مقدمة الترجمة:

في مقاله بمجلة "ديفينس وان"، يسلط "سام سكوفه" الضوء على الطريقة التي تعيد بها حرب أوكرانيا تشكيل خارطة الصناعات الدفاعية لصالح الشركات الأصغر، مسلطا الضوء على نموذج شركة "غلوبال ميليتاري برودكتس (GMP)" التي حصلت على عقد كبير لتوليد الذخائر إلى أوكرانيا تفوقت فيه على عملاق الصناعة العسكرية "نورثروب غرومَّان" الذي حصل على حصة أقل من الصفقة.

 

نص الترجمة:

على مدار الأشهر الماضية، حارب الرئيس البلغاري "رومِن رادِف" -الموالي لروسيا- كي يَحُول دون انضمام بلاده إلى جهود الاتحاد الأوروبي لتصنيع القذائف المدفعية (155 ملم) من أجل المجهود الحربي في أوكرانيا، وقد بدا أن "رادِف" خسر تلك المعركة في يونيو/حزيران الماضي حين أعلن وزير الدفاع البلغاري أن بلاده العضوة في حلف الناتو "لا تستبعد" احتمالية أن تقوم الشركات المحلية بإنتاج الذخيرة الضرورية لأوكرانيا. ووفقا لما نصّت عليه العقود بين الجيش البلغاري والولايات المتحدة، فإن بلغاريا بدأت تزوِّد قذائف 155 ملم للأوكرانيين بالفعل منذ زمن بعيد، وهو جهد يتم عبر الولايات المتحدة، ومن المتوقَّع أن يُثمر بالفعل بدءا من العام المقبل.

 

إن هذا الاتفاق غير المُعلَن حتى الآن يُسلِّط الضوء على الكيفية التي دبَّرت بها الولايات المتحدة الذخيرة التي تحتاج إليها كييف، والكيفية التي توازن بها بلغاريا سياستها الخارجية، وكذلك الكيفية التي نجحت عن طريقها شركات صغيرة في تبوُّء الصدارة عوضا عن الشركات العملاقة في مجال الصناعة العسكرية نتيجة ضغوط الحرب الأوكرانية. إن الحاجة الأوكرانية الماسة والمتزايدة للقذائف جعل الحرب مرتكزة بالأساس للقذائف، حيث يُطلق الأوكرانيون حوالي 240 ألف قذيفة شهريا، أو ما يكافئ الإنتاج الشهري للولايات المتحدة 12 مرة. وقد أخذ الجهد الأميركي لتزويد مدافع أوكرانيا بما تحتاج إليه أشكالا عديدة، إلا أن أبرزها وأكبرها هو العقد الذي منحه الجيش الأميركي في يناير/كانون الثاني المنصرم لعملاق الصناعة العسكرية "نورثروب غرومَّان" والشركة الأصغر "غلوبال ميليتاري برودكتس GMP" بقيمة 522 مليون دولار، على أن تبدأ أولى الدفعات من الذخيرة في الوصول إلى كييف في مارس/آذار، وفقا لبيان من الجيش الأميركي.

 

شركة صغيرة تتصدر المشهد بإمكان العقد البالغة قيمته 402 مليون دولار أن يشتري 800 ألف قذيفة (155 ملم) بحيث تبلغ قيمة كل منها 500 دولار. (رويترز)

لقد نصّ الإعلان عن الاتفاق (والتعديل الذي أُعلِن عنه لاحقا) على تنافس الشركتين الموقِّعتين من أجل الطلبات الصغيرة للجهد الحربي الأوكراني (بحيث لا تتعدَّى القيمة الإجمالية 522 مليون دولار) حتى عام 2027، ولكن المعلومات المنشورة على قاعدة البيانات الفيدرالية لتدبير الذخائر تُظهِر أن نصيب الأسد من قيمة الصفقة (402 مليون دولار) خُصِّص بالفعل للشركة الصغرى "GMP"، وأن القذائف ستأتي من بلغاريا، وهو ما ينافي تصريحات السياسيين البلغاريين، لا سيّما الرئيس الموالي لروسيا الذي قال منذ 4 أشهر إن بلاده لن تشارك أبدا في تسليح أوكرانيا. بل حتى المسؤولون البلغاريون المتعاطفون مع أوكرانيا قد أوضحوا سابقا أن جيشهم المُسلَّح تسليحا سوفيتيا بالأساس لا يملك مخزونا من الذخيرة المُصمَّمة وفق معايير الناتو، قائلين إن بلادهم لا تملك سوى قدرات تصنيع تجريبية في هذا المجال. فبعد أن قرَّرت الحكومة البلغارية الجديدة الموالية لأوروبا والمُشكَّلة في يونيو/حزيران أن تعاكس موقف الرئيس "رادِف"، قال المسؤولون آسفين إن بلغاريا لن تستطيع المشاركة من فورها في خطة الاتحاد الأوروبي لإرسال مليون قذيفة (155 ملم) إلى كييف.

 

وقد صرَّح وزير الدفاع البلغاري "تودور تاغاريف" قائلا: "مع الأسف، حين تم الإعلان عن ذلك المشروع، لم نُبدِ جاهزية أو حماسا"، بيد أن وثائق العقود الأميركية تشي بأن هناك إمكانيات ضخمة لإنتاج القذائف المطلوبة في بلغاريا وفقا لما أدلى به خبراء عسكريون، حيث قال "جريج ساندرز"، نائب مدير وحدة المبادرات الدفاعية-الصناعية في مركز الدراسات الدولية والإستراتيجية (CSIS)، إن "التصنيع في بلغاريا هو التفسير الأقرب لما يجري"، واتفق آخرون منهم "ماثيو جورج"، باحث بارز بمعهد ستوكهولم لبحوث السلام الدولي، و"جيري ماكغين"، مسؤول التوظيف السابق بمكتب سياسات القاعدة الصناعية والتصنيع في وزارة الدفاع الأميركية.

 

بإمكان العقد البالغة قيمته 402 مليون دولار أن يشتري 800 ألف قذيفة (155 ملم) بحيث تبلغ قيمة كل منها 500 دولار، رغم أن "ماثيو جورج" حذَّر من أن الشحن والتغليف وغيرها من خدمات يمكن أن يرفع قيمة القذيفة إلى أكثر من ذلك. ولم تُعلِّق السفارة البلغارية في واشنطن على استفسارات موقع "ديفِنس وان"، لكن الصحافيين في الموقع تواصلوا مع شركتين كان المسؤولون البلغاريون قد أعلنوا عنهما لامتلاكهما القدرة التجريبية على إنتاج الذخيرة. الأولى "VMZ"، التي صرَّحت سابقا بأنها لا تملك تلك الإمكانيات، والثانية "ترانس موبايل"، التي لم ترد على رسائل الصحافيين الإلكترونية بخصوص نشاطاتها، وكذلك لم يرد "مارك موراليس" المدير التنفيذي لشركة "GMP". بيد أن شركتَي "VMZ" و"ترانس موبايل" تروِّجان لقذائف 155 ملم على الموقع الرسمي لكل منهما.

 

إعادة تشكيل الصناعة يأتي عقد شركة "GMP" لتوريد قذائف إلى كييف بعد جهد طويل بذلته الشركة لتوطيد صلاتها بالبلد الأكبر في شرق أوروبا. (غيتي)

يكشف اختيار الجيش الأميركي لشركة "GMP" كيف أعادت الحرب الأوكرانية تشكيل الصناعات الدفاعية، بحيث صارت الشركات الصغيرة الآن تجد لنفسها موطئ قدم في المنافسة مع الشركات الكبرى من أجل الفوز بالعقود الأميركية، بالتزامن مع تزايد الطلب العالمي على السلاح والذخيرة. وقد تأسست شركة "GMP" عام 2013 في ولاية فلوريدا، ولم تكن لاعبا أساسيا في سوق تصنيع القذائف المُصمَّمة لحلف الناتو، على عكس الشركة العملاقة "نورثروب غرومَّان" التي تتشارك عقد 30 يناير/كانون الثاني معها، وتُصنِّع بالفعل منذ زمن قذائف 155 ملم وما يلزمها من مُعدَّات. وقد بدأت شركة "GMP" نشاطاتها بشراء أسلحة سوفيتية الصنع من بلغاريا وغيرها من البلدان. وقد دفعت وزارة الدفاع الأميركية 34 مليون دولار سنويا للشركة بين عامي 2016 و2021، وفقا لموقع "USAspending" الحكومي الذي يرصد العقود التي تبرمها واشنطن.

 

بيد أن عائدات الشركة الأميركية من العقود المشابهة ارتفعت مؤخرا ارتفاعا كبيرا إلى 323 مليون دولار وفقا للموقع نفسه، ويبدو أن أغلب تلك الأموال مرتبطة بالحرب الأوكرانية، فعلاوة على الأموال المُخصَّصة للقذائف البلغارية، دفع الجيش الأميركي أيضا 118 مليون دولار لشركة "GMP" لإنتاج أنظمة "جِبارد" المضادة للطائرات. وقد أكّد مسؤول بوزارة الدفاع الأميركية أن الأنظمة مُموَّلة بالفعل عن طريق مبادرة الدعم الأمني لأوكرانيا التي أقرتها واشنطن، وهو ما يظهر في النُّسخ المؤرشفة من الإعلان الأصلي عن الصفقة. وقد وقَّعت الشركة عقدا آخر من أجل إنتاج القذائف بقيمة 232 مليون دولار، وهو عقد صُنِّف على أنه صفقة مع جهة عسكرية أجنبية، وليس واضحا بعد ما إن كانت تلك القذائف أيضا مُخصَّصة لأوكرانيا أم لا. هذا ويأتي عقد شركة "GMP" لتوريد قذائف إلى كييف بعد جهد طويل بذلته الشركة لتوطيد صلاتها بالبلد الأكبر في شرق أوروبا. فقبل الغزو الروسي بأشهر قليلة، كانت الشركة قد وقَّعت اتفاقا مع شركة "أوكروبورونبروم (Ukroboronprom)" الحكومية لتصنيع السلاح، وذلك من أجل توفير منتجات الجيش الأميركي لأوكرانيا.

 

يبدو أن الحرب عزَّزت من تلك الصلات، ففي يوليو/تموز 2022 تعاقدت الشركة مع "دِنيس فاناش"، السياسي الأوكراني السابق الذي بدأ العمل مؤخرا مستشارا لوزير الدفاع الأوكراني، وفقا للملف الشخصي الخاص به على موقع "لينكدإن". وعلى الأرجح أن صلات شركة "GMP" أعمق من ذلك، وتصل إلى رأس هرم القيادة في الجيش الأوكراني، ففي أول أبريل/نيسان 2022، وبعد وقت قصير من نجاح أوكرانيا في صد "الزحف الروسي" نحو كييف، نشرت صفحة الشركة على موقع "لينكدإن" لقطة من محادثة على تطبيق "واتساب" بين أحد موظفيها ورئيس الأركان الأوكراني "فاليري زالوجني".

 

وقد أشارت الشركة في المنشور إلى رئيسها التنفيذي "مارك مورالِس" و"ليوبوف تافزِل" مُنسقة التسويق، حيث وقفا مبتسمَين في الصورة المنقولة من المحادثة وكل منهما يرتدي قميصا عليه علم أوكرانيا ويحمل بندقية سوفيتية الصُّنع. وكتب "مورالِس"، الذي أرسل الصورة ابتداءً، تعليقا بالأحرف الروسية في أسفل الصورة، وردَّ عليه "زالوجني" برموز الإيموجي، واضعا أعلام أوكرانيا ورمز عضلة الذراع.

https://www.linkedin.com/feed/update/urn:li:activity:6915746909252988928

———————————————————————————-

هذا المقال مترجم عن Defense One ولا يعبر بالضرورة عن موقع ميدان.

ترجمة: ماجدة معروف.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الجیش الأمیرکی ملیون دولار إلى کییف من أجل

إقرأ أيضاً:

16 عقدًا استثماريًا في "البريمي الصناعية" بـ7.9 مليون ريال

 

 

 

البريمي- العُمانية

تمكّنت مدينة البريمي الصناعية، التابعة للمؤسسة العامة للمناطق الصناعية "مدائن"، خلال العام 2024 من توقيع 16 عقدًا استثماريًّا بإجمالي استثمارات بلغت نحو 7 ملايين و970 ألف ريال عماني، وذلك لإقامة مشاريع على مساحات تتجاوز 165 ألف متر مربع في قطاعات متنوعة مثل تصنيع زيوت السيارات، الورق والكرتون، الأغذية، المياه، ومستحضرات التجميل.

وقال سعيد بن عبدالله البلوشي مدير عام مدينة البريمي الصناعية، إن المدينة الصناعية سجلت أداءً متميزًا خلال عام 2024، حيث يتجاوز حجم الاستثمار التراكمي فيها حاليًّا 274 مليون ريال عماني، نتيجة الجهود المستمرة التي تقوم بها "مدائن" في تهيئة بيئة الأعمال التنافسية والجاذبة للمستثمرين، إلى جانب توفير فرص عمل، ودعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وتنويع الاقتصاد وتعزيز الاستدامة في النمو الصناعي بما يتماشى مع مرتكزات رؤية عُمان 2040.

وأشار البلوشي- في تصريح لوكالة الأنباء العُمانية- إلى أن مشروع ازدواجية طريق (محضة- البريمي)، الذي تعكف الجهات المختصة حاليًّا على تنفيذه بالتنسيق مع "مدائن"، يُعد من المشاريع الحيوية ذات الأهمية الاستراتيجية، كونه يمثل الشريان الرئيسي الذي يربط ولاية محضة بمحافظة البريمي. حيث سيتم ربط هذا الشارع بمدينة البريمي الصناعية (المرحلة الأولى والثانية)؛ الأمر الذي يوفر حلولاً مهمة في سبيل إيجاد المداخل والمخارج لكل مرحلة وربطها بالشارع المزدوج، وخاصة ربط المرحلتين وسهولة التنقل بينهما لخدمة المستثمرين وتوفير الوقت والجهد عليهم.

وأوضح سعيد البلوشي أن مدينة البريمي الصناعية وقَّعت خلال الأسبوع الماضي اتفاقية تعاون مشترك مع كلية البريمي الجامعية، وذلك بهدف تحقيق التكامل وتبادل الخبرات والموارد، وتنظيم الفعاليات والأنشطة العلمية والثقافية، وتدريب الطلبة والكوادر الوطنية وتأهيلهم في المجالات الصناعية والأكاديمية، ودعم المشاريع البحثية وبرامج الابتكار.

يُشار إلى أن مساحة مدينة البريمي الصناعية تبلغ 14 مليونًا و414 ألفًا و294 مترًا مربعًا، وتم تطوير 4 ملايين و247 ألفًا و99 مترًا مربعًا منها. وتتوزع المدينة على مرحلتين منفصلتين جغرافيًا، وتتمتع بموقع جغرافي استراتيجي على حدود سلطنة عُمان مع دولة الإمارات العربية المتحدة، مما يتيح للشركات سهولة الوصول إلى أسواق دول مجلس التعاون الخليجي، وخاصة السوق الإماراتي. وهذا الموقع يمنح المدينة ميزة تنافسية من خلال سهولة الحركة اللوجستية والتجارة عبر الحدود، والقرب من الطرق السريعة الرئيسة التي تربطها بالموانئ العُمانية الكبرى مثل ميناء صحار. لا سيما أن مدينة البريمي الصناعية تحتضن مجموعة واسعة من القطاعات، منها قطاع الصناعات الغذائية، وقطاع الصناعات التحويلية، بالإضافة إلى قطاع الخدمات اللوجستية والتخزين، وقطاع الصناعات الكيماوية والبلاستيكية.

مقالات مشابهة

  • السوداني:تبرعنا إلى لبنان (20) مليون دولار رغم الأزمة المالية التي يمر بها العراق
  • المجموعة الوزارية لريادة الأعمال: الشركات الناشئة في مصر تستقطب 228 مليون دولار تمويلات من يناير إلى مايو 2025
  • بـ228 مليون دولار تمويلات.. مصر تحقق قفزة في استثمارات الشركات الناشئة خلال 2025
  • مسؤولون لـ"الرؤية": إجراءات مُحكمة لمنع الاحتكار.. والاندماجات تُعيد تشكيل الأسواق
  • ارتفاع عدد الشركات المدرجة في بورصات الصين إلى 5420 شركة
  • 16 عقدًا استثماريًا في "البريمي الصناعية" بـ7.9 مليون ريال
  • عاجل| 665 مليون دولار.. أوكرانيا تعلن عدم السداد
  • ميتا تدخل رسمياً مجال الصناعات العسكرية
  • إنجاز تاريخي للصناعات الدفاعية التركية.. أسلسان تتفوّق عالميًا!
  • الساعة التي أنقذت حياة حاج.. تدخل طبي سعودي دقيق في قلب مكة