أحمد شمس الدين الحجاجى.. سيرة بطل شعبى
تاريخ النشر: 18th, February 2024 GMT
نموذج متفرد للتنوع الثقافىعشق العربية وارتبط بالمأثورات الشعبية
كتب الشعر والرواية والنقد والسيرة الذاتية
قرأ لمحفوظ ولم يوفق فى تقليده
فى «طيبة» عاصمة مصر القديمة، كان منشأه، فجاور عظمة الآباء وتفتح وعيه على حضارة الأجداد، فصار لقربه من معبدالأقصر، أثره الواضح فى تشكيل ثقافته وعمق دراسته.
عاش فى الأقصر ذات التاريخ والحكايات والأساطير والتنوع الثقافى والمعرفى، التى من خصائصها التعايش الدينى والحضارى، حتى صار أنموذجاً للمثقف الواسع الاطلاع، الرقيق الطبع، المتدفق الحس والخيال، مما برز معه اهتمامه الواسع بالأدب الشعبى، فكان واحداً من أبرز أساتذته، ومن هنا خرج هذا الأنموذج المتفرد المستخلص من هذه الثقافات، وأضاف إليها أصالة أسرته ومكانتها العلمية فى الأقصر، فهو من أسرة (الحجاجى) ذات التاريخ والمعرفة العلمية فى منطقته، فبزغ أسلوبه وانعكس فى تعامله مع الناس من ناحية، كما استثمر المكان ووعيه بحكاياته وأساطيره وتراثه فى أعماله الإبداعية من ناحية أخرى، فكان منها أبرز أعماله الإبداعية، وهى رواية (سيرة الشيخ نور الدين).
إنه العلامة الكبير د.أحمد شمس الدين الحجاجى، الذى رحل عن عالمنا منذ أيام، والمولود فى عام 1934م، تلقى تعليمه الأولى بمدارس بلدته حتى أتمت دراسته الثانوية، ثم سافر إلى القاهرة، والتحق بقسم اللغة العربية وآدابها بكلية الآداب بجامعة القاهرة، ولم يكن اختياره للغة العربية ببعيد عنه أو عن أسرته؛ لأن والده (شمس الدين) كان قد اختارها، وكذلك أخوه (كمال الدين)، وقد تخرجا فى كلية اللغة العربية بالأزهر الشريف، إلا أنه التحق بجامعة القاهرة ذات الطابع الحداثى، عام 1955م، ودرس على أيدى كبار أساتذتها، أمثال: طه حسين، وسهير القلماوى، وعبدالحميد يونس، وشوقى ضيف، ومحمد كامل حسين، وشكرى عياد، وغيرهم. وبذلك اختلف عن أبيه وأخيه، بل تميز عنهما بمواصلته للدراسات العليا، فحصل على الماجستير (فى النقد المسرحى فى مصر) عام 1965م، ثم حصل على الدكتوراه عن أطروحته (الأسطورة فى المسرح المصرى المعاصر) عام 1973م بإشراف الاستاذة القديرة د.سهير القلماوى.
* دراسته للعربية وتدريسه لها
عمل الدكتور أحمد الحجاجى فى تدريس اللغة العربية والأدب العربى فى بلده مصر بعد عودته من أمريكا فى الثمانينيات. ولم يقتصر تدريسه للغة العربية وآدابها على مصر وحدها، بل امتد نشاطه التعليمى إلى أمريكا، وسلطنة بروناى، والسعودية، والإمارات، وكوريا التى عمل فيها استاذاً زائراً فى جامعة (هانكوك) للدراسات الأجنبية فى (سيول)، وبقى فيها عاماً، ثم سافر من هناك إلى أمريكا، وعمل فى تعليم اللغة العربية والأدب العربى والأديان المقارنة فى جامعات عديدة كجامعة (نورث كارولينا)، وجامعة (أبليكانت)، وجامعة (ويسكونسن بماديسون)، وظل يدرس فى جامعات أمريكا أكثر من عشرين عاماً، ثم عاد إلى وطنه ليدرس اللغة العربية والنقد والأدب الشعبى والمسرح فى المعهد العالى للفنون المسرحية، والجامعة الأمريكية، وجامعة القاهرة. وفى عامى 1993و1994م عمل أستاذاً زائراً فى المعهد العالى للدراسات الإسلامية بوزارة الشئون الدينية ببروناى دار السلام. وخلال عمله فى تلك الجامعات أشرف على عددٍ كبيرٍ من رسائل الماجستير والدكتوراه، وتخرج على يديه مئات من الباحثين. وقد أشرف على تنظيم الدورات اللغوية المكثفة للطلاب البروناويين الذين التحقوا بجامعة الأزهر، كما ظهرت جهوده عموماً فى تعليم اللغة العربية لطلاب شرق آسيا.
* محفوظ والمحاولات الأولى
وعن دراسته للعربية وإرهاصات إبداعه، كان له تصريح أكد فيه أن والده كان عالماً كبيراً، وكان مثلاً أعلى بالنسبة له، لافتاً إلى أنه كان فى شبابه يكتب الشعر، إلا أنه انصاع لأوامر والده بعدم الاستمرار فى الشعر لأنه لم يستطع أن يكون الأول فى هذا المجال، «بعديها اتجهت لكتابه الرواية، وكان رأيه فى كتاباتى غير رأيه فى الشعر».
بدايات قراءاته كانت لنجيب محفوظ فى فترة المرحلة الثانوية، وسعى أن يؤلف كتابات على غرار ما يكتبه الكاتب الراحل ولكنه لم يستطع، «كنت بقرا للكاتب الكبير نجيب محفوظ، واخترت دراسة اللغة العربية فى فترة الكلية».
* ارتباطه بالمأثورات الشعبية
ارتبط أيما ارتباط بالمأثورات الشعبية والدراسات الأدبية المتعلقة بها، وهو فى حواراته وحديثه يكثر التركيز على الربط بينها وبين الآداب العربية الفصيحة؛ إذ يرى أنها من مشكاة واحدة، بل إن الأدب الشعبى فى كثير من قضاياه يفوقها عمقاً ودلالة، وربما فسر ذلك ربطه المستمر بينهما فى مؤلفاته وأبحاثه.
فكان له برنامج بعنوان (الفن الشعبى) يجلى فيه هذه الفنون، ويعرض للسيرة الهلالية بالحوار مع أحد رواتها الحافظين، ومنهم: (محمد اليمنى)، وقد أذيع فى التليفزيون المصرى، ويمكن البحث عنه ضمن ذاكرة (ماسبيرو).
كما تجلى ولعه بهذا الفن فى كتاباته، مثل كتابه (مولد البطل فى السيرة الشعبية)، وقد درس فيه السير الشعبية جميعها، واستخلص منها ملامح مولد البطل، وكأنه قد وصل إلى معرفة جامعة لما يربط السيرة الشعبية بأهم روابطها المشتركة فى الخيال الشعبى، وفى طريقة بناء السيرة ذاتها؛ حيث يكون مولد البطل علامة مهمة فى بناء السيرة وأحداثها وشخصياتها، ثم كان له الجهد العلمى المتتابع فى هذا الميدان؛ فتناول معلماً آخر فى السيرة الشعبية، وهى (النبوءة، أو، قدر البطل فى السير الشعبية العربية) فالنبوءة ليست مجرد حدث عابر فى بناء السيرة، بل عدها بنية ركيزة فى السير الشعبية لا تخلو منها أى سيرة، ومن هنا كان كتابه مؤكداً تأملاته العميقة فى معايشة السيرة الشعبية والخوض فيها، وهو بذلك يتلمس جوانب ذكيةً ودقيقةً فى تلك السير تدل على حس معرفى ومنهج نقدى.
وعن ذلك قال فى أحد لقاءاته: «وأنا بدرس فى أمريكا قدمت طلب إنى أدرس السير الشعبية، ووافقوا على منحة أعملها وبيها لفيت مصر كلها علشان أكتب السير الشعبية، وحتى الآن السيرة الشعبية الخاصة بوالدى لم تنته من ذاكرتى حتى الآن».
مؤكداً أن التراث المصرى ملىء بالملاحم الشعبية والأشهر فيما بينهم السيرة الهلالية، وهى حقيقية ويوجد بها أكثر من 20 عائلة، «متقدرش تقول لحد منهم إنت ملكش جد، هتكون بتنزع نسبه، والهلالية فى الأقصر عائلات، ولو قلت لهم جدكم مش أبى زيد الهلالى يبقى بتهينهم»، فقد سافر الهلالية إلى المغرب وعملوا بها، وبعد ذلك عاد عدد منهم من هناك إلى مصر وحكوا السيرة الهلالية، «فيه منهم فى الحروب اتهزمت ومنهم اللى متهزمش، والكاتب الكبير ابن خلدون كتب عنهم كتير».
* نماذج من إبداعاته:
رحل عنا لكنه ترك إرثاً كبيراً من المقالات والكتب المتعددة فى مختلف المجالات منها النقد الأدبى والمسرح، منها: الأسطورة فى المسرح المصرى المعاصر، فى قواعد اللغة العربية، الأسطورة فى الأدب العربى، مولد البطل فى السيرة الشعبية، النبوءة، أو قدر البطل فى السير الشعبية العربية.
وحصل على جائزة الدولة التقديرية فى الآداب عام ٢٠١٠
* رواية «سيرة الشيخ نورالدين»:
نالت روايته قبولاً كبيراً فى الأوساط الأدبية، وقد اختيرت ضمن أفضل مائة رواية فى القرن العشرين، وتم تحويلها فيما بعد إلى مسلسل تليفزيونى بعنوان «درب الطيب»، طبعتها الهيئة المصرية العامة للكتاب، عام 1987م، (وأعاد المجلس الأعلى للثقافة طباعتها عام 2002م). هذه الرواية نشرت فى عام 1985م فى حلقات فى مجلة القاهرة، ثم نشرت مجموعةً فى كتاب فى العام التالى 1986م، وتضم الرواية (22 فصلاً)،
وتحكى عن الأيام الأخيرة فى حياة شيخ من الأقصر، اكتسب المشيخة بالوراثة والدراسة، واكتسب معها التقاليد العربية الإسلامية للصعيد، فصار بطلا جمع المجد والشرف والقوة والحكمة والعلم، مما مكنه أن يظهر الجوانب المدهشة للحياة حين يحكمها الإسلام،. وتتضمن حوادث من حياة مؤلفها التى مرت به فى مدينتى الأقصر والقاهرة، وتمثله شخصية «محمود» الراوى، وحياة أسرته، وعائلته (الحجاجية)، فالرواية فى أساسها سيرة ذاتية لمؤلفها ولوالده معاً، وقد وضعت فى قالب السيرة الشعبية، أوهى بعبارة أخرى مزيج بديع متقن من السيرة الذاتية والسيرة الشعبية.
ومن مؤلفاته نتناول:
*(صانع الأسطورة الطيب صالح): وطبعته الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1990م، وهى دراسة لدور الأسطورة فى أعماله: (عرس الزين، ومريود، وبندرشاه (ضوء البيت)، ودومة ود حامد).
يرى الدكتور الحجاجى أن الطيب صالح قد استخدم الأسطورة المعيشة فى الواقع السودانى، وبنى عليها أعماله الروائية، ورسم من خلالها الأسطورة بكل أبعادها، فكان بجمعه لجزئيات الأسطورة الشعبية فى وحدة متناسقة صانعاً لها. ويعد هذا الكتاب محاولة جادة لدراسة الأسطورة فى الأنواع الأدبية الشفاهية والمكتوبة. وقد صدر فى طبعة ثانية عن المجلس الأعلى للثقافة، عام 2019م.
* (الأسطورة فى الأدب العربي): طبعته دار الهلال، 1983م. وفيه درس أسطورة الخلق الفنى فى الأدب العربى، وقد قسم الكتاب إلى مدخل، وبابين. حاول فى المدخل توثيق مادة هؤلاء الشعراء من الأعمال المدونة فى العصر العباسى محاولاً التعرف على شكلها الشعبى. وخص الباب الأول للأعمال المكتوبة نثراً، وقد قسمه إلى فصلين، فصل خاص بالمقامة الأسودية، والمقامة الإبليسية لبديع الزمان الهمذانى. والفصل الثانى دراسة لرسالة التوابع والزوابع لابن شهيد. أما الباب الثانى فدراسة لأسطورة الخلق الفنى فى الأعمال الشعرية، وقسمه إلى فصلين، الفصل الأول دراسة لقصيدة الحكم بن عمرو البهرانى، والفصل الثانى دراسة لمسرحية مجنون ليلى لأحمد شوقى.
وأعيدت طباعته بعنوان (تجليات أسطورة الخلق الفنى فى الأدب العربى) صدر عن الهيئة العامة المصرية للكتاب، 2016م.
رحم الله العلامة القدير أحمد شمس الدين الحجاجى، الذى غادرنا فى الثالث عشر من فبراير الحالى، وأبقى شمس إبداعه وضاءة لا تغيب.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: طيبة السیرة الشعبیة اللغة العربیة الأدب العربى شمس الدین فى الأدب
إقرأ أيضاً:
حاكم الشارقة يتسلم تكريماً خاصاً من «اليونسكو» بمناسبة إنجاز المعجم التاريخي للغة العربية وإدراجه في مكتبتها
تسلم صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى، حاكم الشارقة، تكريماً خاصاً من منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة «اليونسكو»، وذلك بمناسبة إنجاز المعجم التاريخي للغة العربية، وإدراج المعجم رسمياً في مكتبة «اليونسكو».
جاء ذلك خلال حفل رسمي أقيم في مقر «اليونسكو» بالعاصمة الفرنسية باريس تحت شعار «اللغة العربية: جسر بين التراث والمعرفة»، بحضور سمو الشيخة جواهر بنت محمد القاسمي، قرينة صاحب السمو حاكم الشارقة رئيسة المجلس الأعلى لشؤون الأسرة، والشيخة بدور بنت سلطان القاسمي، رئيسة مجلس إدارة هيئة الشارقة للكتاب.
وكان في استقبال سموه، لدى وصوله إلى مقر المنظمة، كل من: معالي أودري أزولاي، المديرة العامة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة «اليونسكو»، وسعادة فهد سعيد الرقباني، سفير دولة الإمارات لدى فرنسا، وعبدالله بن محمد العويس، رئيس دائرة الثقافة، وجمال الطريفي، رئيس الجامعة القاسمية، وأحمد بن ركاض العامري، الرئيس التنفيذي لهيئة الشارقة للكتاب، وعلي الحاج آل علي، المندوب الدائم للدولة لدى «اليونسكو»، ومحمد حسن خلف، مدير عام هيئة الشارقة للإذاعة والتلفزيون، وطارق سعيد علاي، مدير عام المكتب الإعلامي لحكومة الشارقة، إلى جانب سفراء الدول العربية المندوبين لدى «اليونسكو».
وألقى صاحب السمو حاكم الشارقة كلمة خلال الحفل، قال فيها: «يشرّفني أن أقف بينكم اليوم في هذا المقام الثقافي الرفيع، في منظمة اليونسكو التي نُجِلُّ رسالتها النبيلة، ونعتز بشراكتها المثمرة، لنحتفي معا بإنجاز علمي وثقافي رائد، ألا وهو المعجم التاريخي للغة العربية، وما يزيد هذه اللحظة رمزية وعمقاً، أنها تتزامن مع اليوم العالمي للتنوع الثقافي للحوار والتنمية، هذا اليوم الذي أقرّته منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة، ليكون مناسبة سنوية لتعزيز التفاهم والاحترام المتبادل بين الثقافات، وترسيخ التقارب الإنساني».
وأكد سموه أن اللغة هي الوعاء الأول للثقافة، قائلاً «لا شك أن اللغة أيَّ لغة كانت تعد الوعاء الأول للثقافة، والمعبّر الأصدق عن هوية الشعوب، وحين نحتفي اليوم بالمعجم التاريخي للغة العربية فإنما نكرّم بهذا الاحتفاء عنصراً من عناصر هذا التنوع البشري العظيم، الذي تمثّله اللغة العربية بكل ما تحمل من ثقل حضاري وإشعاع علمي وإنساني».
وحول أهمية المعجم في التأريخ لتطور مفردات اللغة العربية، قال صاحب السمو حاكم الشارقة: «لقد ظلت اللغة العربية على مدى قرون من الزمان، لغة حية نابضة، حملت تراث أمة، واحتضنت علوماً ومعارف لا حصر لها، فهي لسان القرآن الكريم، وأداة التعبير لدى الفلاسفة والعلماء، ووسيلة إبداع الشعراء والمفكرين، وهي إلى يومنا هذا تُواصل أداء رسالتها في ساحات المعرفة، ومع ذلك كله كانت تفتقر إلى مشروع علمي يؤرخ تطور مفرداتها ودلالاتها عبر العصور كما هو في اللغات الأخرى، ومن هنا جاء المعجم التاريخي للغة العربية حلماً تحول إلى مشروع، ومشروعاً صار إنجازاً، بفضل تضافر الجهود، وتكامل الخبرات، وإرادة لا تعرف التراجع».
وأوضح سموه دور الجهات المشاركة في إنجاز المعجم التاريخي، قائلاً: «لقد أشرفت الشارقة من خلال مجمع اللغة العربية فيها، وبالشراكة مع اتحاد المجامع العلمية واللغوية بالقاهرة، والمجامع والمعاهد والمؤسسات اللغوية في العالم العربي، على إنجاز هذا المعجم الذي جاء في مائة وسبعة وعشرين مجلداً، كما ترونها مطبوعة أمامكم والمعجم متوفر في شكله الورقي والإلكتروني، فتحية لمئات الباحثين والمدققين من مختلف الأقطار العربية على جهودهم الكبيرة التي كانت سبباً في هذا الإنجاز».
وأكد سموه أحقية اللغات في الوجود والتطور وعدم اختزالها في لغة واحدة، قائلاً: «إننا حين نعيد للغة العربية تاريخها، ونبرز ملامح تطورها، فإننا في الوقت ذاته نؤكد للعالم أن لكل لغة حقًّا في الوجود والتطور والاحتفاء، وأن العدل الثقافي يقتضي ألا تختزل الإنسانية في لغة واحدة، ولا تختصر حضارات الشعوب في نموذج واحد، فكما أن التنوع البيئي ضمانة لاستمرار الحياة، فإن التنوع الثقافي واللغوي هو الضمانة لاستمرار الإبداع الإنساني وتجدّده».
وأعرب صاحب السمو حاكم الشارقة عن خالص شكره وامتنانه إلى منظمة «اليونسكو» على احتفائها بالمعجم التاريخي للغة العربية، والمشاريع الثقافية المشتركة بين الشارقة والمنظمة، قائلاً سموه «إن احتفاءنا بهذا العمل في رحاب (اليونسكو)، هو رسالة واضحة مفادها أن الثقافة لا تعرف الحدود، وأن الجهد العربي حين يتحقق بإخلاص وبروح جماعية يحظى إنجازه بالتقدير والاحتضان العالمي، وإني من على هذا المنبر أعبر عن بالغ امتناني لمنظمة (اليونسكو)، والدول الأعضاء فيها على إيمانهم العميق بقيمة اللغة العربية، وعلى شراكتهم البناءة معنا في العديد من المبادرات، وفي طليعتها جائزة الشارقة (اليونسكو) للثقافة العربية، التي نرى فيها رمزاً للتلاقي الثقافي بيننا في الشارقة، وبين هذه المنظمة الدولية بكل دولها الأعضاء».
واختتم سموه كلمته قائلاً: «فلنواصل معاً أيها الأصدقاء، لنضع أيدينا بأيدي بعض، ولنعزز الحوار الثقافي بيننا، ولنعمل على صون الإرث الإنساني المشترك، ولنعمل معاً على أن يكون صوت كل ثقافة مسموعاً وكل لغة محترمة، وكل شعب متمسكاً بهويته وثقافته الأصيلة».
وألقت معالي أودري أزولاي، المديرة العامة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة «اليونسكو» كلمة رحبت فيها بصاحب السمو حاكم الشارقة، وأعربت عن سعادتها بزيارة وفد إمارة الشارقة العاصمة العالمية للمعرفة والثقافة، والتي استثمرت ودخلت في مجالات متعددة في قلب صلاحيات «اليونيسكو»، وحصلت على ألقاب واعترافات ثقافية عالمية منها اختيار «اليونسكو» للشارقة عاصمةً عالمية للكتاب في عام 2019م، الذي يأتي تأكيداً على التزام الشارقة بالكتاب والتراث الثقافي والمعرفة والتعددية الثقافية وغيرها.
وأشادت معالي أودري أزولاي برؤية الشارقة بقيادة صاحب السمو حاكم الشارقة التي جعلت من سياساتها كافة مبنية على الثقافة والمعرفة ونظمت مختلف الفعاليات والمهرجانات والمعارض الثرية التي تشمل مختلف مجالات الثقافة والفنون والتاريخ، مشيرة إلى أن هذه المبادرات والفعاليات الثقافية ومنها جائزة الشارقة - «اليونسكو» للثقافة العربية تدعم الحوار بين الثقافات وتجسد العلاقة الراسخة بين الشارقة و«اليونسكو» منذ أكثر من 25 عاماً.
وثمنت المديرة العامة لـ«اليونسكو» مبادرة الشارقة بتوقيع اتفاقية رقمنة أرشيف «اليونسكو» والتي تشكل دعماً كبيراً للحفاظ على الإرث الكبير من الكتب والوثائق وغيرها والتي تعود في عمرها إلى أكثر من 80 عاماً من تاريخ المنظمة الكبير والذي شهد الكثير من الأحداث والمواقف والاتفاقيات والمبادرات.
كما عبرت عن اعتزازها بإنجاز المعجم التاريخي للغة العربية الذي تحقق بمتابعة وإشراف صاحب السمو حاكم الشارقة وعمل عليه مئات الباحثين والمدققين و20 مؤسسة لغوية في العالم العربي، وحصل على شهادة موسوعة «غينيس» كأكبر معجم تاريخي ب 127 مجلداً، وتمت إضافته رسمياً إلى مكتبة «اليونسكو»، ليوفر للمعلمين والباحثين والطلبة وكل من يود تعلم اللغة العربية.
وأوضحت أن اللغة العربية ثرية وقيمة بمحتواها وعلمائها وأدبائها في مختلف المجالات، وهي لغة تتكيف مع العصور وتتطور ويتحدث بها الملايين حول العالم، لافتة إلى وقوفها على كلمة السلام ذات الجذر الثلاثي سين لام ميم في المعجم التاريخي للغة العربية والتي تتشابه في معناها مع اللغات كافة.
وقام صاحب السمو حاكم الشارقة بتوقيع نسخة من المعجم التاريخي للغة العربية وإهدائها إلى منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة «اليونسكو».