دمشق-سانا

يرصد كتاب “نزار قباني أيقونة الحب السورية” بعض الحالات الشعرية في حياة الشاعر نزار قباني والرؤى المختلفة لشعره وأدبه، وفق ما كتبه عدد من الأدباء العرب، جمعها ودرسها الباحث إياد مرشد.

وفي الكتاب، رأى مرشد أن الشعر سفير الإنسان عبر الزمن ويرصد حياة الشعوب، ونزار قباني كان سفير سورية الدائم والحامل لوجعها وألمها وحضارتها ومكامن الجمال فيها، لذلك لن يتوقف الحديث عنه.

ورأى مرشد أن الشاعر قباني قامة شعرية تجاوزت الحدود المرسومة للتساؤلات لا ضفاف لها ولا يؤطر أثرها في الحركة الشعرية فشغل النقاد والإعلام حتى أنه كان ملهما للشعراء نظرا لجمال وغرابة أسلوبه وتجربته الغنية والشاملة.

وبين الباحث مرشد أن قباني شاعر متمرد رفض الواقع والانطواء لأي عباءة، والتزم بالواقع العربي حاملا سيفه الدمشقي ليرفض كل متاهات الخنوع والتطبيع والاحتلال.

وخاض قباني حسب المؤلف كل المواجهات التي تسيء للمجتمع بطرق أدبية وسياسية واجتماعية مختلفة، فغرست قصائده بوجدان الإنسان السوري والعربي نظراً لأنه مثله بكل وفاء وصدق لحد طلب من البرلمان حينها طرده من السلك الدبلوماسي.

وأوضح مرشد أن قباني كان وفيا لارتباطه بدمشق ولوطنه برغم البعد، وكان شاعراً عصرياً عبر عن المرأة وتطلعاتها بشكل منهجي، وتحدث عن الحرية وفك القيود وعن هزائم العرب والأرض العربية وما تتعرض إليه، داعيا للنضال والتحرير.

وفي الكتاب كان قباني ملتصقاً بقضايا الإنسان، وألغى المسافة بين الشاعر والجمهور، وقريباً من الإنسان العربي في عشقه وحياته ومصيره، إضافة إلى أنه كتب كل أشكال الشعر بجدارة.

وجاء في الكتاب عدد من المواضيع التي تناولها الأدباء والنقاد، مثل نزار قباني الحب معاصراً والحب خارجاً عن الزمن لجبرا إبراهيم جبرا، وشعر نزار قباني وثيقة اجتماعية مهمة لسلمى الخضراء الجيوسي، وسلالات نزار قباني لعبد الكريم حسن، وحوار اللغة والصورة عند نزار قباني لنذير العظمة وغيرها.

واعتمد مرشد الشمولية في الانتقاء والدقة والمنهجية في كتابه الصادر عن الهيئة العامة السورية للكتاب، والذي يقع في 360 صفحة من القطع الكبير.

محمد خالد الخضر

المصدر: الوكالة العربية السورية للأنباء

كلمات دلالية: نزار قبانی

إقرأ أيضاً:

أعلنت الاستسلام

عامر السعيدي

منذ زعمت أنني شاعر، أحاول أن أحفظ شرف القصيدة وأصونه كما يليق بشاعر دعته الكرامة فنهض لها شأن الفرسان، واستعاذ به الناس فأعاذهم من الركوع والمهالك والضياع، وقام فيهم كما يقوم الأحرار، لا فائضا على الصبح، ولا مفتونا بالعتمة، ولا ناقصا في الميزان، ولا مبهورا بالبريق والذهب.

أُصغي إلى ما في ضميري من طهر، قبل أن أصعد في المعنى والنزف، وقبل أن أقف أعلى الجبل، أغسل خطاي من كل احتمالات الوحل والهراء.

على أن السُبُل لا تخلو من لوثةٍ أو شوك، كما لا يخلو يقين السالكين من تجديفٍ أو خطأ.

أما وقد ذهبت فيما ذهب فيه الواثق بسلامة المسلك، فلا أحيد عن الهدف، ولا أنظر في القاع، ولا أكترث بالنباح، ولا أسقط في الهزيمة، ولا أخاف على الزرع من الظمأ ولا على الثمر من الكساد أو الزهو.

وفي ما يشبه غربة الرسل، أجاهد الوحشة، وأستأنس بما في القلب من فيض وغفران، وفي ما عندي من شك، أتلمس الشموس وأُحاكم الأسئلة والبراهين، غير قانعٍ بقليل، ولا مستكثرٍ من يأس أو ندامة.

أما في مُصلى الحكمة والصبر والفداء، حيث يملأ الشاعر أغانيه بالحب، ويفيض على ليالي العارفين والحمقى سكينةً واطمئناناً، فإنني؛ وبسخاء الشمس حين تسكب القهوة للبشر والكلاب على سواء، لا أمنع خبز الكرامة عن جائع ولا مُتخم، ولا أُفرّق في السُّقيا بين أحمق ولا فيلسوف، ولا أمنع العقارب ما أمنحهُ للقطط والعصافير، فالشاعر هطولٌ حُرٌّ وقمرٌ مشاع.

وبالمطلق؛ يصعد الشاعر في أعاليه حيث لا شيء أعلى، تأخذه روحه إلى البعيد حيث لا أحد إلا هو والصدى، يتركه حزنه وحيدا في اللظى وينساه، تحمله معانيه وتركض في المستحيل حتى لكأنه منذور للتعب والضياع ومجبول على الخلق والتحليق، غائب في الحضور، حاضر في الغياب، حافل بالعناء، موغل في السفر، فلا هو ارتاح ولا أراح، ولا هو انتهى ولا بدأ، ولا هو عاد ولا وصل.

أما في الأسفل، أعني في القاع تماما، حيث ينزل الشاعر من البرج، ويتساوى كل الناس في الطين والماء والسخافة، فلا بد أن تصل إلى رغبتك الحتمية في الاحتماء بالعزلة، لعلك تحفظ ظهرك من الطعنات اللئيمة، وقلبك من حجارة الأصدقاء والمجانين والأعداء، وحزنك من الانطفاء، فحين ينطفىء الحزن يموت الشاعر وإن عاش ألف عام، وفي تلك الوهاد السحيقة من الحياة، تضطرك الخيبات واليأس، إلى إعلان هزيمتك واستسلامك أمام الصخب والحرب والرياح والبشر، إذ ليس بوسعك أن تحارب عن الحطام الذي لا يتحرك إلى لكي يسقط على ما تبقى منك ويطمرك مع رغبتك في سلامته ثم يجلس على جثتك ويسخر من الغبار ومن همودك وسكون جسدك المثخن، وذلك بالضرورة مصير كل من نذر أيامه لافتداء الهلام وإنقاذ درب التبانة من الانحناء والخجل.

وبالنتيجة، عليك أن تتعايش مع هزيمتك وتنسحب إلى هامشٍ ضئيل ومنسي في أقاصيك البعيدة عن الشماتة والشفقة، لعله يكفي لأن تقف وتنظر فيما حولك من هراء وتبصق، في غير مبالاة ولا اكتراث بأحد، حتى بك أنت.

لقد كان بوسعي أن أدلق ماء كرامتي على الطريق، وأغدق الطارئين بالمديح، وأفتح خزائني للعطايا والهبات والسلامة، لكنني اخترت الوقوف وحيدا والحرب من أجل من لا يقفون مع أنفسهم، وقاومت حتى سقط طول قامتي على نفسه وانكسرت كآنية الزجاج..

وهنا تحديدا تجاسرت ووقفت ثانية لنفسي وبها، حيث لا يجدي ولا يوجد أمل ولا بريق، وقفت مسنودا بلعنة “الثلايا” وبرباطة جأش من لا يملك ما يخسر، وأمام نفسي لا سواها، معلنا هزيمتي واستسلامي، غير مكترث ولا مهتم بالمصائر والمآلات واحتمالات النجاة أو الهلاك، وتلك هزيمة لا تخلو من شرف وبطولة وملاذ وطمأنة، وصل إليها المقالح حين أعلن اليأس وذهب في الهزيمة حد الهدوء حين قال ومضى:

“حاولتُ ألاَّ أرتدي

يأسي

وأبدو مطمئناً

بين أعدائي وصحبي

لكنني لما رحلتُ

إلى دواخلهم

عرفتُ بأنهم مثلي

وأن اليأس ينهشُ

كل قلبِ

أعلنتُ يأسي للجميع

وقلتُ إني لن اخبـي.

هذا زمان للتعاسة ِ

والكآبةْ .

لم يترك الشيطانُ فيهِ

مساحةً للضوء

أو وقتاً لتذكار المحبةِ

والصبابةْ .

أيامهُ مغبرّةٌ

وسماؤُه مغبرّةٌ

ورياحهُ السوداء

تعصف بالرؤؤس العاليات

وتزدري التاريخ

تهزء بالكتابةْ .

• * *

أنا ليس لي وطنٌ

أفاخر باسمهِ

وأقول حين أراه:

فليحيا الوطنْ .

وطني هو الكلماتُ

والذكرى

وبعضٌ من مرارات الشجنْ

باعوه للمستثمرين وللصوص

وللحروبِ

ومشت على أشلائهِ

زمرُ المناصب والمذاهب

والفتن”

وأنا أيضا؛ أعلنت يأس الشاعر:

وفي الغياب لقلبي رغم سرعتهِ

لقيت من نكد الأحباب ترويحا

والروح تأنس بالفرقى إذا تركتْ

فرقى الأحبة في أجسادنا روحا

وقد أقلت ضميري من مهمَّتهِ

أقلتهُ محبطاً مثلي ومذبوحا

هذا الزمان قليلٌ كيف أدخلهُ

أنا الكثير وداعاتٍ وتلويحا

أغلقت بابي على نفسي وقلت لهُ

أضعت يا باب أوهامي المفاتيحا

 

 

 

 

 

 

 

 

مقالات مشابهة

  • أعلنت الاستسلام
  • «أمهات مصر» يرصد أول أيام امتحانات الشهادة الإعدادية: سهولة العربي بأغلب المحافظات
  • بعد انتهاء معرض الكتاب بالرباط.. جدل ثقافي وزخم فكري
  • الشرع يزور الكويت في سابع وجهة عربية منذ توليه الرئاسة السورية
  • شركات عربية وأجنبية تؤكد أهمية معرض “بيلدكس” كنافذة تسويقية وبوابة للدخول إلى السوق السورية
  • هيئة الكتاب تصدر إصدارا جديدًا عن الإدارة الاستراتيجية لـ بهاء الدين سعد
  • العقل المحاصر.. رحلة في دهاليز التفكير العربي المقيّد.. قراءة في كتاب
  • بيت الشعر العربي يستعيد طاهر أبو فاشا ويحتفي بشعراء دمياط في أمسية خاصة
  • الدكتوراه بامتياز للباحث إبراهيم زايد من جامعة صنعاء
  • أبرزهم أحمد فهمي وفتحي عبد الوهاب.. نجوم الفن يؤازرون إياد صالح في عزاء والده «صور»