لجريدة عمان:
2025-07-07@19:47:00 GMT

عبء الصمود

تاريخ النشر: 14th, February 2024 GMT

بطريقتين مختلفتين تمامًا تلقّى الناس الصورة -التي نشرها الجندي الإسرائيلي يوسي غامزو- لفلسطيني تحت التعذيب. جاءت صورة الرجل -جالسا على كرسي في إحدى مدارس مدينة غزة، وهو مقيد اليدين ومجرد من ثيابه باستثناء ملابسه الداخلية- كتوثيق آخر للانتهاكات المستمرة في القطاع. بشكل خاص لأن الحساب نفسه كان قد نشر قبلها مقطع فيديو للرجل وهو يسير بمرافقة الجند مقيدا لكن سليمًا، مما عنى أن جراحه تسبب بها تعرضه للتعذيب من قِبل آسريه.

حتى الرئاسة الأمريكية وجدتها -كما تجد «أحيانا» أمورا تحدث هذه الأيام في غزة- مزعجة للغاية!

أعادت هذه الصورة، وصور أخرى لأسرى فلسطينيين إلى الذاكرة فضيحة أبو غريب. الصور المنشورة للسجناء مثّلت بالطبع أدلة إدانة. الأوضاع المهينة التي ظهروا بها، جعل من يتناقلونها، أو من ينظرون إليها يحسون بالعار وبانقباض القلب. العار قادم من تماهٍ مع الضحية، خصوصا بالنسبة لمن يشتركون مع الضحايا في اللون والملامح، ومن يعتقدون أنه من غير المستبعد أن يكونوا محلهم يوما ما، ما دامت مصائرهم مرتبطة بأهواء أقوياء العالم المتنمرين. لكن العار أيضا قادم من الفرجة. من كون المرء يرى شخصًا ما يُهان، دون أن يدفعه ذلك لأن يتحرك، فيما يُشبه التواطؤ. والمُنكر الذي استعصى تغييره باليد واللسان، يُستنكر بالقلب، ويُصبح أضعف الإيمان أن يعمل جهده لئلا تُدوّر الصور.

حين نُفكر بمنطقية، نعرف أن العار يُفترض أن يلتصق بأولئك الذين يقفون -في الحقيقة- برأس مرفوع، بثقة وفخر في أزيائهم العسكرية الناصعة، حاملين أدوات التعذيب الصقيلة. لكنه لا يفعل. ما يحدث في الواقع هو أن الضحية تُعيّر بالجوع والإنهاك واليتم وقلة الحيلة في المعادلة غير المنصفة للعالم المتهكم. والمراقب المتعاطف، الذي يشعر أن هذه الصور تصرخ في وجهه لأن يفعل شيئا، يبحث عن وسيط يمرر عبره خزيه، هوانه، وانعدام حيلته. فتراه يتبنى مرة خطاب التباكي، من نوع «اعذروا تهاوننا وجبننا»، أو خطاب الأمثلة «يا لكم من أمثلة للبطولة والصمود».

عندما يُشاد بالصمود أو يُشجع على التحلي به من أفراد لا ينتمون للمجموعة التي يقع عليها الظلم -ليس بشكل مباشر على أي حال- ففي هذا إزاحة للمسؤولية من المتفرج إلى الضحية. يطلب المتفرج من الضحية أن تكون صبورة، وأن تتصرف وفق التصور الذي بناه المتفرجون عنها. «الصورة الخالدة للنضال» تتحول بشكل ما عائقًا أمام تغيير ظروف المُنتهكة حقوقهم، إذ إن ردة الفعل (الصمود) متسقة مع الفعل (الاحتلال، القتل، الأسر، التعذيب والإهانة)، ولا يُوجد بعد أي خَرق يستفز المتفرج للتحرك، أو يستلزم تدخله. والتعود على رؤية الضحية في وضع غير إنساني، رؤيتها كجثة، كجسد منتهك، يُرسخ صورة نمطية، تستديم عدم أنسنتها، وتُؤبد معاناتها. فالأم الفلسطينية سوپر-ماما، والطبيبة باسلة، والأسير لا يُمكن تقويضه.

الموت أهون من الإهانة - هذا ما نؤمن به. الجوع شيء يُمكن احتماله - نتخيل، البرد لدرجة ما، أما أن يُنال منك، أما انتهاك حرمة جسدك، فهذا يفوق الاحتمال. خطاب الصمود، خطابٌ يُطالب الآخرين باحتمال ما لا يُحتمل، ويضع عليهم وزرًا جديدا، فهم إن ضعفوا لوهلة، يأكلهم التخييب. ليس أصعب من رؤية طفلة تقول «أنا خايفة»، إلا سماعها تقول «أنا ما أخاف».

لنحتفظ بالفكرة المجردة «الموت أهون من الإهانة» الآن في بالنا، ولنُفكر بالواقعين تحت التعذيب والتهديد والإنهاك. إنهم يُفكرون على الأغلب: حسنًا سأموت وينتهي كل هذا. أو إذا كانت الفكرة أكثر تفاؤلا: سينتهي هذا، سأنجو، ويكون كأنه لم يحصل أبدا (لا أظن -بعد كل ما رأيناه ونراه يحدث ويشتد شراسة- أن فكرة القصاص تخطر ببالهم حتى). أقول إن المتعرضين للإهانة يُفكرون بهذا، دون أن يُدركوا على الأغلب أن ثمة متفرجا على تجربته، أن ثمة تذكارا وحشيا سيبقى حيّا إلى الأبد (أعني الصورة الملتقطة)، أن أمهاتهم -إن كان قد بقي لهم أمهات وأُخوة- سيتعرفن عليهم، فقط لتُفطر قلوبهن.

مع هذا، ثمة فارق في الصورة التي نتحدث عنها اليوم، مقارنة بصور أبو غريب مثلا. إذ لا ملمح لهذا العار (الذي قُلنا أنه لا يخضع للمنطق). إن ملامحه -على العكس- مرتاحة، وفي حين أن تأملات المتفرجين على صور أبو غريب لا تذهب أبعد من «أرجو ألا أكون مكان الضحايا»، تفتح هذه الصورة أُفقًا جديدا «لا أُريد أن أكون محلّه، لكني إذا ما حدث وكنت، فأُريد أن أكون مثله»، فتُغيّب الخيالات الجديدة الانفعال التلقائي، فلا يرى المتفرجون فيه بعد جسدًا مُهانًا، ويمضون متغنين بالصمود الذي لم يروا مثله.

لنا بالطبع أن نتأمل في أخلاقيات ذلك، لكن هذا يقع خارج إطار اهتمام هذا المقال. ما حاولتُ رصده هو فرادة هذه الصورة، والاستثناء الذي تصنعه بالرغم من تشككي الدائم -بشكل عام- حول خطاب الصمود.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

رغد صدام حسين تُحيي عاشوراء بفيديو نادر لوالدها: الحسين قاتل بـ70 رجلاً

نشرت رغد، ابنة الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، عبر حسابها على منصة “إكس”، فيديو لوالدها يتحدث فيه عن الإمام الحسين عليه السلام في ذكرى عاشوراء لعام 2025، مصحوبًا بتعليق يؤكد فيه على رمز الصمود والتضحية للإمام الحسين.

وجاء في تدوينة رغد: “الإمام الحسين عليه السلام هو رمز الصمود والتضحية، الذي واجه الظلم والطغيان بقلوب مؤمنة مع سبعين رجلاً فقط.. عظم الله أجرنا وأجركم في ذكرى استشهاد جدنا الإمام الحسين، ونسأل الله عز وجل أن يثبتنا وإياكم على طريق الحق والعدل”.

وفي الفيديو، يقول صدام حسين: “أنتم ليش حساسين من أن تسموا الأمور بأسمائها؟ سكود روسي، أما هذا صاروخ عراقي واسمه الحسين وعندنا أخو العباس. بعدين الاختصاصيين حساسين من هذا الاسم، لكن هم يعرفون لأن اسم الحسين يذكر بأن الحسين هو جدنا قاتل الانحراف والجور بـ70 رجل. فكيف إحنا الذين نملك الملايين الآن لا نقاتل الانحراف والجور؟”

وأضاف: “بهذه الحساسية، من يذكر اسم الحسين سيذكر أنه قاتل الجور بـ70 واحد، وبالتالي يتذكرون العراقيين الآن وهم من 18 مليون، حتماً سيكونون قادرين يقاتلوا إلى ما لا نهاية، حتى ينتصر الحق على الباطل. هل تعرف هذه الحقائق؟”

يُذكر أن الفيديو جاء في سياق ذكرى عاشوراء، التي تحل في العاشر من محرم، وهي مناسبة دينية تمثل استذكارًا لاستشهاد الإمام الحسين بن علي في معركة كربلاء، ويرمز الحسين في الثقافة الإسلامية إلى مقاومة الظلم والفساد.

الإمام الحسين عليه السلام هو رمز الصمود والتضحية، الذي واجه الظلم والطغيان بقلوب مؤمنة مع سبعين رجلاً فقط.
عظم الله أجرنا وأجركم في ذكرى استشهاد جدنا الإمام الحسين، ونسأل الله عز وجل أن يثبتنا وإياكم على طريق الحق والعدل.#رغد_صدام_حسين pic.twitter.com/I740zs04CR

— رغد صدام حسين (@RghadSaddam) July 5, 2025

مقالات مشابهة

  • قيادة الأمن الداخلي في محافظة اللاذقية بالتعاون مع مجموعة من الفرقة 50 التابعة لوزارة الدفاع تلقي القبض على العقيد المجرم عمار محمد عمار، أحد مجرمي الحرب العاملين في ما يسمى “جهاز أمن الدولة” زمن النظام البائد، والذي عمل في فرع “الخطيب&#
  • إيفاد والاتحاد الأوروبي يطلقان مبادرة جديدة بقيمة 4.26 مليون يورو
  • دورة تكوينية لفائدة الأطباء الشرعيين حول بروتوكول إسطنبول لتعزيز مكافحة التعذيب
  • هيهات منا الذلة .. اليمن يستحضر كربلاء في معركة الصمود ومواجهة الطغاة
  • مأساة في الفيوم.. مصرع طفل على يد والده بعد 3 أيام من التعذيب الوحشي
  • صور| فيضانات تكساس تسجل الضحية الـ50.. ومخاوف من موجة أمطار جديدة
  • جثة فتاة داخل جوال تهز أبو النمرس تحقيقات موسعة لكشف القاتل وهوية الضحية
  • الصورة التي أربكت العلماء.. «الشبح الأحمر» يظهر بوضوح في الفضاء!
  • رغد صدام حسين تُحيي عاشوراء بفيديو نادر لوالدها: الحسين قاتل بـ70 رجلاً
  • خطاب الإنقاذ والنهضة