«الأصنام».. رواية عن الأخوة بمفهوم فلسفي
تاريخ النشر: 11th, February 2024 GMT
أحمد عاطف (القاهرة)
أخبار ذات صلةفي روايته «الأصنام» يستخدم الروائي الجزائري أمين الزاوي زلزال مدينة الأصنام المعروفة الآن بـ«الشلف» في عام 1980 كرمز يُظهر التغييرات في الجزائر خلال فترات زمنية معينة.
وتدور الرواية - المرشحة ضمن القائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية 2024 - حول مبدأ الأخوة وتروي قصة أخوين، حيث يُغتال الأخ الأكبر في فترة العنف والإرهاب والعشرية السوداء في الجزائر، ما يدفع الأخ الأصغر للدفاع عنه بشكل يُظهر أهمية الدفاع عن أخيه، الذي كان بمثابة دفاع عن الوطن.
يقول الزاوي لـ«الاتحاد» إن تفاصيل الرواية ونهايتها يجب أن يكتشفها القارئ بنفسه، لكن القصة تستند إلى فلسفة، وهي عكس قصة قابيل وهابيل، ففي روايتي لا يقتل الأخ أخاه بل يحب «حميميد» الأخ الأصغر أخاه الأكبر «مهدي»، ويبحث عمّن قتله، فالرواية تفكك القصة القديمة بمفهوم مختلف.
ويظهر التشبيه في الرواية بين تأثير الزلزال على مدينة الأصنام «الشلف» وبين تأثير وفاة شخصية مهدي على أسرته، فالزلزال وقع في لحظات تسببت في ألم وخوف وشتات لسكان المدينة، وكذلك وفاة الأخ التي وقعت كنكبة على أفراد أسرته، وتسببت في كثير من الألم والهلع والضياع، ووصف الكاتب عمق ذلك التأثير في نفوسهم.
واهتم الزاوي، خلال أحداث الرواية، بإظهار تراث الثقافة الشعبية في الجزائر، فتتعرض الرواية لتقاليد وممارسات تراثية، ومن المأكولات جاء البركوكس الحار والكسكسي والخبز التقليدي والحلويات المحلية وزيت الزيتون المعصور يدويًا. كما لفت المؤلف نظر القراء بطريقة غير المباشرة إلى جوانب تراثية وفلكلورية أخرى كمهنة صناعة الفخار وفن الراي البدوي، وإظهار بعض المصطلحات اليومية، وكذلك الأساطير الشعبية.
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: الجزائر الجائزة العالمية للرواية العربية
إقرأ أيضاً:
لعبة المرايا في رواية متاهة الأوهام للمغربي محمد سعيد احجيوج
في عصر تزدحم فيه المكتبات العربية بروايات تتبع أنماطا مألوفة وتسعى وراء الجوائز والمبيعات، يقدم الروائي المغربي محمد سعيد احجيوج عملا يتحدى كل التوقعات، رواية "متاهة الأوهام" للكاتب المغربي محمد سعيد احجيوج (دار نوفل / 2023) ليست مجرد رواية تقرأ، بل تجربة معرفية تستدعي القارئ ليصبح شريكا في عملية الخلق السردي.
تفاصيل الرواية
تنقسم الرواية إلى ثلاثة كتب متداخلة، يظهر فيها الكاتب بوصفه شخصية روائية تعيش في عوالم متوازية، في الكتاب الأول، نتابع ثلاث تجليات مختلفة لـ "محمد"، الكاتب العاطل الذي يرعى طفلته بينما تعمل زوجته، والذي يتلقى مكالمات هاتفية غامضة من امرأة تعرف أسراره، ومكالمة أخرى تقوده إلى لقاء مع العميد "ش." من مديرية مراقبة التراب الوطني، الذي يعرض عليه صفقة: التخلي عن مشروعه الروائي حول اختفاء المهدي بن بركة مقابل كتابة رواية تمجد عمليات المخابرات.
ما يميز هذا العمل هو رفضه الجذري للحدود الفاصلة بين الواقع والخيال. إذ يصبح الكاتب شخصية في روايته، وتصبح الرواية واقعا يعيشه، في حلقة مفرغة من الإبداع والوجود المتبادل.
الكتاب الثاني يقدم مواجهة مع ناشر يرفض النشر ويطالب بكتابة تقليدية، بينما الكتاب الثالث يضعنا أمام بطل يستيقظ في غرفة بيضاء مطالب بالعثور على كاتب مفقود يحمل اسم احجيوج نفسه.
التقنية السردية المعقدة التي يوظفها احجيوج تجعل من القراءة عملية تأويل مستمرة، فالضمائر تتبدل والشخصيات تتداخل، وكل مستوى سردي يخلق المستوى الآخر في دوامة لا متناهية. هذا ما يسميه النقاد "الميتا سرد"؛ سرد عن السرد نفسه، حيث تصبح عملية الكتابة موضوع الكتابة.
لكن وراء هذا التعقيد الظاهر تكمن رسالة عميقة حول حرية الإبداع في مواجهة السلطة، سواء كانت سلطة سياسية تمثلها أجهزة المخابرات، أو سلطة ثقافية تجارية يجسدها الناشر، أو حتى سلطة الواقع نفسه، الرواية تطرح سؤالا جوهريا: إلى أي مدى يمكن للكاتب أن يحافظ على استقلاليته الإبداعية في عالم يحاول باستمرار توجيه قلمه؟
إذ أن ما يطرحه أحجيوج، أو يجربه في بناء الرواية العربية، هو أن يدخل إليها عناصر ليست من طبيعة السرد، أو أي من أساليب القص المألوفة، في ما يسمى بميتا الرواية، أي تلك العناصر التي تقترب أن تكون قواعد للرواية الحديثة، على حد تعبير الناقد اللبناني أنطوان بو زيد.
بطبيعة الحال، مثل هذا العمل التجريبي لن يناسب كل قارئ. فهو يتطلب صبرا وتركيزا ورغبة حقيقية في خوض مغامرة فكرية، كما أن الإلمام بأعمال احجيوج السابقة، خاصة "ليل طنجة" و"أحجية إدمون عمران المالح"، يثري التجربة ويضيف طبقات إضافية من المعنى.
“متاهة الأوهام”
تؤكد "متاهة الأوهام" أن الرواية العربية قادرة على مجاراة أعقد التجارب الروائية العالمية، وأن لدينا أصواتا إبداعية تجرؤ على كسر القوالب والبحث عن أشكال جديدة للتعبير، إنها رواية تستحق القراءة، ليس فقط لجمالياتها السردية، بل لأنها تفتح نقاشا ضروريا حول دور الأدب ووظيفة الكاتب في عالمنا المعاصر.
في النهاية، حين نصل إلى الكلمات الأخيرة "رفعت الأقلام وجفت الصحف"، ندرك أننا لم نقرأ مجرد رواية، بل خضنا تجربة تأملية في طبيعة الكتابة والوجود. وربما هذا هو أعظم إنجازات احجيوج: أن يجعلنا نعيد التفكير في علاقتنا بالنص والواقع والخيال.