العدوان الإسرائيلي على إيران.. واللعب بالنار
تاريخ النشر: 13th, June 2025 GMT
استهدف العدوان الإسرائيلي الذي شَنَّه على إيران قبيل فجر يوم الجمعة (13 حزيران/ يونيو 2025) ثلاثة مستويات:
الأول: منظومة القيادة والسيطرة العسكرية المتمثلة في قيادات الجيش والحرس الثوري.
والثاني: البنية الأساسية للبرنامج النووي الإيراني وخصوصا المحطات والمفاعلات النووية، وقواعد إطلاق الصواريخ والمسيرات.
والثالث: المستوى النوعي المتمثل في علماء الذرة الكبار القائمين على المشروع النووي الإيراني. وبالتالي، فإن هذا الاستهداف، الذي تم حتى كتابة هذه السطور على مدى خمس موجات، حاول توجيه ضربة استباقية قاسية للبرنامج النووي، وإرباك منظومة القيادة والتحكّم، وتعطيل ما يمكن تعطيله من قدرات الردع الإيراني في الرد على الهجوم الإسرائيلي. ومع تأكد اغتيال رئيس أركان الجيش الإيراني ورئيس الحرس الثوري، وعدد من قيادات الصف الأول في الجيش والحرس، بالإضافة إلى عدد من علماء الذرة، وتحقيق دمار مباشر في المفاعلات النووية المستهدفة؛ فإن العدو الإسرائيلي أخذ يحتفي بإنجازه؛ في الوقت الذي سادت فيه حالة ترقُّب حول الرد الإيراني. ونحن إذ نكتب هذا المقال بعد ساعات من الهجوم، فإنه لا يعدو قراءة أولية للعدوان.
ليست الخيارات سهلة أمام إيران، فالرد "المحسوب" قد يصب في إدخال المنطقة في بيئة الهيمنة الإسرائيلية وتغوّلها، أما الرد القوي المكافئ، فتنفيذه ليس سهلا، وهو محفوف بمخاطر انضمام الولايات المتحدة للحرب، حيث وعد ترامب بالدفاع عن "إسرائيل" إن لزم الأمر، وبمخاطر توسيع الحرب إلى حرب إقليمية
نتنياهو الذي سمى هذا العدوان "الأسد الصاعد" رأى فيه لحظة حاسمة في تاريخ الصراع لدى الكيان، وعملا ضروريا في مواجهة التهديد "الوجودي" الذي يمثله البرنامج النووي الإيراني، وفي ضمان أمن الكيان. وقد حصل نتنياهو على موافقة مجلس الوزراء المصغر على الهجوم بالإجماع. وبررت مصادر إسرائيلية الهجوم بأن الاستخبارات الإسرائيلية رصدت في الأشهر الماضية تسارعا إيرانيا باتجاه استكمال متطلبات السلاح النووي، وأن إيران اقتربت من نقطة "اللاعودة" في برنامجها، كما أشارت تقارير للمفتشين الدوليين إلى أن إيران لديها ما يكفي لإنتاج 9 قنابل نووية، وهو ما أشار إليه نتنياهو في خطابه.
ويتسق العدوان الإسرائيلي مع الرؤية الأمنية المستقبلية التي يسعى نتنياهو لتثبيتها، وهي لا تقتصر على استعادة صورة الردع الإسرائيلي التي فقدتها في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023؛ بل تمتد لتوسيع دائرة الهيمنة الأمنية في البيئة الاستراتيجية المحيطة، وبطريقة مكشوفة ووقحة ودموية، وهو ما أعلن عنه نتنياهو في ذكرى مرور عام على معركة طوفان الأقصى (7 تشرين الأول/ أكتوبر 2024)، بدعوى ضمان أمن "إسرائيل" ومستقبل الأجيال الصهيونية. وهي السياسة التي يمارسها هذه الأيام في لبنان وفي سوريا.
الأمريكان.. تضليل وتوزيع أدوار:
من الواضح أن الأمريكان لعبوا دورا مهما في تنفيذ العدوان الإسرائيلي وإنجاحه، فما كان للطائرات الإسرائيلية أن تنفذ عدوانها في العمق الإيراني دون دعم لوجيستي أمريكي، خصوصا في استخدام المجال الجوي العراقي، وفي عمليات التزود الجوي بالوقود.
وقد سبق الهجوم تسريبات لوسائل إعلام أمريكية عن احتمالات الهجوم الإسرائيلي، فنقلت وول ستريت جورنال عن مسؤول إسرائيلي قوله إن الكيان قد يهاجم إيران يوم الأحد (15 حزيران/ يونيو) إذا لم توافق على المقترحات الأمريكية، كما تحدثت نيويورك تايمز عن تصاعد المؤشرات على هجوم إسرائيلي. وصار الأمر أكثر وضوحا مع إجراءات السلامة التي اتخذها الأمريكان، بما في ذلك إجلاء عدد من رعاياهم من المنطقة.
وكشفت وسائل الإعلام الإسرائيلية أن الأمريكان كانوا على علم مسبقٍ بالهجوم قبل وقت كاف، وأن "إسرائيل" تُنسّق تنسيقا كاملا مع الولايات المتحدة. غير أنه على ما يبدو فإن الولايات المتحدة مارست تضليلا متعمدا بتثبيت الجلسة التفاوضية السادسة يوم الأحد (15 حزيران/ يونيو)، مع تكرار الإشارات والتسريبات من الرئيس ترامب في الرغبة في المضي في المفاوضات وإنجاحها.
الرد الإيراني:
ثمة سيناريوهان محتملان للرد الإيراني، الأول: "الرد المحسوب" على منوال الردود السابقة من خلال إطلاق مئات الصواريخ والطائرات المسيّرة على أهداف محددة في الكيان الإسرائيلي. وهو ردٌّ أعد الاحتلال الإسرائيلي له عدته، واحتاط له، بحيث يمكن استيعابه وامتصاصه وإضعاف تأثيره، وبحيث لا يشكل فارقا نوعيا رادعا، خصوصا مع افتقاره لعنصر المفاجأة. وهو ما يجعل الطرف الإسرائيلي يظهر كـ"منتصر" في المواجهة، وبما يغريه أكثر لاستباحة الأمن القومي الإيراني كما يحدث في سوريا ولبنان، ويُضعف مكانة إيران الإقليمية في المنطقة.
نتنياهو في الحقيقة "يلعب بالنار"، فما يفعله لا يعني بالضرورة توسيع دائرة الردع؛ وإنما توسيع دائرة السخط والعداء والصراع في البيئة الاستراتيجية، وتعطيل مسارات التسوية والتطبيع، وكشف الوجه القبيح للاحتلال الصهيوني، وتسريع قدوم "ربيع عربي جديد"؛ بما يزيد من المخاطر الوجودية على الكيان
الثاني: "الرد المُكافئ"، بحيث تنجح إيران في توجيه ضربات قاسية ونوعية للجانب الإسرائيلي في قيادته، وفي بنيته التحتية العسكرية والنووية. وهو ما قد يوقف الغرور والعجرفة الإسرائيلية ويضع لها حدا، ويجبرها على الانكفاء، بينما يثبت إيران كقوة إقليمية وازنة لا يمكن تجاوزها.
وبالتأكيد، فليست الخيارات سهلة أمام إيران، فالرد "المحسوب" قد يصب في إدخال المنطقة في بيئة الهيمنة الإسرائيلية وتغوّلها، أما الرد القوي المكافئ، فتنفيذه ليس سهلا، وهو محفوف بمخاطر انضمام الولايات المتحدة للحرب، حيث وعد ترامب بالدفاع عن "إسرائيل" إن لزم الأمر، وبمخاطر توسيع الحرب إلى حرب إقليمية. ولذلك، فمن المتوقع أن تسعى إيران لرد متوازن يحفظ لها مكانتها وهيبتها، ولكن دون أن تنجر لحرب إقليمية. وقد تتابع التفاوض مع أمريكا على ملفها النووي بغض النظر عن طبيعة ردها، كما قد تحسم خياراتها بالدخول إلى النادي النووي إن وجدت نفسها أو نظامها السياسي في "معركة وجودية".
* * *
ربما سعى نتنياهو من خلال العدوان على إيران إلى الهروب للأمام برفع رصيده الشعبي والحفاظ على استمراره في الحكم وعلى تحالفه الحاكم، ولعله سعى أيضا لتقديم صورة إنجاز في ضوء الفشل في سحق المقاومة في غزة وفي تحرير الأسرى الصهاينة، مع غرقه في مستنقع المجازر والدماء والتوحّش والتجويع، والصورة البشعة للاحتلال في القطاع التي جرّت عليه سخط العالم.
لكن نتنياهو في الحقيقة "يلعب بالنار"، فما يفعله لا يعني بالضرورة توسيع دائرة الردع؛ وإنما توسيع دائرة السخط والعداء والصراع في البيئة الاستراتيجية، وتعطيل مسارات التسوية والتطبيع، وكشف الوجه القبيح للاحتلال الصهيوني، وتسريع قدوم "ربيع عربي جديد"؛ بما يزيد من المخاطر الوجودية على الكيان. وما لا يدركه نتنياهو هو أن أيديولوجية "ما لا يتحقّق بالقوة، يمكن أن يتحقق بمزيد من القوة" التي يتبناها، قد تنجح في أماكن أخرى، لكنها لن تنجح مع أبناء هذه المنطقة العربية والإسلامية، العريقة في حضارتها وتاريخها وتراثها، والتي لا تزيدها التحديات إلا إيمانا وإصرارا، بل وتَصبُّ في مشاريع الإصلاح والتغيير والثورة على الواقع البائس.
x.com/mohsenmsaleh1
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه الإسرائيلي إيران النووي نتنياهو إيران إسرائيل نتنياهو النووي الاسد الصاعد مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد صحافة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة العدوان الإسرائیلی الولایات المتحدة توسیع دائرة نتنیاهو فی وهو ما
إقرأ أيضاً:
العربي للدراسات: إيران زعزعت استقرار إسرائيل والرد كان مفاجئًا وموجعًا
قال الدكتور محمد صادق إسماعيل، مدير المركز العربي للدراسات السياسية، إن الرد الإيراني على الهجوم الإسرائيلي الأخير كان «مفاجئًا وموجعًا»، ونجح في زعزعة الاستقرار داخل إسرائيل بشكل غير مسبوق.
وأوضح إسماعيل في مداخلة مع الإعلامية جاكلين ماهر، على قناة «إكسترا نيوز»، أن إيران، رغم تأخرها النسبي في الرد، تعاملت مع الهجوم الإسرائيلي الذي وقع الجمعة الماضية بهدوء وتخطيط، واستهدفت بنكًا واسعًا من الأهداف شمل منشآت عسكرية ومدنية ومرافق حيوية.
وأشار إلى أن الرد الإيراني خلق حالة من الإرباك داخل إسرائيل، حيث لم يعد هناك «مكان آمن»، لافتًا إلى تصريحات زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد، الذي أكد أن الهجوم الإيراني كشف هشاشة المنظومة الأمنية في إسرائيل.
وأكد إسماعيل أن إيران أوصلت رسالة واضحة، مفادها أن أي استهداف لبرنامجها النووي سيقابله رد مماثل يستهدف مفاعل «ديمونة» الإسرائيلي، مضيفًا أن المشهد بات أشبه بـ «الند للند»، فلا طرف غالب ولا طرف مغلوب.
وأضاف أن إيران نجحت في إرباك الحياة العامة داخل إسرائيل، حيث توقفت معظم الخدمات الحيوية، وتحدثت تقارير إسرائيلية عن خروج أكثر من 100 ألف شخص من البلاد خلال أسبوع واحد فقط، نتيجة تصاعد التوترات.
وفيما يتعلق بوصف ما يحدث بين الجانبين، قال إسماعيل: «رغم أن العمليات العسكرية بين إيران وإسرائيل اتسعت، إلا أن توصيفها بالحرب الشاملة لا يزال غير دقيق، ونشهد حتى الآن تبادل هجمات وليس نزاعًا مفتوحًا».