات والاتجاهات المهمة من أجل تحسين الوضع في إسرائيل وتجمعات اليهود في العالم.

التعريف بالمركز

وفقا للتعريف الموجود على صفحة المعهد، فهو مركز بحثي مستقل، أسسته الوكالة اليهودية لتشكيل الاستراتيجية والسياسة للشعب اليهودي في إسرائيل والشتات، وأهدافه هي:

ـ ضمان استمرارية وازدهار الشعب اليهودي.
ـ الحفاظ على الهوية اليهودية، وتنميتها كثقافة وأمة ودين.
ـ تعزيز التماسك بين اليهود في كافة انحاء العالم، وارتباطهم مع إسرائيل.
ـ تحديد الخيارات الحاسمة وتطوير منظورات استراتيجية وسياسية طويلة الأجل للعوامل المؤثرة على مستقبل الشعب اليهودي.

أهمية التقريرين

في ظل حرب طوفان الأقصى، والصراع الدولي الإقليمي الذي تشهده المنطقة الآن، فإن هذين التقريرين يعطيان صورة مهمة لجوانب القوة والضعف لدى الشعب اليهودي، سواء داخل إسرائيل أو يهود الشتات. وكذلك أيضا دور يهود الشتات في دعم الكيان وتقويته على كافة الأصعدة الدولية، خصوصا داخل الإدارة الأمريكية. كما يعطي التقريران صورة مهمة عن مستقبل الكيان، والتي يجب على ضوئها أن نقرأ صورة المشهد سواء داخل إسرائيل أو على الصعيدين الإقليمي والدولي والتأثيرات الحالية والمستقبلية لطوفان الأقصى، وهو ما يحتاج إلى مقالات أخرى.

عرض تقرير البدائل المستقبلية للشعب اليهودي

يقول التقرير إنه حتى 2030، فهناك عاملان رئيسيان، يحددان البدائل المستقبلية للشعب اليهودي في إسرائيل والشتات، هما: قوة الدفع للشعب اليهودي، والأوضاع الخارجية المؤثرة عليه:

أولا ـ قوة الدفع لإسرائيل والشعب اليهودي

تتوقف قوة الدفع إسرائيل والشعب اليهودي على ستة عناصر: الديموجرافيا، الهوية، القوى الخشنة والناعمة والتأثير اليهودي، العلاقات الإسرائيلية مع يهود الشتات، الاقتصاديات والثروة اليهودية، والقيادة:

1 ـ  الديموغرافيا اليهودية:

المركزان الرئيسيان لليهود هما في الولايات المتحدة وإسرائيل، ويؤلفان معا 80% من يهود العالم. ويسود الآن توازن سلبي في الولادات والوفيات اليهودية في المجتمعات اليهودية باستثناء واضح في إسرائيل.

أما في الشتات اليهودي، فإنه يتكرر كثيرا الزواج من خارج المجتمع اليهودي والذي يصحبه:

ـ تزايد نسب الأطفال الذين لا يُنشئون يهودا.
ـ تآكل الأعداد في جيل الشباب.
ـ اطراد عملية شيخوخة الشعب اليهودي وارتفاع معدلات الوفيات وانخفاض تعداده.
ـ عواقب ثقافية مثل: عدم وضوح حدود الهوية اليهودية، والتعقيدات في تعريف الجماعة اليهودية.

أما في إسرائيل، فإن اليهود ينمون بشكل طبيعي؛ لكن التوازن السكاني مع غير اليهود ينتج معادلة إشكالية ترتبط بشكل حاسم بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني.

2 ـ الهوية اليهودية:

هناك اختلاف في تعريف اليهودي من من الديني إلى العلماني، ومن العرقي إلى الثقافي، ومن المجتمعي إلى الفردي والعالمي. وقد ذلك أدى إلى أشكال أكثر اختلافا وتنوعا للهوية اليهودية، وأقل تركيزا على مجموعة القيم الأساسية المشتركة.

3 ـ القوى اليهودية الخشنة والناعمة:

لم يكن الشعب اليهودي قويا أبدا كما هو الآن: القوة العسكرية، المكانة العالمية لإسرائيل، القوة الناعمة التي تتضمنتها فكرة القرن اليهودي على الرغم من المبالغة فيها، والقوة السياسية والاقتصادية والتأثيرية للجالية اليهودية الأمريكية وبدرجة أقل للجاليات اليهودية الأخرى. ومع ذلك، فلا بد من تقييم القوة من حيث قيمتها النسبية أو الصافية، والتي تعني قوة الشعب اليهودي بالمقارنة مع المخاطر والتهديدات والتحديات التي يواجهها. فالشعب اليهودي خارج إسرائيل لا يواجه أي خطر مادي. أما إسرائيل، فإن أمنها له أهمية حاسمة على مستقبل الشعب اليهودي. لذلك، فإن رفع مستوى قوة الشعب اليهودي بما في ذلك صافي قوة إسرائيل هو ضرورة للشعب اليهودي وإسرائيل التي تتعرض لتهديدات وجودية، وتواجه أعداءا مصممين على تدميرها.

اليهود اليوم هم في ذروة تاريخية لخلق الثروة. ويعيش غالبيتهم في البلدان الأكثر والأكبر ثراء في العالم، وغالبيتهم ينتمون إلى الطبقات الوسطى والعليا اجتماعيا واقتصاديا. ويتمتعون بفرص الحصول على الثروة. وهناك المزيد من المال على مستوى الفرد، مطلقا أو نسبيا، عن أي وقت في التاريخ.ونظرا للأهمية الحاسمة لهذه التهديدات، فهناك مجموعة من العوامل والمحددات التي يجب أن توضع في الحسبان:

ـ تاريخيا، فإن العقود التي مرت على وجود إسرائيل غيّرت جذريا من رواية الشعب اليهودي. وهي الآن دولة مزدهرة هزمت جيوشا مسلمة.

ـ الشعب اليهودي هو أساسا حضارة غربية، وترتبط إسرائيل بالولايات المتحدة بشكل وثيق. ولهذا، فإن التراجع النسبي المحتمل للغرب قد يكون له آثار عميقة على إسرائيل والشعب اليهودي.

ـ إسرائيل قوية عسكريا؛ لكن إيران النووية واحتمال انتشار أسلحة نووية وأسلحة القتل الجماعي في يد أقطار معادية أو يُحتمل عداؤها يشكل تهديدا أمنيا خطيرا وربما وجوديا لإسرائيل.

ـ التقدم نحو السلام يتطلب تضحيات كبيرة جدا في الأراضي ذات القيمة اليهودية والأمنية الكبيرة.
ـ تعرُض أمن إسرائيل لأي خطر وجودي له آثار بالغة الأهمية على الشعب اليهودي.  

4 ـ العلاقات الإسرائيلية بيهود الشتات:

ارتكزت العلاقات مع يهود الشتات على تلقي المساعدات والمهاجرين. وهي علاقات قوية حاليا؛ لكنها من المرجح أن تواجه تراجعا، فجيل شباب الشتات بعيد عن الأحداث التاريخية المثيرة التي صاحبت قيام إسرائيل، وعرضة لوجهات نظر سلبية عن سياساتها وتاريخها، وليس لديه خبرة في التعاطف معها، وهو أقل قلقا نحو مستقبلها، وارتباطه العاطفي بها أقل من الأجيال السابقة.

5 ـ الثروة اليهودية:

اليهود اليوم هم في ذروة تاريخية لخلق الثروة. ويعيش غالبيتهم في البلدان الأكثر والأكبر ثراء في العالم، وغالبيتهم ينتمون إلى الطبقات الوسطى والعليا اجتماعيا واقتصاديا. ويتمتعون بفرص الحصول على الثروة. وهناك المزيد من المال على مستوى الفرد، مطلقا أو  نسبيا، عن أي وقت في التاريخ.

أما داخل إسرائيل، فإن تراكم الثروة هو أكثر اعتمادا على السياسات الاقتصادية والاجتماعية للحكومة، وذلك في سياقات الظروف الأمنية الإقليمية  والاقتصادية العالمية. والاتجاه المتوقع لإسرائيل هو أداء أفضل قليلا من معدلات النمو لمعظم البلدان المتقدمة. ويرجع ذلك إلى تحسن السياسات، وخاصة فيما يتعلق بتشجيع معدلات أعلى للمشاركة العمالية، ومكافحة الفقر عن طريق العمل.

العطاء الخيري الموجه إلى القضايا اليهودية ليس سوى حصة صغيرة جدا من العطاء اليهودي الخيري العام. وهناك المزيد من الأموال المتاحة اليوم للقضايا اليهودية أكثر من الماضي. سوف يأتي المنعطف الحرج عندما يقوم الجيل الحالي الملتزم بالمشاركة في القضايا اليهودية واليهود الأثرياء بتوزيع تركاتهم.

6 ـ القيادة:

القيادة والنخب المبدعة أمور حاسمة لازدهار الحضارات، وغيابهم سبب رئيسي لأفولها. والتقييم التاريخي يؤكد أن اليهود واليهودية أكثر اعتمادا بكثير على جودة القيادة من المجموعات والدول الأخرى. لكن يواجه الشعب اليهودي اليوم ندرة خطيرة في القيادة عالية الجودة: الروحية والسياسية والتنظيمية ، مع عدم وجود اتجاه واضح للتحسن. وتفتقر القيادة الحالية في إسرائيل والمؤسسات اليهودية ـ إلا من استثناءات فردية قليلة ـ إلى القدرة على التصدي للتحديات التي تواجه الشعب اليهودي، والفهم العميق للمتغيرات والأفكار التي تجعلهم قادرين على تحقيق الازدهار المستدام للجاليات اليهودية حول العالم.

حاليا، لا تجذب الوظائف القيادية اليهودية في إسرائيل الأفضل والأذكى إلا من استثناءات قليلة معدودة. والجهود لجذب وإعداد العناصر الأفضل والأذكى للقيادة غير كافية. وهناك أيضا نقص واضح جدا في الزعماء الروحيين المقبولين في قطاعات رئيسية في الشعب اليهودي.

ثانيا ـ الأوضاع الخارجية المؤثرة على الشعب اليهودي

قائمة التطورات الخارجية ذات التأثير طويل المدى على مستقبل الشعب اليهودي لا نهائية، ومعظمها مجهول، ولا يمكن تصورها. ويمكن تحديد عدد من العوامل الرئيسية المحتملة التي قد يعيش في ظلها الشعب اليهودي، رغم أنها قد تكون عرضة لتحولات مفاجئة:

ـ زيادة الاعتماد على نفط الشرق الأوسط قد يؤدي إلى زيادة الاستثمار في الطاقة البديلة.

ـ انتشار أسلحة القتل الجماعي قد يسرع من آلية إجراءات فعالة تقوم بها قوى الاستقرار والحرية.

ـ الضراوة المتزايدة للجماعات الإسلامية يمكن مواجهتها عن طريق إلتزام أكبر للولايات المتحدة وأوروبا بالقضاء على معاداة السامية والحفاظ على ذكرى المحرقة.

إسرائيل قوية عسكريا؛ لكن إيران النووية واحتمال انتشار أسلحة نووية وأسلحة القتل الجماعي في يد أقطار معادية أو يُحتمل عداؤها يشكل تهديدا أمنيا خطيرا وربما وجوديا لإسرائيل.ـ الحوكمة العالمية قد تساعد إسرائيل والشعب اليهودي إذا أخذت شكلا دستوريا قيميا؛ لكنها قد تكون ضارة جدا إذا كانت على أساس مبادئ الأغلبية البسيطة.

ـ قدمت الحداثة والنزعة القومية بعض أعظم الفرص المتاحة؛ لكنها بلغت أيضا ذروة أضرارهما.

ـ تجلب العولمة والتوسع في الاقتصاديات القائمة على المعرفة للشعب اليهودي حرية وثروة وحركة وقوة غير مسبوقة؛ لكنها أدت إلى تكثيف وإثارة أفكار الكراهية والتكنولوجيات التي تهدد بقاءها.

ـ هناك عالم من الاحتمالات مفتوح أمام القيادة الإسرائيلية والفلسطينية وفق الاتجاهات العالمية الأوسع نطاقا، مما يخلق بيئة خارجية أكثر سلاما وفرصا لحل الصراع. أما البيئة الأكثر راديكالية التي ميزت العقد الأول من هذا القرن فهي تجعل حل الصراع أكثر صعوبة إن لم يكن مستحيلا.

ـ تعتمد دول الشرق الأوسط على قدرتها على التعامل مع مزيج من الضغوط الديموجرافية والسياسية. وقد تؤدي الإدارة الحكيمة للنمو الاقتصادي إلى مسار انتاجي للكتلة السكانية المتضخمة في سن العمل ، واعتدال القوى الراديكالية. أما إذا استمر القادة في مقاومة الضغوط من أجل التغيير، فستصبح الأنظمة أكثر قمعا، وسيصبح السكان العاطلين أكثر إثارة للاضطرابات.

ـ من المرجح أن تزيد الهويات والشبكات القائمة على الدين في الأهمية والقوة مع تراجع الهويات والهياكل الأخرى. وسيستمر الإسلام كقوة فعالة في الشئون العالمية مع تطورات مثل الانقسامات العرقية والصراعات بين الأصالة والحداثة. ومن المرجح أن يصبح الإسلام الراديكالي أكثر عالمية وتطورا مع نزعات وقدرات عدوانية. وقد تكتسب الاتجاهات المضادة في الإسلام كالقوى المعتدلة قدرا أكبر من الثقة. ومن المحتمل أن تلعب النساء دورا حاسما في تحديد مسار مستقبل الإسلام.

السيناريوهات المستقبلية لإسرائيل والشعب اليهودي

إسرائيل ثقافيا وسياسيا وأمنيا منطقة جبهة. فهي تقع في شرق أوسط عربي؛ بينما هي ثقافيا جزء من الغرب، وأمنها يعتمد على الدعم الغربي، وخصوصا الولايات المتحدة. كما أن الغالبية العظمى لجاليات الشتات الداعمة لإسرائيل تقع في الغرب. وتعتمد قدرة إسرائيل على الازدهار على المدى الطويل وربما البقاء على التوصل على تسوية مع الإسلام والجهات الإسلامية الفاعلة.

ومهما تكن إسرائيل قوية عسكريا، فهي دولة صغيرة، ومعظم سكانها يتركزون في أجزاء من المنطقة الساحلية. ولديها أقلية عربية كبيرة قد تصبح فاعلة جزئيا في أعمال عدائية ضدها. ومهما تكن قاعدة إسرائيل الاقتصادية ناجحة فهي محدودة، ويحقق دعم الشعب اليهودي لها تحسينا في وضعها الأمني والسياسي. لكن إذا انخفض الدعم الغربي، فسيكون بقاؤها معرضا للخطر؛ بينما تحدث الدول العربية نفسها تكنولوجياً، وتنتشر أسلحة الدمار الشامل، وتقوم المقاومة برفع قدراتها وتركيز أنشطتها على إسرائيل.

لذا، في ضوء ما سبق عن وضع إسرائيل، ومدى إيجابية أو سلبية قوة الدفع اليهودي والعوامل الخارجية المؤثرة على مستقبل إسرائيل والشعب اليهودي، فهناك أربعة بدائل أو سيناريوهات مستقبلية، هي:

ـ مستقبل مزدهر: تكون فيه قوة الدفع اليهودية عالية، والأوضاع الخارجية إيجابية.

ـ مستقبل منحدر: تكون فيه قوة الدفع اليهودية منخفضة، والأوضاع الخارجية إيجابية من منظور القيمة. وهذا المستقبل مشكوك في نتائجه وعواقبه على اليهود.

ـ مستقبل دفاعي: تكون فيه قوة الدفع اليهودية عالية، والأوضاع الخارجية سلبية من منظور القيمة. وهذا المستقبل مشكوك في نتائجه أيضا كالمستقبل السابق.

ـ المستقبل الكابوس: تكون فيه قوة الدفع اليهودية منخفضة، والأوضاع الخارجية سلبية.

هذه البدائل المستقبلية الأربعة محتملة الحدوث في الإطار الزمني حتى عام 2030، على الرغم من أن الاحتمالات النسبية تبقى مفتوحة. وهي، وإن كانت مستقبلية، فإنها تمثل أيضا ماضي الشعب اليهودي وسرد التاريخي الذي يتحرك عبر مراحل: ازدهار، وانحدار، ودفاع، وكابوس. والانتقال من مرحلة إلى أخرى يمكن أن يكون سريعا جدا في غضون بضع سنوات، حتى لو كان من الازدهار إلى الكابوس أو العكس.

تقييم 2023: واقع إسرائيل اليوم

قبل حرب طوفان الأقصى، صدر تقييم معهد سياسة الشعب اليهودي لعام 2023، والذي عرض وضع إسرائيل الداخلي والإقليمي والدولي، ونقاط القوة والضعف في كل منها، وركز على الموضوعات التالية:

1 ـ الأزمة الاجتماعية والسياسية في إسرائيل

تورطت إسرائيل في أزمة اجتماعية سياسية كبرى بسبب الإعلان عن خطة إصلاح قضائي شامل. وكانت للأزمة آثار سلبية على الأمن والعلاقات الخارجية والمرونة الاقتصادية والعلاقة بيهود الشتات. وكان التأثير الأبرز لها هو الضرر الذي ألحقته بالتماسك الإسرائيلي، وانخفاض ثقة الجمهور في مؤسسات الدولة، وتآكل الثقة في مستقبل البلاد، والقلق بشأن ما ينتظرها ، وارتفاع مستويات الشك بين مجموعات الهوية المختلفة، ورغبة أقلية لا يستهان بها حول الهجرة إلى بلدان أخرى. وتقوض الأزمة الحالية الردع الإسرائيلي بسبب تآكل استعداد جنود الاحتياط في القوات الخاصة ومئات الطيارين للخدمة الطوعية في الجيش الإسرائيلي.

2 ـ الساحة الدولية

تشهد الساحة الدولية تصعيدا في التنافس بين القوى العظمى، وتستمر الحرب في أوكرانيا بلا هوادة، ولا يزال احتمال حدوث أزمة اقتصادية عالمية يلقي بظلاله. وكلما أصبح الصراع بين القوى أعمق، كلما كان الأمر أكثر تعقيدا بالنسبة لإسرائيل للمناورة في علاقاتها معهم، ويضيف أسئلة حول السياسة الأمريكية في المجالات التي تؤثر على مرونة إسرائيل، ومدى قوة المثلث الاستراتيجي: القدس، واشنطن، ويهود أمريكا.

3 ـ الشرق الأوسط

إسرائيل قوة إقليمية ذات اقتصاد قوي، ويميل جيرانها إلى الاعتماد عليها والتعاون معها خصوصا مع الانسحاب الأمريكي من المنطقة، والوضع في الشرق الأوسط كما يلي:

ـ هناك خطر اندلاع للعنف في الضفة الغربية وعلى الحدود الشمالية مع لبنان.
ـ تواصل إيران المضي في مشروعها النووي وتحسين موقفها التفاوضي الدبلوماسي.
ـ سيكون نجاح الجهود المبذولة لعقد معاهدة سلام مع السعودية نقطة تحول تاريخية، ستظهر قبول إسرائيل في منطقة أنكرت وجودها، وستخلق شرعية لدول عربية وإسلامية أخرى لتطبيع العلاقات معها، وستكون الفرص السياسية والاقتصادية والأمنية التي قد تنجم عنها كبيرة.
ـ لا تزال اتفاقيات إبراهيم مستقرة. وتشتري دولها حوالي ربع صادرات الدفاع الإسرائيلية، التي زادت بنحو 50٪ في السنوات الثلاث الماضية وبلغ مجموعها 12.5 مليار دولار في عام 2022.
ـ لا تزال حقول الغاز الإسرائيلية ذات تأثير اقتصادي إيجابي، وتمكنها من أداء دور رئيسي في منتدى غاز الشرق الأوسط، ولها تأثير إيجابي على اتفاقيات السلام مع مصر والأردن.
ـ تُعد مصر في عهد السيسي شريكا فعالا في التعاون الأمني، وتلعب دورا في تهدئة قطاع غزة.

4 ـ معاداة السامية

أدى تعزيز اليمين المتطرف في أوروبا إلى العديد من التعبيرات عن معاداة السامية في المجال السياسي. وتم الإبلاغ عن سيل من الحوادث المعادية للسامية في الولايات المتحدة، حيث حكم على إرهابي كنيس بيتسبرغ الذي قتل 11 يهوديا بالإعدام بسبب جرائمه.

5 ـ الديموغرافيا اليهودية

أدت حرب أوكرانيا إلى موجة كبيرة من هجرة يهودها إلى إسرائيل ودول أخرى خاصة في أوروبا، وزيادة الهجرة إلى إسرائيل من روسيا وبيلاروسيا. تعمل هذه الاتجاهات على تكثيف التركيز الحالي لليهود في بلدين رئيسيين: إسرائيل والولايات المتحدة؛ بعد أن كانت روسيا وأوكرانيا أكبر المراكز اليهودية قبل قرنين.

توصيات تقرير 2023

ـ بذل الجهود لإنهاء الأزمة الاجتماعية والسياسية داخل إسرائيل التي تقوض مكانتها دوليا وتؤثر على اقتصادها وتماسكها وقوة الردع والانتماء القومي.

ـ استخدام نهاية الأزمة كرافعة لصياغة قواعد لعبة دائمة لمناقشة القضايا الأساسية المتعلقة بهوية إسرائيل ورؤيتها دون جر الدولة إلى دورات متكررة من الأزمات الاجتماعية والدستورية.

ـ على إسرائيل والمنظمات اليهودية الانخراط في عمل دبلوماسي مركز لعمل اتفاق سلام مع السعودية.

أدت حرب أوكرانيا إلى موجة كبيرة من هجرة يهودها إلى إسرائيل ودول أخرى خاصة في أوروبا، وزيادة الهجرة إلى إسرائيل من روسيا وبيلاروسيا. تعمل هذه الاتجاهات على تكثيف التركيز الحالي لليهود في بلدين رئيسيين: إسرائيل والولايات المتحدة؛ بعد أن كانت روسيا وأوكرانيا أكبر المراكز اليهودية قبل قرنين.ـ على إسرائيل أن تبذل جهدا مستمرا وحازما وطموحا لتوسيع دائرة أعضائها من القوى العاملة عالية الإنتاجية والاحتفاظ بأولئك الموجودين بالفعل في تلك الدائرة.

ـ زيادة التعاون اليهودي العالمي لمحاربة تطبيع الخطاب المعادي للسامية، بهدف التوصل إلى توافق في الآراء حول معايير التعريف والقياس والتشريع والعمل.

التعليق

هناك أمور مهمة تناولها التقريران، ويجب أن نربطها بالواقع الذي نراه بأعيينا اليوم سواء في أمتنا العربية والإسلامية، والأفكار والسياسات السائدة على مستوى الأنظمة والنخب الفكرية والسياسية والبناء المجتمعي والقيمي:

ـ يحافظ اليهود على هويتهم، ويعتبرونها مصدر قوتهم وعامل بقائهم؛ بينما هناك الكثير في دولنا العربية يحاربون الهوية الإسلامية العربية دون أدنى سبب مقنع من سياسة أو فكر أو تاريخ.

ـ هذا الترابط القوي بين إسرائيل ويهود الشتات هو رسالة لنا ليجمع العرب والمسلمون شتاتهم، فنحن وطن واحد وأمة واحدة تحيط بها المخاطر من كل مكان.

ـ على الرغم من عناصر القوة لدى الكيان، فعوامل الزوال لديه كثيرة، وهو في حالة تراجع نتيجة التغير الكبير في موازين القوى الدولية والإقليمية، وبروز أنواع جديدة من الحروب، وتعدد ساحات الصراع في الواقع المادي والافتراضي.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير كتب إسرائيل عرض إسرائيل تقارير عرض مكونات كتب كتب كتب كتب كتب كتب أفكار أفكار أفكار سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة والأوضاع الخارجیة الشعب الیهودی الشرق الأوسط داخل إسرائیل على إسرائیل إلى إسرائیل على مستقبل فی إسرائیل

إقرأ أيضاً:

بي-2 سبيريت.. الطائرة التي تريدها إسرائيل لتدمير منشأة فوردو النووية

في الوقت الذي تدور فيه رحى الحرب بين إسرائيل وإيران، تعود الأنظار مجددًا نحو القدرات العسكرية الأميركية باعتبارها أحد العوامل الحاسمة في هذه المواجهة، خاصة مع تصريحات إسرائيلية تؤكد الحاجة المُلحّة إلى الدعم العسكري الأميركي لضرب منشأة فوردو النووية الشديدة التحصين.

تعوّل إسرائيل كثيرا على دخول الولايات المتحدة الأميركية في الحرب التي تشنها على إيران، نظرًا لعجزها عن استهداف منشأة فوردو النووية الواقعة جنوب طهران نظرا لتحصينها الشديد. إذ يتطلب تدمير هذه المنشأة تحديدًا استخدام قاذفات إستراتيجية وقنابل خارقة للتحصينات لا تملكها إلا الولايات المتحدة حاليا.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2غموض "إف-35".. هل أسقطتها الدفاعات الجوية الإيرانية حقا؟list 2 of 2هل يحلق صائد الطائرات الصيني في سماوات إيران قريبا؟end of list

ونقل موقع أكسيوس عن مسؤولين إسرائيليين قولهم إن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو والقيادة العسكرية الإسرائيلية يعتقدون أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد يتخذ قرارًا بالتدخل العسكري المباشر لدعم إسرائيل وقصف منشأة فوردو.

ولو حدث ذلك السيناريو، فستبرز في القلب منه القاذفة الأميركية "بي-2 سبيريت" (B-2 Spirit) التي تمتلك مواصفات تقنية تجعلها الوحيدة تقريبًا القادرة على تنفيذ مثل هذه المهمة المعقدة. لكن ما الذي يجعل منشأة فوردو هدفًا استثنائيا، ولماذا تعجز إسرائيل عن مواجهتها بمفردها؟

بي2- سبيريت.. الطائرة التي تستطيع

لفهم عمق الأمر، سنتعرف بداية إلى الطبيعة الخاصة جدا لهذه النوعية من الطائرات المسماة بي-2 سبيريت والتي كثر الحديث عنها مؤخرًا ورُبطت بمنشأة فوردو تحديدا.

فالقاذفات نوع من الطائرات المصممة خصيصًا لمهاجمة الأهداف البرية والبحرية بإسقاط القنابل أو إطلاق الصواريخ، وتتخصص بشكل أساسي في مهام القصف الإستراتيجي (ضمن مهام أخرى)، أي استهداف البنية التحتية، أو المراكز الصناعية، أو خطوط الإمداد، أو الأصول الأخرى ذات القيمة العالية بهدف إضعاف قوة العدو وتقويض قدراته الأساسية.

إعلان

وبشكل خاص، تمتاز "بي-2" بقدرتها على حمل أسلحة ضخمة مثل القنابل الخارقة للتحصينات (جي بي يو-57) والأسلحة النووية، وذلك ما يجعلها عنصرًا أساسيا في عمليات الردع الإستراتيجي. هذه العمليات تتطلب مهام طويلة المدى بعيدًا عن قواعد الانطلاق وبتخفٍّ تام عن رادارات العدو.

ويفهم مما سبق أن هذه النوعية من العمليات غالبًا ما تنطوي على مهام بعيدة المدى في عمق أراضي الخصم المستهدف، ولتحقيق هذا الغرض يجب أن تكون هذه القاذفات قادرة على السفر لمسافات طويلة من دون رصدها تحت أي ظرف.

ورغم أن قاذفة إستراتيجية أخرى هي "بي ـ 52" قادرة على حمل مثل هذه القنابل الضخمة، فإنها ليست مؤهلة للقيام بالعمليات التشغيلية من هذا النوع، إذ إنها لا تتمكن من فرض التفوق الجوي والمناورة والتخفي من الرادارات، ولذلك فهي بحاجة لوجود طائرات أخرى للحماية.

في الحرب الباردة كانت القاذفات، مثل "بي-52″ الأميركية، جزءا رئيسيا من إستراتيجيات الردع النووي، إلا أن الولايات المتحدة احتاجت إلى قاذفة قادرة على اختراق الدفاعات الجوية السوفياتية من دون أن يتم كشفها بسبب التقدم الكبير في تقنيات الرادار، مما جعل القاذفات التقليدية أكثر عرضة للخطر.

بحلول منتصف السبعينيات، ابتكر مصممو الطائرات العسكرية طريقة جديدة لتجنب الصواريخ الاعتراضية، والمعروفة اليوم باسم "التخفي".

وفي عام 1974، طلبت وكالة مشاريع الأبحاث الدفاعية المتقدمة "داربا" معلومات من شركات الطيران الأميركية عن أكبر مقطع عرضي لطائرة تكون غير مرئية فعليا للرادارات.

وإثر ذلك، وفي عام 1979، أطلقت القوات الجوية الأميركية برنامجا لقاذفة متطورة تكنولوجيا يتركز على قدرات التخفي، وفي عام 1981 فازت شركتا نورثروب وبوينغ بعقد تطوير القاذفة الشبحية الجديدة بموجب "مشروع سي جي سينيور"، وبحلول عام 1988 كشف النقاب رسميا عن القاذفة "بي-2 سبيريت" للجمهور.

في الأصل، خططت الولايات المتحدة للحصول على 132 قاذفة من طراز "بي 2″، ولكن بسبب التكاليف المرتفعة تم تخفيض العدد إلى 21 طائرة فقط، حيث قُدِّرت التكلفة الإجمالية لكل طائرة -بما يشمل الصيانة والتطوير- بنحو 2.1 مليار دولار، مما يجعلها واحدة من أغلى الطائرات العسكرية التي بنيت على الإطلاق.

وفي 17 يوليو/تموز 1989 قامت قاذفة "بي-2 سبيريت" بأول رحلة لها من مصنع القوات الجوية 42 في كاليفورنيا، ومنذ ذلك الحين بات ينظر إلى القاذفة الشبحية الأميركية على أنها القاذفة الإستراتيجية الأكثر تقدمًا في العالم، بسبب قدرتها الفائقة على التخفي.

وتعزى هذه القدرة بالأساس إلى تصميم جناح الطائرة القادر على الإفلات من الرصد الراداري، فضلا عن كونها مطلية بمواد تمتص أشعة الرادار، وتمتلك قدرات على قمع الأشعة تحت الحمراء (بصمتُها الحرارية منخفضة)، كما تعمل أنظمة التشويش المتقدمة الخاصة بها على تعطيل رادار الخصم وأنظمة اتصالاته.

ووفقًا لسلاح الجو الأميركي، يوجد 19 قاذفة بي-2 عاملة، يمكنها أن تحلق بسرعات دون سرعة الصوت، لكنها قادرة على التزود بالوقود جوًا، وذلك ما يسمح لها بالطيران لمسافات طويلة للغاية.

إعلان

وخلال حرب كوسوفو في أواخر التسعينيات، حلّقت طائرات بي-2 ذهابًا وإيابًا من قاعدتها في قاعدة وايتمان الجوية بولاية ميسوري لضرب أهداف، وفي عام 2017 حلّقت طائرتان من طراز بي-2 لمدة 34 ساعة للوصول إلى ليبيا، ويجري ذلك أيضا على عمليات في العراق (2003)، وأفغانستان (2001-2021)، وسوريا (2017)، وصولا إلى العمليات الأميركية الأخيرة في اليمن.

وهي الطائرة التي يعود ذكرها للضوء على إثر ما يرشح من تصريحات من أن ضرب منشآت إيران النووية المحصنة لا يمكن أن يتم إلا عبر الترسانة الأميركية، وعلى رأسها قاذفة بي -2.

تحصينات منشأة فوردو

إذا ما تحدثنا عن استهداف منشأة "فوردو" النووية الإيرانية، والتي تعد واحدة من أكثر المنشآت تحصينًا في العالم، يبدو أنه لا مناص من استخدام هذه القاذفة إذا أرادت إسرائيل ومن ورائها أميركا السير في خطة تدمير المنشآت النووية الإيرانية.

منشأة فودو هذه، صُمّمت خصيصًا لتكون قادرة على الصمود أمام الضربات الجوية وحتى بعض الهجمات النووية التكتيكية، أي تلك التي تستخدم أسلحة نووية صغيرة ذات أثر محدود.

تقع "فوردو" على بُعد نحو 95 كيلومترا جنوب غرب العاصمة طهران، وقد شُيّدت داخل مجمع أنفاق تحت جبل يبعد حوالي 32 كيلومترا شمال شرق مدينة قُم، ويقدر أن عمق المنشأة عن سطح الأرض يصل إلى 80 أو 90 مترًا، بهدف واحد وهو حماية المنشأة من القنابل الخارقة للتحصينات.

هذه الصورة التي نشرتها شركة ماكسار تكنولوجيز، والملتقطة في 11 ديسمبر/كانون الأول 2020، تُظهر لمحة عن محطة فوردو لتخصيب الوقود النووي الإيرانية (الفرنسية)

المنشأة محاطة بطبقات من الصخور الجبلية الطبيعية والخرسانة المسلحة العالية الكثافة، مع جدران فولاذية أو دروع معدنية داخلية، وتصميم داخلي يمثل "متاهة"، ليعقّد الاختراق، ويحد من تأثير الانفجارات.

كذلك فإن هناك دفاعات جوية متعددة تحيط بالمنشأة، منها بطاريات صواريخ قصيرة ومتوسطة المدى وأنظمة تشويش إلكتروني لمنع استهداف دقيق، مع كاميرات حرارية، وأجهزة استشعار، وحراسة دائمة.

وتتألف المنشأة، بحسب بيانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، من قاعتين مخصصتين لتخصيب اليورانيوم، وقد صممت لاستيعاب 16 سلسلة من أجهزة الطرد المركزي الغازي من طراز "آي آر-1" (IR-1)، موزعة بالتساوي بين وحدتين، بإجمالي يبلغ نحو 3 آلاف جهاز طرد مركزي.

قنبلة واحدة فقط

وحسب المعلومات المتاحة، لا توجد سوى قنبلة واحدة يحتمل أن تصل إلى هذا العمق قد تستخدمها إسرائيل لضرب منشآت مثل فوردو ونطنز النوويتين، وهي القنبلة الأميركية "جي بي يو-57 إيه بي".

وتُعرف هذه القنبلة أيضا باسم القنبلة الخارقة للدروع الضخمة (إم أو بي)، وهي قنبلة تقليدية موجهة بدقة لتدمير الأهداف المدفونة والمحصنة على عمق كبير، مثل المنشآت والمخابئ تحت الأرض، وهي تزن نحو 13-14 طنا، ويبلغ طولها 6 أمتار.

هذه القنبلة قادرة على اختراق ما يصل إلى 61 مترا من الخرسانة المسلحة أو ما يصل إلى 12 مترا من الصخور الصلبة، ولا يمكن حملها بواسطة الطائرات المقاتلة الأميركية العادية، بل تحتاج لقاذفة الشبح الأميركية "بي 2 سبيريت" التي تشغَّل بواسطة القوات الجوية الأميركية.

ويتطلب الأمر، لتنفيذ مهمة كهذه، أن يحلّق عدد من طائرات بي-سبيريت، لتبدأ أولا حرب إلكترونية متخصصة، مهمتها تشويش أنظمة الدفاع الجوي الإيرانية على نطاق واسع، وعزل المنطقة المستهدفة عن أي اتصالات خارجية.

طائرة بي 2 سبيريت تقود سربًا من الطائرات المقاتلة أثناء عرض عسكري بولاية نيوجرسي الأميركية في يوليو/تموز 2020 (غيتي)

ومع الوصول إلى منطقة الهدف فوق جبل فوردو، تبدأ أنظمة الاستهداف العالية الدقة على متن الطائرات بتحديد الموقع الدقيق للمنشأة تحت الأرض، ثم تطلق القنابل، لكن الأمر أعقد من مجرد الحاجة لقنبلة واحدة، إذ يتطلب ضربات متتالية على النقطة نفسها، ربما تبدأ بقنابل أخرى غير جي بي يو-57 إيه بي، لإحداث صدمة أولية أو لإزالة الطبقات السطحية من الصخور التي قد تعيق الاختراق الأعمق، أو حتى لاختبار استجابة الدفاعات المتبقية التي لم يتم تشويشها بالكامل، ثم تطلق القنابل الرئيسية بعد ذلك.

إعلان

عند الاصطدام، تخترق كل قنبلة طبقات صلبة من الصخور والخرسانة المسلحة، معتمدة على طاقتها الحركية الهائلة، قد تُطلق قنابل متتالية على النقطة نفسها لتعميق الاختراق، أو على نقاط مختلفة لتوسيع دائرة التدمير. وبعد اختراق عشرات الأمتار في عمق الأرض، تنفجر الشحنة المتفجرة داخل القنبلة بقوة هائلة، مُحدثة موجة صدمية تدمر البنية الداخلية للمنشأة.

وحتى في هذه الحالة، فالهدف ليس فقط تدمير المفاعل نفسه، بل شلّ أنظمة الدعم الحيوية مثل غرف التحكم وأنظمة التبريد ومخازن الوقود.

عائق أعمق

يفسر ما سبق حاجة إسرائيل الشديدة للقاذفة الأميركية وقنبلتها الضخمة. وبحسب صحيفة واشنطن بوست، فإن "المنشآت النووية الإيرانية لم تتعرض لأضرار لا يمكن إصلاحها في الموجتين الأوليين من الهجمات الإسرائيلية"، وبنت الصحيفة ذلك الاستنتاج على التصريحات الصادرة عن البلدين فضلًا عن مقاطع الفيديو والصور للمواقع المتضررة.

وتوضح الصحيفة أنه يبدو أن إسرائيل شنت هجومًا قرب فوردو، لكنها لم تُصب المنشأة تحت الأرض نفسها. وبحسب الوكالة الدولية للطاقة الذرية وخبراء في مجال حظر الانتشار النووي فإن الضربات على نطنز، موقع التخصيب الرئيسي الآخر في إيران، قد دمرت منشآت عدة وألحقت أضرارًا بالنظام الكهربائي.

وأوضح المحللون الذين اطلعوا على صور الأقمار الصناعية في البداية أن معدات التخصيب تحت الأرض في نطنز لم تتضرر على الرغم من وجود آثار مباشرة على قاعات التخصيب تحت الأرض في نطنز.

ولكن حتى إن نجحت إسرائيل في الحصول على الدعم الأميركي وتنفيذ ضربات كهذه، فإن الأمر يظل أعقد مما قد يتصور.

ورغم أن إسرائيل استطاعت عبر العقود الماضية تنفيذ ما يُعرف "بعقيدة بيغن" التي تقوم على توجيه ضربات استباقية لمنع خصومها في المنطقة من امتلاك قدرات نووية، كما حدث عند تدمير مفاعل تموز العراقي عام 1981، ومنشأة الكبر السورية عام 2007، فإن الملف الإيراني يطرح تحديات من نوع مختلف تمامًا.

فالمنشآت المستهدفة من قبل كانت منفردة وظاهرة ولا تزال في مراحل مبكرة من التشييد، مما جعل ضربها ممكنًا وفعالًا.

لذلك يمثل استهداف منشأة فوردو تحديًا مختلفًا عما واجهته إسرائيل سابقًا. فالبرنامج النووي الإيراني موزع على مواقع متعددة ومحمي جيدًا تحت الأرض، كما أنه مدعوم بخبرات تقنية وعلمية راسخة، وذلك ما يجعل القضاء عليه بالكامل من خلال ضربات جوية أمرًا معقدًا للغاية.

وحتى إن نجحت الضربات الجوية، فإن إيران تملك القدرة العلمية والفنية على إعادة بناء منشآتها، وذلك ما دفع إسرائيل إلى محاولة استهداف العلماء الإيرانيين في محاولة لإبطاء البرنامج النووي. ومع ذلك، فإن هذا النهج أيضًا محدود الفاعلية نظرًا لاستناد البرنامج إلى بنية مؤسساتية وعلمية عميقة، وليس إلى أفراد فقط يمكن استبدالهم بسهولة.

في النهاية، يظل الملف النووي الإيراني أكثر تعقيدًا من مجرد استهداف منشآت مادية، إذ يتعلق الأمر بمنع دولة لديها المعرفة العلمية والإرادة السياسية من استئناف نشاطاتها، وذلك ما يجعل التعامل الناجح معه بعيدًا كل البعد عن مجرد حل عسكري سريع.

مقالات مشابهة

  • ضربة موجعة.. صواريخ إيران تنسف عقل إسرائيل العلمي
  • تامر أمين: العالم يترقب تدخل أمريكا ومستقبل الصراع يتوقف على قرار واشنطن
  • خامنئي يعلن إسرائيل تُعاقب الآن..وغروسي يحذر من تقارير 45 دقيقة حول الهجوم وتضارب المعلومات حول قرار صنع القنبلة النووية في إيران
  • ما هي صواريخ إيران الفرط صوتية التي ترعب إسرائيل؟
  • حلمي النمنم: المشير طنطاوي سلّم الإخوان للشعب.. ولم ينحاز لأي طرف خلال الانتخابات التي أعقبت الثورة
  • محافظ الغربية لـ أوائل الشهادة الإعدادية: أنتم فخر لنا ومستقبل واعد
  • بي-2 سبيريت.. الطائرة التي تريدها إسرائيل لتدمير منشأة فوردو النووية
  • اللواء أيمن عبد المحسن: إسرائيل تنتهج سياسة التخريب وتستهدف شل إيران
  • استراتيجية الهيمنة في كتابة التاريخ .. أوليات الموروث اليهودي
  • تقارير روسية: إسرائيل تفتعل انتفاضة شعبية في إيران والموساد يضرب الأمن الإيراني.. فيديو