صدى البلد:
2025-10-15@18:49:52 GMT

كريمة أبو العينين تكتب: حصاد القهر

تاريخ النشر: 18th, February 2024 GMT

فى واحدة من روائع الأدب الروسى، يتحدث البطل إلى أجساد عائلته التى قتلها الجوع الناجم عن الحصار الغاشم على بلدته المناضلة من أجل الحرية، فيقول لهم: “بالأمس كنا معا نقتسم كل شىء، حتى الحزن كنا نوزعه على ستة أفراد، والآن أصبح الحزن من نصيبى أنا فقط، فهل أستطيع أن أتحمل هذا الميراث القاسى”!!!!

هذه الكلمات تتشابه كثيرا مع ما نراه ونعيشه مع أهل غزة الذين يعانون جبروت وغطرسة النازيين الجدد الذين استحلوا دماء أهل غزة وقتلوا أطفالها ونساءها ونكلوا بالأحياء منهم.

المشاهد المتوالية من غزة رغم قسوتها، إلا أنها تؤكد أن المقاومة الفلسطينية وصلت لمرحلة اللاعودة، وذلك مثلها مثل كل حركات التحرر والاستقلال، والتاريخ خير شاهد،  وما أشبه الليلة بالبارحة، ففى شمال أفريقيا مثال  واضح على الإصرار الجزائرى على مواصلة طريق الكفاح والمقاومة فى وجه أعنف قوى استعمارية حينذاك "الاحتلال الفرنسى" الذى جثم على صدر أبناء الجزائر العظماء لأكثر من قرن واقترب من قرن ونصف، ومارس ضد الشعب الجزائري العنيد جميع أنواع الهمجية والعنف والقتل، والاستعباد والذل، لدرجة أن المستعمر كان يتفنن فى التعذيب ويقطع رؤوس المجاهدين أمام ذويهم ويرسلها إلى باريس لتجمعها فى متاحفها كرمز لقوتها وجبروتها.

تاريخ طويل من العنف قابله إصرار على الحرية مهما كان الثمن، وكان الثمن غاليا جدا؛ قرابة المليونى شهيد دفعوا فاتورة حرية الجزائر واستقلالها فى ستينيات القرن الماضى.

الجزائريون وصل بهم العنف والاحتلال والقسوة إلى نقطة اللاعودة، وأصروا على مواصلة طريق الحرية المعبق بدماء الشهداء والوطنيين. 

نموذج الوطنية الحزائرية يقترب بكثير بل يكاد يتطابق مع التجربة الفلسطينية من المعاناة والألم والذل؛ فعلى مدى أكثر من سبعة عقود، ذاق الفلسطينيون كل أنواع الألم والقهر ؛ وتجرعوا مرارة الفقد والخذلان من القريب قبل البعيد، سمعوا من يعايرهم ويتهمهم ببيع وطنهم، تحملوا مرارة أن يتجنسوا بجنسيات أخرى من أجل مواصلة الحياة، رضوا بالعيش أو اضطروا للتعايش تحت قبضة احتلال غاشم تعامل معهم معاملة العبيد إن لم يكن أسوأ.

سلبت منهم ممتلكاتهم على مرأى ومسمع منهم ومن العالم الأصم، أصبحوا أغرابا على أرضهم، منزوعي الحياة على الرغم من وجود أرواح فى أجسامهم.

الفلسطينى ذاق طعم القهر وهو مقيد الحركة فى بلده، لا يستطيع أن يمارس أبسط وسائل الاستمتاع بما فى بلده، وأن يتنقل من مكان لآخر لأن سلطات الاحتلال قيدته بسلسلة كبيرة من التصريحات ومن الطرق الطويلة الملتفة والجدران العالية التى تجعل تنقله من مكان إلى مكان مجاور لسكنه دربا من دروب الإعجاز العلمى.

وزادت عليه بتسليط المستوطنين أو المجرمين المتعطشين للدماء على أبناء الضفة المحتلة وجميع مدن فلسطين، فأصبح المستوطن يصب جام غضبه مدعوما بالطبع بالقوة العسكرية الإسرائيلية، ويواصلون كلهم انتهاك إنسانية الفلسطينى، وحدث ولا حرج عن حملات الاعتقالات والمداهمات المحمومة على الفلسطينيين، وزجهم فى السجون بلا محاكمات، وإن تمت المحاكمة؛ فلك أن تتأكد من مقولة أن القاضى هو الخصم، فبماذا سيحكم على من صنف بالمذنب فى محكمة إسرائيلية خصومها حكامها!

اتسعت رقعة القهر وامتدت لتبتلع معها قطاع غزة ويتم حصاره لما يقرب من عقدين، ولم يتحرك أحد لفك حصاره ولا إنقاذه من الغشم والغطرسة الإسرائيلية، بل إن الكل تعامل معه أسوة بإخوته فى الضفة المحتلة. 

القهر والخذلان والألم متواصلين متشابكي الأيادى حتى وصلت كل الإرهاصات إلى مرحلة "اللاعودة"، تلك المرحلة التى يقول عنها التاريخ إنها أشبه بأن تزج بمواطن من مكانه وتدفعه دفعا إلى الحائط، وكلما أطبقت حصارك عليه كلما زاد ألمه ليصل إلى مرحلة تعرف بـ"قاتل أو مقتول"، تلك المرحلة التى يصل فيها الألم إلى منتهاه والموت يمثل النجاة من العذاب.

ولكن الموت هنا لا بد أن يكون موتا شريفا، وهذا ما سيحدث لأى مقاوم، لن يفكر فى نهايته ولكنه يريد وضع وصناعة بداية مشرفة لنسله ولشعبه ولوطنه.

ما يحدث فى غزة والأراضي المحتلة ليس إلا "حصاد القهر"، إذا نحينا جانبا عبارات المقاومة والدفاع وغيرها من المصطلحات الرنانة، فسنوات الذل والاستعباد تجمعت فى جملة من كلمتين "حصاد القهر "، وهو حصاد مرير لن يتراجع أبناء غزة بصفة عامة والمقاومة بصفة خاصة عن إفراز آثاره وآلامه لمن أذاقوهم هذا الطعم المحزن المؤلم لسنوات طوال.

ومهما كانت النتائج، فلن يعود الوضع كما كان عليه لعقود فى الأراضى المحتلة بل وفى العالم أجمع، فما صنعته المقاومة فى شهورها الأربع ونيف غير وجه وملامح العالم كله ولم تعد إسرائيل كما كانت عليه من قبل، ولم يعد الغرب، وأقصد الشعوب وليس الحكومات، كما كانوا على جهلهم وتصديقهم للكيان الإسرائيلى بأنه واحة الديمقراطية وسط غوغاء قتلة لا يحبون تل أبيب ويحاولون إن استطاعوا افتراسها.

العالم كله سيتغير وسيظهر جيل جديد يرى غير الذى اعتاده وسيفعل أشياء تغير هى الأخرى الترتيب الدولى والخريطة العالمية.

الوضع إقليميا وعالميا سيتجه اتجاها آخر،  وسيوجد مفهوم جديد يؤيد الحق ويساعد أصحاب الحقوق على استعادة ما سلب منهم قسرا وعنفا وغصبا. 

نحن على مشارف مرحلة أخرى من تاريخ المجتمع الدولى الحديث سيكون فيها تغيير تشيب له رؤس الاطفال وينتهى فيه سلطان دول قامت على عظام  أناس مسلوبي الحق وباحثين عن حقيقة تعيد إليهم حقوقهم، سيتحدثون بلغة جديدة سطر معانيها جملة يختتم بها المقاومون حديثهم “إنه جهاد.. نصر أو استشهاد”.

المصدر: صدى البلد

إقرأ أيضاً:

شِبِعنا مقاومة.. ولطم فى الجنائز!

فى عام 1945 كان معظم دول العالم خارجة من الحرب العالمية الثانية وتستعد لإعادة البناء.. بينما مصر كانت الدولة الوحيدة فى العالم التى تبدأ حربًا لم تنتهِ حتى الآن!

تخيلوا.. لو أن دولة بحجم مصر، بموقعها، وبإمكانياتها وبشعبها، بالإضافة إلى تاريخها الحضارى والثقافى والفنى.. لم تضطر إلى الدخول فى حروب متتالية لمدة 78 عامًا، ولا أن تكون على خط المواجهة مع عدو من سنة 1947 وحتى الآن.. كيف كان وضعها بين الأمم المتقدمة؟!

وللأسف كان توقيت دخول مصر فى حروب مثل 48 و56 و67 و73 من الأوقات السيئة.. ففى اللحظة التى كانت فيها شعوب ودول كثيرة فى أوروبا وآسيا تحاول النهوض والوقوف على أرجلها من دمار الحرب العالمية الثانية، وتنفض عنها غبار المعارك لتلحق بركب الحضارة والتقدم وتعيد بناء كل شىء.. كانت مصر هى الدولة الوحيدة فى العالم تقريبا التى تبدأ حربًا جديدة فى فلسطين.. لم تتوقف حتى الآن!

نعم حتى الآن.. وقبل ساعات من اتفاق إنهاء الحرب فى غزة الأخير كانت وما زالت مصر تبذل جهودًا وأموالًا ووقتًا لإيجاد حلول للقضية الفلسطينية مع إسرائيل، وكذلك إيجاد حلول للانقسام الفلسطينى الفلسطينى.. ومن قبل دفعت مصر من مستقبلها وتقدمها الكثير على مدى السنوات الماضية بسبب الانقسام العربى العربى.. وهو ما أدى إلى استنزاف طاقة وجهد مصر لمعالجة واحتواء مغامرات مثل غزو الكويت وغيرها!

وفى كل ذلك كانت مصر طرفًا أساسيا ورئيسيا، بل وأكثر الأطراف التى تبذل المال والدم وتضيع عليها عشرات الفرص المهدرة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، حيث كان يتشكل عالم جديد يسمح بنهوض الدول ومساعدتها على التقدم وكانت مصر أكثر الدول مرشحة إلى ذلك لكن للأسف قيادات ثورة يوليو 52 لم يستوعبوا اللحظة التاريخية المفصلية فى تاريخ العالم ومصر ودخلوا فى عداء مع العالم الجديد بنفس أساليب العداء مع العالم القديم!

إن دولًا مثل اليابان، وكوريا الجنوبية، وماليزيا، وسنغافورة الصين استغلوا هذه الفرصة وانطلقوا بعد التخلص من أعباء وويلات الحرب العالمية الثانية نحو النهضة الشاملة ببلادهم وشعوبهم.. وقامت أمريكا باعتبارها القوة العظمى الجديدة بمساعدة الدول التى تحالفت معها فى الحرب بمشروع مارشال عام 1948، بقيمة 13 مليار دولار، لترميم المدن، وإحياء الصناعة، ودفع عجلة الاقتصاد وهو نفس العام الذى بدأت مصر حروبها فى فلسطين!

وبدلًا من أن تحارب مصر فى ذلك الوقت على جبهات التعليم والاقتصاد والصناعة والبحث العلمى لتتقدم وتنهض من استعمار إنجليزى استمر 70 عامًا، ومن حكم ورثة الوالى محمد على الذين استنزفوا ثرواتها وجعلوها مديونة لقطاع طرق أوروبا من حكومات وبنوك، دخلت فى حرب تلو الحرب.. وعندما حققت انتصارها العظيم فى أكتوبر 73 وكان يجب أن تكون آخر الحروب، والبدء فى معارك على جبهات أخرى مثل التعليم والصحة والاقتصاد والصناعة والتجارة استمرت تتحمل مسؤولياتها العربية تجاه القضية الفلسطينية بينما أصحاب القضية استمروا يحاربون بعضهم البعض فترة، أو يحاربون إسرائيل بالوكالة عن دولة أخرى فترة.. وما بينهما يتذكرون مقاومة المحتل!

فمتى مصر تنتهى من فكر المقاومة والصمود والتصدى وحالة الحرب التى غرقنا فيها عشرات السنين ولا صوت يعلو فوق صوت المعركة.. وتتعامل مع فكر مقاومة التخلف الحضارى والتعليمى والعلمى، وتعلو أصواتنا فى علوم التكنولوجيا والذكاء الاصطناعى والتقنيات المتطورة.. فقد شبعنا لطم فى الجنائز وقلوبنا تكسرت على عجائزنا.. وعجزنا!

 

[email protected]

مقالات مشابهة

  • "مكتب الأسرى": أوضاع الأسرى في الصفقة الثالثة مأساوية بعد سنوات من القهر والتعذيب
  • الرأس الأخضر تكتب التاريخ.. ثاني أصغر دولة من حيث عدد السكان تتأهل إلى كأس العالم
  • شِبِعنا مقاومة.. ولطم فى الجنائز!
  • الكرة العربية تكتب التاريخ.. 7 منتخبات في المونديال وفرصة أخيرة للإمارات والعراق
  • استشهاد مواطن باعتداء الاحتلال عليه في الرام بالقدس
  • الصين تكتب فصلًا جديدًا في رحلة تمكين المرأة العالمية
  • الرأس الأخصر تكتب قصة خيالية بالمونديال.. هكذا التهم القرش الأزرق كبار أفريقيا
  • «كاب فيردي» تكتب التاريخ وتبلغ كأس العالم 2026
  • نائبة: قمة شرم الشيخ تكتب فصلا جديدا من السلام.. ومصر الضامن لأمن المنطقة
  • 29 ميدالية حصاد منتخبنا في كأس العالم للكيك بوكسينج