"إلى حين توفر الظروف الآمنة"، بهذه العبارة أعلن برنامج الغذاء العالمي، في تغريدة على حسابه الرسمي في منصة "إكس" يوم الثلاثاء الموافق 20 فبراير/ شباط 2024، وقف إدخال المساعدات الإنسانية إلى شمال قطاع غزة المحاصر، بعد 3 أيام فقط من استئناف محاولات إدخالها.

وسبق ذلك انقطاع كامل لكل أنواع المساعدات لمدة 3 أسابيع بعد قصف جيش الاحتلال الإسرائيلي شاحنة مساعدات على الطريق الساحلي جنوب غرب مدينة غزة، قبل دخولها للمنطقة المحاصرة.

يتقاطع تصريح برنامج الغذاء العالمي، مع تصريحات في اليوم نفسه لليونيسف قالت فيها إن الموت يتهدد 600 ألف طفل في رفح جنوب قطاع غزة، يعيشون دون غذاء أو دواء وفي ظروف بالغة الخطورة في مخيمات المدينة.

ما بين الشمال والجنوب، ترتسم ملامح قاتمة السواد، لمصير مئات آلاف الذين يتهددهم خطر المجاعة، ويعصرهم الجوع وانعدام الإمدادات الغذائية في قطاع غزة، الذي يتعرض للعدوان الإسرائيلي منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

كيف بدأت المجاعة؟ بعد 48 ساعة من بدء العدوان الإسرائيلي على غزة أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، قراره بمنع دخول "الغذاء والماء والوقود إلى القطاع"، ليشكل هذا القرار اللحظة الفعلية التي بدأ فيها الاحتلال فرض حصاره التجويعي على قطاع غزة. أغلقت إسرائيل جميع المعابر مع قطاع غزة الذي كان يدخله يوميا 600 شاحنة عبر معبر كرم أبو سالم، وظلت المساعدات الإنسانية التي تدفقت إلى مطار العريش المصري محتجزة لـ 15 يوما كاملة، قبل التوصل إلى اتفاق أميركي مصري إسرائيلي لإدخالها بكميات لا تلبي 1٪ من احتياجات القطاع في الوضع الطبيعي. بدأ الجيش الإسرائيلي اجتياحه البري لشمال قطاع غزة في 31 أكتوبر/تشرين الأول 2023، بعد أيام من السماح بالدخول المقنّن للمساعدات، واقتصارها على خان يونس جنوبي قطاع غزة. بدأ الاحتلال بفصل محافظات غزة وشمال غزة عن المحافظة الوسطى عبر قطع شارع صلاح الدين، والتقدم باتجاه شارع الرشيد الساحلي غربا لإطباق الحصار على مدينة غزة ومدن شمال القطاع، التي واجهت تقدما بريا مماثلا. سارعت المنظمات الدولية للانسحاب من شمال قطاع غزة، وتركت أكثر من مليون مواطن تحت سطوة آلة الحرب الإسرائيلية. بدأت المواد الغذائية بالنفاد التدريجي مع محاصرة الشمال من أركانه الأربعة، واستمرار منع دخول أي نوع من المساعدات إليه، والتدمير الممنهج للأحياء السكنية والأسواق والمتاجر والمخابز، وواجه المواطنون صعوبات جمّة في تعويض ما ينقص من إمدادات.

في الأسابيع الأولى، استنفد شمال القطاع مخزون بيوته ومحاله التجارية من المواد الغذائية، ولجأ المواطنون إلى البحث في البيوت المدمرة أو الخالية من السكان عن المعلبات أو المجمدات، ويروي بعض السكان كيف أنهم اضطروا إلى خلع أبواب المحال التجارية التي هجرها أصحابها بحثا عما يسدّ جوعهم وأفراد أسرهم، بعد نفاد مخزون الطعام لديهم.

بدأت ملامح المجاعة تظهر على من تبقى من سكان شمال القطاع مع الإصرار الإسرائيلي على منع دخول أي مساعدات غذائية، في ظل موجات من القصف الجوي العنيف، ومواجهات برية شرسة مع المقاومة.

في جنوب قطاع غزة، والمنطقة الوسطى، ظلت الأمور المعيشية أفضل نسبيا من الشمال، مع دخول أعداد محدودة من شاحنات المساعدات، لكن تقاطر مئات آلاف النازحين من شمال القطاع، شكل ضغطا على مخزون هذه المناطق من المواد الغذائية، ورفع الحاجة إلى كميات أكبر من المساعدات الإنسانية التي ظلت على حالها.

القطاع صار قطاعين

مطلع ديسمبر/كانون الأول الماضي، أطلق الاحتلال عمليته البرية لاجتياح مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، مما تسبب بتهجير مئات الآلاف من سكانها نحو مدينة رفح بالدرجة الأولى، ومناطق المخيمات الوسطى بأعداد أقل، وتحول قطاع غزة إلى 3 كتل سكانية؛ هي: رفح والوسطى والشمال.

وبعد مرور 3 شهور كاملة على العدوان، استمر فصل شمال القطاع عن وسطه وجنوبه، ومع وصول المعارك إلى قلب مدينة خان يونس، استمر اتصال رفح بالمنطقة الوسطى عبر الطريق الساحلي، الذي كان عُرضة للغارات والقصف برا وبحرا وجوا.

ولا يزال شمال قطاع غزة تحت الحصار المطبق، يقطنه وفق التقديرات المتباينة قرابة 700 ألف مواطن، حُرموا تماما من أي دعم غذائي أو وصول للمساعدات الإنسانية، التي قُطعت تماما وفق بيان برنامج الغذاء العالمي كما أسلفنا.

أما في جنوب قطاع غزة، يستمر دخول شاحنات المساعدات الإنسانية بشكل متقطع، مما يسهم في توفير المعلبات والدقيق بكميات لا تلبي احتياج أكثر من مليون مواطن يقطنون رفح والمحافظة الوسطى.

مصائد قنص في الشمال

جاءت تصريحات المقرر الأممي المعنيّ بالحق في الغذاء، مايكل فخري، الذي اتهم إسرائيل "باستخدام الجوع سلاحا لإيذاء وقتل المدنيين في غزة"، لتؤكد ما جاء في تقرير لمنظمة "هيومن رايتس ووتش" في ديسمبر/كانون الأول الماضي قالت فيه إن الحكومة الإسرائيلية "تستخدم تجويع المدنيين أسلوبا للحرب في قطاع غزة، مما يشكل جريمة حرب".

وجاء التقرير في حينه ليشكل إثباتا حقوقيا على نمط الحصار الجديد الذي بدأت "إسرائيل" بفرضه على قطاع غزة، ويلاحظ المتابع استمرار المجاعة وتفاقمها في الشمال، حيث يعتمد الاحتلال إجراءت جديدة منها:

 إغلاق المسارات المؤدية إلى جنوب قطاع غزة، وفرض حصار مطبق على سكان الشمال، ومنعهم من التحرك جنوبا. لم يعُد جيش الاحتلال معنيا بتهجير سكان الشمال إلى الجنوب، بقدر ما أصبح يفرض إبادة صامتة بالتجويع، وإيصال من تبقى شمالا إلى مرحلة الهلاك جوعا، كأسلوب انتقام واضح. اتخذ الحصار على شمال قطاع غزة نمطا جديدا لم يقتصر على منع دخول المساعدات الإنسانية، بل تعداه إلى تحويل العدد القليل من الشاحنات التي يُسمح لها بالوصول إلى مصائد قنص واغتيال للمواطنين، الذين كانوا يتجمعون في انتظار وصول الشاحنات والحصول على المعونات. لجأ الاحتلال إلى استهداف شاحنات المساعدات ذاتها وقصفها وهي في طريقها إلى الشمال المحاصر، مما أسفر عن صدور قرارات بوقف إرسال المساعدات إلى الشمال، كما أعلن برنامج الغذاء العالمي.

ووثّقت عدسات الصحفيين في مدينة غزة، عشرات المقاطع المصورة، التي تظهر استهداف المواطنين بإطلاق النار من الدبابات وطائرات "كواد كابتر" المسيّرة، وحتى الزوارق البحرية، مما أسفر عن سقوط شهداء وجرحى من أجل الحصول على كيس طحين أو صندوق من المعلبات الغذائية.

تكتيكات التجويع في الجنوب

وفي وسط وجنوبي القطاع، اتخذت تكتيكات الحصار الإسرائيلي أنماطا جديدة؛ منها:

اتفاقية إدخال المساعدات الأولى عبر معبر رفح بين مصر وقطاع غزة، بعد تفتيشها في معبر العوجا "نيتسانا" الحدودي بين مصر وإسرائيل، التي أسفرت عن دخول كميات محدودة من المساعدات شكلّت نسبة ضئيلة من احتياجات القطاع. جرى اتفاق جديد في ديسمبر/كانون الأول الماضي لإدخال المساعدات إلى قطاع غزة عبر كرم أبو سالم، بعد دخولها من مصر إلى إسرائيل عبر معبر العوجا، وهي الخطوة التي قالت الأمم المتحدة إنها تهدف لتسريع وتيرة دخول المساعدات إلى القطاع، وزيادة كمياتها عبر ضم المساعدات القادمة من الأردن للاتفاقية، لكنها لم تحقق أي فرق يُذكر؛ بل منحت الاحتلال سلطة التحكم المطلق بدخول المساعدات إلى جنوب القطاع. تواطؤ السلطات الإسرائيلية بشكل كامل في منع دخول المساعدات مطلقا إلى قطاع غزة، عبر السماح للمستوطنين في فبراير/شباط الجاري بالتظاهر أمام الطرق المؤدية إلى معبري كرم أبو سالم والعوجا "نيتسانا"، ومنع مرور الشاحنات وقطع طريقها.

لجأ سكان شمال القطاع إلى البحث المضني عن أي طعام يمكن تناوله، ووصل بهم الحال إلى طحن علف المواشي والدواجن لتناوله، والبحث في الأراضي الزراعية عما تنبته الأرض من ورقيات.

وفي جنوب ووسط قطاع غزة يواجه السكان مشقة بالغة في توفير المواد الغذائية، نتيجة لشح المواد الغذائية وارتفاع أسعار المتوفر منها، في ظل أوضاع معيشية واقتصادية بالغة السوء.

وفي حين تمضي "إسرائيل" في استخدام الجوع كسلاح حربي ضد أهل غزة، بدأت أعداد الوفيات بالارتفاع نتيجة حالات الجفاف أو سوء التغذية، وانتشار واسع للأمراض المِعَوية؛ نتيجة شرب المياه الملوثة وغيرها.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: برنامج الغذاء العالمی المساعدات الإنسانیة المواد الغذائیة دخول المساعدات المساعدات إلى شمال قطاع غزة جنوب قطاع غزة الأول الماضی شمال القطاع منع دخول

إقرأ أيضاً:

نيران الاحتلال تحصد أرواح الفلسطينيين.. نزيف غزة يتواصل قرب «المساعدات»

البلاد ـ غزة
في مشهد يتكرر منذ أسابيع، تحوّل انتظار المساعدات في غزة إلى مأساة جديدة، بعدما فتح الجيش الإسرائيلي نيرانه فجر أمس (الأربعاء) على تجمعات من المدنيين قرب حاجز نتساريم، ما أسفر عن مقتل 25 فلسطينياً على الأقل، وإصابة نحو 90 آخرين، وفق مصادر طبية.
الهجوم الذي وقع بينما كان مئات المواطنين يحاولون الوصول إلى مركز توزيع المساعدات، أعاد إلى الواجهة الانتقادات المتزايدة للآلية الحالية لإيصال الدعم الإنساني، والتي تُدار بشكل مشترك بين جهات أميركية وإسرائيلية، عبر ما يُعرف بـ”مؤسسة غزة الإنسانية”.
وأكد شهود عيان، أن الطواقم الطبية لم تتمكن من الوصول إلى بعض المصابين نتيجة كثافة إطلاق النار، ما أثار موجة استنكار جديدة من منظمات الإغاثة الدولية التي وصفت الوضع بأنه “كارثي وغير مقبول”، واعتبرت أن استمرار سقوط الضحايا خلال محاولات الحصول على الطعام “يشكل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي الإنساني”.
وفي تطورات ميدانية أخرى، واصل الجيش الإسرائيلي قصفه المكثف على مناطق عدة في القطاع، أبرزها النصيرات وخان يونس، حيث استهدفت غارات خيام نازحين في منطقة المواصي، ما أسفر عن مقتل أربعة مدنيين. كما قصفت البوارج الإسرائيلية السواحل الغربية للقطاع، ضمن حملة عسكرية مستمرة منذ نحو تسعة أشهر.
تأتي هذه التطورات وسط حديث متصاعد عن “انفراجة محتملة” في مسار المفاوضات غير المباشرة بين إسرائيل وحركة حماس، حيث كشفت القناة 13 العبرية أن تل أبيب وافقت مبدئياً على مقترح أميركي جديد لوقف إطلاق النار، يتضمن إطلاق سراح رهائن إسرائيليين محتجزين في غزة على مراحل، مقابل هدنة تدريجية تمتد لـ60 يوماً.
وبحسب ما نقلته صحيفة جيروزالم بوست، فإن حركة حماس تدرس حالياً الرد على المقترح، الذي يشمل أيضاً مفاوضات سياسية موازية للتوصل إلى تسوية دائمة، بضمانات مباشرة من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ومبعوثه الخاص ستيف ويتكوف.
يقضي المقترح، وفق تسريبات إعلامية، بالإفراج عن 10 رهائن أحياء على مرحلتين، مع التزام الطرفين بوقف شامل لإطلاق النار طيلة فترة التنفيذ، ثم الدخول في مفاوضات حول بقية الملفات العالقة، بما في ذلك تبادل رفات القتلى والانسحاب من بعض المناطق.
ويبدو أن الصفقة تحظى بدفع دولي قوي، خاصة من الولايات المتحدة، إضافة إلى دور متجدد للوساطتين القطرية والمصرية. في المقابل، لم تصدر حركة حماس حتى الآن بياناً رسمياً بشأن المقترح، رغم تأكيد مصادر مطلعة أنها تعد رداً محدثاً قد يفضي إلى “تطور إيجابي” في الأيام القليلة المقبلة.
في غضون ذلك، يتواصل تدهور الوضع الإنساني في قطاع غزة، حيث يعيش أكثر من مليوني فلسطيني تحت الحصار وسط نقص حاد في الغذاء والدواء، وانهيار واسع للبنية التحتية الصحية والخدمية.
وقال مسؤول في الأمم المتحدة: “لا يمكن الاستمرار في استخدام المساعدات الإنسانية كورقة ضغط عسكرية أو سياسية. ما يحدث في غزة الآن قد يشكّل وصمة عار في التاريخ الحديث”.
ومع اقتراب الحرب من شهرها التاسع، يبقى الأمل معلقاً على نجاح المبادرات الدولية في وقف النزيف، وفتح أفق حقيقي لحل جذري يُنهي معاناة المدنيين ويعيد للمنطقة شيئاً من التوازن والاستقرار.

مقالات مشابهة

  • إصابة جنديين إسرائيليين بجروح خطيرة في اشتباكات مع المقاومة شمال غزة
  • أكثر من 20 شهيدا في غزة معظمهم سقطوا من منتظري المساعدات
  • تنديد أممي بفشل مؤسسة غزة الإنسانية واتهام للاحتلال بعسكرة المساعدات
  • مجازر صهيونية مستمرة : 52 شهيدًا بينهم 32 من منتظري المساعدات في غزة والاحتلال يقطع الانترنت والاتصالات عن سكان القطاع
  • مقتل 29 فلسطينياً في هجمات إسرائيلية بينهم21 كانوا ينتظرون قرب مركز مساعدات
  • نيران الاحتلال تحصد أرواح الفلسطينيين.. نزيف غزة يتواصل قرب «المساعدات»
  • إسرائيل تواصل استهداف المجوَعين في قطاع غزة
  • اليوم الـ86 لاستئناف العدوان على غزة .. عشرات الشهداء والجرحى الفلسطينيين
  • استشهاد 7 فلسطينيين في قصف للاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة
  • الأونروا: نظام توزيع المساعدات في غزة «مصائد موت» لإبادة الفلسطينيين