لجريدة عمان:
2025-12-13@23:29:20 GMT

أليس البحر للبسطاء أمثالنا؟

تاريخ النشر: 11th, February 2024 GMT

مرّت تيارات الهواء الباردة لتداعب وجوهنا، فأغمضنا أعيننا لنصغي لنشيد الموج. لقد بدا الأمر كمن يعود لأرجوحة الصبا، هناك حيثُ تتلاشى الحدود الأسمنتية والأبواب المُغلقة، وحيثُ تخلعُ الأماني ثوبها المتطلب، فتصبحُ أثمن أمانينا مشاهدة بزوغ قرص الشمس من وراء خليج عُمان، ثمّ وداعها وراء التخوم البعيدة في تدرج لوني آسر، بينما تشقُ أقدامنا الحافية طريقها فوق رمال رطبة وهشة.

هذا ما شعرتُ به في رحلتنا الأخيرة للمبيت في مخيم في «فنس» التابعة لولاية قريات. حيث تجلى الازدحام -على غير العادة- كثيفا على الشاطئ، فكلما مشينا أكثر تحدر انعكاس الأضواء على صفحة البحر، لدرجة أنّي تخيلتُ أنّه من الصعب أن توضع خيمة بين الواحدة والأخرى. تلك الكثافة البشرية جعلتنا نتأكد من حدوث تحول كبير في نسيج المجتمع الذي لم يكن يُعيرُ من قبل أهمية تذكر للتخييم العائلي، كما تُرينا التجربة تغيرا في الاستثمار الذي بات يُقدم أفكارا جديدة ووسائل جذب مبتكرة للسياحة المحلية، كما أنّ هذا النوع من المشاريع -رغم عشوائيته- يُقلل من توحش الاستثمار الرأسمالي الذي بات يجرفُ الرمال ويُقيم الأسوار العالية والحراسات المشددة، فلا تُفسح البوابات إلا لأصحاب الجيوب المنتفخة!

عندما جلستُ قبالة البحر لساعة متأخرة من الليل، تذكرتُ أولئك الذين ثُمنت منازلهم من أجل إقامة الشارع البحري. تذكرتُ كيف استقر الحال ببعضهم -عقب التعويضات المالية التي حصلوا عليها- في بيئة لا تشبه البيئة التي عاشوا فيها لعقود عديدة من حياتهم، بينما تعبرُ أرواح البحارة القُدامى مخيلتهم الخصبة.

ولا أدري إلى أي حد دُرس البعد النفسي لهذا النوع من الإزاحة؟ وهل دُرس أثر تباينات تمثلات المجتمع في بيئاته المتعددة؟ فلا يكفي أن نمنح الناس تعويضا جيدا بينما نغفل الضرر والشروخات الحادة التي يمكن أن تحدث في نسيج واقعهم النفسي والحسي!

فكيف لمن تعودت عيناه أن ترى البحر أول ما ترى وأن تنام على صوت الموج أن تقابل خواء «السيوح» وفراغها الشاسع؟ وكيف تهنأ العين المعتادة على الزرقة بتدرج بني قاحل؟ ولأنني ممن عاشوا جوار البحر رغم أصولي الجبلية، فقد كنتُ أشاهدهم يغرسون أقدامهم في الرمل كأشجار، ويفرشون حصرهم جواره جماعات أو منفردين، فيراودني سؤالهم الحائر: «من يملك هذا البحر؟ وماذا سيتبقى للبسطاء أمثالنا الذين نشأوا جواره وبالكاد يملكون لقمة يومهم؟!».

لسنا ضد بناء المنتجعات والفنادق الكبيرة، ولسنا ضد امتداد الشارع البحري الذي سيُحدث نقلة هائلة، إنّها من متطلبات المدن الحديثة والصناعة السياحية التي ننشدها.. لكن لنتذكر أنّ الله قد وهب عُمان شواطئ هائلة الجمال والامتداد، فهي تربو على ٣ آلاف كيلو متر من مضيق هرمز وحتى حدودها المتاخمة لليمن. وكل ما تحتاج إليه هذه المساحات الشاسعة رؤية واضحة تُنضم تقسيم المساحات بشكل مدروس، بحيث يجد المستثمر الكبير صاحب رؤوس الأموال الضخمة مكانا له، وتجد المؤسسات الصغيرة والمتوسطة حيزا لها، مع الاحتفاظ بأماكن خاصة للتخييم الحر لكل من يأتي مُغامرا بخيمته الشخصية أو مستنشقا للهواء العذب برفقة أبنائه. نحن بحاجة إلى أن تُخصص أماكن خاصة للشوي وأخرى للعب -وهنالك أماكن نجحت في هذا- مع أهمية أن تكون هنالك فسحة للنساء، إذ يتم حرمان العديد منهن من متعة السباحة، خشية تعريض أنفسهن لنظرات المجتمع باهظة الثمن، فهذه الشواطئ الطويلة يمكن أن تغدو كافية لنا جميعا بقليل من التخطيط.

إنّ هذا البحر العظيم الذي يُحيط بنا، يمنحنا الخير الماكث في أعماقه، ويوفر فسحة سياحية لا محدودة الأفق ولا الأفكار، يوفر دخلا جيدا لأشكال مختلفة من الاستثمارات، وفرصا لعمل للباحثين، وعليه من الجيد أن يجد الجميع غايته مع مراعاة تعدد الخيارات والأسعار، حتى لا نصل إلى مضامين الجملة التي قرأتها ذات يوم وخشيتُ أن تصبح حقيقة: «أخشى أن يصير البحر مكانا مستحيلا للبسطاء أمثالنا».

هدى حمد كاتبة عمانية ومديرة تحرير مجلة نزوى

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

"الناجي الوحيد".. لقب "بتول" الذي جردها الفقد معانيه

غزة - خاص صفا

"ناجية وحيدة"، لكن صدمة فقد عائلتها قبل نحو شهر، في وقت وضعت فيه حرب غزة أوزارها، جردتها من معاني الكلمة، وتعيش أوضاعًا صعبة، تتمنى فيها "اللحاق بهم.
الفتاة بتول أبو شاويش "20 عاما"، واحدة من آلاف الناجين الوحيدين لأسرة كاملة ارتقت بحرب غزة، لكنها تُسقى أضعافًا من كأس الفقد، لكونها استبعدته يومًا.

"أنا لستُ ناجية، أنا وحيدة وتمنيتُ لو أني ذهبتُ معهم"، تقول بتول لوكالة "صفا".

وتضيف "استشهدت أمي وأبي وإخوتي في قصف بجانب بيتنا في أبراج عين جالوت قبل شهر، وكنت معهم في نفس البيت".

ولكن دقيقة بين مغادرة "بتول" غرفة إخوتها نحو غرفتها، كانت فاصلًا بينها وبينهم، بين حياتها ومماتهم، رغم أن أنقاض البيت وقعت عليها هي أيضًا.

وتصف تلك اللحظات "كنت بجانب محمد وجميعنا بغرفة واحدة، ذهبت لأبدل ملابسي، وفي لحظة وجدت نفسي تحت الأنقاض".
ما بعد الصدمة 

وانتشلت طواقم الدفاع المدني "بتول" من تحت جدارين، مصابة بذراعيها، وحينما استفاقت داخل المستشفى، وجدت عمها بجانبها.

سألت بتول عمها عن والديها وإخوتها، وعند كل اسم كان جوابه "إنا لله وإنا إليه راجعون".

لم تتمالك نفسها وهي تروي اللحظة "لم أستوعب ما كان يقوله عمي، لقد فقدتُ أهلي، راحت أمي رغم أنني كنت أدعوا دومًا أمامها أن يكون يومي قبل يومها".

"بتول" تعيش أوضاعًا نفسية صعبة منذ فقدت أسرتها، ويحاول عمها "رفعت"، أن يخفف عنها وطأة الفقد والصدمة.

"لحظات لم تكتمل"

يقول رفعت "40 عاما"، لوكالة "صفا"، إنها "ليست بخير، لا تعيش كأنها نجت، ولا تتوقف عن التساؤل لماذا لم تذهب معهم".

ويضيف "هي تؤمن بالأقدار، لكن أن يفقد الإنسان أهله وفي وقت هدنة، يعني مفروض أنه لا حرب، والقلوب اطمأنّت، فهذا صعب خاصة على فتاة بعمرها".

وسرق الاحتلال لحظات جميلة كثيرة من حياة "بتول"، لم تكتمل، كحفلة نجاح شقيقها "محمد" في الثانوية العامة.

يقول عمها "بتول بكر أهلها، وهي تدرس في جامعة الأزهر، رغم كل الظروف، وقبل استشهاد أخي وعائلته، احتفلوا بنجاح محمد، وكانوا ينوون تسجيله معها في الجامعة".

ومستدركًا بألم "لكن كل شيء راح، وبقيت بتول وحيدة تحاول أن تنهض من جديد، لكن ليس بعد".

ولم تقدر "بتول" على وداع أهلها من شدة صدمتها، وحينما وضعوها بين خمسة جثامين، تحدثت إليهم، سألتهم لما "رحلتم وتركتموني"، وما قبلت إلا جبين شقيقتها الصغيرة، أما أمها "فعجزت عن الاقتراب منها"، تردد بتول وهي تهتز من استحضار المشهد.

ويوجد في غزة 12,917 ناجيًا وحيدًا، تبقوا من أصل 6,020 أسرة أبيدت، خلال حرب الاحتلال على غزة على مدار عامين، فيما مسح الاحتلال 2700 أسرة من السجل المدني بكامل أفرادها، البالغ عددهم 8,574 شهيداً.

مقالات مشابهة

  • من رجل القسام الثاني الذي اغتالته إسرائيل؟
  • طالع أحوال طقس فلسطين بدءاً من هذه الليلة وحتى الثلاثاء القادم
  • مع ارتفاع الموج واضطراب الطقس… تحذير من الدفاع المدني
  • طقس فلسطين اليوم: أجواء غائمة وباردة
  • أمطار متوقعة وحالة من عدم الاستقرار حتى 19 ديسمبر
  • “قداسة البابا “: من الأسرة يخرج القديسون وهي التي تحفظ المجتمع بترسيخ القيم الإنسانية لدى أعضائها
  • "الناجي الوحيد".. لقب "بتول" الذي جردها الفقد معانيه
  • «الأرصاد»: أمطار محتملة حتى الجمعة المقبلة
  • باول: الاقتصاد الأمريكي ينمو بمعدلات معتدلة بينما يظل التضخم مرتفعا
  • استمرار هطول أمطار رعدية متباينة الغزارة.. اعرف خريطتها